"الإقامة الجبرية".. سلاح الحوثيين في مواجهة خصوم الداخل
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
(عدن الغد)متابعات:
حالة من التخوف الأمني تعيشه جماعة الحوثيين في اليمن منذ انقلابها في 21 سبتمبر/أيلول 2014، جعلتها تفرض سلاح "الإقامة الجبرية" على خصومها، وعلى الخصوم المحتملين أيضاً، من السياسيين وقادة الأحزاب والبرلمانيين، والذين تتخوف الجماعة من قيامهم بمغادرة مناطق سيطرتها والالتحاق بالشرعية المعترف بها دولياً والتي تتخذ من مدينة عدن، جنوب اليمن، عاصمة لها.
وتفرض جماعة الحوثيين الإقامة الجبرية على 30 برلمانياً، هم من تبقى من البرلمانيين المتواجدين في صنعاء، بالإضافة إلى بعض القيادات الحزبية، وتمنعهم من مغادرة العاصمة اليمنية، حيث تضعهم تحت رقابة أمنية مشددة.
"العربي الجديد" تواصلت مع أحد البرلمانيين المتواجدين في صنعاء للاستفسار عن حالة الإقامة الجبرية المفروضة على البرلمانيين، ليكتفي بالرد بأربع كلمات: "تلفوني ليس لي وحدي".
وتزايدت عملية فرض الإقامة الجبرية على الشخصيات السياسية والبرلمانيين بعد فضّ التحالف بين جماعة الحوثيين والرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في ديسمبر/كانون الأول 2017، خصوصاً بعد نجاح عدد من قيادات حزب "المؤتمر الشعبي العام" وأعضاء كتلته البرلمانية في مغادرة صنعاء، والانضمام إلى الشرعية، وترجيح كفة الشرعية من خلال منح برلمانها النصاب اللازم للانعقاد.
تفرض جماعة الحوثيين الإقامة الجبرية على 30 برلمانياً، هم من تبقى من البرلمانيين المتواجدين في صنعاء
فعلى الرغم من أن قيادات "المؤتمر" في صنعاء، وتحت الإكراه، تعلن دائماً دعمها لسياسات الحوثيين في مواجهة الشرعية و"التحالف العربي"، إلا أن الحوثيين يتعاملون مع أعضاء حزب "المؤتمر" كخصوم محتملين، ويفرضون على قيادات هذا الحزب الإقامة الجبرية، كما يتم إجبارهم على اتخاذ مواقف مخالفة لمواقف "المؤتمر الشعبي العام" داخل الشرعية.
ويزداد التوجس الحوثي من القيادات المؤتمرية داخل صنعاء مع التصعيد في الخطاب الإعلامي من قبل بعض قيادات المؤتمر، وآخرها تصريحات القيادي المؤتمري صادق أمين أبو رأس خلال ذكرى تأسيس حزب "المؤتمر" في أغسطس/آب الماضي، والتي دعا فيها إلى دفع رواتب الموظفين، مطالباً بالشفافية في الموازنة العامة وكذلك الإيرادات.
تصريحات أبو رأس، رد عليها القيادي الحوثي محمد علي الحوثي، بالتهديد بمصادرة مقرات المؤتمر، وكتب الأخير في تغريدة على موقع "إكس" (تويتر سابقاً): "ما لم يكن هناك مانع شرعي أو قانوني، نوجّه الإخوة في وزارة المالية، ومكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة، والنائب العام، ببيع أي مقرات مؤجرة لأنصار الله من ممتلكات النظام السابق، إذا تأكدت الجهات أنها ليست من أموال ورثها المسؤول عن أبيه أو أمه، أيضاً بيع بيوت المرتزقة الذين ثبتت مؤامراتهم على الوطن وتحويلها إلى صندوق المعلم، ينفذ ما ذكر أعلاه بعد العرض على مجلس النواب والمصادقة عليه".
وكان الحوثيون بدأوا اعتماد هذه السياسة مع سيطرتهم على صنعاء، فقاموا بفرض الإقامة الجبرية على عدد من وزراء حكومة الوفاق آنذاك، بينهم وزراء الدفاع والشؤون القانونية والإدارة المحلية، بحيث منعوهم من مغادرة منازلهم، وفرضوا طوقاً أمنياً من مسلحيهم حول منازل الوزراء المستهدفين.
في 21 يناير/كانون الثاني 2015، حاصر الحوثيون منازل عدد من الوزراء، بينهم منزل وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح، حيث وصلت منتصف الليل أربعة أطقم عسكرية لمحاصرة منزله، بعد تقديم الحكومة استقالتها.
وقال فتح لـ"العربي الجديد": "كانت المعاناة شديدة وبالذات خلال الأسبوع الأول من الحصار، حيث تم منع الدخول والخروج إلى المنزل، وبقيت أنا وأسرتي ووالدتي محاصرين داخل المنزل، ولم يكن أمامي إلا وسيلة واحدة هي صفحتي في موقع فيسبوك".
ولفت فتح إلى أنه "بعد أن أصدرنا العديد من المناشدات، تم التواصل معي من قبل المكتب السياسي برفع الحصار بشرط أن يكون هناك بعض المرافقين منهم معي فرفضت الفكرة، وقلت لا أقبل أن تتحول الإقامة الجبرية من إقامة ثابتة إلى إقامة متحركة، وبدأت بنشاط إعلامي وسياسي مستمر، طالبت فيه كل القوى السياسية بالتضامن معي".
وأضاف فتح أنه "بعد 10 أيام، تمّ السماح بدخول بعض الناس، وتوافد الإعلاميون إلى منزلي، وتحول منزلي إلى مركز إعلامي". وتابع: "كنت يومياً عبر صفحتي في الفيسبوك أصدر بياناً حول ما يحدث، وأجريت مقابلات عدة مع الإعلام، وحدث تفاعل كبير وجاءت مسيرة تضامنية إلى أمام منزلي للمطالبة بالإفراج عني، وتم عرض العديد من الوساطات لدى المليشيات المسلحة لكنها رفضتها، واتهموني أني من دعاة الدولة الاتحادية". وشدّد على أن تلك الفترة "كانت مليئة بالألم والحسرة واستمرت أكثر من شهر".
وعن انتهاء إقامته الجبرية، قال فتح إنه "بعد هروب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي من صنعاء، انتقلت مع أسرتي إلى هناك، بعد وساطة قادها رشاد العليمي، ووصل إلى منزلي القيادي الحوثي صالح الصماد، وعدد من أعضاء المكتب السياسي للحوثيين، وجرى حديث طويل بيننا".
وأوضح: "قلت لهم ذهبنا إليكم كمناصرين وجئتم إلينا كمحاصرين وهذا غير مقبول، ولن تستمروا ما دمتم تحاصرون بيوت الناس وتهدمون أماكن العبادة، فقالوا لي تهددنا في منزلك، قلت لهم ما الذي ستفعله؟ أصلا أنت فرضت علي الإقامة الجبرية خارج القانون، ومنعتني من الخروج، ومنعوا عني حتى مجرد الخروج للصلاة يوم الجمعة، وبعد وساطة رشاد العليمي خرجت متخفياً مع والدتي عبر الحديدة ومنها إلى تعز ثم إلى عدن".
رئيس اتحاد طلاب اليمن والقيادي في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" رضوان مسعود كان أحد القيادات التي تعرضت للاعتقال والتعذيب، وبعد الإفراج عنه وضع تحت الإقامة الجبرية، قبل أن ينجح بالهرب من قبضة الحوثيين مغادراً صنعاء إلى محافظة مأرب التي يقيم فيها حالياً.
وقال رضوان مسعود، لـ"العربي الجديد": "تمّ اختطافي من قبل جماعة الحوثيين في يناير 2015 وبقيت لمدة شهر في سجن انفرادي سري، وتعرضت للاختطاف مرة ثانية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2016 ووضعت في سجن سري، وقبعت في زنزانة انفرادية 91 يوماً، وتم إخفائي أكثر من 6 أشهر حتى تم السماح لي بالاتصال فقط، وكانت الزيارة ممنوعة وتعرضت لكل أنواع التعذيب ليفرج عني في 29 يوليو/تموز 2017".
وأضاف مسعود: "بعد الإفراج عني تمّ وضعي تحت الإقامة الجبرية، حيث تم أخذ تعهدات مسجلة (فيديو) مني بأني في حال غادرت منزلي، فإن دمي مباح ودم زوجتي وأولادي وكذلك مصادرة جميع ممتلكاتي وفصلي من الوظيفة، وتمّت البصمة على أوراق كذلك تحت الإكراه".
وتابع: "تعهدت بالتواصل معهم عبر رقم أعطوني إياه كل 48 ساعة، وتعهدت بعدم مغادرة منزلي إلا بإذن منهم، والتزمت بأن أعود إليهم بعد أسبوعين من الخروج من السجن، ولكن خشية العودة إلى السجن ولأني عانيت من الإخفاء القسري والتعذيب، قررت الهروب رغم أنها مغامرة وتوفقت في ذلك في 7 أغسطس 2017".
وأكد مسعود أن جماعة الحوثيين "تفرض الإقامة الجبرية على الشخصيات المؤثرة جماهيرياً من قيادات حزبية وبرلمانيين ونقابيين، خشية التأثير على فئات المجتمع، وكذا خشية من انضمامهم للشرعية، خصوصاً أن هناك العديد من الشخصيات المؤثرة غادرت صنعاء وأعلنت انضمامها للشرعية، وبينهم وزراء في حكومة الحوثيين".
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الإقامة الجبریة على جماعة الحوثیین الحوثیین فی فی صنعاء
إقرأ أيضاً:
توتر قبلي متصاعد في الجوف عقب إحراق الحوثيين منزل مواطن في اليتمة
تشهد محافظة الجوف، شمالي اليمن، توتراً متصاعداً إثر اندلاع مواجهات عنيفة بين مسلحين قبليين وميليشيا الحوثي الإيرانية التي صعدت من انتهاكاتها ضد أبناء المحافظة.
ويأتي هذا التصعيد ليزيد من حدة الاحتقان الشعبي ضد ميليشيا الحوثي في الجوف، حيث تنذر التطورات الأخيرة بانفجار وشيك في ظل استمرار الحوثيين بانتهاك حرمة القبائل وممتلكات المواطنين، متجاهلين كليًا أي حلول سلمية أو تدخلات مجتمعية لاحتواء الغضب المتنامي.
وبحسب مصادر محلية: اندلعت مساء الثلاثاء مواجهات مسلحة عنيفة بين مسلحين قبليين وعناصر من ميليشيا الحوثي في منطقة اليتمة شمال محافظة الجوف، على خلفية اعتداء نفذته الميليشيات ضد أحد أبناء المنطقة. مشيرًة إلى أن الميليشيات أقدمت على حرق منزل المواطن محمد هضبان أثناء غيابه، ما فجّر موجة غضب عارمة في أوساط قبيلته وأهالي المنطقة.
وتأتي هذه الحادثة لتسلّط الضوء مجددًا على سياسات العقاب الجماعي والترويع التي تنتهجها ميليشيا الحوثي في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إذ لم تكتفِ الجماعة بمصادرة موارد الدولة وتجييرها لصالح مشروعها الطائفي، بل تجاوزت ذلك إلى استهداف المواطنين وممتلكاتهم بشكل مباشر.
وقالت مصادر محلية متطابقة إن المواجهات المسلحة اندلعت عقب قيام مجموعة من المسلحين القبليين بشن هجوم على نقطة أمنية تابعة للحوثيين في المنطقة، ردًا على عملية إحراق منزل هضبان، والتي وُصفت بأنها "إهانة مقصودة لعائلة معروفة" في المنطقة، وخرق صارخ للأعراف القبلية والاجتماعية.
وأكدت المصادر أن الاشتباكات أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص، بينهم اثنان من عناصر الحوثي، واثنان من أبناء القبائل، بالإضافة إلى إصابة عنصر آخر من الحوثيين ومواطن مدني بجروح، وسط حالة استنفار كبيرة في صفوف الجانبين.
وبحسب المصادر: تدخلت وساطة قبلية محلية في محاولة لاحتواء التصعيد وتجنب انزلاق الوضع إلى مواجهات أوسع، إلا أن الأوضاع لا تزال متوترة بشكل كبير، في ظل توافد عدد من أبناء القبائل إلى المنطقة، ووجود مخاوف من تفجّر موجة جديدة من العنف، خاصة في ظل غياب الحلول القانونية والنظامية، واعتماد الحوثيين على منطق الغلبة والقوة في فرض قراراتهم.
وتأتي هذه الحادثة في سياق أوسع من التوتر القائم بين جماعة الحوثي والقبائل اليمنية، خصوصًا في المناطق ذات الطبيعة القبلية المحافظة مثل الجوف، حيث يُعد التدخل في شؤون القبائل أو انتهاك حرمة المنازل مسًّا مباشرًا بـ"العيب الأسود"، وهو أحد أخطر المحرمات في الأعراف اليمنية القبلية، ويُعد بمثابة دعوة صريحة للثأر.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الانتهاكات الحوثية لا تعبّر فقط عن تجاوزات فردية، بل تعكس سياسة منظمة لتهميش القوى المجتمعية التقليدية، وتفكيك البُنى القبلية التي قد تُشكّل تهديدًا مستقبليًا لسلطة الجماعة المستندة إلى التجييش العقائدي والتسلّط الأمني.
ويؤكد أبناء المحافظة أن "الحلول القبلية لم تعد كافية" لاحتواء المشهد المتأزم، وأن "الجماعة تتعمد دفع المجتمع إلى الانفجار"، في وقت تغيب فيه أي جهة محايدة يمكن اللجوء إليها لإنصاف المتضررين أو محاسبة المتورطين.