في مثل هذا اليوم قبل 35 عاما، انضمت إسرائيل رسميا إلى نادي الدول الفضائية بإطلاقها أول أقمارها الصناعية "أفق -1" لتصبح حينها الدولة الثامنة في هذا المجال.
التقارير وخاصة الغربية تتحدث بانبهار عن "الإنجازات" الإسرائيلية في هذا المجال قياسا "بحجم" الدولة وبـ"إمكانياتها"، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى مكانة إسرائيل "الخاصة" باعتبارها "كيانا" مدللا لا تجد مشاريعها "الاستراتيجية" بما في ذلك النووية والصاروخية أي عقبات ولا تهددها أي ممانعات أو تصريحات تعبر مثلا عن "القلق" من نشاطاتها في الأجواء القريبة أو في الفضاء، بل تجد دائما كل الأبواب مشرعة أمامها للحصول على التقنية العالية وعلى تمويلات من دون حدود، ودعم سياسي غير مشروط، حتى أن بعض منتقدي إسرائيل يشبهون مكانتها "الراقية و"حصانتها" الدائمة وفي كل الأحوال بـ"الأم تيريزا"!
هكذا على الرغم من الدعم الهائل الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة في جميع المجالات، يقال إنها تمكنت بشكل مستقل من تحقيق هذا الإنجاز والانضمام إلى 7 دول في ذلك الوقت كانت قادرة وبوسائلها الخاصة على إرسال مركبات فضائية، وهي روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان والهند.
كما هو معتاد في مثل هذه الأمور، لم يأت إطلاق أول قمر صناعي إسرائيلي من فراغ بل سبقته جهود كبيرة في مجال صناعة الفضاء وتطوير واختبار الأقمار الصناعية والصواريخ الناقلة لها في عملية بدأت في عام 1981، في عهد رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وبتأسيس وتأسيس وكالة الفضاء الإسرائيلية "ISA" في عام 1983.
لأسباب سياسية تتمثل في علاقات إسرائيل الشائكة مع بعض الجيران، تم إطلاق القمر الصناعي "أفق -1" من قاعدة "بلماحيم" الجوية الفضائية في وسط البلاد إلى مدار إهليلجي منخفض مع ميل غير عادي يبلغ 143 درجة، ووضع في اتجاه معاكس في مدار في اتجاه غربي، وليس إلى الشرق، كما هو معتاد في الممارسة العالمية.
القمر الصناعي الإسرائيلي الأول كان تجريبيا بغرض التأكيد من تشغيل الألواح الشمسية والاتصالات اللاسلكية مع الأرض، ولإجراء اختبارات للتقنيات الفضائية الأخرى.
على الرغم من تعقيد المشاريع الفضائية وكلفتها الباهظة إلا أن إسرائيل تنظر إلى أهميتها من خلال "المهمات الدفاعية" وبالأخص الاحتياجات "الاستخباراتية".
علاوة على ذلك، تأسس المشروع الفضائي الإسرائيلي على قاعدة الصواريخ الحربية، حيث أصبح الصاروخ الباليستي "أريحا – 2" النموذج الأول لمركبة إطلاق "شافيت" المخصصة لإيصال الأقمار الصناعية إلى المدار.
الأهمية الاستخباراتية للبرنامج الفضائي الإسرائيلي تظهر بوضوح في إطلاقها في مارس 2023 القمر الصناعي "أفق – 13" المخصص للتجسس، والذي وصف بأنه "الأكثر تطورا من نوعه مع قدرات مراقبة رادارية فريدة"، تسمح بجمع المعلومات الاستخباراتية بغض النظر عن الطقس.
قبل ثلاث سنوات في يوليو من عام 2020، أطلقت إسرائيل قمر التجسس الكهروضوئي "أفق–16"، الذي قيل إنه سيرصد أي نشاطات نووية في إيران، فيما صرّح في ذلك الوقت شلومي سوداري، رئيس برنامج الفضاء في هيئة الصناعية الجوية الإسرائيلية قائلا عن أقمار إسرائيل الصناعية أنها "تيح لنا مشاهدة الشرق الأوسط بأكمله، وأكثر من ذلك بقليل".
هذا النشاط الفضائي المكثف للأغراض العسكرية هو الأساس منذ البداية، وقد تعزز في عام 2014 بإطلاق قمر التجسس "أفق–10"، الذي يتميز دون غيره من هذا النوع في أنه سيحلق فوق إسرائيل والدول المحيطة بها ست مرات في اليوم، في حين أن أقمار التجسس الأمريكية مثلا يمكنها أن تطير فوق منطقة محددة مرة واحدة أو مرتين فقط في اليوم، ما يعني أن أقمار إسرائيل العسكرية، هي عمليا بمثابة "موساد" يرصد من الفضاء كل كبيرة وصغيرة في أراضي "الخصوم"!
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (6-11)
*تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (6-11)*
*الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام*
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
[email protected]
ختمت البروفيسور آمال قرامي تقديمها للطبعة الثانية التي ستصدر قريباً من كتاب: الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، قائلة:
“يصدر المُؤلَف في فترة حرجة من تاريخ السودان استشرى فيها العنف وتفتت فيه النسيج الاجتماعي، وكثرت فيها الخيبات والمآسي وبرزت فيها علامات التراجع عن أهداف الثورة السودانية. فهل يكون هذا المُؤلَف ملاذ الحائرين/ات والباحثين عن فهم أسباب ما يجري؟”
البروفيسور آمال قرامي
أستاذة الفكر الإسلامي والدراسات الجندرية بالجامعة التونسية، تونس
*المفكر محمود محمد طه يرفض المثول أمام المحكمة*
قامت *محكمة الخرطوم العليا الشرعية* بتوجيه أمر إلى المفكر محمود محمد طه للمثول أمامها، غير أنه رفض أن يوقع على طلب المحكمة ليمثل أمامها يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968. وقد فصلت صحيفة الأيام السودانية في ذلك، فأوضحت بأن محمود محمد طه قال إن القضاة السودانيين لا يملكون أية صلاحيات لتكفير أي إنسان أو إعلان ردته عن الإسلام. وأضاف بإن ما يدعوا إليه القضاة الآن هو الشريعة المرحلية للإسلام وأن موقفهم نفسه يوضح أن مثل هذا الفهم لا يصلح لإنسانية القرن العشرين. وفي عدد اليوم الثاني الاثنين 18 نوفمبر 1968، كتب الكاتب الصحفي بشير محمد سعيد (1926-1993) في مدخل حوار أجراه مع محمود محمد طه، قائلاً: “رد (الأستاذ محمود) الموظف الذي جاءه رداً (مهذباً) وقاطعاً.. حدثه أنه يرفض المثول أمام المحكمة”.
أرجع *الإخوان الجمهوريون* امتناع محمود محمد طه من المثول أمام المحكمة إلى أنه لا يريد أن يعطيها وزناً لا تستحقه، وحتى يضعها في موضعها ويعطيها حجمها، وقدرها الذي لا تعدوه. فالمحكمة ليس من اختصاصها ولا من اختصاص أية محكمة أخرى أن تنظر في مثل هذه القضية.. فهي قضية فكر ودين وليس للمحاكم وصاية على الفكر، والرأي، والاعتقاد. وقد تحدث العديد من القانونيين بعدم اختصاص المحكمة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، تحدث محمد إبراهيم خليل المحامي، قائلاً: “ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو إعلان ردته”. ومما يدل على عدم اختصاص المحكمة التي نظرت في القضية، أن حكمها جاء غيابياً، بسبب عجزها عن إحضار المتهم أمامها أو إجباره على الحضور، كما أنها لم تستطع تنفيذ الحكم الذي أصدرته. يضاف إلى ذلك، أن محمود محمد طه ظل يدعو إلى تطوير الشريعة الإسلامية، فلا يمكن أن يمثل أمام محكمة شريعة، تعمل بالشريعة السلفية، التي يدعو هو لتطويرها.
*انعقاد المحكمة*
جاء في صدر الصحف المحلية أن *المحكمة الشرعية العليا* برئاسة القاضي توفيق أحمد صديق عضو محكمة الاستئناف الشرعية العليا عقدت صباح يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968 جلسة خاصة للنظر في الدعوى التي رفعها الشيخان الأمين داود وحسين محمد زكي ضد أفكار محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري. استمعت المحكمة لخطابي المدعيين الأمين داؤود، وحسين محمد زكي وإلى شهودهما. طلب المدعيان من المحكمة الآتي:
1. إعلان ردة محمود محمد طه عن الإسلام، بما يثبت عليه من الأدلة.
2. حل حزبه لخطورته على المجتمع الإسلامي.
3. مصادرة كتبه، وإغلاق دار حزبه.
4. إصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعى عليه.
5. تطليق زوجته المسلمة منه.
6. لا يسمح له أو لأي من أتباعه بالتحدث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن.
7. مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الإعلان، وفصله إن كان موظفاً، ومحاربته إن كان غير موظف وتطليق زوجته المسلمة منه.
8. الصفح عمن تاب واناب وعاد الى حظيرة الإسلام من متبعيه أو من يعتنقون مبدأه.
عُقدت *المحكمة الشرعية العليا* برئاسة القاضي توفيق أحمد صديق عضو محكمة الاستئناف الشرعية العليا جلسة خاصة في صباح الاثنين 18 نوفمبر 1968 للنظر في الدعوى رقم 1035/1968. استمعت المحكمة لخطابي المدعيين الأمين داود، وحسين محمد زكي، وإلى شهودهما. استغرقت أقوال المدعيين وشهودهما ثلاث ساعات ثم رفعت المحكمة جلستها لمدة ثلث ساعة فقط. وعند انعقادها للمرة الثانية قرأ القاضي حيثيات الحكم التي جاء فيها أن المحكمة، بعد السماع لادعاء المدعيين، وسماع الشهود، تأكد لديها أن المدعى عليه قد ارتد عن الإسلام، وعليه فإن المحكمة تحكم بردة محمود محمد طه عن الإسلام غيابياً. بهذه البساطة والعبثية يحكم قاضي المحكمة، فإذا سلمنا جدلاً بهذه المحكمة التي تمثل أنصع نموذج للفوضى القانونية والعبث بالنظام الديمقراطي، وتعاطينا مع معطيات انعقادها، فهل يعقل أن تكفي ثلاث ساعات للاستماع لخطبتي المدعيين وشهودهما؟ ثم هل يكفي ثلث الساعة للتداول لإصدار حكم في قضية موضوعها الأفكار؟ هل تكفي هذه الثلاث ساعات وثلث لمحاكمة مفكر نشر حتى تاريخ انعقاد المحكمة، (14) كتاباً، ونشر أكثر من مائتي مقالاً صحفياً، وأصدر عشرات البيانات، إلى جانب تنظيم عشرات المحاضرات واللقاءات الإعلامية، فضلاً عن إرسال الرسائل إلى الرؤساء والعلماء والمفكرين حول العالم؟ لا أعتقد أننا في حاجة للإجابة على هذه الأسئلة، فالصورة واضحة للقراء الكرام، وليس هناك وصف دقيق ينطبق على هذه المحكمة، أكثر من الوصف الذي أطلقه عليها الإخوان الجمهوريون في كتاباتهم ومنشوراتهم، بأنها “المحكمة المهزلة”. فكل الخطوات التي اتبعت من أجل انعقاد هذه المحكمة من دسائس ومؤامرات وكيفية تشكيل ومداولات وحيثيات وصدور الحكم… إلخ كلها تؤكد بأنها “المحكمة المهزلة” التي جرت على القضاء السوداني العار ما سيبقى على صفحات التاريخ، إلى نهاية التاريخ. لقد مثلت هذه المحكمة قمة الفوضى القانونية، وعبرت عن عبث القضاء الشرعي، كما وصفه محمود محمد طه، قائلاً: “هل أهينت رجولة الرجال، وامتهنت حرية الأحرار، واضطهدت عقول ذوي الأفكار، في القرن العشرين، وفي سوداننا الحبيب، بمثل هذا العبث الذي يتورط فيه القضاة الشرعيون؟”. لقد عُقدت هذه المحكمة المهزلة بمؤامرة واسعة شارك فيها القضاة الشرعيون، والقادة السياسيون، ورجال الدين، ومشايخ *الأزهر*، وأساتذة *جامعة أم درمان الإسلامية*… إلخ.
*محكمة الردة 1968 تمهيد لمؤامرات التحالف الديني العريض (1968- 1985)*
شكَّل انعقاد محكمة الردة، المحكمة المهزلة عار القضاء السوداني، وإصدارها الحكم بردة المفكر محمود محمد طه في 18 نوفمبر 1968، لحظة تكوين لتحالف ديني عريض ضد المفكر محمود محمد طه وتلاميذه *الإخوان الجمهوريين*. فما أن أصدرت المحكمة حكمها، حتى توالت الخطابات من مكونات ذلك التحالف الديني العريض من خارج السودان، حيث المؤسسات الإسلامية وعلمائها، التي هي محور كتابنا المشار إليه أعلاه، موجهة إلى وزير الشؤون الدينية والأوقاف في السودان، وهي تحمل التأييد لحكم الردة، وتحمل الفتوى بردة محمود محمد طه عن الإسلام، حيث كفر *الأزهر* المفكر محمود محمد طه، وافتى المجلس التأسيسي *لرابطة العالم الإسلامي* بردة المفكر محمود محمد طه عن الإسلام، كما ييرد التفصيل لاحقاً. كذلك مثَّل الحكم بالردة، سابقة خطيرة، حيث تم استدعاؤه والأخذ به مع فتوتي *الأزهر* و *رابطة العالم الإسلامي* في محاكمة يناير 1985، التي حكمت على محمود محمد طه بالإعدام، كما سيرد التفصيل في الحلقات القادمة.
نلتقي في الحلقة السابعة.
الوسومالذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى الفهم الجديد للإسلام تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي تشكيل التحالف الديني العريض