هواوي تضخ استثمار 430 مليون دولار لتعزيز التحول الرقمي في أفريقيا
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
استضافت مدينة شنغهاي الصينية فعاليات مؤتمر هواوي (Huawei Connect) لعام 2023، خلال الفترة من 20 إلى 22 سبتمبر الجاري، لأول مرة منذ جائحة فيروس كورونا العالمية.
وسلط مؤتمر هواوي (Huawei Connect) الضوء في نسخته الثامنة هذا العام، على الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي يمثل أولوية قصوى لطموحات هواوي، خاصة مع تركيزها بشكل رئيسي على القارة الأفريقية.
وخلال فعاليات أمسية هواوي شمال أفريقيا (Huawei Northern Africa Night)، التي أقيمت في 20 سبتمبر الجاري، كشف تيري هيي، رئيس هواوي شمال أفريقيا (شمال وغرب ووسط أفريقيا)، عن الخطوط العريضة لاستراتيجية هواوي الجديدة تجاه القارة السمراء، والتي تهدف إلى توجيه أفريقيا نحو مستقبل ذكي ومتصل، تحت عنوان "تعزيز الذكاء من أجل أفريقيا الجديدة"، والتي تعد مخططاً شاملا لمستقبل أفريقيا الرقمي والتكنولوجي.
تبنى هواوي استراتيجيتها الجديدة تجاه مستقبل القارة الأفريقية الرقمي بالاعتماد على الأغلبية السكانية الشابة، حيث أن 60% من السكان يبلغون من العمر 25 عاماً أو أقل، مما يجعل التحول الرقمي محفزاً رئيسياً للنمو في الدول الأفريقية، إلى جانب تميز أفريقيا بإمكانيات هائلة من الطاقة الخضراء، وبالاعتماد على هذه الإمكانيات، تحرص هواوي في استراتيجيتها على دمج التقنيات الذكية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في القطاعات الحيوية المؤثرة على الحياة اليومية للبلدان الأفريقية، بما فيها الصحة والتعليم والنقل والزراعة والتعدين والتمويل.
وترتكز استراتيجية هواوي تجاه التنمية الرقمية للقارة الأفريقية على ثلاث محاور رئيسية، وهي تسريع الذكاء لتعزيز الادماج الرقمي، وتحسين جودة الحياة، والارتقاء بجودة الخدمات الأساسية، إلى جانب تعزيز الإدارة الحكومية، ومن ثم الارتقاء بجاذبية بيئة الأعمال، وتحسين الكفاءة التشغيلية والإنتاجية على المستوى الاقتصادي، خاصة في قطاعات الصناعات الرئيسية بأفريقيا.
أعلن تيري هيي، الرئيس التنفيذي لشركة هواوي في منطقة شمال إفريقيا، عن خطة استثمارية طموحة، تحمل عنوان "المستقبل الذكي" لمنطقة شمال أفريقيا، والتي تشمل 28 دولة تقع شمال خط الاستواء.
يقدم هذا المشروع الطموح استثمارات بقيمة 430 مليون دولار، على مدار خمس سنوات، والتي تتضمن تخصيص 200 مليون دولار منها لإنشاء أول مركز سحابي عام بالمنطقة، والذي يقدم أكثر من 200 خدمة سحابية، بالإضافة إلى تخصيص 200 مليون دولار لدعم 200 شريك برمجيات محلي، وتمكين 1300 شريك توزيع، كما تستثمر هواوي 30 مليون دولار لتحفيز التحول الذكي في المنطقة، عبر تدريب 10 آلاف مطور محلي، وتدريب 100 ألف متخصص رقمي.
قال تيري هيي، الرئيس التنفيذي لشركة هواوي في منطقة شمال إفريقيا: "إن التطور التكنولوجي هو ثمرة المثابرة والاستكشاف والاستثمار".
وأضاف تيري هيي، لتسريع التحول الذكي في أفريقيا، ستكثف هواوي من استثماراتها في التكنولوجيا وتطوير المواهب، كما أكد على أهمية التعاون بين الحكومات والشركات والمؤسسات التعليمية والمجتمعات لتحقيق طموحات التنمية الذكية في أفريقيا، والنجاح في تحقيق تطلعات سكانها من أجل حياة أفضل.
دعا هيي إلى العمل الموحد من أجل "توحيد قوانا للدخول إلى عالم أكثر ذكاء في أفريقيا، وتحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية".
وتمثل القارة الأفريقية عنصرا محوريا في طموحات هواوي للنمو، ما يرسخ التزامها تجاه القارة بتحقيق التحول الرقمي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هواوى شنغهاي التحول الرقمى أفريقيا ملیون دولار فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
هل يتسبب ترامب في جعل أفريقيا عظيمة مرة أخرى دون أن يدري؟
مقدمة المترجم
تحلل أماكا أنكو رئيسة قسم أفريقيا في مجموعة أوراسيا عبر مقالها في فورين أفيرز تأثير "سياسات الإكراه" التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القارة الأفريقية، مجادلة أن الدول الأفريقية سوف تكون لديها فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما حشدت جهودها لتسريع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، وخلق أسواق أكبر، وتسريع عجلة التصنيع.
وهي ترى أن دولتي نيجيريا وجنوب أفريقيا تحديدا في وضع مُوات لقيادة أفريقيا في هذه الحقبة، ليس فقط لكونهما الاقتصادين الأكبرين في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكن لامتلاكهما تاريخا من التعاون المشترك لتعزيز المصالح الأفريقية.
بينما يُفكك الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام الدولي الليبرالي الذي نشأ بعد عام 1945، يرى بعض المحللين أن هذا الاضطراب ربما يكون تأثيره إيجابيا بالنسبة للدول الواقعة على هامش النظام القديم. ووفقا لهذا المنطق، سوف تكون الدول الأفريقية أكثر قدرة على جذب الاستثمارات وفرص التجارة في ظل نظام أقل اهتماما بقضايا الديمقراطية والحوكمة الرشيدة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم تراوري الذي قال "لا" لأميركا فزادت شعبيته في أفريقياlist 2 of 2ترامب قد يحرر العالم من عبودية الدولار دون أن يدريend of listولكن في عالم ترامب، حيث تعيد "سياسات الإكراه" تشكيل معالم الجغرافيا السياسية، هناك العديد من المخاطر التي تُحدق بالدول ذات النفوذ المحدود في الاقتصاد العالمي. هذا ويتطلب النجاح في عصر السياسة القائمة على الصفقات، نفوذا تفتقر إليه معظم الدول الأفريقية؛ فرغم أن القارة السمراء موطن لحوالي 20% من سكان العالم، فإنها لا تُمثّل سوى 5% فقط من نشاطه الاقتصادي.
رغم ذلك، تمتلك الدول الأفريقية فرصة جيدة للازدهار في النظام الدولي ما بعد الليبرالي إذا ما تضافرت جهودها. إن التنسيق الوثيق، حتى إذا شمل عددا قليلا من الدول الأفريقية المؤثرة، من شأنه أن يُسرّع وتيرة التكامل الاقتصادي في القارة، ويخلق أسواقا أكبر، ويُسرّع عجلة التصنيع. كما أن تعزيز التماسك من شأنه أن يمنح المنطقة نفوذا أكبر في مفاوضات التجارة والاستثمار مع القوى الخارجية.
إعلانوبينما يصعب تحقيق هذا التنسيق، فإنه ليس مستحيلا تماما. فمع استقلال المستعمرات الأفريقية السابقة عن الإمبراطوريات الأوروبية المتراجعة بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، توحدت الدول الأفريقية حول التزامها المشترك بحق تقرير المصير، وتبادل القادة في جميع أنحاء القارة الأفكار والموارد المالية والأسلحة دعما لحركات الاستقلال في بلدانهم.
على سبيل المثال، عندما حصلت غانا على استقلالها (عن الاستعمار البريطاني) عام 1957 أعلن زعيمها، كوامي نكروما، أن استقلال البلاد "لن يكون له معنى حتى يرتبط بالتحرير الكامل للقارة الأفريقية". وبحلول عام 1963، اجتمع قادة 32 دولة أفريقية مستقلة حديثا في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.
وسرعان ما أصبحت منظمة الوحدة الأفريقية -التي تُعد أول مؤسسة متعددة الأطراف في القارة- أداة فعّالة في تنسيق الدعم لحركات الاستقلال الأفريقية وصياغة إجماع دولي حول قضية تحرير أفريقيا.
كانت مساعي الوحدة الأفريقية خلال هذه الفترة مدفوعة بغرض أخلاقي وتَصدّرها قادة الدول الأولى التي نالت استقلالها، بما في ذلك غانا والسنغال وتنزانيا وزامبيا. وقد وحدت هذه الروح النخب عبر الحدود والأعراق واللغات، مما أدى إلى إجماع قوي داعم لقضية الاستقلال. ولكن في عصر اليوم القائم على المعاملات و"الصفقات" يمكن خدمة قضية الوحدة الأفريقية بصورة أفضل من خلال أجندة اقتصادية مشتركة.
والحقيقة أن اثنتين من أقوى دول القارة تبدوان في موقع مناسب لقيادة هذه المهمة، وهما نيجيريا وجنوب أفريقيا، حيث يمكن للبلدين معا مراكمة النفوذ الجيوسياسي والموارد المالية والتأثير الثقافي التي تلزم لحشد أغلبية الدول الأفريقية خلف رؤية عالمية.
ويمكن لكتلة أفريقية أكثر تماسكا أن تنتزع المزيد من التنازلات من شركائها التجاريين ويكون لها رأي أكبر في تشكيل قواعد التجارة العالمية.
صحيح أن أفريقيا قارة شاسعة ومتنوعة، وغالبا ما يكون لدولها المختلفة مصالح وسياسات خارجية متنافسة، لكن النجاح في عالم "المعاملات الترامبية" الذي يأكل فيه القوي الضعيف لن يحدث في ظل سعي كل دولة منفردة لتحقيق مصالحها الخاصة مهما بلغت جودة مساعيها، لكنه يمكن أن يتحقق فقط من خلال العمل المشترك لهذه الدول.
التطلع إلى المستقبلتمتلك جنوب أفريقيا ونيجيريا أكبر اقتصادين في أفريقيا جنوب الصحراء (تحتل جنوب أفريقيا المركز الأول في القارة ككل تليها مصر والجزائر ثم نيجيريا)*، ما يضعهما في أفضل وضع لتولي زمام القيادة الأفريقية في العصر الجديد. نيجيريا من ناحية، هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في القارة، إذ يزيد عدد سكانها عن 230 مليون نسمة، وهي تتمتع بنفوذ ثقافي كبير في جميع أنحاء المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
ويهيمن موسيقيّوها على نوع الموسيقى العالمي المعروف باسم "الأفروبيتس"، وتُشاهد أفلامها في جميع أنحاء القارة، وتؤثر اتجاهات الموضة لديها على العلامات التجارية العالمية.
أما جنوب أفريقيا، صاحبة الاقتصاد الصناعي الأكبر في أفريقيا، فلديها نفوذ ثقافي أقل نسبيا في جميع أنحاء المنطقة، لكنها تتمتع بثقل جيوسياسي عالمي أكبر من نيجيريا، بفضل أسواقها المالية الأقوى والأكثر رسوخا، مما قد يساعدها في جمع الأموال اللازمة للاستثمار في جميع أنحاء المنطقة. وتُعد جنوب أفريقيا بالفعل لاعبا عالميا مهمّا، بفضل عضويتها في مجموعة العشرين وعضويتها المبكرة في مجموعة البريكس إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين.
إعلانلا تعد الشراكة بين البلدين الأفريقيين تجربة غير مسبوقة. ففي السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ساعد البلدان في إعادة تشكيل الأطر المؤسسية للقارة، حيث كان رئيساهما آنذاك، النيجيري أولوسيجون أوباسانجو والجنوب أفريقي ثابو مبيكي، يتشاركان رؤية شاملة لتعزيز "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".
وفي عام 2002، دافعا الرجلان معا عن استبدال منظمة الوحدة الأفريقية لصالح الاتحاد الأفريقي، مع منحه تفويضا لتعميق التكامل الإقليمي إدراكا منهما أن الترابط الاقتصادي من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الوحدة. كما عمل مبيكي وأوباسانجو معًا لتشكيل مؤسسات مساعدة للاتحاد الأفريقي، مثل الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا "نيباد"، التي تركز على النمو الاقتصادي؛ والبرلمان الأفريقي الذي يعد بمثابة الجهاز التشريعي الذي يقدم المشورة ويمارس الرقابة على الاتحاد الأفريقي إضافة إلى آلية مراجعة الأقران، التي تراقب التقدم المحرز في مؤشرات الحوكمة الرئيسية في جميع أنحاء القارة.
منذ ذلك الحين، قوضت الضغوط الداخلية في كلا البلدين هذه المبادرات الأفريقية الشاملة. من جانبها، ظلت جنوب أفريقيا عالقة في فخ النمو المنخفض منذ الأزمة المالية عام 2008، حيث ظل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي يحوم حول نسبة 1%.
وقد أدى هذا الركود إلى تفاقم التفاوتات العرقية في الدخل والثروة، وزاد من الإحباط تجاه المؤسسة السياسية. كما أدى الصعود اللاحق للشعبوية الاقتصادية إلى زيادة المخاطر المالية، حيث تشعر الحكومات بأنها مضطرة لزيادة الإنفاق العام من أجل الفوز في الانتخابات. في نهاية المطاف، أدى هذا الضغط إلى تضييق مساحة المبادرات الأفريقية الشاملة: ففي ظل السخط المحلي، لم يكن لدى قادة جنوب أفريقيا الحيز المالي ولا الطموح اللازم لمتابعة مشاريع كبرى في الخارج.
لم يختلف الحال كثيرا في نيجيريا التي كافحت على مدار العقدين الماضيين للحفاظ على وتيرة للنمو الاقتصادي يمكن أن تنقل البلاد إلى مستوى الدخل المتوسط.
وقد أدى هذا النمو البطيء إلى تعميق خطوط الصدع الدينية والعرقية، وسمح بإثارة العنف، مما أجبر السلطات على التركيز على الحفاظ على الاستقرار بدلا من تحفيز التحول الاقتصادي. وهكذا، مع تباطؤ النمو الاقتصادي الذي أضعف طموحات كلا البلدين، ظل الاتحاد الأفريقي بلا قيادة قوية. واليوم، لا تتمتع هذه المؤسسة إلا بتأثير ضئيل على سلوك الدول، ولا يُنظر إليها كجهة قيادية في أي قضية اقتصادية أو سياسية إقليمية حاسمة.
بيد أن تعزيز التكامل الاقتصادي من شأنه أن يُمكّن القارة من التعامل مع نظام عالمي أكثر تفاعلية. وقد أثارت رسوم ترامب الجمركية دعوات في جنوب أفريقيا ونيجيريا لتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية لتعويض الخسارة المحتملة للسوق الأميركية.
وفي أغسطس/آب الماضي، صرّح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، أن بلاده ستسعى إلى إبرام المزيد من الصفقات التجارية مع دول أخرى لتعويض تأثير رسوم واشنطن الجمركية البالغة 30% على صادرات جنوب أفريقيا.
وفي السياق ذاته، جمع وفد تجاري جنوب أفريقي إلى نيجيريا قادة الأعمال وصانعي السياسات من كلا البلدين لمناقشة فرص التعاون في القطاعات الرئيسية مثل التعدين والتصنيع. واتفق المشاركون على أن تعميق التجارة البينية الأفريقية يمكن أن يُسهم في دفع عجلة التصنيع في جميع أنحاء القارة.
ومن المتوقع أن يكون هذا الاقتراح جذابا للشركات الجنوب أفريقية؛ إذ إن صادرات البلاد إلى القارة الأفريقية تفوق بالفعل صادراتها إلى الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف. بدورها، من المرجح أن نيجيريا تميل إلى تصدير سلع ذات قيمة مضافة أو سلع مصنعة إلى دول أفريقية أخرى، مقارنة بالسلع الخام التي تُصدرها حاليا إلى أوروبا والولايات المتحدة.
إعلانيستعد القادة الحاليون في نيجيريا وجنوب أفريقيا لدفع عجلة هذا التكامل إلى مستوى أعمق. وقد أظهرت نيجيريا في عهد رئيسها الحالي بولا أحمد تينوبو طموحا أكبر في سياستها الخارجية مما كانت عليه منذ ما يقرب من عقدين.
على سبيل المثال، قادت نيجيريا استجابة المنطقة لانقلاب عام 2023 في النيجر، وناضلت من أجل عضوية مجموعتي العشرين والبريكس، وبنت شراكات اقتصادية مع دول رئيسية في الجنوب العالمي، لا سيما البرازيل والهند.
كما دافع رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا عن قضايا قارية مثل مقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين وزيادة التمويل العالمي للعلماء الأفارقة. وفي حال دمجت جنوب أفريقيا ونيجيريا نقاط قوتهما المتكاملة، فيمكنهما ممارسة قوة اقتصادية أكبر وإحياء التماسك القاري لتعزيز المصالح الوطنية والقومية الأفريقية. ومن خلال جهودهما معًا، يمكنهما حشد الدول الأفريقية وراء مواقف مشتركة بشأن سياسة المناخ والتجارة والأمن الإقليمي، مما يعزز النفوذ الجيوسياسي للقارة.
بناء التكتلاتتشكل نيجيريا وجنوب أفريقيا معا حوالي ثلث النشاط الاقتصادي في أفريقيا، وهما موطن للعديد من أكبر شركات القارة. وتُهيمن شركات الاتصالات والتجزئة الجنوب أفريقية على جميع أنحاء القارة، وتعمل البنوك وشركات الدفع النيجيرية على نطاق واسع في أنحاء المنطقة. ويعني ذلك أن الوصول إلى سوق قارية أكثر تكاملا سيسمح لهذه الشركات بتوسيع نطاق الإنتاج وخفض تكاليف التشغيل، مما يوفر للمستهلكين خيارات أكثر بأسعار أقل.
ومن شأن تعزيز التعاون بين الشركات النيجيرية والجنوب أفريقية أن يُعزز الصناعات كثيفة رأس المال مثل السيارات والأدوية والصلب، وأن يجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في كلا البلدين.
يمكن لهذا التعاون أن يقدم دفعة اقتصادية يحتاج إليها كلا البلدين بشدة. يتعين على نيجيريا، التي من المقرر أن تصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بحلول عام 2050، أن تُهيئ فرصا اقتصادية أكبر لشبابها، خاصة إذا علمنا أن نصف سكان البلاد دون سن العشرين، وأن حوالي 3 ملايين نيجيري يدخلون سوق العمل سنويا. تحتاج أبوجا إلى استثمارات لتسريع وتيرة التصنيع وتجنب أسوأ سيناريو محتمل للطفرة الديموغرافية: ملايين الشباب العاطلين عن العمل والمحبطين الذين يسقطون في براثن النشاط الإجرامي.
وبالمثل، بعد 30 عاما من انتقال جنوب أفريقيا إلى الديمقراطية متعددة الأعراق، يشعر المواطنون بالإحباط من بطء وتيرة التحول الاقتصادي واندماج الأغلبية السوداء في البلاد في الاقتصاد الذي يهيمن عليه البيض. الخلاصة أن الفشل في تعزيز النمو في أي من البلدين من المرجح أن يُفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة، ويشجع الحركات السياسية "المتطرفة" التي تسعى إلى تغيير الوضع الراهن على عجل.
لتحقيق تعاون اقتصادي أوثق، ينبغي على قادة البلدين أولا تحسين التنسيق الثنائي في القضايا الأساسية. يمكن أن تستفيد جنوب أفريقيا من دعم نيجيريا العلني لأولوياتها الدبلوماسية، بما في ذلك حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وكذا في بعض القضايا الداخلية المهمة، كما حدث في فبراير/شباط الماضي، حين انتقد ترامب الإصلاحات الرامية إلى معالجة إرث حقبة الفصل العنصري، متهما جنوب أفريقيا زورا بالتورط في "الاستيلاء على الأراضي"، ومُوقفا المساعدات الصحية العامة للبلاد.
ساعتها، كان ينبغي على نيجيريا إصدار بيان يؤكد دعمها لجهود جنوب أفريقيا لمعالجة التفاوتات التاريخية في امتلاك الأراضي. وبالمثل، ينبغي على جنوب أفريقيا التنسيق بشكل أوثق مع مساعي نيجيريا للانضمام إلى مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، وإعلان دعمها الكامل لها.
بجانب ذلك، ينبغي أن يكون تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) محورا رئيسيا للتعاون بين البلدين. تشمل الاتفاقية 54 دولة أفريقية وتغطي 1.4 مليار نسمة، وتهدف إلى إلغاء التعريفات الجمركية على 90% من السلع المتداولة بين الدول الأعضاء، مما يخلق سوقا واحدة للسلع والخدمات في جميع أنحاء القارة بقيمة 3.4 تريليونات دولار. إلا أن التجارة تحت رعايتها ظلت محدودة منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 2021، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية في الدول الأعضاء وضعف البنية التحتية الإقليمية.
ونتيجة لذلك، لا يمكن إلا لعدد قليل من المنتجات الاستفادة بشكل موثوق من إلغاء التعريفات الجمركية. ومن شأن التعاون الوثيق بين نيجيريا وجنوب أفريقيا لتوحيد المتطلبات التنظيمية وتطوير إستراتيجيات صناعية متكاملة أن يشجع على زيادة التجارة البينية داخل القارة.
إعلانمن المؤكد أنه إذا أبدى كلا البلدين التزاما قويا بالتكامل الإقليمي والتجارة، فسيكون المستثمرون أكثر قابلية للاستفادة من الاتفاقية والالتزام بالإنتاج في المنطقة، مما يحفز المزيد من فرص التعاون في جميع أنحاء منطقة التجارة الحرة. ويمكن لحكومتي نيجيريا وجنوب أفريقيا أيضا تجميع رأس المال لدعم الشركات الناشئة والبحوث الصناعية في القطاعات ذات الأولوية، مثل الاستخبارات المتقدمة والدفاع والعلوم الطبية وتكنولوجيا التعدين.
ينبغي أن يبدأ مشروع التكامل الإقليمي بهذه الخطوات الثنائية الأساسية، ولكن مع مرور الوقت، يتعين على جنوب أفريقيا ونيجيريا السعي للحصول على دعم من وسطاء قاريين آخرين، مثل مصر والمغرب والجزائر.
مع إعادة هيكلة ترامب للترتيبات الجيوسياسية، قد يبدو من الطبيعي أن تلجأ أبوجا وبريتوريا إلى التنافس. لكنهما سبق أن اجتمعتا لقيادة القارة، وينبغي عليهما فعل ذلك مجددا، ليس من باب الإيثار، بل كأفضل سبيل لضمان مصالحهما. وإذا تمكنت نيجيريا وجنوب أفريقيا من إدراك نقاط قوتهما التكاملية، فيمكنهما معا قيادة أفريقيا إلى حقبة جديدة.
—————————
* إضافة المترجم
هذه المادة مترجمة عن فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن شبكة الجزيرة