قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال كلمته في احتفال المولد النبوي الشريف، الذي أقامته وزارة الأوقاف، إنه من المجمع عليه عند المسلمين جميعا أن الرسالة التي نحتفل اليوم بذكرى مولد صاحبها -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- تنفرد عن باقي الرسالات السابقة عليها بأمرين، الأمر الأول: أنها رسالة عامة للناس جميعا، تتخطى حدود الزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، موضحا أن هذا العموم لم يزعمه المسلمون من عند أنفسهم لترويج الإسلام في العالم، كما يذهب إلى هذه الأكذوبة طائفة من الغربيين القلقين لانتشار الإسلام، ومن تلامذتهم من أبناء المسلمين، ممن يعيشون بأجسامهم في الشرق، ويرهنون عقولهم وعقائدهم وأقلامهم لفلسفات وثقافات ومذاهب تكره الإسلام وتتربص به الدوائر، وهؤلاء يقولون: إن الإسلام دين محلي خاص بجزيرة العرب، وأن أتباع محمد هم من قرروا الخروج به بعيدا عن الجزيرة العربية، والنتيجة المستهدفة هي أن غير العربي لا يصح أن تتوجه إليه دعوة الإسلام.

وبين فضيلته أن هذه الطائفة ذهبت في اللجاجة والسفسطة كل مذهب، وعموا عن الأدلة والبراهين والحجج التي حملها القرآن لكل ذي مسكة من عقل أو بصيرة: وكلف فيها النبي تكليفا صريحا بأن يعلم الناس بعموم دعوته للعالم كله، ومن ذلك قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا"، وكذلك قوله  وهو يبين خصائص رسالته: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة"، وكذلك ما هو ثابت معلوم من رسائل النبي ، التي بعث بها إلى الملوك والأمراء في عصره، ودعاهم فيها إلى الإسلام؛ كرسالته إلى هرقل ملك الروم، وكسرى ملك فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر والإسكندرية.. فهل لذلك تفسير سوى أن الإسلام دين عالمي؟!

وأضاف فضيلة الإمام الأكبر أن الأمر الثاني أن الرسالة المحمدية رسالة خاتمة، وأن نبيها هو آخر الأنبياء، وذلك مصداقا لقوله تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، وما قاله هو -صلوات الله وسلامه عليه- في حديث مسلم: "أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون"، وقد يتساءل البعض: لماذا وقفت النبوات عند رسالة الإسلام، ولم تتطور كما تطورت نبوة موسى وعيسى -عليهما السلام-، ولماذا لم تتطور نبوة الإسلام إلى نبوة أو نبوات أخرى متتابعة؟.

وأوضح فضيلته أن الأمر يتوقف فهمه على فهم طبيعة التطور البشري، وكيف أنه يجري في اتجاهين: اتجاه التطور المادي، واتجاه التطور الخلقي، وأن النبوة لا علاقة لها بالاتجاه الأول، وهو اتجاه التطور المادي، ولا ترتبط تعاليمها به؛ لأن التطور في اتجاه المعرفة العلمية المادية رهن باتخاذ أسبابه وشروطه، وأنه إذا ما اتخذت أسبابه وحصلت مقوماته ودعائمه؛ فإن التقدم العلمي سيتحقق لا محالة، وجدت نبوة أو لم توجد، بخلاف الحالة الروحية والخلقية، والتي تتعلق به رسالات الأنبياء ونبوات الأنبياء، والكتب السماوية، وتدور عليها أصولا وفروعا وتطبيقا وممارسة، مبينا أن العلماء قد لاحظو أن هذه الحالة قد استقر أمرها مع ظهور الإسلام، واتضحت معالمها وقسماتها ولم يعد فيها متسع لتطور أو تقدم، يحتاج إلى نبوة أخرى تأتي بجديد، لم يتضمنه برنامج النبوة الخاتمة، ولم تشمله رسالتها ولا تعاليمها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أحمد الطيب شيخ الأزهر الجزيرة العربية المولد النبوى الشريف وزارة الأوقاف

إقرأ أيضاً:

حوار الوفد مع العشماوي عن وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام

وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام! ذكر الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف فى حواره مع الوفد وقال سيد الطائفة، الإمام الجنيد البغدادي رضي الله عنه: "الحكايات جند من جنود الله، يقوِّي بها قلوب المريدين!".

وقال سيدنا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: "الحكايات عن العلماء والصالحين؛ أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم!".

إن الرؤى والكرامات عبارة عن حكايات، يحكيها المرء عن نفسه، أو يحكيها غيره عنه، وهي أوقع في النفوس من العلم المجرد، ومن الوعظ المباشر؛ ولهذا قال الجنيد: "إنها تقوِّي قلوب المريدين!".

أي: تثبِّت اعتقادهم، وتقوِّي يقينهم!

ولهذا لا تعجب إذا وجدتَ تراجِم علماء الإسلام - في كتب التراجِم والتواريخ والطبقات - محشوَّة بذكر الرؤى والكرامات، فهي من أهم عناصر الترجمة؛ لدلالتها على فضله وصلاحه، بل يذكرها علماء الحديث في تراجِم الرواة، كالدليل على عدالتهم!

ونحن نتساءل: من أين عرف المؤرخون والمترجِمون هذه الرؤى والكرامات؟!

والجواب الضروري لهذا السؤال؛ أن الرائي حكاها عن نفسه أو عن غيره؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة الرؤيا المنامية إلا من الرائي!

فلماذا حكاها إذن؟! أليس هذا تزكية للنفس؟!

والجواب: أن لهم في حكايتها مقاصد لا تخفى على بصير، وهي تختلف باختلافهم، فمنهم من يحكيها دفعًا للتهمة عن نفسه، أو ترغيبا للناس في الأخذ عنه، أو في فعل الخيرات وترك المنكرات، أو لغرس محبة الصالحين في قلوبهم، وتقوية الجانب الروحي عندهم. وغير ذلك من المقاصد الصالحة!

أما الرؤيا الصالحة نفسها فهي جزء من النبوة، كما صرح به المعصوم - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في [صحيحه]، وسماها (مبشرات)، فبين بذلك بعض وظائفها، وهي أنها تبشر صاحبها بأنه على خير!

والقول في الكرامات كالقول في الرؤى والمنامات، غير أن الكرامة قد يشاهدها كثير من الناس، فتكون حكايتها من الناس لا من صاحبها!

ويكفي لكي تعلم مكانة الرؤيا أن الله تعالى ذكرها في غير موضع من القرآن، محتفيا بها، سواء وقعت لأنبياء أو لغيرهم!

كما احتفى بها أهل الحديث، فترجم البخاري في صحيحه كتابًا، وسماه كتاب [التعبير]، وأورد فيه كثيرا من المرائي!

وصنف الحافط ابن أبي الدنيا كتاب [المنامات]، وأورد فيه كثيرا من الرؤى المنامية!

وذكر الفقيه ابن أبي جمرة في مقدمة [شرحه على البخاري] عشرات الرؤى المنامية، التي ساقها للاستبشار بها، وللدلالة على فضل كتابه!

ووقفت على رؤيا للقرطبي حكاها عن نفسه، في [شرحه على صحيح مسلم]، في موضع لا يحضرني ذكره الآن!

هذا جانب من احتفاء القرآن والسنة وأهل العلم بهما، بمسألة الرؤى والمنامات!

على أنه لا ينبغي أن نبني عليها أحكاما شرعية، ولا أن تتوقف حياتنا عندها، وإن كان يستحب العمل بما وافق الشريعة منها، وقد ذكر ابن القيم في كتابه [الروح] عمل بعض السلف بالرؤى المنامية الصادقة!

وأما الكرامات فليس أدل على احتفاء القرآن بها؛ من ذكرها في مواضع مختلفة، كما وقع لسيدتنا مريم، ولأهل الكهف، ولصاحب موسى!

وترجم لها الإمام النووي في [رياض الصالحين] بباب [كرامات الأولياء]، وصنف الشيخ يوسف النبهاني كتابًا ضخما سماه [جامع كرامات الأولياء]!

ومما يدل على أهميتها؛ ذكرها في كتب العقائد الإسلامية، لاتصالها بمعجزات الأنبياء، بل قالوا: "كل ما كان معجزة لنبي؛ جاز أن يكون كرامة لولي، إلا ما اختص به الأنبياء!".

وأنشد الشيخ اللقاني في منظومته المباركة [جوهرة التوحيد]:

وأثبتنْ للأوليا الكرامةْ

ومن نفاها فانبذنْ كلامهْ!

هذه سطور كتبتها - على عجَل - جوابًا على سؤال مَن سأل: لماذا تذكر الرؤى المنامية الصالحة التي رأيتَها أو رؤيت لك؟!

مقالات مشابهة

  • تعرف على شرح حديث "قل آمنت بالله ثم استقم"
  • حوار الوفد مع العشماوي عن وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام
  • هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره
  • حين يسيء الناس لدينهم قبل أن يسيء إليه خصومه
  • هل يجوز تعليق الدعاء على المشيئة؟.. الأزهر يحذر من خطأ نهى عنه النبي
  • الأزهر يوضح مفهوم الوسطية في الإسلام ودورها في تحقيق التوازن
  • قد نقع فيه.. خالد الجندي يحذر من خطأ شائع في الصلاة على النبي
  • في ليلة الجمعة.. صيغ الصلاة على النبي ﷺ
  • موعد شهر رجب 2026.. أهم السنن والعبادات عن النبي
  • خطأ شائع في الصلاة على النبي .. اكتبها صح: «اللهم صلِّ» وليس «صلي»