انضم وزير الخارجية السوداني في نظام البشير، وأمين الحركة الإسلامية السوداني، علي كرتي، إلى قائمة العقوبات الأميركية بعد إعلان وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتيين إن كرتي أحد أسباب عرقلة التوصل إلى حل في الصراع الدائر في البلاد.

وقال بيان وزارة الخزانة إن كرتي أدرج على قائمة العقوبات لكونه "مسؤولا عن، أو متواطئا في، أو شارك بشكل مباشر أو غير مباشر أو حاول الانخراط في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان".

وسبق لواشنطن وأطراف غربية أخرى أن فرضت عقوبات على أفراد وشركات على صلة بالنزاع الذي أودى بـ7500 شخص على الأقل، وتسبّب بنزوح أكثر من خمسة ملايين شخص لمناطق أخرى داخل السودان أو إلى دول الجوار.

كرتي تولى منصب وزير الخارجية السوداني لعدة سنواتمن هو كرتي؟

تولى علي كرتي، المولود عام 1953، حقيبة وزارة الخارجية، بين عامي 2010 إلى 2015، خلال مرحلة نظام حكم الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير.

وكان كرتي، في عام 1997، وزير الدولة لشؤون العدل، كما أنه تولى مسؤولية التنسيق لما يعرف بـ "قوات الدفاع الشعبي السودانية"، وهي مجموعة من الميليشيات القبلية قدرت أعدادها بما يصل إلى 10 آلاف مقاتل.

وتصف الصحفية السودانية، رشا عوض، في مقال نشر على موقع "التغيير" الإخباري السوداني كرتي بأنه "القائد المؤسس للميليشيا"، وتقول إنه يقود تيارا متحالفا مع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، هدف إلى إضعاف قيادة الفترة الانتقالية وبث الانقسام في داخلها، وفق تعبيرها.

وقد سبق لكرتي وصف قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش بأنها "إرهابية ومتمردة".

بس الله الرحمن الرحيم #الحركة_الإسلامية_السودانية

بيان حول إرهاب مليشيات الدعم السريع المتمردة …. pic.twitter.com/jYSCabP8uv

— علي أحمد كرتي Ali Ahmed Karti (@Aliahmedkarti) May 24, 2023

وفي مارس عام 2020، أمر مكتب النائب العام السوداني بإلقاء القبض على كرتي لدوره في انقلاب، عام 1989، الذي أتى بالبشير إلى السلطة.

وأضاف في بيان أنه سيتم تجميد أصوله مشيرا كذلك إلى صدور أوامر اعتقال لخمسة أشخاص آخرين.

لكن الصحفية السودانية تقول إن هذه الأوامر ألغيت، بعد انقلاب أكتوبر عام 2021، الذي قاده الجيش ضد حكومة عبد الله حمدوك المدنية.

عرفت ميليشيا كرتي بولائها للحركة الإسلامية، وعُرف عن الكرتي اتخاذه جانب  البشير خلال الخلاف الذي حصل بينه وبين زعيم الحركة الإسلامية آنذاك، حسن الترابي، وفقا لدراسة أعدها الباحث، ياغو سالمون، ونشرت على موقع "Small Arms Survey" المتخصص بشؤون الجماعات شبه العسكرية.

ويقول سالمون إن الميليشيا ساندت الجيش النظامي خلال معاركه مع المتمردين في مختلف أنحاء البلاد.

وتتهم هذه الميليشيا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال تلك الفترة.

ووفقا للمتخصص السوداني، د. عبد الفتاح عرمان فإن كرتي، الذي يحمل شهادة بكالوريوس في القانون، معروف أيضا بكونه يتاجر في المعادن ومنها الحديد والصلب والاسمنت، وفق ما ذكره في مقال نشر على موقع "السودان تربيون".

ووصفت وزارة الخارجية الأميركية في بيان الجماعة التي يقودها كرتي بأنها "جماعة إسلامية متشددة تعارض بنشاط الانتقال الديمقراطي في السودان".

وأضافت أن كرتي "قاد الجهود الرامية إلى تقويض الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة المدنيين وعرقلة عملية الاتفاق السياسي الإطاري".

وذكرت الخارجية الأميركي أن كرتي "وآخرين من المسؤولين في النظام السابق (البشير) يعيقون الآن الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وحشد القوات لتمكين استمرار القتال، ومعارضة الجهود المدنية السودانية لاستئناف الانتقال الديمقراطي المتوقف في السودان".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

أين ذهب الرفاق؟ تأملات في فكر وتجربة اليسار السوداني (1)

د. ناهد محمد الحسن

هناك شيء مُحيِّر في التاريخ الإنساني: أجمل الأفكار تسقط حين تغادر الكتب. لا يهم إن كان اسمها الماركسية، أو الإسلام السياسي، أو الليبرالية، أو النسوية الراديكالية، أو حتى الحركات الروحية والصوفية. تبدأ الفكرة نيِّرة، مشتعلة بالعدل والحرية والخير، ثم ما تلبث أن تتعثّر، أو تتخشّب، أو تتحوّل إلى شيء آخر تمامًا.

لماذا يحدث هذا؟

لا أعتقد أن البشر سيئون بطبعهم، ولا أن النظريات خاطئة بالكامل، بل لعلّ السبب أن أي نظرية—مهما بلغت نقاوتها—تحمل داخلها بذور أزمة مستقبلية. وحين تتوسّع وتُطبَّق، تبدأ تناقضاتها الداخلية في الظهور، كما تكشف الممارسة حدودها الواقعية. هذه ليست قضية ماركسية فقط، بل قضية الأفكار حين تتحوّل إلى مؤسسات.

السودان، بتنوّعه وتعقيده، كان ساحة نادرة كشفت هذه التوترات بوضوح. فالنظرية شيء، والتجربة الإنسانية شيء آخر. النظرية تحاول أن تشرح العالم ببضع معادلات أو قوانين، لكن الإنسان لا يمكن اختزاله في معادلة. الإنسان يحمل خوفه وطموحه، إيمانه وتاريخه، ولاءاته وتعقيداته النفسية، علاقاته العائلية والجندرية، هويته الإثنية والروحية. وهذا التعقيد يتجاوز قدرة أي إطار نظري واحد.

يشير شارلز تايلور إلى أن محاولات اختزال التجربة الإنسانية في مبادئ كلية “تحرم الذات من عمقها الأخلاقي”.[i] ويذكّرنا برونو ليتور بأن النظريات، حين تحاول الإمساك بالواقع، تكتشف أن الواقع “أكثر حياةً وتناقضًا” [ii]مما يسمح به أي نظام فكري. هنا يبدأ الشقاق: النظرية تصف عالمًا مستقيمًا، بينما البشر يعيشون في عالم دائري ومعقّد.

وما إن يتبنّى الناس فكرة، حتى تتحوّل إلى نظارة ينظرون بها إلى العالم، وإلى هوية ينتمون لها، وحدٍّ فاصل بين “نحن” و”هم”. لا يختلف هذا كثيرًا عن الحركات الدينية أو الطائفية. وكما يلاحظ طلال أسد، يمكن لأي منظومة فكرية أن تتحوّل إلى “تقاليد خطابية” تُعيد إنتاج ذاتها باستمرار.[iii] عند هذه النقطة، لا تعود الممارسة مجرّد تطبيق للفكرة، بل دفاعًا عنها بوصفها هوية. يصبح النقد تهديدًا، والاعتراف بالخطأ مساسًا بالذات، ويتقدّم خطاب “الصفاء” و“النقاء” داخل الجماعة.

في السودان، رأينا هذا النمط لا داخل اليسار وحده، بل داخل الإسلاميين، والطرق الصوفية، وحتى بعض الحركات الشبابية الحديثة. ما إن تتحوّل الفكرة إلى هوية، حتى تبدأ في التخشّب.

هناك مشكلات خارجية، سياقية، تُضعف النظريات أو تعيق تطبيقها، مثل اختلاف التاريخ، فقر المعلومات، البنية الطبقية والثقافية، سلطة الدولة، والاستعمار. هذه يسهل رصدها. لكن الأخطر هو المشكلات الداخلية البنيوية، لأنها أقل وضوحًا. وهي فخاخ كامنة في بعض افتراضات النظرية حين تتحوّل إلى ممارسة مؤسسية: ادعاء امتلاك الحقيقة العلمية، احتكار النخبة للمعرفة، وجود قيادة “طليعية”، النظر إلى الجماهير بوصفها قاصرة، مركزية التنظيم، تصور طبقي جامد، وإقصاء الجندر والثقافة والدين من التحليل، إلى جانب ميل غير واعٍ إلى الوعظ الأخلاقي.

هذه السمات لا تظهر دائمًا مجتمعة، ولا في كل السياقات، لكنها تتكرر تاريخيًا حين تُعاد إنتاج المعرفة والسلطة داخل التنظيمات، كما يشير ميشيل فوكو[iv].

لماذا يتكرّر الفشل في كثير من الحركات؟

لأن النظرية حين تتحوّل إلى مؤسسة، تتغيّر وظيفتها. في الكتب، تهدف النظرية إلى تفسير العالم. أمّا حين تصبح مؤسسة، فتتحوّل وظيفتها إلى مهام تنظيمية: الحفاظ على الكيان، حماية الهوية، فرز الداخل والخارج، ضبط السلوك، فرض الانسجام، وصيانة الهيبة. هكذا تتحوّل الفكرة، دون قصد، من مشروع للتحرّر إلى مشروع للضبط، ومن أفق للتغيير إلى آلية للصيانة، ومن سؤال مفتوح إلى إجابة نهائية. يصف روبرت ميشيلز هذا المسار فيما سمّاه “قانون الأوليغاركية الحديدي”[v]، الذي يرى أن كل تنظيم—حتى التقدمي منه—يميل بمرور الوقت إلى إنتاج نخبة ضيقة تُعيد إنتاج علاقات السلطة داخله.

السودان: مختبر لفهم تعثّر النظريات

السودان مجتمع متعدّد القوميات والثقافات والأديان. المسلمون فيه، في جزء كبير منهم، متديّنون بطبعهم، والمجتمع ريفي في جوهره، لغاته وثقافاته متعددة، السلطة فيه موزعة، والنساء يلعبن أدوارًا اجتماعية لا تلتقطها النظريات الكلاسيكية، مع نزعة أناركية أصيلة في العلاقة مع الدولة. كل ذلك يجعل السودان مستعصيًا على أي نظرية موحّدة. ولهذا تعثّرت فيه مشاريع الأسلمة، والتعريب، واليسار الكلاسيكي، والدولة الحديثة، وحتى مشاريع التحديث التنموي. ليس لأن هذه المشاريع سيئة بالضرورة، بل لأنها لم تستطع استيعاب تعددية المجتمع وتعقيده.

يشير جيمس سكوت إلى أن المشاريع الاجتماعية الكبرى تنهار حين تتجاهل المعرفة المحلية وتعقيد الحياة اليومية[vi]. وقد انتبه الشهيد عبد الخالق محجوب مبكرًا إلى هذا المأزق، في ورقته المقدّمة للمؤتمر الثالث للحزب الشيوعي عام 1963، حين دعا إلى تحويل الفكر الثوري إلى “اللغة التي يفهمها شعبنا”، مؤكدًا أن المسألة ليست لغوية فحسب، بل تتعلق بكيفية تجسيد النظرية داخل شروط اجتماعية واقعية. هذا الوعي المبكر يعكس رؤية ثاقبة وفهمًا متقدمًا لتحديات الماركسية، ويقودني إلى التساؤل: كيف كان سيواجه هذا العقل الكبير، واقع عجز النظرية عن الإجابة على كل الفخاخ التي أشار إليها لاحقًا في ورقته “إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير”؟

كيف نفهم الفكرة حين تتعثر؟

ربما نحتاج إلى أدوات بسيطة تعيد ترتيب علاقتنا بالأفكار. أن نرى النظرية كأداة لا كهوية، كخريطة لا كأرض. أن نميّز بين العدالة بوصفها قيمة، والأدوات التي نستخدمها لتحقيقها. فالغاية النبيلة لا تبرّر احتكار المعرفة، ولا الوصاية، ولا قمع الاختلاف. وأن نعترف بأن الإنسان أكثر تعقيدًا من أي إطار شامل، وأن أي مشروع تحرري حقيقي يجب أن يبدأ من التجربة اليومية: من اللغة الحية، والثقافة، والجندر، والدين، والخوف والأمل، والعلاقات، وتناقضات البشر، لا من نصوص كبرى تُفرض على الواقع.

كان عبد الخالق محجوب مدركًا لأهمية التعلّم من الجماهير، إذ أكّد أن الجماهير ليست “تلاميذ ينتظرون التوجيه”، ولا “أدوات دعائية”، بل مصدر الشرعية ذاته، وأن العلاقة يجب أن تقوم على المشاركة والثقة والفعل المشترك. كانت رسالته ماركسية، لكن أرضه كانت السودان، وسؤاله كان بسيطًا وعميقًا: “لماذا لا نصل إلى الناس؟

يبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي حد كانت ستُسعفه النظرية نفسها؟

في هذه السلسلة، سنحاول تقليب دفاتر الماركسية وتجربة اليسار السوداني، لا لنُدينها، بل لنفهمها: أين تنجح النظرية؟ وأين تخفق؟ ولماذا، رغم وعي مبكر بهذه المآزق، تعثّرت الممارسة، وانزلقت أحيانًا إلى الوصاية والوعظ؟ لماذا تكرّرت الانقسامات، وغادر الرفاق؟ ولماذا ظلّ اليسار يواجه صعوبة في فهم الدين والجندر والثقافة؟

سنرى أن هذه ليست “أخطاء أشخاص”، بل فخاخ تظهر حين تتحوّل الأفكار إلى مؤسسات. وهذا لا يُنقص من قيمة الفكرة الأصلية، بل يعيدها إلى حجمها الإنساني، ويجعلها أكثر تواضعًا… وربما أكثر قدرة على الحياة.

[i] Charles Taylor, Sources of the Self, 1989.

[ii] Bruno Latour, Reassembling the Social, 2005.

[iii] Talal Asad, Genealogies of Religion, 1993.

[iv] Michel Foucault, The Archaeology of Knowledge, 1969.

[v] Robert Michels, Political Parties: A Sociological Study of the Oligarchical Tendencies of Modern Democracy, 1911.

[vi] James C. Scott, Seeing Like a State, 1998.

 

الوسومد. ناهد محمد الحسن

مقالات مشابهة

  •  الخارجية: المملكة تدين الهجوم الذي تعرض له مقر للأمم المتحدة في مدينة كادوقلي بالسودان
  • أين ذهب الرفاق؟ تأملات في فكر وتجربة اليسار السوداني (1)
  • نيجيريا تنفي صلتها بناقلة نفط احتجزتها القوات الأميركية
  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • الجيش السوداني: ماضون في مسيرة تحرير الوطن والدفاع عن سيادته
  • شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)
  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • بالصور: الجيش الإسرائيلي يعلن استكمال مناورات مشتركة مع البحرية الأميركية