الحياة تنبعث مجددا من تحت الركام بإقليم الحوز المغربي
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
أوريكا- على جنبات الطريق المؤدية إلى جبال أوكايمدن وتوبقال بمنطقة الأطلس، بدأت الحياة تعود مجددا إلى طبيعتها، وبدأ صغار التجار يمارسون نشاطهم التجاري اليسير، بعد الضرر الكبير عقب زلزال الحوز.
فهنا فتحت الدكاكين القصبية أبوابها من جديد عارضة بضاعتها المحلية، وهناك عادت الجمال والبغال والحمير -التي يستغلها السياح لزيارة المناطق النائية بالجبال المحيطة- لتزين المكان، الذي اضطرت للابتعاد عنه لفترة بعد الزلزال، وهنالك استعادت تلك المحال اليسيرة نشاطها وبدأت تقدم أنواع الأكل التقليدي إلى روادها كما كانت تفعل دائما.
وحتى ذلك المحل القصبي المتداعي الذي يقع في الخلاء وحيدا أسفل الجبل بين مدينة تحناوت وبلدة أسني (جنوب مراكش)، الذي لا يكاد يتجاوز عرضه مترين، فتح "بابه" من جديد بعد أن ظل مغلقا لأيام بعد الزلزال، وها هو يقدم الشاي والقهوة لمن تضطره الظروف للتوقف في الطريق الضيقة الملتوية القريبة منه.
فقد اعتاد الباعة -ولعقود طويلة- استغلال جنبات الطريق لعرض بضائعهم من أوان فخارية مزخرفة، ومنتجات فِلاحية أمام السياح، الذين دأبوا على زيارة هذه المناطق الجبلية، لكن كل شيء توقف بسبب الزلزال، حيث لحقت بصغار التجار أضرار بالغة.
ومع مرور الأيام، وبفضل الدعم الشعبي والرسمي الكبير الذي وصل لأهالي منطقة الحوز، بدأت الحياة تنبعث مجددا بين الركام، نافضة عنها آثار الزلزال العنيف.
فإلى جانب الدراسة التي استؤنفت في عدد من الدواوير الجبلية داخل خيام مؤقتة، عاد بعض الأبناء الذين يعملون بمدن مغربية أخرى إلى مقار عملهم، وفُتحت المتاجر الصغيرة المنتشرة في الدواوير وعلى الطرقات أبوابها من جديد أمام المشترين، وإن كان الزلزال وفقدان الأحباب والممتلكات، هو ما يسيطر على أحاديث الناس حاليا.
"الآن نعود من جديد لعرض بضاعتنا على الرغم من الندوب التي خلّفها الزلزال في قلوبنا"، يؤكد لنا رشيد، صاحب محل لبيع الأواني الفخارية المزخرفة على الطريق بدوار إسغين بمنطقة أوريكا، (نحو 60 كيلومترا جنوب شرق مراكش).
ويتابع رشيد بأن خسائر محلهم الصغير بلغت نحو 20 ألف درهم مغربي (حوالي ألفي دولار)، وقد اضطروا لجمع كل بضاعتهم ووضعها على الأرض خوفا من أن يدمرها الزلزال والهزات الأرضية المتتابعة، فيضيع كل ما يملكون.
وضع لا يكاد يختلف عما عاشه كثير من تجار المنطقة، الذين أكد لنا رشيد أن بعضهم اضطر لنقل جزء من نشاطه التجاري إلى مناطق لم يزرها زلزال القرن.
لكن "لا ينفع فرار من قدر"، كما قال لنا والد رشيد، الذي أوضح أن منطقة أوريكا وبعض الدواوير المحيطة بها، وإن لم تعِش الدمار الذي عاشته مناطق؛ مثل: إغيل وتلات نيعقوب، إلا أن الرجّة الأرضية أثرت بشكل كبير في النفوس، وعلى تجارة القرويين، فضلا عن أنها هدمت بعض المنازل. وتابع، "الزلزال ترك -أيضا- شقا واضحا في الأرض، وكأنه يقول للجميع، أنا مررت من هنا وقد أعود".
وسرعان ما رفع الشيخ يديه إلى السماء، وانبرى يسبح بحمد الله ويثني عليه، ويدعوه أن يرزق البلاد والعباد العفو والعافية، وينجي الناس من الزلزال وآثاره المدمرة.
وعبر الطريق التي تربط بين بلدتي تحناوت وويرغان (جنوب مراكش)، مرورا بالبلدات التي تقع على الطريق، فتحت جُلّ الدكاكين الصغيرة -التي لم تتهدم- أبوابها من جديد، ومعظم روادها من سكان الدواوير الجبلية، الذين ينزلون إليها لشراء مستلزماتهم.
والمطاعم الشعبية الضيقة في مدخل بلدة آسني، تعج هذه الأيام -كذلك- بمرتاديها كما في أيام ما قبل الزلزال، ودخان محال الشواء يغمر المكان، بينما يكافح رجال الأمن لتنظيم المرور في مدخل البلدة، حيث ازدحمت سيارات ودراجات الغادين والرائحين، مع سيارات ودراجات من توقفوا للأكل.
صورة ترسم البسمة على كل الوجوه التي اطلعت على هذه المحال الصغيرة وهي مغلقة بُعيد الزلزال المدمر.
وغير بعيد عن آسني، وبالتحديد في ضواحي تحناوت، بادرت حنان لفتح أبواب محلها التجاري الذي تعرِض فيه منتوجات فلاحية خاصة بالمنطقة ومشغولات يدوية، بالإضافة إلى تقديم وجبة الإفطار التقليدية للزوار.
ما بعد الزلزال
داخل المحل الصغير صفّت المنتجات التي تصنع في المنطقة بشكل لافت يزين الرفوف، بينما بدت بعض المنتجات ملقاة على الأرض، قالت لنا حنان صاحبة المحل باسمة، إنها اضطرت إلى ذلك حتى لا تسقط من الرفوف وتتكسر، خاصة أن الهزات الارتدادية مستمرة.
حنان أكدت أن أصحاب المحال الصغيرة -وبرغم كل ما جرى- بدؤوا يعودون تدريجيا إلى نشاطهم السابق، محاولين تجاوز تداعيات الزلزال الذي خطف أرواح كثير من أحبابهم، ودمر ممتلكاتهم، موضحة أن ذلك ليس بالأمر السهل.
والأجمل بالنسبة لحنان هو أن عددا من المشترين بادروا إلى شراء كثير من المنتجات من محال منتشرة بالمنطقة، رغم أنهم ليسوا في حاجة ماسة إليها، وذلك رغبة منهم في رسم البسمة على وجوه أصحاب تلك المحال ومساعدتهم على تجاوز أي آثار سلبية للزلزال على تجارتهم.
فالزلزال وإن كان تسبب في كل هذا الدمار، فقد سمح بظهور لوحة إنسانية جميلة رسمتها أيدي أناس هبّوا إلى المنطقة مباشرة بعد وقوع الزلزال، يحملون مساعدات للضحايا، ولا يزالون يواصلون جهودهم برفقة السلطات في رسم البسمة على وجوه المنكوبين، مثلما فعلت ينابيع المياه التي فجّرها الزلزال في بعض المناطق التي مرّ منها، باعثا الحياة فيها من جديد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من جدید
إقرأ أيضاً:
الخرطوم.. طائر الفينيق ينهض من تحت الركام
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، استعادت المدينة ضجيج الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت حركة الباعة والمتسوقين المتنقلين بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة.
على جانب أحد طرقات السوق، لا تزال سيارة محترقة من مخلفات القتال الشرس الذي شهدته نواحي العاصمة طيلة عامين ماضيين حتى تمكنت قوات الجيش السوداني من استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وإبعاد قوات الدعم السريع إلى خارجها.
وفي سوق الكلاكلة الذي يُعد من أكبر أسواق جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل بالطاقة الشمسية في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، في حين بدأت حركة النقل ما بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم وأم درمان غربا في ازدياد مضطرد.
تعيد أصوات الباعة المتجولين للأذهان صخب ما قبل الحرب التي اندلعت أواسط أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة، في حين أن العاملات في بيع الأطعمة والقهوة يشكلن حضورا بارزا ويعطين السوق صبغة خاصة، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل "طيبة الحسناب" وحي "الشجرة".
وتعكس حركة الناس والسيارات، وبعضها حديثة، وجه العاصمة السودانية عامة، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تحاول النهوض من تحت الركام المتناثر على مدى عامين طالت الحرب فيهما كل ملامحها ودمرت بنيتها التحتية، فتحولت من واحة تضجّ بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة.
وفي الذكرى الأولى لاندلاع الحرب على السودان (أبريل/نيسان 2024) قدّرت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع السوداني، منهم 9 ملايين داخل البلاد، في حين فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار. وأشارت البيانات في حينه إلى أن 90% من أهالي العاصمة الخرطوم نزحوا عنها.
إعلانمؤخرا، وبعد سيطرة الجيش عليها، يعود ضجيج الحياة رويدا رويدا إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث استعادت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل نشاطها، فضلا عن استئناف بعض الجامعات التدريس بعد توقف لعامين.
Zobraziť tento príspevok na InstagramePríspevok, ktorý zdieľa الجزيرة (@aljazeera)
أم درمان الأسرعفي مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الاقتصادية، عادت الحياة بصورة أقوى لأنها كانت الأسرع في مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام الجيش بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكّر. وعادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إلى أحيائها القديمة مثل "أبو روف" و"ود البنا" و"ود نوباوي" و"الهجرة".
وفي المدينة نفسها أيضا، استأنفت مستشفيات عدة نشاطها مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفي النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثا ورُفعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى "إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة".
وقال وزير الصحة بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت إن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الماضية خاصة في أم درمان بعد أن خربتها قوات الدعم السريع ونهبتها.
ووفق الوزير، فإن قوات الدعم السريع دمّرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، فضلا عن تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها.
وفي قطاع التعليم الذي يكابد من أجل تعويض الفاقد الطويل لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -كبرى جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما أعلنت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة.
اقتصاديا، تعد أم درمان الأكثر نشاطا، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أبرز أسواقها للعمل مثل "سوق أم درمان" و"سوق صابرين"، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. وبينما تمارس خطوط النقل الداخلية نشاطها المعتاد، اكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا خلال الحرب.
إعلانيقول عمر علي، أحد التجار بسوق أم درمان، للجزيرة نت إنهم عادوا لفتح محلاتهم التجارية رغم الدمار الذي لحق بالسوق. وأضاف "بدأنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كل بضاعتنا ومحالنا التجارية".
كان علي تاجرا في مجال المواد الغذائية قبل أن يتم تدمير متجره وحرق معظم أنحاء السوق، الذي يشهد أبرز أنشطة العاصمة الاقتصادية وأكبرها. وقال إن العودة إلى سوق أم درمان في ازدياد رغم الركود في حركة البيع والشراء.
وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار. كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي البالغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.
ويرجع الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الاقتصادي الأول في البلاد بنسبة 25% من الاقتصاد السوداني، إضافة إلى امتداد الصراع إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا والفاشر في دارفور وود مدني بولاية الجزيرة، وهي مناطق تُشكل عصب الإنتاج الزراعي والصناعي.
بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري أكثر مدن العاصمة دمارا. وكانت تضم أسواقا ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل تحولت جميعها إلى أنقاض.
بيد أن المدينة التي تقع شمالي الخرطوم، بدأت في النهوض، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل "الدروشاب" و"السامراب" و"الكدرو" و"الحلفايا"، لا سيما بعد عودة التيار الكهربائي إليها.
أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وشرعت الحكومة في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى "حاج الصافي" بعد تدميره في الفترة السابقة.
أما حركة النقل بين بحري وأم درمان، فتعد الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة العودة إلى العمل خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الهائل الذي طال منطقة بحري الصناعية.
إعلان حركة الجسورتضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور بينها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتعطلت الحركة كليا بين الجسور خلال الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وشرق النيل وجبل أولياء.
وبعد استعادة الجيش أكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، عادت حركة الجسور مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري للعمل.
كما عادت الحركة لجسور "المك نمر" والنيل الأزرق وكوبر التي تربط بين الخرطوم والخرطوم بحري. وعاد الحركة أيضا إلى جسري سوبا والمنشية الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.