هل مهرجان أكتوبر آمن بالنسبة للنساء والفتيات؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
أكثر من ثلاثة ملايين شخص زاروا مهرجان "أكتوبر فيست" في النصف الأول من مدته المقررة هذا العام
يجذب مهرجان أكتوبر في ميونيخ العديد من الأشخاص المحبين للحفلات وهم يرتدون الملابس التقليدية البافارية "الدرندل" والسراويل الجلدية. نسخة المهرجان لهذا العام تمتد حتى الثالث من أكتوبر/تشرين الأول هذا العام.
وعندما يتجمع عشرات الآلاف من الناس وتتدفق البيرة دون قيود، يمكن أن تحدث حوادث غير سارة.
ووفق المعطيات الرسمية، تمّت مساعدة 143 امرأة وفتاة شعرن بعدم الأمان أو تعرضن للتحرش. لقد وجدن الدعم بـ "المنطقة الآمنة"، والتي تقع في منطقة مهرجان أكتوبر خلف خيمة البيرة "Schottenhamel " وهي مفتوحة يوميًا،
لتقدم الخدمة والمشورة للفتيات والنساء اللاتي تعرضن للعنف أو التحرش الجنسي أو اللاتي يشعرن عمومًا بعدم الأمان. ويمكن للمحتاجات الإبلاغ عن العنف الجنسي إلى الشرطة، أو تلقي الدعم النفسي، أو شحن هواتفهن، أو الحصول على قسائم سيارات الأجرة من أجل رحلة آمنة إلى المنزل. في العام الماضي، تمكن موظفو "المنطقة الآمنة" من مساعدة ما مجموعه 450 فتاة خلال أيام مهرجان أكتوبر التي استمرت 17 يومًا.
في عام 2022، حضر أكثر من 5 ملايين شخص مهرجان أكتوبر في ميونيخ
تجاوزات سلوكية
تقول كريستينا غوتلوبير، المتحدثة الصحفية باسم "المنطقة الآمنة" في مقابلة مع دويشته فيله: "يأتي الكثير من الناس إلى هنا للمغازلة والتعرف على شريك محتمل. وطالما تم كل شيء بالتراضي، فلا بأس". لكن الاستهلاك المفرط للكحول - كما تقول غوتلوبير - يخلق أيضًا جوًا من عدم التثبيط.
وتضيف: "يعتقد الناس أن مهرجان أكتوبر هو نوع من المنطقة الخالية من الأخلاق، حيث يمكنك الخروج عن المسار المعتمد تمامًا". "كثيرًا ما نسمع أن النساء يجب عليهن ببساطة قبول التحرش الجنسي، وإلا فلن يأتين إلى هنا. هذه هي الطريقة التي يفكر بها بعض الناس، لكن هذا ليس صحيحًا بالطبع".
وفي عام 2022، كانت هناك 55 حالة تحرش جنسي في مهرجان أكتوبر، بما في ذلك ثلاث حالات اغتصاب. هذه هي الأرقام الرسمية فقط. ومن المرجح أن يكون عدد الحالات غير المبلغ عنها أعلى بكثير.
600 ضابط شرطة و1400 حارس أمن خاص هم في الخدمة في مهرجان أكتوبر 2023
تدابير احترازية
وتؤكد غوتلوبير أن أشكال الاعتداء الأكثر شيوعًا تشمل التحسس والتقبيل غير المرغوب فيه والتقاط صور أو مقاطع فيديو تحت ملابس النساء دون موافقتهن. وتؤكد على مدى أهمية أن تتخذ كل زائرة لمهرجان أكتوبر بعض التدابير الاحترازية. يتضمن ذلك، على سبيل المثال، إحضار "شاحن" إضافي للموبايل حتى يكون جاهزًا للاستخدام في أي وقت لطلب المساعدة. من المهم أيضًا الاحتفاظ ببعض المال خارج المحفظة حتى تتمكن من استدعاء سيارة أجرة في حالة الطوارئ. وأخيرًا وليس آخرًا، الاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بالأشخاص الذين يجب الاتصال بهم في حالات الطوارئ في مكان آخر غير الموبايل.
وتقول غوتلوبير: "نحن بالطبع نتفق تمامًا مع الرأي القائل بأن اللوم يقع دائمًا على عاتق مرتكب الجريمة. لكننا نعلم أيضًا أن المواقف الخطيرة يمكن أن تنشأ بسرعة كبيرة بالنسبة للفتيات والنساء في مهرجان أكتوبر، ويجب أن تكون مستعدات لذلك".
ترتدي زائرات مهرجان أكتوبر سراويل قصيرة تحت ملابسهن كإجراء وقائي. وهناك نصائح أخرى. تقول دينيس، 25 عامًا، من ميونيخ: "أعتقد كامرأة أنه لا ينبغي عليكِ الإفراط في تناول الخمر. يجب عليكِ الانتباه إلى مشروبك والأشخاص من حولك. ويجب عليكِ البقاء داخل مجموعة أصدقائك". وتقترح أيضًا الاتصال بالأمن أو النادلات في خيم المهرجان وتجنب الرجال العدوانيين المخمورين قدر الإمكان.
توصي تيريزا رودغرز، 40 عامًا، وهي من كولورادو من الولايات المتحدة، بحضور مهرجان أكتوبر في الصباح، عندما يكون الجو أكثر هدوءًا وتكون الحشود منضبطة بصورة أكثر.
المسؤولية المشتركة
مبادرة أخرى ضد العنف الجنسي في مهرجان أكتوبر هي "WiesnGentlemen"، وتعني "مناطق السادة المحترمين". تم إطلاق مشروع الوقاية هذا في عام 2013 من قبل منظمة "Condrobs " غير الربحية. وهو يركز على السلوك المحترم والشرب المسؤول وخلق بيئة مهرجانية آمنة، وخاصة بالنسبة للنساء.
تساعد "المنطقة الآمنة" في مهرجان أكتوبر النساء والفتيات
تنشر المبادرة شعارها "الاحترام قوتي" عبر وسائل التواصل الاجتماعي والملصقات والحملات المدرسية وتتفاعل مع الزوار في الطريق إلى موقع المهرجان. كما أنها تمنح جائزة مهرجان أكتوبر للشجاعة، والتي تهدف إلى الاعتراف بالسلوك المحترم وتعزيزه.
ويبحث المشروع عن أمثلة للشجاعة الأخلاقية التي ساعد فيها الأفراد متضررين أو محتاجين. تقوم لجنة التحكيم بتقييم المشاركات واختيار الفائز الذي يحصل على قسيمة لزي مهرجان أكتوبر.
ربما يبدو من الغريب مكافأة السلوك الذي ينبغي اعتباره أمرا مفروغا منه، كما تقول بيرغيت تريمل من "Condrobs ". لكن الحقيقة المحزنة هي أن السلوك المحترم ليس هو القاعدة دائمًا. ولسوء الحظ، يهمل المارة مساعدة الأشخاص المحتاجين في بعض الأحيان. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تعزيز السلوك المحترم ومساعدة الآخرين بشكل فعّال.
وتضيف تريمل: "احترموا بعضكم البعض". "ينطبق هذا دائمًا وفي كل مكان في مجتمعنا. ولكن هنا بشكل خاص في مهرجان أكتوبر، حيث يجتمع الكثير من الناس، وحيث يوجد الكثير من الكحول، وحيث ربما يكون من الأسهل تجاوز الحدود (الأخلاقية). ولهذا السبب بالتحديد من المهم أن يساعد الجميع على احترام الحدود".
عائشة شاريبجان/ترجمة: زمن البدري
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: مهرجان أكتوبر أكتوبر فيست ألمانيا بافاريا مهرجان أكتوبر أكتوبر فيست ألمانيا بافاريا فی مهرجان أکتوبر أکتوبر فی
إقرأ أيضاً:
تحولات مفهوم الاستثمار الاجتماعي واحتياجات المجتمع
يخضع مفهوم المسؤولية الاجتماعية (الاستثمار الاجتماعي) في سياق تطوره التاريخي وتطور ممارساته إلى العديد من الجدليات؛ منها جدلية الطوعية والإلزام (هل الاستثمار في خدمة المجتمعات المحلية وتأدية دور مسؤول تجاه المجتمع المستضيف لأعمال الشركة أو المؤسسة أمر طوعي اختياري، أم يجب أن يخضع للحد الأدنى من الضوابط الإلزامية؟)، ومنها جدلية (من يحدد حاجيات المجتمع الحقيقية؟)
ومن الجدليات كذلك التي تحيط بهذا المفهوم (هل مسألة الأثر تقوم على الإفصاح أم على الرقابة والتدقيق؟)، إضافة إلى جدلية المفهوم نفسه؛ حيث تمتنع عديد الشركات والمؤسسات عن استخدام مفهوم المسؤولية الاجتماعية لصالح مفهوم الاستثمار الاجتماعي؛ وذلك لأنها ترى أن استراتيجياتها في خدمة المجتمعات المحلية يجب أن تركز على (الاستثمار) في إكساب المجتمع قيمة جديدة مستدامة؛ سواء كانت في الصحة أو التعليم أو في حماية البيئة والنظم الإيكولوجية، أو في غيرها من المجالات التي يتلامس معها هذا الاستثمار، بحيث يخلق قيمته الاجتماعية، ولا يوجه بشكل حصري لسد حاجة آنية، أو في شكل هبات وتبرعات بالمفهوم التقليدي للممارسة.
هذه الجدليات خلال العقود الماضية خضعت للكثير من محاولات المعالجة والتأطير؛ إلا أن التباين ما زال قائمًا في أشكال الممارسات، وفي نهج ترتيب الأولويات، وحتى في طرائق الإفصاح، وفي نهج مشاركة المجتمع في تصميم البرامج وتقييمها وقياس أثرها الفعلي على المجتمعات المحلية.
تحاول المقالة الإجابة على سؤالين مهمين؛ الأول: كيف ستتغير المفاهيم المتصلة بالاستثمار الاجتماعي خلال العقدين القادمين؟، والثاني: بالنسبة للمفهوم في سلطنة عُمان، ما الاحتياجات الاجتماعية الفعلية التي يتوجب أن يتوجه المفهوم لملامستها، وكيف يصاغ نهج عملي أكثر حساسية لتحديد الأولويات منها؟.
تشير العديد من التحليلات إلى أن الاستثمار الاجتماعي خلال العقدين القادمين سيكون مؤطرًا بثلاثة محددات مهمة: المساءلة المنهجية Systemic Accountability، والكفاءة بين الأجيال Intergenerational Efficiency، والضرورة التجديدية Regenerative Imperative. بالنسبة للمساءلة المنهجية هناك بعض الإشارات التي تدل على نشوء موجة إلزام ومعايير عالمية، خاصة تجاه موضوعي البيئة وحقوق الإنسان في إطار المسؤولية الاجتماعية/ الاستثمار الاجتماعي.
ومن أبرز ما يدلل على ذلك معايير توجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات الصادرة عن (الاتحاد الأوروبي)، والتي تعرف اختصارًا بـ CSDDD إضافة إلى معايير المجلس الدولي للإفصاح عن الاستدامة، والمعروفة اختصارًا بـ ISSB.
أما بالنسبة للكفاءة بين الأجيال؛ فهناك مثال بارز في الواقعة الشهيرة التي جسدها حكم المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية (2021) بشأن قانون حماية المناخ؛ حيث أقرت المحكمة بأن القانون المناخي القائم في حينها ينتهك حقوق الأجيال القادمة لأنه: يسمح باستهلاك غير متوازن لموازنات الكربون في الحاضر ويفرض قيودًا على حرية الأجيال المستقبلية. أما بالنسبة للضرورة التجديدية فترى عديد الأدلة أن التحول في مفهوم المسؤولية الاجتماعية/ الاستثمار الاجتماعي لن يكون فقط لحل مشكلات قائمة، وإنما لحماية المجتمعات المحلية من نشوءها، وإمدادها بالضرورات اللازمة لتجويد مستويات حياتها وأنماط معيشتها.
في البيئة على سبيل المثال لن يكون الالتزام في تحقيق خفض الانبعاثات فقط؛ وإنما سيكون الاتجاه الجديد «تحقيق أثر إيجابي صافٍ (net-positive) من خلال استعادة وتحسين الأنظمة الإيكولوجية والاجتماعية التي يعتمد عليها النشاط التجاري».
بالنسبة للمجتمع في عُمان، وفي ظل التحولات الراهنة لنشاط الاقتصاد في عُمان عبر ثلاثية توسع الأنشطة الاقتصادية، والتحول نحو تنوع الأنشطة الاقتصادية، ووجود ممارسات تاريخية يمكن البناء عليها في مفهوم الاستثمار الاجتماعي؛ نعتقد أن هناك جملة من الاحتياجات التي تفرضها عملية الانتقال الاجتماعي المنشودة في العلاقة بين المجتمع والشركات والمؤسسات، ولعل أبرزها أهمية وجود دور أكبر وأكثر منهجية لهذه الشركات والمؤسسات في مسألة (إعادة تأهيل المهارات)، وبناء كتلة مناسبة من القدرات البشرية التي تستطيع أن تنافس في القطاعات غير التقليدية، وفي القطاعات التي يؤهل أن تتم أتمتتها، وفي تلك القطاعات ذات الاحتياج الوطني المستقبلي (بما في ذلك قطاعات الطاقة المتجددة والتحول الأخضر والأمن السيبراني وهندسة النظم)؛ لذلك يغدو وجود اتحاد وشراكة ممنهجة بين مجموعة من هذه الشركات والمؤسسات لتبني برنامج وطني موسع في إعادة تأهيل المهارات المستقبلية أمر ملح ومهم لضروراته الاجتماعية والاقتصادية. السياق الآخر هو في تكامل أنشطة الاستثمار الاجتماعي ولامركزيتها ـ ندرك أن لكل شركة أو مؤسسة سياساتها وموجهاتها الاستراتيجية في ممارسة أنشطة المسؤولية الاجتماعية ـ غير أن التكاملية في السياق المحلي أمر ضروري، والخروج لخدمة سياق اجتماعي أوسع خارج نطاق منطقة الخدمة/ أعمال الشركة من شأنه توسيع الأثر الاجتماعي والاقتصادي لتلك الأنشطة.
وتأتي مسألة التوسع في حاضنات الابتكار لخدمة الحلول المجتمعية كذلك من بين الاحتياجات المرجو أن تركز عليها هذه الأنشطة، بالإضافة إلى مساعدة المخططين الاقتصاديين في المحافظات على التخطيط القائم على الاستدامة، وعلى تعظيم الفرص الاقتصادية، وتعظيم القيمة الاجتماعية لمشروعات وبرامج وأنشطة تنمية المحافظات، ويؤمل من أنشطة المسؤولية الاجتماعية/ الاستثمار الاجتماعي كذلك خلق النماذج الرائدة بالشراكة مع الحكومة (مدارس المواهب مثالًا، المستشفيات القائمة على الذكاء الاصطناعي، البنى الأساسية الموفرة للطاقة، ومدن الاستثمار الاجتماعي التي تركز على تكوين بيئة سلوكيات صحية ومستديمة بالنسبة للساكنين..)؛ تكوين مثل هذه النماذج يرسي توجهات اجتماعية رائدة من ناحية، ويبني من ناحية أخرى قاعدة قوية للشراكة بين القطاعات تقوم على نقل المعرفة الرائدة والخبرات بشكل عملي ومستمر.
وفيما يتعلق بنهج تحديد الأولويات؛ فإن وجود مرصد وطني مؤسس وبحوكمة واضحة للاستثمار الاجتماعي أصبح ذا أهمية؛ بحيث يعني بخمس مهام رئيسة: مراقبة التحولات والاحتياجات الاجتماعية الناشئة وتحويلها إلى فرص استثمار اجتماعي، وتحديد وتجديد واقتراح أطر الممارسة ومعاييرها وتطويرها بتطور الاحتياجات والممارسات، وتقييم أثر أنشطة وممارسات الاستثمار الاجتماعي على تلبية الأولويات والاحتياجات الاجتماعية القصوى، وتقييم أثر أنشطة وممارسات الاستثمار الاجتماعي على تمكين الاقتصاد والمجتمع، بالإضافة إلى ربط تلك الأنشطة والممارسات بمبادئ وأولويات الأجندة الوطنية من خطط متوسطة المدى واستراتيجيات قطاعية، وخطط مؤسسية، بحيث تكون لهذا المرصد الأدوات والصلاحيات والمُكن المشرعة التي تجيز له ممارسة الاختصاص، ولا يكون مجرد كيان استشاري أو وحدة بحثية جانبية، ويستقر إنشاؤه توافقًا وتنظيمًا بين الحكومة والقطاع الخاص.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع، والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان