تكريس صور العرب والإسلام النمطية في الغرب
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
تكريس صور العرب والإسلام النمطية فى الغرب
الانحياز ازدادت حدته بعد حرب أكتوبر وحظر النفط عن أمريكا وهولندا، إذ صار كل ما هو عربى «يمثل تهديدًا».
العنصرية ضد العرب اليوم تستخدم المفردات نفسها التى كانت تُستخدم يومًا ضد اليهود، بما فيها الأنف المعقوف فى الكاريكاتير!
تاريخ البشر يصنعه البشر، «ولأن الصراع من أجل الهيمنة على الأرض جزء من التاريخ، فإنه يمثل أيضًا صراعًا حول إنتاج المعنى التاريخى والاجتماعى».
كتاب إدوارد سعيد دراسة نقدية للسلطة والقوة التى تستخدم المعرفة لتحقيق مصالحها وتأثير الاستشراق المباشر على صناع القرار بالغرب والمواطن الغربى.
قدم سعيد الأدلة على أن الاستشراق كان قائمًا، لا على مجرد السرد والوصف، وإنما على اعتبار «الإسلام» هو التجسيد الأكثر خطرًا لما يسمى بـ«الشرق».
يحلل سعيد نفوذ "الاستشراق" الواسع فبات منطلق كل الدراسات الغربية عن العرب والإسلام. وتمدد نفوذه وانتقل خارج حدود الغرب فغدا مستخدمًا بذات التعميمات المُخلة!
اليوم تُستخدم مفردات فريدة لوصف الإسلام والمسلمين، إذ «لا توجد جماعة اثنية أو دينية أخرى يجرؤ أحد فى الغرب أن يقول أو يكتب عنها ما يقال ويكتب عن العرب والمسلمين».
* * *
مازلتُ أقدم أهم ما جاء فى كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد. وتعرضتُ فى المقال السابق لشرحه لثبات العلاقة بين الأكاديميا «والمعانى المُتخيلة» عن الشرق منذ القرن الثامن عشر.
وكتاب إدوارد سعيد، الذى صدرت طبعته الأولى أواخر السبعينيات، يشير لمتغير جديد وقتها، إذ يشير إلى أن الانحياز ازدادت حدته بعد حرب أكتوبر وحظر النفط، إذ صار كل ما هو عربى «يمثل تهديدًا».
وبعد أن يعرض باستفاضة الصور النمطية للعرب فى الغرب، يقول بحق إن المفردات التى تُستخدم اليوم لوصف الإسلام والمسلمين فريدة من نوعها، إذ «لا توجد جماعة اثنية أو دينية أخرى يجرؤ أحد فى الغرب أن يقول أو يكتب عنها ما يقال ويكتب عن العرب والمسلمين»، مشيرًا لملاحظة بالغة الأهمية، وهى أن العنصرية ضد العرب اليوم تستخدم المفردات نفسها التى كانت تُستخدم يومًا ضد اليهود، بما فيها الأنف المعقوف فى الكاريكاتير!
ولابد من الإشارة إلى أن إدوارد سعيد تعرض لهجوم قاسٍ بعد نشر الكتاب، واتُّهم بالعداء «للغرب» بل وبأنه يجعل الغرب «عدوًا للعالمين العربى والإسلامى».
وعند آخرين، كان الاتهام لإدوارد سعيد أنه يقدم صورة ناصعة للحضارة الإسلامية وكأنها بلا أخطاء، وهو ما لم يقله «سعيد» ولم يهدف له. فهذا الهجوم وذاك، يعتبر الغرب والمستشرقين، أى من يدرسون الشرق منهم، شيئًا واحدًا، ويتجاهل أن الرجل رفض منذ البداية التصنيفات القائمة على التعميم المُخل، من نوع «شرق» مقابل «غرب».
وكيف يمكن لـ«سعيد» أن يقدم صورة ناصعة للحضارة الإسلامية رغم أنه رفض صراحة أن يقدم «أى صورة»، يعتبرها «الحقيقية» لتلك الحضارة! كل ما قاله «سعيد» وقدم عليه الأدلة كان أن الاستشراق كان قائمًا- لا على مجرد السرد والوصف- وإنما على اعتبار «الإسلام» هو التجسيد الأكثر خطرًا لما يسمى بـ«الشرق».
وجوهر أطروحته كان أن تاريخ البشر يصنعه البشر، «ولأن الصراع من أجل الهيمنة على الأرض جزء من التاريخ، فإنه يمثل أيضًا صراعًا حول إنتاج المعنى التاريخى والاجتماعى».
وعليه فإن مهمة الباحث هى ألا يفصل الصراع على الأرض عن الصراع على المعنى. ويقول «سعيد» إن الهوية تقوم على المقارنة بالآخر. لكن كل عصر وكل مجتمع يعيد خلق ذلك «الآخر» من جديد.
معنى ذلك أن الهوية نفسها عبارة عن عملية تاريخية وفكرية وسياسية واجتماعية مستمرة تتولاها المؤسسات والأفراد فى كل المجتمعات دون قدرة أحدهم بمفرده على احتكار تعريف الهوية.
بعبارة أخرى، الهوية مسألة ليست جامدة وثابتة وإنما تتسم بالسيولة وتتغير من زمن لآخر وفق احتياجات المجتمع، بل يتم بناؤها وإعادة بنائها.
أكثر من ذلك، ففى كل كتبه يؤكد «سعيد» أن تلك الحتميات الموجودة لدى المستشرقين يوجد مثلها لدينا نحن أيضًا، وإن كان موضوع كتابه الحتميات التى انطوى عليها الاستشراق. ولأن المستشرقين ينظرون للشرق «من الخارج» و«من أعلى» فلا يمكنهم رؤية السيولة والتحولات الجوهرية، بل وتخفى نظرتهم تلك وراءها مصالحهم.
باختصار كتاب إدوارد سعيد دراسة نقدية للسلطة والقوة التى تستخدم المعرفة لتحقيق مصالحها. وهو يشرح التأثير المباشر للاستشراق على صناع القرار الغربيين بل وعلى المواطن الغربى العادى.
ويحلل النفوذ الواسع له حتى بات الأرضية التى تنطلق منها كل الدراسات الغربية عن العرب والإسلام. غير أن الأهم من هذا وذاك أن نفوذ الاستشراق تمدد حتى انتقل لما وراء حدود الغرب، فغدا منهجه مستخدمًا خارجه بالتعميمات المُخلة ذاتها!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الشرق الغرب الاستشراق المستشرق العرب الإسلام العنصرية الصور النمطية إدوارد سعيد حظر النفط الصراع على الأرض إدوارد سعید فى الغرب عن العرب ت ستخدم ستخدم ا الیوم ت التى ت
إقرأ أيضاً:
مراسل القاهرة الإخبارية: الغرب يؤكد دعمه لأوكرانيا.. وهدنة مرتقبة تبدأ الإثنين
قال غيث مناف، مراسل «القاهرة الإخبارية»، إن المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرئيس الأوكراني مع عدد من القادة والزعماء الغربيين، انتهى بتأكيد الدعم الثابت لكييف، والتشديد على مواصلة تقديم الأسلحة والمساعدات العسكرية لها.
وأوضح مناف خلال مداخلة عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أن الزعماء الغربيين أشاروا إلى استعدادهم لفرض عقوبات أشد على روسيا في حال لم تتلقَ استجابة واضحة من الرئيس الروسي بشأن مبادرة التهدئة المطروحة، مشيرًا إلى أن الهدنة المقررة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ستبدأ اعتبارًا من يوم الإثنين المقبل.
وأشار إلى أن الرئيس الأوكراني شدد خلال المؤتمر على أن الهدنة «غير مشروطة»، وأن أوكرانيا لن تقبل بأي شروط تُفرض عليها مقابل وقف إطلاق النار أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأضاف أن الرئيس الأوكراني رفض أيضًا بشكل قاطع فكرة إقامة «منطقة عازلة»، سواء كانت 15 أو 30 أو حتى 45 كيلومترًا، مؤكدًا أن «الجبهة الأوكرانية مختلفة تمامًا عما يتصوره البعض»، في إشارة إلى القرب الجغرافي الشديد بين مواقع القوات الروسية والأوكرانية، حيث لا يفصل بينهما في بعض المناطق سوى نهر دنيبر.