أسرار الرهبنة داخل الدير ڤيني أڤا ڤيني: التطور التكنولوجي أثر على حياة الرهبان الروحية.. متطلبات الرهبنة تختلف بين الأديرة المختلفة.. والطاعة والطهارة أهم الركائز
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
تطويع استخدام التكنولوجيا والأمور المادية بما يتماشى مع الأهداف الروحية
كشف الراهب فيني أفا فيني من دير أبوفانا بمنطقة ملوي بمحافظة المنيا، عن الجدول اليومي لحياة الراهب داخل الدير، مؤكداً أن التطور التكنولوجي وتغيرات العصر يمكن أن تؤثران علي الطرق التي يمارس بها الرهبان حياتهم الروحية، ولكن غالباً ما يقوم الرهبان بتكييف استخدامهم للتكنولوجيا والأمور المادية بما يتماشى مع أهدافهم الروحية.
وأضاف الراهب فيني في حواره مع "البوابة " أن متطلبات الرهبنة قد تختلف من دير إلي آخر، فهناك بعض الأديرة تشترط أن يكون الراهب حاصلاً على درجة البكالوريوس وفي بعض الأحيان حاصلاً على درجة الماجستير، مشيراً إلي أنه بالنسبة لفترة التدريب، يُفضل أن يكون الراهب في سن صغيرة لا تتجاوز 30 عامًا، حتى يكون لديه القدرة في فترة التدريب على التعلم والخدمة لفترة طويلة.
كما كشف عن أنواع الرهبنة والتصنيفات التي قد تختلف بين الأديرة وبعضها، موضحاً الجوانب العديدة لمدى تأثير الرهبنة في الكنيسة.. والي نص الحوار.
** في البداية نود معرفة الفرق بين الرهبنة في الوقت الحاضر والرهبنة في الماضي؟
أرى أن الأساس والجوهر الحقيقي للرهبنة هو أن تكون نابعة من القلب، بغض النظر عن الزمان والمكان، فهى الحياة الروحية والتفاني والتفرغ مع الله، ومع ذلك، يمكن أن يؤثر التطور التكنولوجي وتغيرات العصور على الطرق التي يمارس بها الرهبان حياتهم الروحية.
كما يمكن أيضاً أن تختلف الأدوات والإمكانيات المتاحة في كل عصر، فللراهب أن يستخدم الموارد المتاحة بطرق مختلفة تناسب رغباته واحتياجاته الروحية ، على سبيل المثال، قد يفضل البعض استخدام أساليب تقليدية وبسيطة للحفاظ على الطعام ، والعيش بأقل قدر من الراحة المادية ، وفي المقابل، قد يستخدم البعض الأدوات التكنولوجية المتاحة بحكم العصر لتلبية احتياجاتهم اليومية.
وأود أن أضيف أن التطور التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية لا تتعارضان بالضرورة مع الحياة الرهبانية، ولكن الرهبان يقومون بتكييف استخدامهم للتكنولوجيا والأمور المادية بما يتماشى مع أهدافهم الروحية وممارساتهم الدينية والروحية ، ويجب أن نفهم أن الحياة الروحية الرهبانية هي تفرد وتوجه شخصي لكل راهب وراهبة، فكل شخص يعيش حياته الروحية وفقًا لاقتناعاته الشخصية وقيمه الروحية حسب مرشده الروحي، وقد يختلف في الطرق والأساليب التي يستخدمها لتحقيق ذلك، فالرهبنة هي حياة شخصية وروحية، فهي طريق نحو الله غايته وحياة تأمل في الخالق وهي أيضاً حياة توبة وموت عن العالم ، وحياة جديدة مع الرب، ويمكن لكل راهب أن يطبقها بطرق مختلفة وفقًا للزمان والمكان والإمكانيات المتاحة له.
** هل هناك أنشطة محددة يقوم بها الرهبان بجانب الصلاة؟
الرهبان لديهم مجموعة واسعة من الأعمال والمسئوليات المختلفة خلال يومهم والخدمات المتكلف بها في الدير هي خدمات تخدم الدير والوطن من أعمال صالحة، وفقًا لجدول معين لأنشطة الراهب خلال اليوم الذي يكون كالتالي:
- الساعة 3 صباحًا: الاستيقاظ وأداء صلاة.
- من الساعة 3 إلى الساعة 5 صباحًا: تسبحة نصف الليل.
- من الساعة 5 إلى الساعة 7 صباحًا: القداس.
- من الساعة 7 صباحًا حتى الساعة ٥ مساءً: ما بين العمل و الصلاة ، والعمل في الخدمات والمزارع والأعمال المختلفة.
- فترة استراحة بعد الظهر لمدة ساعتين فهي للراحة أو أداء الأجبية (الصلاة الشخصية والقراءة ).
- من الساعة 12 ظهرًا حتى الساعة 2 بعد الظهر: قراءة الإنجيل.
- الساعة ٥ مساءً: قراءة الأجبية والتسبحة، وحضور الصلاة العشية.
- بعد توقيت الصلاة: يمكن قراءة الكتاب المقدس، اجتماعات الرهبان لمراجعة الألحان والتسبحة.
** ماذا يفعل الراهب حينما يريد الخروج من الدير لأمر ضروري؟
إذا قرر الراهب الخروج من الدير، فيجب أن يحصل على إذن من رئيس الدير، حيث يمكن أن يخرج لأسباب ضرورية مثل الخدمة أو زيارة المرضى أو المشاركة في الصلاة ، ومن نذور الرهبنة الطاعة والفقر والطهارة فهي جوانب من التزامات الرهبنة، حيث يلتزم الراهب بالطاعة، أولاً طاعة الله في وصاياه ثانياً طاعة الراهب لرئيس الدير ، ثالثاً طاعة آباء الرهبان.
** ما هو دور الرهبنة وما تأثيرها على الكنيسة؟
للرهبنة دور هام وتأثير كبير على الكنيسة ، وهناك جوانب عديدة لمدى تأثير الرهبنة ومنها ، الخدمات حيث يقدم الرهبان خدمة هي واحدة من النعم الإلهية العظيمة فقبل الكتاب ، فإذا أحببتموني سوف تخدمونني ، وبذلك يساهمون في تحسين حياة الأفراد ونتقرب إلي الله من خلال هذه الخدمات.
وإن الأباء المطارنة والأساقفة منهم ماري مرقص ومنهم أيضا ٨ من الآباء البطاركة متبتلين رهبان.
وأيضاً العلم الذي يشكل مرجعية للمعرفة والتعليم الروحي للرهبان ، فهم يتخصصون في تفسير ودراسة الكتاب المقدس واللاهوت وانتشار الإيمان الأورذكسي وبذلك يسهمون في تعزيز الفهم الروحي وتعزيز الكنيسة.
بالإضافة إلى ذلك، يكون للرهبنة تأثير إيجابي على الكنيسة من خلال الأجواء الروحية التي تخلقها في الأديرة والمراكز الروحية، والتواجد الدائم للرهبان لخدمة الكنيسة.
** ما هي الصفات المحددة في اختيار الرهبان؟
في الوقت الحالي، تغيرت الأمور بسبب وجود الإنترنت وظهور العديد من الإمكانيات الجديدة ، فالراهب الآن يجب أن يكون متعلمًا ومطلعًا على هذه التطورات ومع ذلك، فإن متطلبات الرهبنة قد تختلف بين الأديرة المختلفة.
في بعض الأديرة، قد يُطلب من الراهب أن يحصل على شهادات أو دبلومات معينة وفقًا لتوجيه رئيس الدير. قد يتطلب الأمر الحصول على درجة البكالوريوس أو الماجستير في بعض الأديرة الأخرى، يعتمد ذلك على توجهات الأديرة وعاداتها.
أما بالنسبة لفترة التدريب، يُفضل أن يكون الراهب في سن صغيرة لا تتجاوز 30 عامًا، حتى يكون لديه القدرة في فترة التدريب على التعلم والخدمة لفترة طويلة بعد الانتهاء منها ، ومع ذلك، يمكن أن تختلف هذه الفترة بناءً على الشخص نفسه.
ففي فترة التدريب يقوم بدراسة منهج يشمل قراءة الأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) وكتب موسى الخمسة وأعمال الرسل وتاريخ الكنيسة ، وقد يُطلب من الراهب أيضًا أن يعمل علي بحث حول قديس معين ، يمكن أن يستغرق هذا التدريب ما يصل إلى 5 سنوات ، وبعد ذلك يعود الراهب إلى الدير للاستمرار في التدريب.
** للرهبنة أنواع مختلفة ما هي؟
هناك أنواع عديدة للرهبنة منها ، مع ملاحظة أن هذه التصنيفات قد تختلف بين الأديرة المختلفة وفقًا للتقاليد والممارسات الدينية الخاصة بهم:
1. راهب يشارك في العمل داخل الدير والمجمع والتسابيح والألحان اليومية، وقد يكون له دور في مشاركة الصلوات الجماعية.
2. راهب قلاية وهو يمتاز بنصف الأسبوع في القلاية “حجرة للإقامة لتفرغه للعبادة والصلاة”، وقد تكون على شكل مغارة، والنصف الآخر مع المجمع ويشارك هؤلاء الرهبان في التسابيح لبضعة أيام في الأسبوع، ثم يقضون بقية الأيام في القلاية ربما يكون لهم واجبات محددة في القلاية أو مسئوليات خاصة بهم كالصلاة والتأمل الروحي.
3. راهب متوحد: يعيش هؤلاء الرهبان في القلاية ويقضون معظم وقتهم فيها، إذا كان هناك أحد يهتم بهم، فيمكنه أن يجلب لهم الطعام ويزودهم بالاحتياجات الأساسية ، قد يتلقون تدريبًا من الأب الاعترافي ، مثل قراءة الأسفار والمزامير ، وإذا كانوا لا يزالون شبابًا، يجب أن يخدموا في المهام الأخرى حسب إرشاد أب الاعتراف أو رئيس الدير.
سطور في مسيرة
سيرة القديس العظيم أڤا ڤيني (آبا فانا المتوحد)
عاش القديس أبو فانا فى ما بين النصف الأخير من القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الميلادى (355 – 415 ) م ، ولد فى ممفيس من أبوين تقيين غنيين فى النعمة والثروة ، فنشأ فى حياة القداسة وصلابة الإيمان ودفء الحياة المسيحية مما كان له أعظم الأثر فى حياته المبكرة فمنذ طفولته استقى من الكتب المقدسة وتعاليم الكنيسة فتعلم القديس حياة الصوم والصلاة والعطف على الفقراء حيث كان والداه يصنعان صدقات كثيرة ، فأحب الرب الإله منذ طفولته، ولما بلغ سن الشباب كانت ميوله نحو الصلاة والتسبيح والقراءات الروحية فعاش حياة الطهارة وأحبها ، فكان بالحقيقة إناء نقيا مقدسا لسكنى الروح القدس.
ومع نموه فى النعمة والقامة يوما بعد يوم تزايدت أشواقه ومحبته لطريق الرهبنة ، ومع ازدهار الحياة الرهبانية فى الصعيد انطلق ليتتلمذ للرهبان والمتوحدين ، وكان شديدا فى نسكه وتقشفه فكان يدرب نفسه أن يقتنى كل فضيلة يسمع عنها أو يراها من الآباء الرهبان.
لم يأخذ رتبة كهنوتية حسب النظام الباخومى ، ولكنه صار أبا لبطاركة إذ تخرج فى الدير اثنين من الآباء البطاركة هما: البابا ثيؤدوسيوس الـ79 ، و البابا متاؤس الأول الـ 87 ، وقد تكاثر أولاده جدا فكان لا يفتر عن تعليمهم وإرشادهم ، وأعطاه الله موهبة شفاء المرضى ، بل وإقامة موتى ، وكذلك منحه الله الشفافية الروحية ، وصارت حياته بركة.
ثم توحد بمغارة فى الجبل الغربى من قصر هور ، و قد أنبع الله عين ماء عذب عند مدخل المغارة، وتزايد جهاده الروحى حيث أضنى جسده بالصوم الكثير الذى كان يطوى الأيام فيه يومين يومين ، وكان دائم الوقوف للصلاة حتى تورمت رجليه ، ولصق جسده بعظمه من شدة النسك فصار مثل خشبة محروقة ، و كان كلما غلبه النعاس ينام وهو متكئا بصدره على جدار أقامه خصيصا لذلك أو يجلس على الأرض ويستند إلى الحائط أو يضع رأسه على درجة وظل هكذا 18 عاما حتى يوم رحيله يوم السبت 4 مارس لعام 415 م الموافق 25 أمشير لعام 131 ش ، ودفن بديره الموجود بالجبل الغربى لقصر هور ـ ملوى.
وقام الأنبا ديمتريوس مطران ملوي وأنصنا الأشمونين بتعمير الدير من كافة الجوانب رهبانياً ومعمارياً وهكذا احتفل الدير وإيبارشية ملوي وأنصنا والأشموئين باعتراف المجمع المقدس لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية في يوم السبت ٢١ بشنس ١٧٢٠ ش الموافق ٢٩ مايو ٢٠٠٤ بعودة الحياة الرهبانية إليه ، و ذلك في عهد البابا شنودة الثالث البطريرك ١١٧، والأنبا ديمتريوس .
واحتفل الدير عام ١٧٣١ ش - ٢٠١٥ م بمرور سنة عشر قرناً علي رحيل القديس "أڤا ڤيني المتوحد" تحت رعاية قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، والأنبا ديمتريوس أسقف ملوي و أنصنا الأشموئين ورئيس الدير.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الرهبنة البوابة التكنولوجيا ملوي محافظة المنيا البكالوريوس التطور التکنولوجی فترة التدریب من الساعة على درجة یمکن أن أن یکون صباح ا
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: الذكاء الاصطناعي.. حلم التطور ومخاوف السيطرة
في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الإصطناعي (AI) واحداً من أكثر المواضيع إثارة للجدل، إذ يتقدم هذا المجال بسرعة فائقة تفوق توقعات الكثيرين. وبينما يرى البعض فيه ثورة تكنولوجية واعدة تحمل فرصاً هائلة في مجالات مثل الطب، والهندسة، والتعليم، والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات فإن آخرين ينظرون إليه بعين القلق، محذرين من مخاطره المحتملة. تتزايد المخاوف تجاه ما قد يحمله المستقبل من مخاطر ومن تأثيرات سلبية على الخصوصية، وسوق العمل، وأنماط الحياة الإجتماعية، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقة بين الإنسان والآلة. ففي زمنٍ تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الإنسان والآلة، لا يكفي أن ننبهر بقدرات الذكاء الإصطناعي، بل علينا أن نتساءل دوماً: إلى أين يقودنا هذا الطريق؟ وبينما نركض نحو المستقبل بأمل وحماس، لا يجب أن نغفل إشارات التحذير التي تومض على جانبي الطريق.
فما هى أسباب الخوف من الذكاء الإصطناعي، وهل هذا الخوف مبرر؟ ولماذا يجب علينا أن نأخذ هذه المخاوف على محمل الجد؟ وهل آن الأوان لنخاف حقاً من الآلة؟
الذكاء الإصطناعي يُعد من أبرز الإنجازات التي حققها الإنسان في العصر الحديث. فمن القدرة على الترجمة الفورية، إلى تحليل الصور والأصوات، وحتى المساعدة في تشخيص الأمراض، يبدو أنه لا حدود لما يمكن للآلات الذكية إنجازه. ومع ذلك، يساورنى القلق تجاه هذا التقدم، وأرى أن هناك أسباباً وجيهة تجعلنا نخشاه، أو على الأقل نتعامل معه بكثير من الحذر.
أحد أبرز المخاوف يتمثل في فقدان السيطرة. في الوقت الذي تتسابق فيه كبريات شركات التكنولوجيا حول العالم لتطوير آلات تفكر وتتعلم بمفردها، هناك أصوات ترتفع محذرة من أن ما يبدو تقدماً تقنياً قد يكون بداية لمرحلة جديدة لا يتحكم فيها الإنسان في مصيره بالكامل. فهل نحن بالفعل أمام "أداة ذكية" تخدمنا، أم أمام كائن رقمي قد يتحول يوماً إلى خصم يصعب التنبؤ به؟ فمع تطور الذكاء الإصطناعي ليصبح أكثر قدرة على التعلم الذاتي، قد تظهر أنظمة يمكنها تحسين أدائها بدون تدخل بشري مباشر. وهذا يعني أن بعض الأنظمة قد تتخذ قرارات معقدة دون أن نعرف تماماً كيف ولماذا؟، وهذا يطرح أسئلة خطيرة حول الشفافية والمساءلة.
الخطر الآخر يتمثل في التلاعب البشري عبر الذكاء الإصطناعي. منصات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال تستخدم خوارزميات دقيقة لتحليل سلوك المستخدمين، وتوجيههم نحو محتوى معين، مما قد يُشكل تهديداً مباشراً للديمقراطية والرأي العام. كم من مرة ظننت أنك إخترت ما تشاهد أو تقرأ، بينما في الحقيقة كانت الآلة هي من دفعك لذلك دون أن تشعر؟ لقد أصبحنا نعيش في عالم تتحكم فيه الخوارزميات بتفاصيل حياتنا اليومية؛ فهي من توجّهنا إلى ما نُشاهد، وتُرشدنا إلى ما نشتري، بل وقد تؤثر بدرجة ما في من نُحب، يبدو أن الذكاء الإصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل إنة أصبح شريكاً في إتخاذ القرار.
أما في سوق العمل، فالصورة لا تقل قتامة. الذكاء الإصطناعي يهدد ملايين الوظائف حول العالم، خاصة تلك التي تعتمد على المهام الروتينية. ومع زيادة الإعتماد على الأتمتة، تظهر مخاوف من إتساع الفجوة بين أصحاب المهارات التقنية ومن سواهم، ما يُنذر بإضطرابات إجتماعية وإقتصادية قادمة. وما يجعل هذه المخاوف أكثر تعقيداً، هو غياب قوانين رادعة وتنظيمات فعالة تحكم إستخدام الذكاء الإصطناعي. في كثير من الدول، تسير التكنولوجيا أسرع من التشريعات، ما يترك الباب مفتوحاً أمام الشركات لإستخدام هذه التقنيات دون رقابة كافية، أو مساءلة أخلاقية.
أما الخوف الأكبر من وجهه نظرى، فهو من سيناريو تطوير "ذكاء إصطناعى عام" وهو نوع من الذكاء قد يتفوق على الإنسان في كل شيء تقريباً. إذا وصل الذكاء الإصطناعي إلى هذة المرحلة التى يستطيع فيها تحسين نفسه بنفسه دون تدخل الإنسان، فقد نصبح في موقف لا نمتلك فيه القدرة على فهم أو التحكم بما يفعله. مثل هذا التطور قد يخلق كياناً لا يخضع لأي معايير أخلاقية بشرية، ما قد يهدد الأمن العالمي والبقاء الإنساني. وفي حال وُجد مثل هذا الكائن الرقمي، فهل سيكون من الممكن حقاً التحكم به؟ أم أننا سنكون قد صنعنا كائناً لا نستطيع إحتواءه؟
أنا لا أتحدث عن سيناريوهات أفلام خيال علمي، بل عن واقع يفرض نفسه يوماً بعد يوم. فما الذي سيحدث حين تبدأ الآلة في التفكير بمعزل عن الإنسان؟ وهل يمكن حقاً الوثوق بذكاء بلا ضمير ولا مشاعر؟ وهل نملك أدوات كافية لضمان أن يبقى الذكاء الإصطناعي تحت السيطرة البشرية؟
ورغم كل هذه التحديات، فإن الخوف من الذكاء الإصطناعي لا يعني رفضه، بل يعني إدراك الحاجة إلى تقنينه وتوجيهه. علينا ألا نسمح للتكنولوجيا بأن تتطور بمعزل عن قيمنا الإنسانية، بل يجب أن نضع ضوابط أخلاقية وتشريعية صارمة تضمن أن يكون الذكاء الإصطناعي في خدمة الإنسان، لا العكس. الذكاء الإصطناعي أداة قوية، لكنها مثل أي أداة، قد تكون للبناء أو للهدم، والخيار بأيدينا.
إننا لسنا بحاجة إلى الخوف من الذكاء الإصطناعي بقدر ما نحن بحاجة إلى فهمه، ومُساءلة من يُطوّره، ووضع معايير واضحة تضمن أن يظل في خدمة الإنسان لا في موقع السيطرة عليه. فالتكنولوجيا، في نهاية المطاف، ليست سوى أداة. لقد آن الأوان أن نتحرك فعلياً نحو وضع قوانين وضوابط له، وتشجيع الشفافية، وتعليم الأجيال القادمة كيف تتعامل مع هذا الذكاء الجديد بحكمة ووعي.
فالذكاء بلا ضمير... قد يكون أخطر من الجهل.