جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-22@18:44:44 GMT

محاربة الفساد بين الواقع والطموح!

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

محاربة الفساد بين الواقع والطموح!

 

د. محمد بن عوض المشيخي

الفساد المالي والإداري من الأمراض الفتاكة التي ابتلت بها مُعظم دول العالم في الشرق والغرب، فعندما يتولى ضعاف النفس والانتهازيون والأنانيون الإشراف على المال العام دون رقابة قوية وخبرات واسعة تُمكِّن القائمين بالأجهزة الرقابية المتخصصة في هذا الشأن من القيام بعملهم على أكمل وجه، وكذلك دون تفويض مطلق من رأس الهرم في السلطة العليا في أي دولة تحرص على محاربة الفساد والمفسدين في الأرض، هنا يُصنَّف مثل هذا البلد وكرًا يُعشعش في أرجائه اللصوص الذين ينهبون المال العام ويحولون موارده إلى الخارج، فيدخل المجتمع بمختلف أفراده في دائرة الفقراء، من هنا تُجبرهم ظروف الحياة القاسية على الهجرة إلى صقاع الأرض للبحث عن مصدر الرزق خارج الوطن، وذلك كما كان حال آبائنا وأجدادنا قبل أكثر من خمسين سنة.

ومن حسن الطالع وتحقيقًا للشفافية وبتوجيه كريم من لدن قائد هذا البلد، اطلع الجميع عبر قنوات الإعلام التقليدية والرقمية بمختلف أنواعها الرسمية والخاصة، على تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للعام الماضي 2022، والذي كان في فترة من الفترات حكرًا على السلطة التنفيذية من أعضاء الحكومة ثم يتم فلترته وإرساله في وقت لاحق إلى مجلس عُمان.

كشف التقرير الجديد، عن تحصيل واسترجاع عشرات الملايين من الريالات إلى خزينة الدولة لتُستخدم من جديد لبناء الوطن ومرافقه الحيوية كالمدارس والطرق والمستشفيات، ولأهم من ذلك كله كشف أسماء الوزارات والهيئات الحكومية التي تسببت في إهدار المال العام أو عليها بعض الملاحظات والذي يفترض أن يتحمل تلك المسؤولية رئيس الوحدة، حتى ولو كان غير متسبب في تلك المخالفات. وقد اشتمل تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية الوحدات الحكومية على بعض الملاحظات الإدارية أو المالية وعددها عشر بهدف التذكير بالحقوق والواجبات المترتبة على مثل تلك المخالفات وتصحيحها بأسرع وقت ممكن ومعظمها وزارات خدمية. 

يبدو لي أن الوقت حان لمحاصرة الفساد والقضاء نهائيًا على من تسول له نفسه أيًّا كان من هؤلاء الطامعين بثروات هذا الوطن العزيز، وكذلك المخالفين والمشجعين على منح المناصب بالواسطة للأقارب وأصحاب النفوذ. ولا يمكن يتحقق ذلك بشكل كامل إلا بتضافر جهود أجهزة الدولة الأمنية منها والمدنية والقانونية، وأفراد المجتمع العماني بشكل عام، وفي مقدمة هذه الجهات جهازي الادعاء العام وجهاز الرقابة المالية وقبل ذلك القضاء العماني النزيه.

بالفعل فقد أثبتت الأيام تفاني أبناء عمان وحرصهم على مصلحة الوطن، وعلى وجه الخصوص الذين يعملون في الأجهزة الأمنية والرقابية وإخلاصهم لله وعمان والسلطان، فتلك الثوابت والأركان الأساسية التي لا يُغيِّرها الزمن أصبحت واضحة المعالم ويشار لها بالبنان على مستوى المنطقة العربية والإقليم بشكل خاص، وذلك من خلال ما تنعم به السلطنة هذه الأيام من أمن واستقرار ورخاء اقتصادي، فالسلطنة واحة للأمن والأمان في منطقة ملتهبة بالصراعات والحروب والخلافات بين الأشقاء، وعلى الرغم من ذلك، نجح قائد هذا البلد المعطاء، جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، بفضل من الله وحكمته المعهودة ونظرته الثاقبة للحاضر والمستقبل، في انتشال هذا البلد من الأزمات الاقتصادية التي كانت تعصف بالعالم في بداية توليه مقاليد الأمور، وكذلك نهجه الجديد في محاربة الفساد بكل أنواعه. وفي خطابه الثاني في فبراير، والثالث في نوفمبر قبل أكثر من عامين، عبر جلالته بوضوح عن عزم الحكومة على محاربة الفساد، وترسيخ دولة المؤسسات والقانون على هذه الأرض الطيبة.

الكل في هذا الوطن يُثمِّن الجهود الجبارة المبذولة من جهاز الرقابة والتي طالت كل من يقع في المحظور مهما كانت مكانته في الدولة، كما أن تشديد الرقابة وتوسيع نطاقها على الكبار من عالي القوم الذين في عهدتهم مئات الملايين؛ بل والمليارات لدى البعض منهم، وذلك قبل صغار الموظفين الذين تحت يديهم القليل من المال؛ أصبح مطلب شعبي من عامة الناس.

فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تنزيه أو التسامح مع المواطن العادي عند وقوعه في مستقنع الفساد؛ فهو شريك أساسي في النزاهة والمحاسبة، وعليه تقع مسؤوليات كبيرة في محاربة الفساد؛ ففساد المواطن العادي لا يقل خطورة عن فساد المسؤول الكبير، الذي كان بالأمس في مرتبة وظيفية أقل مما هو عليه الآن، والموظف الذي يقتضي عمله إنهاء إجراءات المراجعين ويُماطل أو يغيب عن عمله، ويتهاون في القيام بواجبه المقدس، والتاجر الذي يغش الناس في البضائع؛ يجب أن يتم إخضاع هؤلاء لمبدأ الرقابة ثم المحاسبة؛ مثلهم كمثل المسؤول الكبير المقصر بالواجب الوطني.

يجب التأكيد هنا على أن محاربة الفساد والقضاء على أسبابه، لا يمكن أن تتحقق بالنوايا الحسنة للمسؤولين؛ فالنفس أمارةٌ بالسوء؛ بل يجب إطلاق سلطة الإعلام، وخاصةً الصحافة المستقلة؛ للقيام بدورها الرقابي المعهود؛ إذ لا يُمكن للإعلام كسلطة رابعة أن يتناغم مع الأحداث ويقوم بدوره الرقابي إلّا في ظل وجود الجناح الآخر للحرية والمراقبة، والمتمثل بمجلس الشورى، هذا المجلس الذي أصبح ناضجًا، وتجاوزت تجربته البرلمانية عقودًا ثلاثة.

وفي الختام.. أصبح من الضروري دمج جميع أجهزة الدولة الرقابية، تحت مظلة واحدة، ولا يستثنى أحدٌ من الرقابة والمحاسبة في هذا البلد؛ مهما كبر منصبه أو ارتفع شأنه، فمعايير النزاهة والشفافية والحوكمة، التي يوجه بها جلالة السلطان المعظم، تتطلب منَّا ذلك؛ خاصة وأن قطار محاربة الفساد قد انطلق ولن يتوقف.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المملكة ترأس الاجتماع العام السادس لسلطات مكافحة الفساد "GlobE Network"

رأست المملكة -ممثلة بهيئة الرقابة ومكافحة الفساد- الاجتماع العام السادس لشبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد (GlobE Network) المنعقد في جمهورية أذربيجان خلال الفترة 22- 24 ذي القعدة 1446هـ، بوفدٍ يرأسه معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس.كلمة رئيس الهيئةوألقى معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، كلمة المملكة في الجلسة الافتتاحية للاجتماع العام السادس لشبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد غلوب إي (GlobE)، معربًا عن شكره وتقديره لجمهورية أذربيجان على استضافة هذا الاجتماع، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ممثلًا بأمانة شبكة غلوب إي (GlobE) على ما يبذلونه من جهود مقدرة في دعم أعمال الشبكة والإعداد لهذا الاجتماع.
كما شكر أعضاء الشبكة على الجهود المميزة في تحقيق رؤية الشبكة الطموحة؛ واعتبر إسهامتهم المستمرة في تعزيز مكانة الشبكة وفعاليتها عاملًا حيويًا في ضمان نجاح الالتزام بمكافحة الفساد.
أخبار متعلقة "الداخلية": غرامة تصل إلى 20,000 ريال لمن يحج أو يحاول الحج دون تصريح"أضم".. ورشة للكشف على المواشي وتعزيز جودة اللحوم استعداداً للحج .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } المملكة ترأس الاجتماع العام السادس لسلطات مكافحة الفساد "GlobE Network" - واستعزيز التعاون لمكافحة جرائم الفسادوأكد معاليه خلال كلمته على حرص المملكة بتعزيز وتفعيل قنوات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، ويشمل ذلك إنشاء آليات مشتركة، وتبادل الخبرات؛ لضمان ملاحقة الفاسدين، وتعقب الأموال المتحصلة من جرائم الفساد واستردادها، بما يسهم في تعزيز العدالة وتعزيز التعاون الوثيق على المستويين الوطني والدولي لمكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود بفعالية، التزامًا من القيادة السياسية للمملكة العربية السعودية -حفظها الله- الراسخ بنهج النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
وأضاف معاليه أن هذا التوجه يأتي تأكيدًا على دور المملكة المحوري في دعم الجهود الدولية لمكافحة الفساد وحرصها على العمل المشترك في هذا المجال، مشيرًا إلى دعم المملكة لشبكة غلوب إي (GlobE) بما يحقق رؤيتها وأهدافها.
وأوضح أن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد استفادت بشكل فعال من تعاونها مع شبكة غلوب إي (GlobE) لتبادل المعلومات، مما أسهم في سرعة وكفاءة معالجة العديد من القضايا التي باشرتها الهيئة، إلى جانب استفادة الهيئة من برامج بناء القدرات القيّمة التي تقدمها الشبكة. ودعا معاليه في ختام كلمته جميع الدول الأعضاء في الشبكة إلى تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد، لاسيما وأنه لا يمكن التصدي لتحديات جرائم الفساد العابرة للحدود إلا بتضافر الجهود وتكاتفها بين أجهزة إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد حول العالم تحت مظلة الأمم المتحدة ممثلة بشبكة غلوب إي (GlobE)، متطلعًا إلى تكاتف جميع الجهود لتحقيق الأهداف المنشودة من هذا الاجتماع.تعزيز القدرة على التصدي لتحديات الفسادمن جهته ألقى سعادة رئيس اللجنة التوجيهية لشبكة غلوب إي (GlobE) وكيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الدكتور ناصر بن أحمد أبا الخيل، كلمةً في هذه المناسبة أكد من خلالها على أن الشبكة أصبحت جسرًا مهمًا يصل بين 235 جهاز مكافحة فساد ومنظمة دولية في أكثر من 126 دولة، مشيرًا إلى أن هذا الاجتماع يحمل أجندة طموحة؛ لتعزيز قدرة الحكومات على التصدي للتحديات المستجدة في مجال مكافحة الفساد، وتحسين آليات استرداد الأصول المنهوبة، وتعقب الأموال غير المشروعة العابرة للحدود بفعالية أكبر.
ويوفر الاجتماع فرصة لجهات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد حول العالم؛ لتبادل المعلومات والخبرات، واستعراض التجارب ذات الصلة باختصاصاتهم في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.شبكة "GlobE"يُذكر أن شبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد غلوب إي (GlobE) هي مبادرة أطلقتها المملكة خلال الاجتماع الوزاري في قمة مجموعة العشرين (G20) التي استضافتها المملكة عام 2020م، واعتمدتها الأمم المتحدة رسميًا في 17 ديسمبر 2021م خلال أعمال الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما حظيت المبادرة في وقت سابق بإشادة الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس ودور المملكة في تأسيسها خلال كلمته في افتتاح أعمال الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2021م، وقد انضم للشبكة خلال السنوات الثلاث الماضية 235 جهاز مكافحة فساد ومنظمة دولية وأكثر من 126 دولة للشبكة، مما يُظهر النجاح المتحقق من المبادرة.رئاسة المملكة لشبكة مكافحة الفسادوتسلمت المملكة في فبراير 2025م، بمقر الأمم المتحدة بالعاصمة النمساوية فيينا رئاسة شبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد غلوب إي (globe network) للفترة (2025م - 2027م)، بعد فوز ممثل المملكة العربية السعودية سعادة وكيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتعاون الدولي الدكتور ناصر بن أحمد أبا الخيل، بالإجماع في انتخابات رئاسة شبكة غلوب إي (globe network) العالمية لمكافحة الفساد خلال الاجتماع رفيع المستوى الذي عُقد في سبتمبر من عام 2024م في العاصمة الصينية بكين. ويأتي فوز المملكة في انتخابات رئاسة الشبكة ليعكس توجيهات القيادة -رعاها الله - في أن تكون المملكة نموذجًا رائدًا في العديد من المجالات ومن بينها مكافحة الفساد، كما يعكس ثقة المجتمع الدولي بجهود المملكة ممثلة بهيئة الرقابة ومكافحة الفساد في مكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود، وتعزيز الاستفادة من الشبكة للحد من الملاذات الآمنة للفاسدين وأموالهم، وتطوير الأدوات اللازمة لمواجهة تطور أنماط جرائم الفساد، وإخفاء العائدات الناتجة منها.

مقالات مشابهة

  • ابن كيران يتهم حكومة أخنوش بإفشال ملتمس الرقابة ويحذرها من تداعيات ذلك
  • هيئة النزاهة: استرداد ومنع هدر نحو 61 مليون دينار من المال العام
  • يوميات مافيا سودانية (١)
  • الرقابة الإدارية تستقبل وفد من مجموعة «إيه بي موللر - ميرسك»
  • المملكة ترأس الاجتماع العام السادس لسلطات مكافحة الفساد "GlobE Network"
  • المملكة ترأس الاجتماع العام السادس لشبكة العمليات العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد (GlobE Network)
  • رئيس «نزاهة»: المملكة استفادت من تعاونها مع شبكة «غلوب إي» في تبادل المعلومات
  • «الكهموس» يدعو إلى تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد
  • من الذي التهم صنم العجوة ؟
  • جمعية حماية المال العام تعلن برنامجاً احتجاجياً ضد مقتضيات المسطرة الجنائية