د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
تمرُّ الأيامُ وتتجدَّدُ خلالَها ذكرياتٌ عطرةٌ تتجدَّدُ معها في النفوسِ مشاعرُ راقيةٌ تكتملُ بها الإنسانيةُ الراقيةُ، ومِن هذه الذكرياتِ ذكرَى السادسِ من أكتوبرَ [العاشرِ من رمضانَ] التي تُعمّقُ في وِجدانِنا وتجدّدُ في نفوسِنَا فطرةَ حبِّ الوطنِ.
ووسطَ زحمةِ الحياةِ وما فيها من زخْمٍ شديدٍ لا بدَّ مِن إحياءِ هذه الذكرَى الوطنيةِ الغاليةِ، وتجديدِ التذكيرِ بها دائمًا، ليسَ فقط لأنَّها تُحيي في النفوسِ معنى الوطنيةِ وحبَّ الوطنِ والذَّودَ عنهُ وفداءهُ بالنفسِ، وإنما أيضًا لأنَّها تُحيي في النفوسِ معانيَ إيمانيةً جليلةً؛ فالمؤمنُ باللهِ عزَّ وجلَّ لا يعرفُ اليأسَ في سبيلِ الدفاعِ عن الحقِّ والنفسِ والعِرضِ والأرضِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا يُقْدمُ على أمرٍ دونَ رَويَّةٍ وتفكيرٍ وتخطيطٍ وتدبيرٍ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا بدَّ من أنْ يلتمسَ الأسبابَ قدرَ استطاعتِهِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل يَعلمُ أنَّ الخيرَ من اللهِ تعالى وبيده، وأنَّ نَصْره إنِ انتصرَ فضلٌ مِن الله تعالى، وهذه المعاني رأينَاها حيَّةً في حربِ أكتوبرَ في التخطيطِ الدقيقِ والتحركِ المنظمِ الجادِّ، والصدقِ في الحرصِ على النصرِ أوِ الشهادة، وهذا المعنى يُميّزُ المدافعَ عن الحقِّ، ولا يُتصوّرُ أنْ يُوجدَ هذا المعنى في مُعتدٍ على وطنٍ أو محتلٍّ لأرضِ! وقدِ اكتملتْ هذه المعاني الإيمانيةُ بصيحاتِ التكبيرِ التي أعلنْتِ الإيمانَ باللهِ تعالى، والاستنصارَ بهِ سبحانه!
هذه المعاني في نفسِها تستحقُّ أنْ يُذكّرَ بها دائمًا حتى تحيَا في النفوس، والتذكيرُ بمثلِ هذه المعاني داخلٌ في عمومِ قولِ الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5]، فأيامُ اللهِ تعالى تشملُ الأيامَ التي كانتْ فيها وقائعُ عظيمةٌ اندحَرَ فيها ظالمون، وانتصرَ فيها مؤمنون!
وهذا التذكيرُ جاءَ في القرآنِ الكريمِ أمرًا لرسولٍ كريمٍ هو سيدُنا مُوسَى عليه السلام، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]، وقد اشتملت الآيةُ الكريمةُ على أمريْنِ موجهيْنِ لسيدِنا موسى عليه السلام هما أن يُخرجَ قومَهُ من الظلماتِ إلى النور، والثاني أن يُذكّرَهم بأيامِ اللهِ تعالى، وعطفُ التذكيرِ على الإخراجِ يدلُّ على أنه لا بدَّ مِن الأمريْنِ جميعًا لإصلاحِ النفوسِ والارتقاءِ بها وتهذيبِها.
أضفْ إلى هذا أنَّ التذكيرَ هنا مهمةٌ جليلةٌ من مهامِّ رُسلِ اللهِ الكرام عليهم السلام، وهذا يدلُّ أيضًا على أهميةِ التذكيرِ بأيامِ اللهِ تعالى؛ لأنه يحيي في النفوسِ معانيَ الإيمانِ مصحوبةً بأدلةٍ واقعيةٍ تدللُ عليها وتُثبّتُها في النفوسِ والقلوبِ، فالتذكيرُ بها أوقعُ في النفوسِ وأشدُّ أثرًا فيها من الكلامِ المجرّدِ الذي قد لا يُؤثّرُ في كلِّ النفوسِ تأثيرَ الوقائعِ الملموسةِ والأيامِ المعيشةِ.
وستبقَى هذه الذكرَى العطرةُ -بمَا حملتْهُ في طيَّاتِها المباركَةِ مِن فداءٍ وتضحياتٍ- تذكيرًا للمصريينَ بقوةِ الإرادةِ المؤمنةِ التي استطاعتْ تحقيقَ ما كانَ يراهُ البعضُ شبيهًا بالمستحيلِ! فكانتْ –وستظلُّ إنْ شاءَ اللهُ تعالى- نقطةً للتحولِ في نفوسِ المصريينَ كلِّهم، وفي تاريخِهِم، نقطةً تبعثُ في نفوسِ كلِّ جيلٍ الإيمانَ الصحيحَ باللهِ تعالى، والثقةَ في النفسِ، والقدرةَ على التقدّمِ، والإرادةَ المؤمنةَ الجادَّةَ.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السادس من أكتوبر يوم العزة يوم الكرامة فی النفوس
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (نحن…)
ونرسم السودان الراحل وكأننا نحتفظ بصورة للمرحوم.
وشرق فندق وسط الخرطوم كان مبنى صغير له باب صغير هو صحيفة (الرأي العام).
وكل صباح وأمام الباب يضع (الولد) مائدة حديدية لها سطح مستدير، ومن حولها ست كراسي خيزران.
وكل صباح يأتي الشيوخ الستة ومنهم سكرتير الرياضة في أفريقيا، ويجلسون… وقليلاً ما يتحدثون.
(وأبطال عرس الزين ــ الطيب صالح ــ راقدين على ظهورهم في الليل أمام دكان الطاهر ود الرواسي، كانوا يظلون صامتين. وفجأة يقول واحد منهم بخفوت:
فلان… زول مطموس.
والآخرون يسمعون وقد عرفوا… والغريب وحده هو الذي لا يعرف من هو فلان ولا لماذا هو مطموس).
مثلهم كان الجلوس أمام باب الصحيفة هناك.
ونعبر من هناك والزمان يعبر.
ويوماً نرى أحد المقاعد فارغاً… (صاحبه مات).
وشهور قليلة ونرى مقعداً آخر فارغاً… وثالث.
لكن (الولد) يظل يضع المقاعد الست كل يوم في أماكنها حول التربيزة الحديدية…
ويوماً نرى من يجلس هناك وحيداً…
كان المشهد من أقسى ما شهدت…
وقفت أمام الرجل الصامت وبكيت. وبكيت… ولا الرجل قال لي شيئاً ولا أنا قلت له.
لكنا سودانيين.
(٢)
وفي أيام النميري… قمة أفريقية تُرتَّب. والقذافي يتصل برئيس الدولة التي تستضيف القمة ويقول:
أما أنا… وأما النميري…
ورئيس الدولة المضيفة يسمع القذافي حديثاً هو في عالم الدبلوماسية كومة من الشتائم…
والقذافي يرسل وزير خارجيته مكلفاً بمهمة واحدة… هي… الشوشرة على خطاب النميري.
والنميري يبدأ خطابه، ووزير القذافي يقاطعه ليصيح بأي حديث لا معنى له… وثانية… وفي الثالثة النميري يلتفت إلى حرسه ويطلب طبنجة… يتناولها ويضعها أمامه ثم يقول لوزير القذافي:
أقسم بالله… تفتح خشمك تاني إلا أديك طلقة في (……).
والوزير بعدها يقول:
حكيت للقذافي كل شيء وما قاله النميري، والقذافي قال لي:
ارجع… النميري دا بيعملها…
……
في الحديث قالوا:
النميري لم يكن اقتصادياً، ولا طبيباً، ولا سياسياً… لكنه ينجح في كل هذا بشيء واحد:
النميري كان شجاعاً…
آخر قال:
النميري أول من بعج مسألة تطبيق الشريعة، وأول من حطم أضخم حزب شيوعي في أفريقيا… ولولاه لكانت المحمودية الآن حزباً له نواب وأنياب.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب