الثورة /متابعات
شهدت دول عربية وأوروبية عدّة، وقفات احتجاجية تضامناً مع قطاع غزة الذي يتعرض لأعنف وأعتى الاعتداءات العسكرية الوحشية من قبل قوات العدو الإسرائيلي. وتأييداً لملحمة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، السبت الماضي، نُظمت تظاهرات داعمة لفلسطين في دمشق، حيث خرج السوريون من أجل التضامن مع الفلسطينيين وحقّهم في الدفاع عن أرضهم.


ونظم اتحاد طلبة سوريا وقفات تضامن وتأييد للمقاومة في جامعات دمشق وحلب وتشرين في اللاذقية، والبعث في حمص وحماه وطرطوس، والفرات في اللاذقية بمشاركة عشرات آلاف الطلبة السوريين.
وأكّد المشاركون وحدة القضية والهدف والمسار، موجهين التحية إلى “بطولات المقاومين في معركة طوفان الأقصى”، داعين العرب إلى “الإسناد والدعم”.
كذلك نظم فرع اتحاد الطلبة في جامعة حلب وقفة تضامنية مع غزة، حملت عنوان ” تحية لانتصار المقاومة الفلسطينية البطلة”، ورفع المشاركون أعلام فلسطين، مؤكدين ” دعمهم الكامل” لعملية “طوفان الأقصى”.
وفي الأردن، التضامن الشعبي مع غزة كان حاضراً، حيث هتف المتضامنون بأصواتهم الهادرة وهتافاتهم الغاضبة، واحتشد آلاف الأردنيين للمشاركة في أضخم مسيرة شهدتها العاصمة عمان، دعماً للمقاومة الفلسطينية، وتأييداً لعملية “طوفان الأقصى”.
ونظم طلاب في تونس وقفات داعمة لغزة، شارك فيها طلاب المدارس الحكومية.
أما في تركيا، فقد خرجت مسيرات داعمة للشعب الفلسطيني، وحمل المشاركون علم فلسطين بحجم كبير جداً وجابوا شوارع مدينة اسطنبول مطلقين شعارات مؤيدة لغزة وضد الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المغرب، دعت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة الشعب المغربي إلى المشاركة في “يوم الغضب”، بعد غدٍ الجمعة، نصرة لقطاع غزة.
وفي البرازيل، انضم المئات من الناشطين البرازيليين إلى الاحتجاجات والمظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في أماكن مختلفة من البلاد.
ونشر ناشطون من تشيلي مشاهد على مواقع التواصل لوقفات التضامن التي انتفضت دعماً لغزة ضد عدوان العدو الإسرائيلي.
كما شارك عدد من المواطنين في كولومبيا، في مسيرات تضامنية مع غزة، مطالبين بإنهاء الاحتلال لفلسطين، وهتفوا بالحرية للشعب الفلسطيني.
وشهدت الشوارع في مدينة ميلانو في إيطاليا مسيرات كبيرة دعماً لغزة، وهتف المشاركون فيها بعبارات منددة بما يرتكبه العدو من جرائم بحق الفلسطينيين العزّل عقب عملية “طوفان الأقصى”.
ورفع المشاركون في الفعالية التضامنية أعلام فلسطين، وأطلقوا عدداً من الشعارات الداعية لإنقاذ الشعب الفلسطيني، ولافتات كتب عليها “القدس داري”، و”فلسطين الأبية”، و”القضية الفلسطينية قضية كل مسلمي العالم”.
وحركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة تتضامن مع فلسطين وغزة. ونشر ناشطون للمجموعة على منصة “إكس” صورة لمقاوم فلسطيني في مظلة عليها العلم الفلسطيني، في إشارة لانطلاق عملية “طوفان الأقصى” السبت الماضي.
ولليوم الخامس على التوالي، يواصل العدو الصهيوني تكثيف غاراته واعتداءات الجوية والبحرية والبرية على قطاع غزة، حيث أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، اليوم الأربعاء، بارتفاع عدد شهداء العدوان على القطاع إلى 1055 شهيداً و5184 جريحاً، إضافة إلى نزوح أكثر من 140 ألف شخص وانتقالهم إلى مراكز الإيواء وساحات المستشفيات في ظل ظروف قاسية.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

باستثناء إسرائيل صدى طوفان الأقصى يتردد في ثورة بنغلاديش

يوشك أن يمضي عام كامل على إحدى أكثر اللحظات السياسية درامية في جنوب آسيا خلال القرن 21. فخلال صيف 2024، تحوّلت بنغلاديش من دولة يحكمها نظام استبدادي مستقر، إلى دولة تعيش مخاض تحول جذري تقوده حكومة انتقالية نشأت من رحم ثورة شعبية استلهمت طاقتها من أبعد نقطة في غرب آسيا؛ من طوفان الأقصى في قطاع غزة المحاصر.

ففي أغسطس/آب 2024، وبعد أسابيع من القمع الدموي الذي أودى بحياة أكثر من 1000 شخص، فرت الشيخة حسينة من البلاد، منهية عقدين من حكمها الاستبدادي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نهاية المرأة الحديدية.. كيف أطاحت الاحتجاجات برئيسة وزراء بنغلاديش؟list 2 of 2ما الذي تغير ليرفض الغرب حرب الإبادة على غزة؟ ولماذا الآن؟end of list

وسرعان ما عُيّن محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، رئيسًا لحكومة انتقالية. وعودة يونس من منفاه الأوروبي لم تكن بوصفه اقتصاديًا فقط، بل لكونه رمزا أخلاقيا للعدالة الاجتماعية والتغيير في أعلى مستوياته. وقد اتسم خطابه الأول بنبرة هادئة، لكن هذا الهدوء حمل معه وعدا وتهديدا بمحاسبة القتلة، وتفكيك أجهزة القمع، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع.

من المدهش حقًا أن تندلع شرارة ثورة شعبية في بنغلاديش بسبب مشاهد القصف في غزة. ففي خريف 2023، اجتاحت المظاهرات الجامعات والشوارع في البلاد تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما تلاه من حرب إبادة شنّتها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

إعلان

غير أن شعارات التضامن مع غزة تحولت بسرعة إلى هتافات ضد القمع المحلي، وصارت صورة الطفل الغزّي المذبوح انعكاسا لمشهد طفل بنغالي فقير تدهسه قوات الشرطة في دكا. ومن هنا، تحولت المظاهرات من تضامنية مع غزة، إلى ثورية تطالب بإسقاط النظام في بنغلاديش.

استمرت المظاهرات، وتصاعدت في الصيف وكان الطلاب في صدارتها، وفي نهاية المطاف رحلت الشيخة حسينة، وعاد محمد يونس بعد أن كان منفيّا إلى البلاد التي كانت شوارعها لا تزال غارقة بدماء المتظاهرين، وثلاجات الموتى فيها ممتلئة بجثث أكثر من 1000 متظاهر وطفل اخترقت أجسادهم رصاصات رجال شرطة نظام الشيخة حسينة.

ومع أن حوارات محمد يونس منذ توليه منصبه تبدو متسمة بالهدوء وضبط الأعصاب، وخالية من الراديكالية أو محاولة استثارة غضب أي طرف داخلي أو خارجي، فإن بنغلاديش شهدت الكثير من التغيرات خلال الشهور التي أعقبت نجاح الثورة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

مشهد سياسي متغير

منذ اليوم الأول لإدارته، أعاد يونس فتح المجال العام في بنغلاديش، وأفرج عن آلاف المعتقلين السياسيين وأوقف الرقابة على الإعلام. وفي المجمل، عادت الحياة السياسية بقوة، لكن هذا الانفتاح قاد لاستقطاب جديد.

في الشارع البنغالي ظهرت قوى إسلامية محافظة كانت محظورة في عهد حسينة، وعلى رأسها حركة "حفظة الإسلام"، و"الجماعة الإسلامية"، و"حزب التحرير"، كلها خرجت إلى العلن تطالب بدور أكبر للإسلام في التشريع، والتعليم، والمجال العام، وهو ما بدا واضحًا في أبريل/نيسان 2025 حين اجتمعت حشود ضخمة في العاصمة البنغالية دكا من مختلف الأحزاب والمنظمات الإسلامية والقومية، لترفع علم فلسطين وتعلن عن دعمها الكامل لغزة في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية.

متظاهرون رافضون لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في العاصمة البنغلاديشية دكا في 12 أبريل/نيسان 2025. (الفرنسية)

اللافت للنظر هنا أن الجهات المشاركة في المظاهرات، مثل الحركة الإسلامية البنغالية، وحزب المواطن القومي، وحزب الجماعة الإسلامية، وحزب عمار، وحركة حفظة الإسلام، والحزب الوطني البنغالي، قد امتنعوا عن رفع أية شعارات فئوية أو رفع أية أعلام حزبية؛ إذ رفعوا علميّ فلسطين وبنغلاديش فقط، ورددوا هتافات منددة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لدعمهما دولة الاحتلال الإسرائيلي.

إعلان

وفي ظلال هذا التوجه الواضح منذ شهور في الشارع البنغالي لنصرة القضية الفلسطينية والسخط على جيش الاحتلال وحلفائه، أعادت سلطة البلاد الانتقالية وضع عبارة "صالح لكل البلدان باستثناء إسرائيل" على جوازات السفر البنغالية، وهي العبارة التي ألغاها نظام الشيخة حسينة الاستبدادي من الجوازات.

وفي غمرة المظاهرات الشعبية، شهدت العاصمة دكا مظاهرة لحشود ضخمة من مؤيدي حركة "حفظة الإسلام" التي تسعى لتعزيز التوجه الديني المحافظ في البلاد، للمطالبة بإلغاء لجنة إصلاح شؤون المرأة التي شكلتها إدارة يونس الانتقالية، معتبرين أن تلك اللجنة ومثيلاتها تستقي أفكارها من منابع مخالفة للقرآن والسنة النبوية.

وعرضت الحركة بديلًا وهو أن يتم تشكيل لجنة أخرى للمرأة تضم علماء مسلمين ونساء منتميات للتيار الإسلامي، مؤكدة أن الإسلام هو المنبع الأساسي لهذا المجتمع والممثل الرئيسي له، ومشددة على رفضها أية إصلاحات على النمط الغربي لا تراعي الدين. وعلى جانب آخر كانت "الجماعة الإسلامية" قد نظمت مظاهرات حاشدة هي الأخرى تزامنًا مع عيد العمال، داعية إلى تعزيز حقوق العمال البنغال، وإيقاف استغلال أصحاب المصانع لهم.

تلك المظاهرات وغيرها أعطت صورة يصعب التشكيك فيها أن قطاعات واسعة في الشارع البنغالي تريد التعبير عن نفسها بعد سنوات من القمع، وتريد توجيه دولتها الجديدة باتجاه قومي إسلامي محافظ يراعي حقوق العمال والطبقات الفقيرة، ويبتعد أكثر عن الهند، ويقترب أكثر من العالم الإسلامي.

هذا التوجه أثار قلق الكثيرين في الخارج، كما العادة. وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن يونس بات "متهما" بأنه لم يبذل الجهد الكافي لإيقاف تصاعد ما وصفوه بـ "اليمين الإسلامي المحافظ" في البلاد، بعكس الشيخة حسينة التي قررت حظر الأحزاب الإسلامية واضطهدت القادة الإسلاميين في بلادها.

إعلان

اليوم، يمنح يونس الحرية الكاملة والتامة للإسلاميين لممارسة نشاطاتهم وتوسيع قواعدهم الشعبية. وبحسب الصحيفة، فقد وصل الأمر إلى حد إيقاف مباريات كرة القدم للفتيات البنغاليات بسبب تنديد الجماعات الإسلامية المحافظة بهذا النشاط.

أما مجلة فورين بوليسي الأميركية فقد نشرت مقالًا ينتقد يونس بسبب فشله في كبح من أسمتهم "المتعصبين الإسلاميين"، ومنحهم الفرصة لتصدّر المشهد ورفع الحظر عن جماعاتهم، بل وترددت المجلة في وصف الدافع الذي جعل يونس متساهلًا مع الإسلاميين، فهي لا تدري إن كان متساهلًا لأنه غير قادر على كبح تلك الجماعات أم لأنه غير راغب في ذلك.

كما ادعى المقال أن بعض المتعصبين الإسلاميين استهدفوا أفرادًا من الأقليات الأحمدية والهندوسية مما يعزز الطائفية في البلاد، مشيرا إلى أن "أسلمة الحياة العامة" في بنغلاديش قد تؤدي أيضًا إلى تدهور غير مسبوق في العلاقة بين البلاد وجارتها الهندوسية الهند.

السياسة الخارجية تتغير أيضًا

هذه التغيرات الداخلية وبروز الحس القومي الإسلامي داخل بنغلاديش صاحبتها إعادة رسمٍ حذرة للسياسة الخارجية للبلاد في عهد إدارة يونس الانتقالية، ويعد التوجه الأكثر وضوحا لهذه السياسة هو الابتعاد أكثر فأكثر عن الهند التي يعتبرها المواطنون البنغال شريكا رئيسيا في قمعهم، بسبب تحالفها مع رئيسة الوزراء السابقة حسينة واجد، في مقابل الاقتراب أكثر نسبيا من باكستان، التي طالما تمتعت بعلاقات متوترة مع بنغلاديش منذ الانفصال بين البلدين عام 1971.

رئيس الحكومة الانتقالية في بنغلاديش محمد يونس خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك في 27 سبتمبر/أيلول 2024. (الفرنسية)

ففي أبريل/نيسان الماضي أقدمت بنغلاديش للمرة الأولى منذ 15 عامًا على إجراء مباحثات دبلوماسية مع جارتها باكستان، وسهّلت الكثير من إجراءات التأشيرات للباكستانيين الراغبين في زيارة البلاد، كما أظهرت تساهلًا مع مواطنيها الراغبين في زيارة باكستان. وفي ظل هذه الانفراجة السياسية بين البلدين، ظهرت أيضًا انفراجة أخرى بين رجال الأعمال في البلدين، وفتحت البلدين النقل البحري المباشر بينهما.

إعلان

الأهم أن حكومة يونس تظهر ميولا واضحا في سياساتها تجاه الصين، بل وصل الأمر إلى أن يونس في زيارته إلى بكين في مارس/آذار الماضي عرض عليها أن تكون بلاده منفذًا لتوسيع النفوذ الصيني في جنوب آسيا على حساب الهند.

كما أشار صراحة إلى أن شمال شرق الهند منطقة غير ساحلية تمامًا، وأن بنغلاديش تتحكم في وصولها إلى المحيط، داعيا الصين إلى تعزيز استثماراتها في تلك المنطقة، في مغازلة جيوسياسية واضحة لبكين، لم تخل من استفزاز واضح لنيودلهي، نظرا لأن ممر سيليغوري، الذي يبلغ عرضه 22 كلم عند أضيق نقطة، يمثل نقطة الضعف الكبرى في الجغرافيا الهندية، ويمثل شريان حياة للولايات المتاخمة للصين وميانمار.

من جانبها، لم تفوت الصين مغازلات بنغلاديش وقابلتها بمبادرات سخية، حيث منحت الصادرات البنغالية إعفاء كاملا من الرسوم الجمركية، وتعهدت باستيراد المزيد من السلع منها.

وحصل يونس على التزام بتمويل صيني بقيمة 2.1 مليار دولار، إلى جانب اتفاقيات تعاون في مجال البنية التحتية والتعاون العسكري، وهو ما أثار مخاوف الهند من كابوس جيوسياسي واضح: بنغلاديش المعادية، المتحالفة مع الصين وباكستان، تُهدد بخنق ممر سيليغوري، وعزل الشمال الشرقي الهندي.

لا يعد هذا مجرد افتراض نظري، فقد سبق أن شنت الهند توغلا خطيرا داخل الحدود الصينية في يونيو/حزيران 2017 لمنع العمال الصينيين من بناء طريق، بسبب مخاوفها من اقتراب بكين من ممر سيليغوري. ويبدو أن الهند تفهم جيدًا توجهات يونس الجديدة، ومن ثم فهي تظهر لإدارته العين الحمراء تدريجيًا.

خريطة بنغلاديش (الجزيرة)

بادئ ذي بدء، رفضت نيودلهي منع الشيخة حسينة من إصدار خطاباتها وبياناتها من داخل الهند التي ترى إدارة يونس أنها تحاول زعزعة الأمن الداخلي في بنغلاديش من خلالها، كما اتخذت قرارات صارمة ضد بنغلاديش بإيقاف التسهيلات التي اعتادت أن تقدمها لدكا فيما يتعلق باستخدام الموانئ والمطارات الهندية لتصدير البضائع، وهي الخطوة التي رأى الكثير من الخبراء أن دافعها ليس اقتصاديًا فقط، بل سياسيًا أيضا في ظل توجهات ونوايا بنغلاديش الجديدة، والتي قد تشتمل على إنشاء قاعدة مدعومة صينيًا قرب الممر البري الهندي الضيق.

إعلان

يظهر إذًا بوضوح أن إدارة يونس تسعى لإعادة توجيه السياسة الخارجية لبلاده، لكن يونس مع ذلك يحاول أن يكون ماهرًا ومتأنيًا في مسعاه، ففي حواراته المسجلة يتجنب دائمًا الحديث عن "جارته الكبيرة" بشكل ندّي أو عدائي، ولا يحاول أن يصف العلاقات بين البلدين بأنها دخلت في طور جديد أو في مرحلة فتور، وإنما يستخدم لغة دبلوماسية تؤكد أن البلدين يحاولان أن يصلا دائمًا إلى ما هو أفضل لكليهما، وأن هناك بعض الملفات التي يجري الحديث والتشاور بشأنها ليس إلا، وأن العلاقة لا تشهد فتورًا، ومن تلك الملفات منع الشيخة حسينة من استخدام الهند "منبرا لزعزعة السلم العام في بنغلاديش".

ونتيجة لعدم استخدامه لهجة عدائية مباشرة مع الهند، فقد التقى يونس في أبريل/نيسان الماضي رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش قمة إقليمية في تايلند، أكد فيها مودي رغبته في رؤية بنغلاديش دولة ديمقراطية وعادلة وتقدمية وحامية للأقليات داخلها.

لذلك وبحسب مجلة "ذي دبلومات"، فإن يونس يبدو ناجحًا للغاية في سياسته الخارجية، إذ استطاع أن يبرم مع الصين عدة صفقات، وتواصل بشكل براغماتي مع رئيس الوزراء الهندي مؤخرًا، وفي الوقت نفسه استطاع أن يكون مقنعًا للإدارة الأميركية على نحو يجعلها تدعم حكومته.

الاستقطاب يسود المشهد.. والجيش حاضر

هذا النجاح الخارجي لا يعني أن كل شيء سيكون على ما يرام بالضرورة، فالواقع أن البلاد تشهد انقسامًا حادًا على المستوى الداخلي.

وبحسب مجلة "ذي دبلومات" تشهد بنغلاديش انقساما سياسيًا متفاقمًا، إذ يريد شباب الثورة من يونس إجراء إصلاحات دستورية وقانونية وهيكلية قبل إجراء أي انتخابات، وذلك لأنه -بحسب رأيهم- إذا لم يتغير شكل النظام من الأساس فسيعود استبداد نظام حسينة، لكن في ثوب آخر، ومن ثم فإن تغيير البيئة -من وجهة نظرهم- أهم من الانتخابات في حد ذاتها.

إعلان

على الجانب الآخر، يرى الحزب الوطني البنغالي، وهو الأكثر اهتمامًا بإجراء الانتخابات سريعًا لاعتقاده بأنه سيفوز بها، أن يونس يستخدم تكتيكات تصب في مسار تأجيل الانتخابات الديمقراطية.

هذا الانقسام والاحتقان في بنغلاديش، قد يقود -بحسب مجلة "ذي دبلومات"- إلى عودة الاحتجاجات في الشوارع بين الأطراف والأحزاب المتنافسة، علمًا بأن يونس وعد منذ البداية بأن يسلم السلطة في مارس/آذار 2026 كحد أقصى.

جدير بالذكر أن إدارة يونس ومعها قطاع عريض من شباب الثورة، يرون أنه لا يمكن إجراء انتخابات قبل الانتهاء من "ميثاق يوليو" الذي تُعده لجنة وطنية من خلال النقاش والتفاهم مع مختلف الأطراف السياسية في البلاد، والذي يهدف في النهاية إلى بناء "إطار لدولة ديمقراطية تضمن حقوق كل المواطنين واستقلال القضاء"، بغض النظر عن الفائز القادم في الانتخابات.

ولا يخلو هذا المشهد المضطرب من صوت الجيش البنغالي أيضًا، إذ صرح قائده واكر الزمان بأن البلاد في حالة فوضى، وأنه إذا استمرت الانقسامات والاضطرابات على هذا النحو فستكون سيادة البلاد في خطر. وكعادته، لم يتعامل يونس مع تلك التصريحات بلهجة صارمة، وأكد أنه لا يتعرض لأي ضغط من المؤسسة العسكرية، وأنه يتمتع بعلاقة جيدة وقوية معها.

مشكلة أخرى تواجه الإدارة الانتقالية وهي مسألة الأمن، صحيح أن إدارة يونس استطاعت أن تحاكم كبار ضباط الشرطة الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة في عهد الشيخة حسينة، وأخلت مقرات التعذيب السرية من المعارضين الذين كانوا فيها، مع تحسن واضح في الوضع الأمني بعد فرار الشيخة حسينة بحسب "فورين بوليسي" الأميركية.

هذا التحسن، دفع منظمة "هيومن رايتس ووتش" في يناير/كانون الثاني الماضي إلى الإشادة بإدارة يونس بسبب التقدم الكبير الذي أحرزته في تحديد مراكز الاحتجاز السرية، كما أن الجيش تعامل بجدية مع حادثة وفاة شاب من الحزب الوطني البنغالي بعد احتجازه لديه، وعزل الضابط الذي احتجزه، كما أن إدارة يونس أدانت الحادثة على الفور، وهو ما لم تكن تفعله الحكومات السابقة في حوادث مشابهة.

إعلان

لكنّ هذا كله يترافق مع غياب نسبي للأمن في الشوارع، رغم نفي يونس لهذا الأمر، فالشرطة تبدو مترددة في العودة لممارسة عملها بشكل جاد، وهو حال أشبه بما حدث في مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ومن ثم تجد العصابات في شوارع البلاد مرتعًا لها، حيث تمارس مختلف أشكال الجرائم، وقد وصل الأمر -بحسب مجلة "ذي دبلومات"- إلى حرق المتظاهرين دمية تمثل وزير الداخلية، مطالبين بإقالته بسبب تفشي الجريمة في البلاد.

وبحسب "هيومن رايتس ووتش" فإن قوات الأمن ما زالت تكرر أنماطها المألوفة من الانتهاكات ضد بعض المواطنين، حتى بعد إسقاط نظام الشيخة حسينة.

يضاف إلى ذلك أنه بالرغم من أن صورة يونس لا تزال ناصعة في عيون قطاع عريض من المواطنين، حتى أن الحزب الوطني البنغالي الذي ينتقده؛ يُقر بالاستقرار والنجاح النسبيين لإدارته بحسب منصة "بينار نيوز" المتخصصة في الشأن الآسيوي، فإن بعض مزاعم الفساد حول أفراد مقربين منه ومن حكومته -بحسب "ذي دبلومات"- تساهم في زيادة أعباء المرحلة الانتقالية. ومع أن هذه المزاعم تعاملت معها جهات مكافحة الفساد بجدية، فإن كثرة الأخبار حولها تجعل المرحلة الانتقالية أكثر صعوبة.

رئيس الحكومة الانتقالية محمد يونس، يتحدث في جلسة ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 22 يناير/كانون الثاني 2025. (الفرنسية) اقتصاديا.. ماذا فعل الخبير صاحب نوبل؟

كان البنك الدولي قد توقع في بداية هذا العام أن تحقق بنغلاديش نموًا اقتصاديا بنسبة 4.1% في السنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو/حزيران القادم، لكنه عاد مؤخرًا ليخفض توقعاته إلى 3.3%، وهو أبطأ معدل نمو تشهده البلاد منذ 36 عامًا.

ويعود هذا الانخفاض -بحسب البنك الدولي- إلى الضبابية السياسية وانخفاض الاستثمارات وارتفاع التضخم وتزعزع الاستقرار في القطاع المالي، علمًا بأن كل نقطة انخفاض تهدد بفقدان شريحة واسعة من المواطنين البنغال لأعمالهم.

إعلان

مع ذلك، لا يوجه الكثير من الاقتصاديين أصابع الاتهام إلى إدارة يونس في هذا الشأن بعدما استطاعت الحصول على دعم بمليارات الدولارات من مؤسسات وأطراف مختلفة، وذلك لأن يونس تسلم مقاليد الأمور في البلاد وهي تتعرض لدرجة عالية من "النهب" بحسب مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، إذ كانت احتياطيات النقد الأجنبي ضئيلة للغاية، ومعدل تضخم أسعار المواد الغذائية في حدود 15%، بل إن "بينار نيوز" تشير إلى أن يونس استطاع تعيين مسؤولين ووزراء أكفاء للتعامل مع المشاكل الاقتصادية التي ربما كانت مرشحة للتفاقم أكثر من ذلك.

وبحسب "ذي فايننشال إكسبرس" الهندية، فإن إدارة يونس الانتقالية أعادت بجدارة هيكلة القطاع المالي المنهار وتنظيمه، واستخدمت أدوات السياسة النقدية لكبح التضخم، ورشّدت إنفاق القطاع العام وبذلت محاولات جادة لاستعادة الأموال من الملاذات الآمنة.

كما أنه ولأول مرة منذ سنوات وبحسب نفس الصحيفة، لم ترتفع أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان المنصرم في بنغلاديش. وجدير بالذكر هنا أن إدارة يونس أجرت دراسة عميقة من 385 صفحة، خلصت فيها إلى أن أرقام النمو في عهد الشيخة حسينة كانت مفبركة ومبالغا فيها، وأنه لم تكن هناك معجزة اقتصادية في البلاد مثلما حاول النظام السابق تسويقه بحسب "ذي إيكونوميست" البريطانية.

ومع ذلك، فإن صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي يتوقعان انتعاشًا تدريجيًا للاقتصاد البنغالي على المدى المتوسط، إذا ما استطاعت البلاد أن تواجه تحدياتها بالتخطيط والحكمة اللازمة.

وقد صرح خبير الاقتصاد الكلي ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الفكرية "بوليسي إكستشانج البنغالية" لصحيفة "داكا تريبيون" واسعة الانتشار في البلاد، أنه بالرغم من أن الاقتصاد يتحرك ببطء، فإنه يتجه في الواقع ناحية التعافي، وأن توقعات البنك الدولي مؤخرًا لا ينبغي أن تُفسَّر بأنها تشير إلى كارثة اقتصادية مرتقبة في بنغلاديش.

إعلان

مقالات مشابهة

  • باستثناء إسرائيل صدى طوفان الأقصى يتردد في ثورة بنغلاديش
  • تصاعد ملحوظ في عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جحافل الاحتلال الصهيوني في غزة
  • مناورة وتطبيق قتالي في المحابشة بحجة لخريجي دورات “طوفان الأقصى”
  • «رئيس الوزراء الفلسطيني» يجدد دعوته إلى لوكسمبورج للاعتراف بدولة فلسطين
  • شيخ الأزهر: الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية والكيان أثبت أنه ضد الإنسانية
  • طوفان الأقصى: 10 تحولات جيوسياسية تعيد رسم خرائط القوى العالمية
  • وقفة لكوادر مستشفى صعدة للأمومة والطفولة تضامنا مع الشعب الفلسطيني
  • امريكا ترفض ردّ “حماس” الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني
  • مناورات ميدانية لخريجي “طوفان الأقصى” في ذمار والحديدة تأكيداً للوفاء لقضية فلسطين
  • الهيئة النسائية في حجة تنظم وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني