مدينة تل أبيب.. من حي لليهود إلى عاصمة لإسرائيل
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
مدينة كبرى في إسرائيل تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط شمال غرب القدس، وتشكل المركز الثقافي والتجاري والتكنولوجي والمالي للاقتصاد الإسرائيلي، كما أنها مقر معظم المؤسسات الفنية والترفيهية والإعلامية. تأسست عام 1909 وقد كانت حيا في شمالي يافا ثم توسعت على حساب المدينة الأصلية والقرى الفلسطينية التي هُجر أهلها، وأصبحت أول مدينة لليهود في العصر الحديث، وعاصمتهم الأولى.
القيمة العالمية المميزة للنمط المعماري للمدينة دفعت اليونيسكو عام 2003 إلى الاعتراف بها موقعا للتراث العالمي، حيث تعد مثالا بارزا لبعض أهم اتجاهات الحركة الحديثة للطراز المعماري الأوروبي المتأثر بمدرسة باوهاوس الألمانية.
الموقع والجغرافياتقع مدينة تل أبيب على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالي 60 كيلومترا شمال غرب القدس، وشمال شرق يافا.
وتبلغ مساحة المدينة 52 كيلومترا مربعا، وتمتد أراضيها على السهل الساحلي المركزي لفلسطين المحتلة على طول حوالي 15 كيلومترا من الشاطئ، وهي مبنية على ثلاث تلال منخفضة من تلال الحجر الرملي الناعم، التي تمتد تقريبا بالتوازي مع الساحل.
ويمتد حزام ضيق من الكثبان الرملية الصغيرة التي تغطي أقصى الغرب من هذه التلال إلى الداخل، وتوجد تلال من الحجر الرملي في الشرق، وتمتد منطقة الضواحي المبنية وراءها إلى الأراضي الزراعية الغنية في السهل الساحلي.
المناختتمتع تل أبيب بمناخ البحر الأبيض المتوسط، ويكون الطقس فيها معتدلا على العموم، والصيف طويلا ودافئا ورطبا، ولا تهطل فيه الأمطار، أما الشتاء فيكون باردا وممطرا وليس تساقط الثلوج هناك مألوفا.
ويعد شهر أغسطس/آب الأشد حرارة في السنة، ويبلغ متوسط الحد الأقصى لدرجات الحرارة في هذه المدينة نحو 30 درجة مئوية، ومتوسط الحد الأدنى نحو 24 درجة مئوية، ولا تتجاوز درجات الحرارة غالبا 35 درجة مئوية، بسبب تأثير البحر المعتدل.
وشهر يناير/كانون الثاني هو الشهر الأشد برودة هناك، ويبلغ متوسط الحد الأقصى لدرجات الحرارة فيه 18 درجة مئوية والحد الأدنى نحو 10 درجات مئوية، ونادرا ما تنخفض درجات الحرارة عن 5 درجات مئوية.
تعد تل أبيب ثانية أكبر المدن في إسرائيل بعد القدس، وهي عصب الحياة للمجتمع الإسرائيلي والمركز الاقتصادي والتعليمي للبلاد؛ إذ تضم المقر الرئيسي لمعظم الشركات الكبرى في إسرائيل والمؤسسات التعليمية المهمة.
كما أنها مركز الثقافة والفنون في إسرائيل، وهي موطن معظم مسارح البلاد، بما في ذلك "مسرح هابيما الوطني"، و"أوركسترا إسرائيل الفيلهارمونية"، و"الأوبرا الإسرائيلية الجديدة"، ويقام أكثر من ثلث العروض والمعارض في إسرائيل في تل أبيب.
وتستضيف المدينة 3 متاحف:
متحف أرض إسرائيل، بمجموعاته المتنوعة في علم الآثار واليهودية والإثنوغرافيا والثقافة المادية. متحف تل أبيب للفنون، الذي يعرض الأعمال الإسرائيلية والأميركية والأوروبية. متحف الشتات المخصص لتاريخ الشعب اليهودي في الشتات.وتعد تل أبيب أيضا مركزا مهما للإعلام ودور النشر، حيث تقع فيها مقرات معظم دور النشر، ومنشآت إذاعة الجيش الإسرائيلي، واستوديوهات الإذاعة والتلفزيون، ومنها يتم نشر غالبية الصحف الإسرائيلية.
وعلاوة على ذلك، تضم المقر الرئيسي لعدد من الوزارات والإدارات الحكومية، بما في ذلك وزارة الدفاع، ومعظم السفارات الأجنبية ومقرات المنظمات العامة الأخرى.
وتمثل تل أبيب مركزا للترفيه، حيث تنتشر فيها المتنزهات والحدائق العامة والبساتين، مثل حديقة رعنانا والحديقة الوطنية وحديقة السفاري، وهي أكبر حديقة حيوانات في إسرائيل.
ويقع المطار الدولي الرئيسي لإسرائيل في المنطقة الجنوبية الشرقية لتل أبيب، ويقع ميناء أسدود المهم على الطرف الجنوبي من منطقة تل أبيب الحضرية.
كتب ثيودور هرتزل رواية خيالية مشهورة بالألمانية تُسمى "التنويلاند"، وتعني "الأرض القديمة الجديدة" وأشار فيها إلى الهجرة اليهودية والدولة التي يحلم بتأسيسها.
وترجمها إلى العبرية الكاتب والمؤرخ اليهودي ناحوم سوكولوف، ولم يجد المترجم في العبرية مصطلحا مقابلا لـ"التنويلاند" فاختار اسم "تل أفيف" ليكون عنوانا للترجمة العبرية، لأن معناه يمزج بين القديم والجديد، فـ"تل" يشير إلى القديم و"أفيف" يعني الربيع ويشير إلى التجدد.
وقد ورد اسم "تل أفيف"، الذي يعبر عنه بالعربية بـ"تل أبيب"، في العهد القديم مرة واحدة فقط في سفر حزقيال، ونصه: "ثم أَقبلتُ على الْمَسبيِّينَ القاطنينَ إلى جوارِ نهرِ خَابُورَ عند تلِّ أبيبَ، فأقمتُ هناكَ حيثُ يسكنونَ مُتحيِّرا سبعةَ أيام".
ولم يعثر الباحثون على موقع نهر خابور، ويقال إن المراد في النص مستوطنة في بابل سكنها اليهود المنفيون هناك.
ويشاع أن "تل أبيب" تحريف لـ"تل الربيع" وهي قرية فلسطينية بنيت المدينة على أنقاضها، وهذا مخالف للحقائق التاريخية؛ فلم يكن قبل النكبة عام 1948 قرية أو مدينة فلسطينية اسمها "تل الربيع"، بل إن "تل الربيع" هو الترجمة الحرفية للفظ العبري "تل أفيف" وليس الاسم الأصلي للمدينة.
السكانوصل عدد سكان مدينة تل أبيب عام 2020 إلى 465 ألفا و900 نسمة، بنسبة نمو سنوية بلغت 1.1% وفق ما ذكره معهد القدس لبحث السياسات.
ويمثل اليهود الغالبية العظمى من سكان المدينة، ويميل معظمهم إلى التوجه العلماني إلى حد كبير، مع وجود أقلية متدينة واضحة. ويمثل العرب نسبة صغيرة جدا من السكان، ومعظمهم من المسلمين، وهناك عدد من المسيحيين.
ويعدّ سكان المدينة أكثر ثراء من المتوسط في البلاد، وتقع الأحياء الأكثر ثراء شمال نهر العوجا، وتقع معظم الأحياء الفقيرة في الجنوب، ويعد حي هتكفا وكفار شاليم من بين الأحياء الأكثر فقرا، وتسكنهما نسبة كبيرة من اليهود المنحدرين من بلدان ناطقة بالعربية. وتضم المدينة نسبة عالية من المسنين.
تأسست تل أبيب عام 1909م إبان العهد العثماني، وكانت عبارة عن حي سكني لليهود في شمالي مدينة يافا يعرف باسم "أحوزات بايت"، وهو اسم النقابة التي بنت الحي، وفي عام 1910 تم تغيير الاسم إلى "تل أبيب".
ونُسبت مبادرة تأسيس الحي إلى شخصين، الأول هو عمدة المدينة "مئير ديزنغوف"، الذي أسس شركة "جؤولاه" (أي الخلاص) بهدف شراء الأراضي من الفلسطينيين، والثاني هو المعماري "عقيفا آرييه فايس".
وأصل مؤسسي الحي من المهاجرين اليهود الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أو العليا، وقد رغبوا في بناء ضاحية حدائق على الطراز الأوروبي، ذات شوارع مستقيمة وواسعة وبنية تحتية وخدمات حضرية حديثة بعيدا عن اكتظاظ المدينة.
ولم يكن في الحي عند تأسيسه سوى بضعة شوارع وأزقة، واحتوى على 60 بيتا من دون مركز تجاري، وبُنيت في أقصاه مدرسة "جمناسيا هرتسليا"، وهي المدرسة العبرية الأولى الحديثة في فلسطين، وكان جميع المستوطنين الأوائل في تل أبيب يعملون في يافا.
وبلغ عدد بيوت الحارة حين اندلاع الحرب العالمية الأولى 140 بيتا فقط، وخلال تلك الحرب منعت السلطات التركية الحاكمة اليهود من إضافة بيوت أخرى، بل تم طرد جميع سكان تل أبيب والسكان اليهود في يافا على يد السلطات العسكرية العثمانية، التي اشتبهت في تعاطفهم مع الجيش البريطاني المعادي.
الانتداب البريطانيفي أواخر عام 1917، بعد أن استولى البريطانيون على يافا وتل أبيب، سمحوا لليهود بالعودة إلى الحي ومدينة يافا، وشهدت تل أبيب في مطلع العشرينيات نموا وازدهارا كبيرين.
وتأثر النمو خلال فترة الانتداب البريطاني إلى حد كبير بموجات الهجرة اليهودية، إذ أدت الأعداد الكبيرة من المهاجرين إلى النمو السكاني السريع وإلى طفرات في البناء، وكان مهاجرو الطبقة المتوسطة من بولندا وألمانيا الذين يملكون رؤوس أموال بارزين بشكل خاص في هذه الموجات.
كما أثرت الاضطرابات المعادية للهجرة اليهودية التي وقعت في يافا عام 1921، في النمو السكاني للمدينة، حيث هاجم الفلسطينيون اليهود في يافا؛ مما دفع الآلاف منهم إلى مغادرة المدينة والانتقال إلى تل أبيب، وكانت غالبية أولئك اليهود من العمال والفقراء الذين لا يستطيعون شراء أو بناء بيوت على شاكلة بيوت الحي، لذلك أقاموا في أكواخ وخيام حول الحي الأصلي.
وفي 11 مايو/أيار 1921 أعلن المندوب السامي البريطاني رسميا تحويل تل أبيب إلى بلدة، وتم نقل معظم الشركات اليهودية إليها، وساهم كونها أول منطقة حضرية في فلسطين يديرها اليهود في جذبها للمهاجرين اليهود في عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ20.
ويوم 11 يونيو/حزيران 1923 حُددت حدود البلدة، وشملت حدود البلدية الغالبية العظمى من المنطقة المبنية في تل أبيب والأحياء اليهودية المجاورة، وعلى الرغم من أن 60 عائلة عربية تعيش في تلك المنطقة، فقد تم تضمينها داخل حدود البلدة اليهودية.
وفي تلك الفترة ظهرت تل أبيب بصفتها مركزا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وعسكريا للسكان اليهود، وتطورت النواة التاريخية لها لتصبح مركز أعمال مزدهرا، وأقيم أول معرض تجاري بها في أوائل الثلاثينيات، وأُنشِئت فيها المسارح، وأقام في المدينة عدّة كتاب مهمين.
وتجدد الصراع بين الفلسطينيين واليهود عام 1929؛ مما أدى إلى زيادة الانفصال بين المجموعتين، واستمر عدد المهاجرين اليهود إلى تل أبيب في الازدياد، وبحلول عام 1933 تجاوز عدد سكانها عدد سكان يافا، وفي عام 1934 تحولت تل أبيب إلى مدينة وكان "مئير ديزنغوف" أول عمدة لها.
وأثناء الثورة الفلسطينية بين عامي 1936 و1939، اكتمل الفصل بين الطرفين فعليا، وقد أدى إضراب عام في ميناء يافا إلى إنشاء ميناء صغير منفصل في تل أبيب، وكان اليهود قد اعترضوا على عدم الاستفادة من خدمات ميناء يافا، بسبب سيطرة الفلسطينيين عليه.
وزاد عدد المهاجرين عام 1936 بتأثير موجة الهجرة الكبيرة لليهود القادمين من ألمانيا، فأصبح عدد اليهود في المدينة نحو 120 ألفا، وأصبحت تل أبيب في تلك السنة أكبر مدينة في فلسطين.
وشهدت المدينة إثر ذلك نموا تجاريا وصناعيا وثقافيا؛ ففُتحت المدارس والكليات وأُنشئت المصانع والمشاغل وبُنيت مراكز تجارية جديدة وكبيرة على الطراز الغربي، واستقطبت المدينة الحركة التجارية والصناعية في فلسطين.
وأصبحت تل أبيب آنذاك المركز السياسي والاقتصادي والثقافي للوطن القومي اليهودي، وضمت كذلك اتحاد العمل اليهودي والمقرات العسكرية.
وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم (181) لعام 1947 بشأن تقسيم فلسطين، كان من المفترض أن تظل يافا جيبا عربيا داخل الدولة اليهودية، ولكن في أواخر عام 1947 هاجمت عصابة "الهاغاناه" مدينة يافا، وارتكبت مجازر واسعة وهجرت أهالي المدينة التي كان يقطنها نحو 100 ألف نسمة.
وفي مايو/أيار 1948 سيطرت القوات العسكرية اليهودية التابعة لـ"الهاغاناه" و"الإرغون" على يافا، وهُجّر سكان المدينة الفلسطينيون، وكان ذلك قبل يومين من إعلان قيام دولة الاحتلال، وجاء الإعلان فيما بعد في منزل رئيس بلدية تل أبيب مئير ديزنغوف.
وأصبحت تل أبيب العاصمة المؤقتة لإسرائيل واستمرت في التوسع على حساب مدينة يافا، التي تحولت إلى جزء صغير مهمش في قلب "تل أبيب"، كما توسعت تل أبيب على أنقاض 7 قرى فلسطينية هُجّر أهلها عام 1948، ثم دُمّرت.
وفي عام 1950 قررت الحكومة الإسرائيلية نقل مقرها إلى القدس، ودُمِجت يافا وضُمّت إلى منطقة نفوذ بلدية تل أبيب، وأصبحت البلدية الموحدة تعرف رسميا باسم تل أبيب-يافا.
وعملت سلطات البلدية والهيئات الحكومية، وفي مقدمتها وزارتا الاستيعاب والإسكان، على توطين اليهود المهاجرين في بيوت الفلسطينيين المهجَّرين.
وفي الخمسينيات توسعت تل أبيب وضُمّت إليها أراضٍ إضافية شمال نهر العوجا، وشهدت أحياء يافا عمليات هدم واسعة للبيوت والمحلات التجارية التي يملكها الفلسطينيون، وأُقيمت مكانها مبانٍ سكنية وتجارية جديدة، وبدأ الطابع العربي للمدينة في الاختفاء وطغى عليها الطابع اليهودي.
وجمّعت السلطات الإسرائيلية خلال تلك الفترة القلّة التي تبقت من الفلسطينيين في المدن المختلطة (التي يسكنها اليهود والعرب) في أحياء محددة، اصطلح على تسميتها بشكل غير رسمي بـ"الغيتوهات".
وقد بقي 4 آلاف فلسطيني في يافا جُمِعوا في حي العجمي المحافظ على مظهره القديم، الواقع في جنوب يافا المحتلة، وأصبح العرب الفلسطينيون قلة محدودة ولا يشكلون إلا نحو 3% من السكان.
وفي عام 1965 افْتُتِحَ الميناء الحديث في أسدود القريبة من تل أبيب، وتوقف العمل في ميناءي يافا وتل أبيب عقب ذلك، وخُصص ميناء تل أبيب لليخوت وميناء يافا للصيادين.
وبدأ عمدة تل أبيب "شلومو لاهات"، الذي أدار المدينة بين عامي 1974 و1993، مشاريع تطوير واسعة النطاق بتكلفة كبيرة من أجل تعزيز صورة تل أبيب ونوعية الحياة فيها.
وفي التسعينيات شهدت المدينة نموا وإعادة هيكلة اقتصادية، وأدى استيعاب المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، وتدفق العمال الأجانب، وتجديد الأجزاء القديمة من وسط تل أبيب إلى نمو نسبي في عدد السكان. وأصبحت المدينة مركزا للمستثمرين الأجانب، الذين دخلوا سوق الاقتصاد الإسرائيلي.
وفي ظل هذا التطور الذي شهدته المدينة، ظلت الأحياء العربية تعاني من نقص في الخدمات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، مع عدم وجود خطط تطويرية أو إيجاد حلول للضائقة السكنية، وذلك بسبب سيطرة السلطات المحلية والحكومية على الأراضي.
وتعرضت تل أبيب لعدة هجمات مسلحة، من بينها الهجمات الصاروخية العراقية خلال حرب الخليج عام 1991، التي تسببت في ذعر السكان، على الرغم من عدم وقوع أضرار تذكر.
وخلال الأعوام 2012 و2014 و2021 تعرضت لوابل من الصواريخ من قطاع غزة، إضافة إلى عدّة عمليات فدائية رافقت انهيار عملية السلام المرتبطة باتفاقيات أوسلو (سبتمبر/أيلول 1993).
الاقتصادتعد تل أبيب المركز الرئيسي للاقتصاد الإسرائيلي، وفيها تجري أغلب النشاطات الاقتصادية، وتتركز فيها غالبية إدارات الشركات الاقتصادية والمالية، مثل شركات الصناعات التكنولوجية المتطورة والمصارف وشركات التأمين وشركات الأوراق النقدية والبورصة.
وتتجلى هيمنتها على الحياة الاقتصادية في إسرائيل بوضوح، لاحتوائها على ما يقارب سدس الوظائف في البلاد، ونحو خمسي الوظائف في مجالات الخدمات المصرفية والتأمين والقطاع المالي، وهي القطاعات الرائدة في المدينة.
وتعد نسبة العمل في قطاع الزراعة في المدينة ضئيلة جدا، ويكاد يكون العمل في الصناعة ضمن المستوى العام في البلاد، أما العمل في القطاع المالي والخدمات الإنتاجية فيشكّل نسبة مرتفعة جدا مقارنة بالمستوى المحلي للبلاد.
تُعرف تل أبيب باسم "المدينة البيضاء"، وذلك نسبة إلى الألوان الزاهية لأسلوب البناء فيها، والقيمة العالمية المميزة للهندسة المعمارية للمدينة؛ وهو ما دفع اليونسكو عام 2003 إلى اعتبارها موقعا للتراث العالمي، إذ تضم أكثر من 1000 مبنى تم تصنيفها ضمن ما يعرف بـ"مواقع الحفظ".
وتعدّ مدينة تل أبيب البيضاء مثالا بارزا لأفكار تخطيط المدن المبتكرة في الجزء الأول من القرن الـ21، وهي تمثيل لبعض أهم اتجاهات الحركة الحديثة في الهندسة المعمارية على الطراز الأوروبي المتأثر بمدرسة باوهاوس الألمانية، التي تم تكييفها عند التنفيذ مع الظروف الثقافية والمناخية للمكان، فضلا عن دمجها بالتقاليد المحلية.
وتشكل المنطقة البيضاء الجزء المركزي من تل أبيب، وهي مبنية على المخطط الرئيسي الحضري الذي وضعه السير باتريك جيديس، أحد أبرز المنظرين في أوائل العصر الحديث بين عامي 1925 و1927، وتمثل تل أبيب إنجازه الحضري الوحيد الواسع النطاق.
وأُنشِئت "المدينة البيضاء" بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن العشرين، وتم تصميم المباني من قبل مهندسين معماريين تلقوا تدريبهم في أوروبا، فمارسوا مهنتهم قبل الهجرة، ثم أنشؤوا مجموعة معمارية متميزة للحركة الحديثة في سياق ثقافي جديد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البحر الأبیض المتوسط درجات الحرارة مدینة تل أبیب فی المدینة فی إسرائیل درجة مئویة فی تل أبیب الیهود فی فی فلسطین العمل فی فی یافا وفی عام
إقرأ أيضاً:
600 يوم من الحرب فشل إستراتيجي لإسرائيل ونتنياهو في مرمى الانتقادات
في الذكرى الـ600 لاندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة زخرت الصحف الإسرائيلية بالمقالات التقييمية لوضع إسرائيل، حيث ركز العديد منها على فشل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، والتي كان أبرزها القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن واستعادة الأمن على المدى الطويل.
وسيطرت على هذه المقالات سمة التشاؤم وانعدام التصور للخروج من الأزمة في ظل تعدد الساحات التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن وحتى إيران، فضلا عن تخلخل الساحة الداخلية في ضوء الخلافات المستعرة بشأن أهداف الحرب.
مأزق إستراتيجيوفي مقال شديد اللهجة نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" قال المحلل السياسي ومراسل شؤون الاستيطان أليشع بن كيمون إن "الواقع في غزة لم يتغير، والقيادة الإسرائيلية فشلت في كل اختبار، وعلى رأسها رئيس الحكومة الذي يتهرب من اتخاذ القرارات ويقود البلاد إلى مأزق إستراتيجي عميق".
ويضيف المحلل السياسي أن الجيش الإسرائيلي ورغم العمليات المكثفة التي أسفرت عن تدمير مناطق واسعة من غزة ومقتل نحو 20 ألفا من عناصر حماس -وفقا للتقديرات الإسرائيلية- فإنه لا يزال يضطر للعودة مرارا إلى المناطق ذاتها لمواجهة ما تبقى من خلايا المقاومة، وقال "صحيح أن البنية التحتية لحماس تضررت، لكنها لا تزال موجودة وتعمل وتتنفس".
إعلانكما أشار إلى أن محاولات الحكومة لإضعاف الحركة من خلال توزيع المساعدات الإنسانية المباشرة على السكان لم تحقق أهدافها حتى الآن رغم الترويج لها كنقطة تحول.
واستشهد المحلل السياسي بفشل المبادرات السابقة في مناطق مثل مستشفى الشفاء، ورفح، وطريق فيلادلفيا، معتبرا أن "الزمن هو وحده الذي يتغير، أما الواقع فيبقى على حاله".
وعلى صعيد ملف الرهائن، يوضح بن كيمون أن إسرائيل استعادت حتى الآن 145 من أصل 251 رهينة أسروا في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حين لا يزال 58 منهم محتجزين في غزة "بعضهم لم يعد على قيد الحياة".
واعتبر أن حكومة نتنياهو فشلت في خلق أي نفوذ فعال على حماس للضغط من أجل الإفراج عنهم، قائلا "لا أتوقع من منظمة إرهابية أن تبدي رحمة، لكنني كنت أتوقع من حكومتي أن تتصرف بطريقة تجعل الخاطف يندم على فعله".
أمن مفقود وقيادة مترددة
ويرى المحلل السياسي أن الأمن الذي وعدت به الحكومة لا يزال بعيدا عن التحقق، فالصواريخ ما زالت تنطلق من غزة وإن بوتيرة منخفضة، والحوثيون في اليمن يواصلون استهداف الممرات البحرية، والحدود الشمالية مع سوريا تشهد تصعيدا متزايدا، في حين لم يعد جميع سكان غلاف غزة إلى منازلهم حتى الآن.
ويقول بن كيمون إن سبب هذا التعثر هو "عجز نتنياهو عن الحسم"، واصفا إياه بأنه "رجل يحب إبقاء كل الخيارات مفتوحة، ويتهرب من القرارات الحاسمة".
واعتبر أن الفشل لا يقتصر على المستوى العسكري، بل يمتد إلى انقسامات داخلية في الحكومة، حيث تتجاذبه تيارات من أقصى اليمين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وأخرى أكثر براغماتية، مما يعطل مسارات اتخاذ القرار.
ويضيف أن نتنياهو غالبا ما يعطل صفقات وقف إطلاق النار، تارة نتيجة ضغوط سياسية، وتارة أخرى بسبب خلافات مع الجيش أو جهاز الأمن العام (الشاباك)، مما أدى إلى "شلل إستراتيجي لا هو بالانتصار ولا بالتراجع".
إعلانوبينما ينتقد أداء الحكومة في غزة يقدم بن كيمون الضفة الغربية كنموذج معاكس، حيث يزعم أن إسرائيل تحقق فيها "نجاحا في تغيير الواقع" من خلال عمليات أمنية مكثفة داخل المخيمات والمدن وتوسيع المستوطنات بسرعة غير مسبوقة.
ويشير إلى أن رؤساء المجالس الاستيطانية يتحدثون بصراحة عن السيطرة على مزيد من الأراضي وفرض الوقائع، مؤكدا أن "إسرائيل هناك تملك رؤية واضحة وتنفيذا متسقا، في حين تسود الفوضى والتردد بغزة".
ويختم المحلل السياسي مقاله بالتأكيد على أن غزة لم تعد مجرد ساحة حرب، بل باتت "اختبارا للقيادة الإسرائيلية"، وهو اختبار فشلت فيه الحكومة، على حد قوله.
ويضيف أن "600 يوم من القتال لم تؤدِ إلى نتائج حاسمة، وكل ما تحقق حتى الآن هو مزيد من الدماء والجمود".
لا خطة للخروجمن ناحيته، قال آفي أشكنازي المراسل العسكري لصحيفة معاريف إن إسرائيل تمر بحالة من التيه الإستراتيجي في حربها المتواصلة منذ 600 يوم ضد حركة حماس.
وأشار أشكنازي إلى أن الفشل ليس عسكريا بقدر ما هو سياسي، وكتب في مقال نشر الأربعاء في الذكرى الـ58 لحرب يونيو/حزيران 1967 أن "إسرائيل التي احتلت الشرق الأوسط في 6 أيام لا تستطيع منذ نحو عامين الانتصار على منظمة مسلحة ببنادق كلاشينكوف"، على حد وصفه.
ورأى أشكنازي أن الحكومة الإسرائيلية لا تعرف ماذا تريد من هذه الحرب، ولا تمتلك خطة خروج ولا حتى مؤشرات حقيقية للنجاح، بل تتصرف في حرب بلا نهاية واضحة، لافتا إلى أن الجيش وأجهزة الأمن تمكنت من التعافي بعد صدمة 7 أكتوبر، لكنها تفتقر إلى التوجيه السياسي الواضح.
وقال إن المأزق يتجلى في عجز القيادة السياسية عن تحديد ما إذا كانت إسرائيل تريد إنهاء حكم حماس في غزة، أم إعادة الاحتلال والاستيطان، أم مجرد ردع مؤقت.
وفي هذا السياق، أشار أشكنازي إلى أن "اليمين المتطرف يريد التمسك بالقطاع وتجديد الاستيطان فيه، في حين لا يوجد توافق على أهداف العملية أو حتى اسم موحد لها"، حيث استُخدمت حتى الآن عشرات الأسماء المتناقضة لوصف الحملة.
إعلانوفي مقارنة لافتة، أشار الكاتب إلى أن إسرائيل تقيم اليوم ذكرى انتصارها الساحق في حرب 1967، في حين تغرق في "وحل غزة" منذ ما يقارب عامين، من دون أن تتمكن من تحرير 58 رهينة ولا إعلان موعد لانتهاء الحملة.
وأضاف أن ما بدأ كحرب عادلة ضد ما وصفه بالاعتداء الدموي تحول إلى "مستنقع بلا أفق"، متوقعا أن يستمر هذا الوضع حتى اليوم الـ700 وربما الألف، بلا اسم، وبلا نهاية، وبلا أفق سياسي.
ضربة تاريخية وإسرائيل تعود للهزيمة مجددا
ويعرض الكاتب الإسرائيلي بن كسبيت في مقاله بصحيفة معاريف أيضا سردا تفصيليا لما يعتبرها إحدى أحلك الحلقات في تاريخ إسرائيل، بدءا من الهجوم الكاسح لحماس في 7 أكتوبر، وصولا إلى تعافي الجيش ثم تعثر الدولة مجددا بسبب قيادة نتنياهو الذي ركز منذ اللحظة الأولى بعد الهجوم على البقاء السياسي بدلا من استخلاص الدروس أو تصحيح المسار.
ويصف بن كسبيت هجوم حماس بـ"الهزيمة الأصعب في تاريخنا"، مشيرا إلى أن خطة "طوفان الأقصى" نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية على الحدود مع غزة، واحتلال مواقع عسكرية وقتل المئات من المدنيين والجنود، وفرض حالة من الرعب الوجودي بين الإسرائيليين لم تشهدها البلاد منذ حرب الاستقلال.
ويؤكد أن الخطر لم يكن فقط في حجم الدمار أو عدد القتلى، بل في إدراك الإسرائيليين أن دولتهم ليست بمأمن، وأنها باتت هشة أمام أعدائها.
ورغم ذلك فإن بن كسبيت يلفت إلى أن الجيش الإسرائيلي تمكن بعد 3 أيام من استعادة السيطرة، وتحرير المناطق التي احتلها مقاتلو حماس، وبدأ مرحلة الرد والهجوم.
وبحسب الكاتب، فقد حققت إسرائيل "انتصارا حقيقيا" في الأسابيع التي تلت الهجوم، حيث تم القضاء على مستويات قيادية في حماس، وتدمير جزء كبير من بنيتها التحتية، خاصة الأنفاق، مع استمرار التفوق الجوي والتفوق في العمليات داخل غزة.
لكن هذا الزخم العسكري -بحسب بن كسبيت الذي يعرف بانتقاداته اللاذعة والحادة لنتنياهو- لم يتحول إلى إنجاز سياسي أو إستراتيجي بسبب فشل القيادة السياسية، وتحديدا نتنياهو الذي اتخذ من الكارثة فرصة لتعزيز بقائه في السلطة.
إعلانويشير الكاتب إلى أن نتنياهو اجتمع في اليوم التالي للهجوم مع المقربين منه، ليس لمناقشة الرد أو إدارة الأزمة، بل لوضع "خطة البقاء السياسي"، وكيفية تحميل المسؤولية للآخرين، وتجنب المحاسبة.
ويسخر بن كسبيت من محاولات نتنياهو تحميل رئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان أو مسؤولين آخرين المسؤولية، في حين أن فشل الحكومة والاستخبارات والعسكر يعود إلى سياساته الطويلة الأمد، كما ينتقد استغلاله انضمام رئيس حزب معسكر الدولة بيني غانتس وغادي آيزنكوت إلى الحكومة بعد الهجوم، لتثبيت موقعه واستعادة جزء من شعبيته، دون إحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة أو الحرب.
ويرى الكاتب أن إسرائيل أضاعت فرصة إستراتيجية بعد نجاحها العسكري، إذ تراجعت في الجبهات السياسية والدولية، في حين كان العالم العربي والدولي مستعدا للتقارب مع إسرائيل ضمن زخم جديد تقوده الولايات المتحدة.
لكن سياسات نتنياهو وتحالفه مع أقصى اليمين أفشلا هذه الفرصة، وجعلا من إسرائيل "دولة منبوذة" على حافة فرض العقوبات والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويختم بن كسبيت مقاله بالقول إن إسرائيل هُزمت ثم انتصرت، لكنها تعود إلى الهزيمة مجددا بسبب قيادتها، أما نتنياهو فقد نجح في هدفه الشخصي بالبقاء في الحكم، لكن على حساب الدولة ومؤسساتها ومستقبلها.
الإرهاق يلف المجتمع
وفي مقال يعكس إحباطا متزايدا داخل قطاعات من الرأي العام الإسرائيلي -خاصة من استمرار الحرب دون نتيجة حاسمة- تناولت الكاتبة كارني ألداد في صحيفة "يسرائيل هيوم" مرور 600 يوم على الحرب الجارية، معبرة عن الإرهاق العميق الذي يلف الجنود والمختطفين وعائلاتهم والداخل الإسرائيلي، بل والمجتمع الدولي برمته، في حين تستمر المعارك دون أفق واضح لنهايتها، وطالبت بما تسميها "صورة النصر" التي ترى أن الشعب الإسرائيلي يستحقها بعد هذه المعاناة الطويلة.
إعلانوتصف ألداد الواقع الميداني والنفسي قائلة "الإرهاق يترك بصماته على جنودنا بشكل لا مثيل له وعلى المختطفين وعائلاتهم وعلى العائلات والجبهة الداخلية"، وهذا الإرهاق -بنظرها- يعكس حجم الأزمة الممتدة، وسط غياب أي حسم واضح للحرب.
وتنتقد الكاتبة التباطؤ في حسم المعركة، مستشهدة بأمثلة من التاريخ لتُظهر ما يمكن تحقيقه خلال 600 يوم من الحرب، قائلة إن نابليون خلال فترة مماثلة "غزا النمسا وبروسيا وبولندا وأجزاء من ألمانيا، وغيّر خريطة أوروبا، وأسس إمبراطوريات ودولا جديدة".
كما تشير إلى إنجازات يوليوس قيصر في بلاد الغال، حيث بسط النفوذ الروماني على مساحات واسعة خلال أقل من عامين.
ثم تقارن ذلك بالحرب الحالية قائلة "صحيح أن العالم ليس هو نفسه، وليس لدينا الترتيب العسكري لتلك الجيوش، لكننا أيضا لا نسعى إلى إقامة إمبراطورية، بل إلى أهداف واضحة وبسيطة: هزيمة حماس وإعادة الرهائن".
ورغم ذلك فإن الكاتبة تتساءل بنبرة تشكك في القيادة الإسرائيلية "فكيف لم نحقق هذه الأهداف بعد؟ هل نسينا كيف ننتصر؟ هل تفتقر القيادة التي اعتادت على الجولات المحدودة إلى الخيال والقدرة على تصور نصر كامل؟".
وتتحدث الكاتبة عن رؤيتين داخل المؤسسة الأمنية: الأولى يمثلها رئيس الأركان إيال زامير الذي يعتقد أن الحرب اقتربت من نهايتها بهزيمة العدو، والثانية يعبر عنها الرئيس الجديد لجهاز الشاباك ديفيد زيني الذي يعتبر أن إسرائيل تخوض "حربا أبدية".
وتعلق ألداد "من الناحية التاريخية زيني محق، فالحرب ضدنا بدأت منذ أكثر من مئة عام، وليست ضد دولة إسرائيل، بل ضد وجود اليهود في الفضاء الإسلامي".
ومع ذلك، تؤكد الكاتبة أن هذا "الفصل من الحرب يجب أن ينتهي، وينتهي بشكل جيد".
وفي نهاية مقالها توجه ألداد نداء إلى الحكومة الإسرائيلية "هذه الأمة تستحق صورة النصر، تستحق أن تستريح قليلا وتلعق جراحها، أن تعيش في بلد سيكون هادئا لمدة 40 عاما، على الأقل حتى الجولة التالية".
إعلان