التحديات البيئية تهدد الاقتصادات الهشة عالمياً
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
أسهمت التغيرات المناخية في رفع الكلفة الاقتصادية على الدول الهشَّة حول العالم ، بسبب تراجع الناتج المحلي وعدم استقرار الزراعة في هذه الدول، وفقاً لدراسة تحليلية حديثة أعدها مركز “انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي.
وأكد “انترريجونال ” نقلاً عن تقرير حديث لـ”صندوق النقد الدولي” أهمية اتباع نهج شامل لسياسات التكيف مع المناخ في الدول الهشة وضرورة تحديد أولويات هذه السياسات بعناية في إطار الاقتصاد الكلي من أجل تعزيز القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ.
تبعات اقتصادية
وأظهر تقرير صندوق النقد الدولي عددا من التَّبِعات أبرزها: تفاقم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التغير المناخ حيث من المتوقع، أن تكون خسائر الناتج المحلي الإجمالي الناجمة عن التغيرات المناخية أكثر حدةً واستمراريةً في البلدان الهشة والصراعات مقارنةً بالبلدان الأخرى.
وعلى المدى القريب، تُقدَّر الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4% في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراع بعد 3 سنوات من الأحداث المناخية المتطرفة المدمرة، مقارنةً بنحو 1% في بلدان أخرى.
و تشير التوقعات إلى أن الزراعة التي تمثل أهمية بالغة لاقتصادات البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات، معرضة بشدة للصدمات المناخية؛ حيث تمثل القيمة المضافة لقطاع الزراعة ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي في المناطق، لكن 3% فقط من المناطق المزروعة في تلك المناطق مجهزة للري.
ومن المتوقع أن تخسر المناطق الهشة 11% من إنتاجها الزراعي، وهو ما سيصبح أكثر شيوعاً مع زيادة تغير المناخ وتقلب هطول الأمطار.
و يمكن أن تؤدي ظروف الجفاف في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات إلى انخفاض نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كل عام بمقدار 0.2 % في سيناريو انخفاض الانبعاثات و0.4 % في سيناريو الانبعاثات المرتفعة.
وبحلول عام 2060، سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في البلدان الهشة والصراعات أقل بنسبة 5% في سيناريو الانبعاثات المرتفعة مقارنةً بسيناريو الانبعاثات المنخفضة.
تداعيات
وذكر “انترريجونال” أن تقرير صندوق النقد الدولي قد أوضح أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى تداعيات أهمها : زيادة محتملة في الصراعات الداخلية والخارجية وتشير التقديرات إلى أنه بحلول 2060، يمكن أن تزيد الوفيات الناجمة عن الصراع نسبةً إلى السكان في منطقة هشة ومتأثرة بالصراعات بنسبة 8.5%، وما يصل إلى 14% في البلدان التي تواجه زيادة شديدة في درجات الحرارة؛ حيث إن عدد الأشخاص الذين يتأثرون كل عام بالظواهر الجوية المتطرفة في المناطق الهشة، يبلغ 3 أضعاف عددهم في البلدان الأخرى، حيث يرتبط ما يقرب من 10% من النزوح الداخلي في المناطق الهشة والصراعات ارتباطاً مباشراً بالكوارث، ومن اللافت للنظر أن ما يقرب من 95% من اللاجئين، و86% من النازحين داخلياً، و20% من المهاجرين على مستوى العالم قد نشأوا في البلدان الهشة والصراعات.
وتُظهر بيانات مركز أبحاث وبائيات الكوارث، وقاعدة بيانات أحداث الطوارئ، أن عدد المتأثرين بالظواهر الجوية المتطرفة كل عام في المناطق الهشة والصراعات، يبلغ مقدارهم 3 أضعافهم في البلدان الأخرى.
وعقب الأحداث المناخية المتطرفة، تزداد نسبة السكان الذين يعانون من نقص التغذية بشكل كبير في المناطق الهشة ، فيما يرتبط نحو 10% من النزوح الداخلي في تلك المناطق ارتباطاً مباشراً بالكوارث.
تهديد الزراعة
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى اضطرابات في الزراعة البعلية أو المطرية، وهي الزراعة التي تعتمد عليها كثيراً الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، وهي الاضطرابات التي من الممكن أن تساهم في زعزعة استقرار الإنتاج الزراعي.
سياسات التكيف
وأكد “انترريجونال ” على الحاجة الملحة إلى تنفيذ الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، التي تتضرر من الأزمات المناخية، سياسات كلية للتكيف والاستجابة للتغيرات المناخية، حيث تفتقر معظم البلدان المتضررة من الصراعات إلى القدرة المالية على التأمين الذاتي ضد الكوارث، ومن الممكن أن تستخدم التأمين السيادي أداةً حاسمةً لتمويل مخاطر الكوارث، مما يؤدي لمعالجة الفساد وتحسين الشفافية والمساءلة في الحكومة، إلى بناء الثقة بين مواطني هذه الدول؛ كما يمكن أن يؤدي الفساد إلى سوء تخصيص الموارد، والاستجابة البطيئة للكوارث.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی صندوق النقد الدولی التغیرات المناخیة فی المناطق
إقرأ أيضاً:
شكل جديد للعولمة - وجهة نظر صينية
ظلت الولايات المتحدة تحسب تكاليف ومكاسب العولمة بهدف حماية هيمنتها ومصالحها الوطنية. وإعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة مؤشر على اتباعها سياسات «أمريكا أولا» لذلك ستواجه العولمةُ تحدياتٍ أكبر.
خروج الولايات المتحدة من الأنظمة الدولية والمنظمات متعددة الأطراف خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى أعاد تشكيل العولمة سلفا. لكن ذلك لم يوقف أو يبطئ التفاعلات الاقتصادية والتكامل بين الاقتصادات الأخرى. بل ظهر شكل جديد من التبادلات أو نوع جديد من العولمة.
تهدف استراتيجية الحكومة الأمريكية في تفكيك العولمة إلى تأمين امتياز ووضع خاص للولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي تنوي من خلالهما التمتع بنفس المزايا أو أفضل منها مع تحمل تكاليف ومسئوليات أقل.
أولا: تستخدم الإدارة الأمريكية الرسوم الجمركية كأداة للضغط على البلدان الأخرى. وبفرضها رسوما متفاوتة تحاول التلاعب بالتجارة ودق أسافين بين بلدان جنوب العالم التي تسعى لتعزيز هذا النوع الجديد من العولمة. تفعل ذلك بالحفاظ على العلاقات التجارية مع بلدانه التي تخضع لرسومٍ منخفضة وفرض تكاليف باهظة على تلك التي تخضع لرسوم مرتفعة. تهدف الولايات المتحدة من خلال قيامها بذلك إلى عرقلة تقدم هذه العولمة الجديدة.
تظل الولايات المتحدة باعتبارها بلد أكبر سوق في العالم شريكا تجاريا جذابا لبلدان جنوب العالم. وبفرضها معدلات رسوم جمركية متفاوتة تواجه هذه البلدان حظوظا متباينة في السوق الأمريكية. وقد يغير ذلك دينامية التجارة (قواها المحركة) ويوجد انقسامات في المصالح والمواقف وسط هذه البلدان.
ثانيا: تعتبر الولاياتُ المتحدة التقنيةَ والابتكارَ عاملَين بالغي الأهمية لقدرتها على المنافسة ونموها الاقتصادي. نتيجة لذلك تستمر في تطبيق سياسات «تقنية قومية» صارمة تهدف إلى الحد من التقدم التقني للبلدان الأخرى.
وإذا عجزت بلدان جنوب العالم عن الاستفادة من التقنية بتعزيز الإنتاجية وتحريك التنمية قد تفقد العولمةُ الجديدة زخمها وتعرِّض هذه البلدان نفسَها إلى مخاطر التهميش في النظام العالمي.
من بين بلدان جنوب العالم، لدى الصين القدرة الأكبر لفك الحصار التقني الأمريكي نظرا إلى إمكاناتها التقنية الكبيرة وتقدمها المهم في مجالات تقنية عديدة. لذلك جعلت الولايات المتحدة الصين هدفَها الأول. فبعدما وضعت في اعتبارها المشهد المتغير للتطور التقني ومكامن القوة النسبية لكلا البلدين شددت الولايات المتحدة من القيود على التصدير وحدَّت من الاستثمارات التقنية في الصين وقلصت التبادلات التقنية العادية، فعلت كل ذلك في محاولة لعرقلة تقدم الصين التقني.
تعتقد الولايات المتحدة أنها بتقييد تطوير وتطبيق التقنيات المفتاحية الجديدة في الصين وبلدان جنوب العالم الأخرى يمكنها إضعاف الأساس التقني للعولمة الجديدة وبالتالي وقف زخمها بشكل عام.
ثالثا: تسعى الولايات المتحدة لتحويل الدولار إلى سلاح. لقد تأسست العولمة التي تقودها الولايات المتحدة على نموذج «الدولار مقابل السلع المصنَّعة» والذي ظل قائما بفضل الهيمنة العالمية للدولار. (بموجب هذا النموذج تزوِّد الولاياتُ المتحدة البلدانَ الأخرى بعملة الدولار وبالتالي تسجل عجزا تجاريا وذلك مقابل تزويدها بالسلع من قبل هذه البلدان التي تحقق بذلك فائضا تجاريا، وهو النموذج الذي ساد بعد فك ارتباط قيمة الدولار بالذهب في بداية السبعينيات- المترجم) .
الإدارات الأمريكية المتعاقبة تؤكد دائما وتدافع عن هيمنة الدولار ليس فقط فيما يتعلق بقيمته المتزايدة ولكن وهذا هو الأهم عن دوره المركزي في النظام النقدي العالمي. فطالما حافظ الدولار على هذا الوضع المسيطر يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في التأثير على النظام الاقتصادي العالمي.
من بين المخاوف الرئيسية للولايات المتحدة احتمال أن يقود الشكل الجديد للعولمة إلى تفكيك الدولرة وإضعاف الوضع المهيمن للعملة الأمريكية حتى إذا لم يكن ذلك هدفا لهذه العولمة. في الواقع أكبر تهديد لمكانة الدولار كثيرا ما ينشأ عن السياسات الخاطئة للولايات المتحدة مثل الاقتراض المفرط أو تحويل عملتها إلى سلاح لأغراض سياسية. لكن الولايات المتحدة لا ترغب في الإقرار بذلك. بل تفترض أن الدولار سيحافظ على وضعه المهيمن في النظام العالمي طالما استمرت البلدان الأخرى في استخدامه.
نتيجة لذلك عبَّرت الولايات المتحدة عن قلقها العميق بشأن موقف بلدان جنوب العالم إزاء الاستمرار في استخدام الدولار مع ظهور العولمة الجديدة. لقد طالبت الإدارة الأمريكية صراحة بلدان البريكس بالإبقاء على ارتباطها بالنظام المالي المرتكز على الدولار وعدم إيجاد أو دعم أية عملة عالمية بديلة. كما هددت بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على البلدان التي تختار خلاف ذلك. في الحقيقة تستخدم الولايات المتحدة تدابير عقابية لإكراه البلدان الأخرى على الاستمرار في الاعتماد على الدولار.
وفي حين قد تكون آثار «الرسوم التبادلية» الأمريكية قصيرة الأمد على بلدان جنوب العالم إلا أن مثل هذه السياسات الحمائية تفاقم التشظي الاقتصادي العالمي وسيكون لها في نهاية المطاف رد فعل عكسي وتضرّ بمصالح الولايات المتحدة نفسها.
لنأخذ على سبيل المثال القيود التقنية الأمريكية على الصين. ففي حين شكل الحصار التقني تحدياتٍ لتقدم الصين تقنيّا إلا أنه بالمقابل قَوّى عزيمتها على تحقيق الاعتماد الذاتي في التقنية وعزز تطوير نظام بيئي تقني مستقل باطراد عن الولايات المتحدة. واستمرار الولايات في فرض قيودها التقنية على الصين وتصعيد استراتيجيتها من «ساحة صغيرة وسياج عالٍ» إلى «ساحة أكبر وسياج أعلى» مؤشر على فشل احتوائها التقني للصين. (تحاول مقاربة الساحة الصغيرة والسياج العالي عزل الصين عن الغرب بزعامة الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على القيادة التقنية لأمريكا. تدعو هذه المقاربة إلى التحديد الدقيق للتقنيات المفتاحية للمصلحة القومية الأمريكية مثل تقنية الجيل الخامس وأشباه الموصلات واتخاذ اللازم لحمايتها من هيمنة الصين. ويعد بعض المحللين الصينيين هذه المقاربة أحد جانبي ما أسموه سياسة تقليل المخاطر أو فك الارتباط التدريجي والانتقائي بالصين في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن - المترجم).
على نحو مماثل، سياسةُ الولايات المتحدة بفرض هيمنة الدولار متناقضة في جوهرها. فهي تسعى إلى تقليل العجوزات التجارية وفي ذات الوقت الحفاظ على التفوق العالمي للدولار. وهذان هدفان متعارضان اقتصاديا. فالعجز التجاري الأمريكي شرط مسبق لاحتفاظ الدولار بمكانته العالمية.
من منظور دبلوماسي، المقاربة الأمريكية المتشددة بإجبار البلدان الأخرى على استخدام الدولار لها أثر عكسي، فبلدان عديدة في جنوب العالم متوجسة من الدولار وتعتبره رمزا للهيمنة الأمريكية، واستخدام الولايات المتحدة الدولار كسلاح لأغراض سياسية عزز الاستياء حول العالم، ولن يفعل تهديد الإدارة الأمريكية شيئا سوى تسريع جهود هذه البلدان للتخلص من «الدولرة».
سياسات الإدارة الأمريكية الحالية توجه ضربة خطرة لحرية التجارة التي تشكل حجر الزاوية للعولمة.
وفي المستقبل من المتوقع تعايش وتنافس العولمة التي تقودها الولايات المتحدة مع العولمة الجديدة التي شيَّدتها معا بلدانُ جنوب العالم الأمر الذي يستلزم من كل البلدان تعديل اقتصاداتها وتكييفها مع الديناميات (القوى المحركة) الجديدة.
بصرف النظر عن نموذج العولمة، يجب معالجة القضايا بالغة الأهمية بما في ذلك الشمول (إشراك البلدان في الاستفادة من الموارد العالمية) وتأمين السلع العامة (التي تفيد جميع الدول كالهواء النقي مثلا) والتنسيق بين القوي الكبرى.
السياساتُ الأمريكية الحالية لا تمضي قُدُما في معالجة هذه القضايا. ونظرا إلى أن مسار تطور العولمة الجديدة لا يتطابق مع تفضيلات الولايات المتحدة قد تتخذ واشنطن تدابير مختلفة لتقويض تطوره.
على أية حال، لقد ظهر نوع العولمة الجديد وكشف عن قدر كبير من الحيوية. وردا على نموذج «أمريكا أولا» يجب على بلدان جنوب العالم والتي هي الراعية الرئيسية لهذا النوع الجديد من العولمة تعزيز زخمها الداخلي لزيادة جاذبيته وتقوية تأثيره في المشهد العالمي المتغير.