في ظلِّ ردِّ فعل رسمي عربي خجول تجاه ما يحدث في غزَّة، انطلقت في مُعْظم الدوَل العربيَّة دعوات لمقاطعة منتجات الشركات الدَّاعمة للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزَّة، وانطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لمقاطعة الشركات التي أعلنت دعمها غير المشروط للعدوان الإسرائيلي على غزَّة، وإعلان مطاعم أميركيَّة شهيرة تقديم آلاف الوجبات المجانيَّة لجنود الاحتلال المتوجِّهين للقتال في غزَّة، وللعاملين في المستشفيات والشُّرطة وقوَّات الإنقاذ الإسرائيليَّة والمستوطنين المُقِيمين بمستعمرات غلاف غزَّة.


مع انطلاق حملات المقاطعة العربيَّة انخفضت أسْهُم هذه الشركة بالبورصات العالَميَّة، وسارع وكلاؤها في البلاد العربيَّة لإعلان تبرُّئهم من الشركة الأُم ونفي علاقتهم بما يقوم به وكلاؤها في «إسرائيل»، وأكَّدوا أنَّ ما يربطهم بها العلامة التجاريَّة والاسم فقط، وأنَّ الأموال والخامات والمواد الداخلة في التصنيع خامات محليَّة بالكامل، وأنَّهم يوظِّفون آلاف العمَّال العرب ويدفعون ضرائب، ويرفدون الاقتصاد الوطني بأرباحهم، بل سارع مُعْظم الوكلاء العرب بالتبرُّع بآلاف الدولارات لصالح ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزَّة.
ورغم وجاهة المُبرِّرات التي ساقها الوكلاء، ولكنَّهم لَمْ يذكروا الحقيقة كاملة وهي أنَّ نسبةً معتبرة من أرباح هذه المطاعم تذهب إلى الشركة الأُمِّ في أميركا التي تدعم العدوان الإسرائيلي، وأنَّه يُمكِن استبدال إنتاج هذه المطاعم الدَّاعمة لإسرائيل بمنتجات وعلامات محليَّة عربيَّة، والتي في كثير من الأحيان يكُونُ منتجها أفضل من حيث المذاق والنظافة من هذه العلامات الأجنبيَّة، ناهيك عمَّا تُمثِّله الوجبات الجاهزة «الفاست فود» من أضرار صحيَّة على أفراد المُجتمع، وفي كُلِّ الأحوال تكُونُ فترات المقاطعة محدودة ومؤقَّتة، ويُمكِن للوكيل تحمُّل تبعات المقاطعة والاحتفاظ بالعمالة المدرَّبة، في سبيل تحقيق هدفٍ أسمى وهو مواجهة الانحياز الغربي ومساندة أطفال فلسطين المستضعفين في غزَّة، خصوصًا أنَّ هذه الشركات هي التي تورَّطت في مساندة أحَد أطراف الصراع وتجاهلت كارثة الاحتلال.
المقاطعة تُعدُّ أضعف الإيمان، في هذا التوقيت الذي تمارس فيه «إسرائيل» حرب إبادة ضدَّ المَدنيِّين العُزَّل في غزَّة، وسط تشجيع غربي، وصَمْتٍ دولي يُغري «إسرائيل» بتنفيذ مُخطَّطاتها الرامية للتخلُّص من سكَّان غزَّة وتكرار مأساة النَّكبة وتهجير الفلسطينيِّين خارج ديارهم، بعد أن هدمت المخيَّمات فوق رؤوس ساكنيها، ودفعتهم للنزوح جنوبًا، وقصفتهم في الطريق، في حملة ممنهجة لتهجيرهم إلى سيناء.
لَمْ يتوقف الانحياز الغربي لـ»إسرائيل» عِند حدود المطاعم، وإنَّما تعدَّاه إلى الثقافة، بعد أن أعلن مُنظِّمو معرض فرانكفورت للكتاب ـ أكبر معارض الكتاب في العالَم ـ تضامنهم الكامل مع «إسرائيل»، وألْغَوا حفل تسليم جائزة الروائية الفلسطينيَّة عدنية شبلي التي فازت روايتها «تفصيل ثانوي» بجائزة الجمعيَّة الأدبيَّة الألمانيَّة «ليتبرم»، الأمْرُ الذي أغضب اتِّحاد الكتَّاب العرب وكثيرًا من دُور النَّشر العربيَّة، ودفعهم للانسحاب ومقاطعة المعرض.
وتبدَّلت المواقف الألمانيَّة، فبعدما أشادت الجهة المانحة للجائزة برواية شبلي، ووصفتها بأنَّها عمل فنِّي مؤلَّف بدقَّة يحكي عن قوَّة الحدود، وما تصنعه الصراعات العنيفة بالنَّاس، خرج مدير معرض فرانكفورت للكتاب يتحدث ـ في انحياز صارخ لـ»إسرائيل» ـ عن حرب الإرهاب ضدَّ «إسرائيل» وكيف أنَّها تتناقض مع قِيَم معرض فرانكفورت للكتاب التي تتمحور حَوْلَ الإنسانيَّة والتركيز على الخِطاب السِّلمي والديمقراطيَّة، وأنَّ هذه القِيَم تحطَّمت بسبب هجوم حماس على «إسرائيل»، وقرَّر إلغاء الحفلات الموسيقيَّة والغنائيَّة حدادًا على الضحايا الإسرائيليِّين، واستبدالها بفسحِ المجال للأصوات اليهوديَّة والإسرائيليَّة لعمل «مناحاة جنائزيَّة».

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

محللون: الموقف العربي شجع إسرائيل على ارتكاب كل هذه الجرائم

لم يكن للمستوطنين اليهود ولا للوزراء الإسرائيليين أن يفعلوا ما فعلوه في المسجد الأقصى تزامنا مع الذكرى الـ58 لاحتلال مدينة القدس، لو لم يصمت العرب والمسلمون على ما جرى من قتل وتدمير في قطاع غزة، كما يقول محللون.

ففي تطور هو الأول من نوعه، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تأدية صلوات تلمودية في باحات المسجد الأقصى، بعد اقتحامه رفقة مئات المستوطنين الذين رقصوا ورفعوا أعلام إسرائيل.

في الوقت نفسه، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية)، في كلمة من داخل نفق أسفل المسجد الأقصى أن القدس ستظل عاصمة أبدية لإسرائيل، وأنه سيدعو بقية الدول للاعتراف بهذا الأمر ونقل سفاراتها إليها.

وما كان لإسرائيل أن تفعل ما تفعله اليوم لو أنها وجدت من يوقفها عند حدها عندما دمرت غزة وقتلت 55 ألف فلسطيني فيها على مرأى العالم كله، كما يقول الكاتب المصري فهمي هويدي.

ووفقا لما قاله هويدي خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، فإن ما تقوم به إسرائيل في غزة والضفة الغربية والقدس يعني أنها أصبحت قوة منفلتة لا تخشى العقاب أو المحاسبة.

صمت العرب والمسلمين هو السبب

ويضع هذا الانفلات الإسرائيلي -برأي هويدي- مسؤولية مضاعفة على الدول العربية والإسلامية التي غابت بشكل كامل عن معركة غزة ثم هي تغيب الآن عن معركة القدس، في موقف يقول المتحدث إنه "أكبر من أن يوصف بأنه صمت أو خذلان فقط".

إعلان

لكن هويدي يرى فيما يجري "دليلا على أن فلسطين لم تعد القضية الرئيسية لبعض العرب كما كانت في السابق، كما أنها لم تعد قضية أصلا بالنسبة لبعض آخر لا يزال يتعامل مع إسرائيل ويتبادل معها الزيارات أو يطبع معها ويراها حليفا أو بلدا راغبا في السلام".

لذلك، يعتقد الكاتب والمفكر المصري أن ما قام به المستوطنون في الأقصى اليوم نتيجة طبيعية لما جرى في غزة خلال العامين الماضيين، واصفا الموقف العربي بأنه "يرقى لما تقوم إسرائيل ضد فلسطين وشعبها".

واستدل هويدي على حديثه بالإشارة إلى أن العرب والمسلمين أصبحوا ينتظرون ما سيفعله الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي أو بعض دول أميركا اللاتينية من أجل دفع إسرائيل لوقف ما تقوم به، بينما العالم العربي لا يتخذ أي موقف رغم إمكانياته الهائلة وأوراق قوته الكثيرة والتي ليس من بينها الحرب.

وخلص إلى أن المشكلة حاليا "تكمن في غياب إرادة الدول العربية التي تمتلك الكثير من أوراق الحسم"، وقال إن غياب هذه الإرادة "يعتبر محركا رئيسيا لإسرائيل التي تحاول إبادة الفلسطينيين تماما بحجة محاربة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)".

وانتقد هويدي التعويل على الولايات المتحدة والغرب "بعدما أصبحت المواقف واضحة، وبات الجميع يعرف مع من يجب أن نقف وعلى من يجب أن نعول".

مئات المستوطنين اقتحموا باحات الأقصى ورفعوا أعلام إسرائيل في ذكرى احتلال مدينة القدس (الفرنسية) تحد للجميع

وبالمثل، وصف الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، ما جرى في القدس والأقصى المبارك بأنه "أمر مفجع"، وقال إن إسرائيل لم تخش الإعلان عن أداء صلوات تلمودية في أقدس مقدسات المسلمين.

وأشار البرغوثي إلى تعمد نتنياهو الحديث من داخل نفق أسفل المسجد الأقصى بالمخالفة لكل القوانين الدولية، وإلى حديث الحاخامات علنا عن ضرورة بناء "الهيكل" داخل المسجد.

إعلان

واستغرب المتحدث عدم وجود ردة فعل عربية أو إسلامية على ما قام به المستوطنون في مدينة القدس من ترويع للفلسطينيين واعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم رغم أنه لم يحدث في العالم منذ تظاهرات النازيين في الحرب العالمية الثانية، وفق قوله.

ومع ذلك، فإن ما جرى "هو دعوة للعرب والمسلمين للتحرك إزاء ما يحدث للفلسطينيين والقدس وكرامة الأمة والتحدي الصارخ للجميع"، برأي البرغوثي.

في المقابل، قال الأستاذ والباحث بجامعة السوربون الدكتور، محمد هنيد، إن ما يحدث "متوقع وغير مستغرب، بغض النظر عن بشاعته، لأننا رأينا خلال العام الماضي ما لم نره خلال الحرب العالمية الثانية ولم يتحرك أحد".

وانتقد هنيد الدول العربية بشدة، قائلا "إنها تطبع مع إسرائيل علنا وسرا، ولا يعنيها إلا بقاء أنظمتها السياسية وليس فلسطين ومقدساتها، بل إن بعضها تشجع على إنهاء المقاومة وقضية فلسطين".

وحتى اللهجة الأوروبية المتصاعدة "ليست سوى محاولة لتجميل الأنظمة المشاركة في الجريمة، وأيضا محاولة لإنقاد ما يمكن إنقاذه من المشروع الصهيوني"، حسب قول هنيد.

ضرب للمشروع الإسرائيلي

ومع ذلك، فإن المشروع الإسرائيلي "ضُرب تماما بعد الإبادة التي وقعت في غزة والتي أثبتت أنهم لا يبحثون عن وطن بديل وإنما عن إبادة أصحاب الأرض"، كما يقول هنيد.

والعلاقات الدينية المسيحية اليهودية أصبحت محل كلام بعد قصف إسرائيل للكنائس في غزة واعتدائها على المسيحيين في القدس أو الضفة، وفق هنيد، الذي قال إن "أكذوبة أن إسرائيل هي الضحية سقطت تماما".

ويعتقد هنيد أن صورة الطفلة التي تحاول الهروب من النيران، أو صورة الطبيبة آلاء النجار وهي تقف إلى جانب جثامين أولادها "ستظل طويلا في الذاكرة الإنسانية، لأنها أمور تتجاوز الخلافات الدينية والعرقية".

وعلى هذا، فإن ما يجري حاليا على بشاعته "يؤسس لخلق وعي عالمي جديد بعدالة قضية فلسطين، لأن من يزعم أنه أُحرق على يد النازيين لا يمكن أن يقوم هو نفسه بإحراق الآخرين".

إعلان

مقالات مشابهة

  • مصر أكتوبر: إسرائيل تواصل استفزاز العرب ومخططاتها لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية لن تمر
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • جريح في الغارة الإسرائيليّة التي استهدفت سيارة في العباسية
  • قمة الإعلام العربي تسلط الضوء على دور الإعلام المهني في مواجهة تحديات العصر
  • أحمد بن محمد يلتقي وزراء الإعلام العرب المشاركين في أعمال قمة الإعلام العربي 2025
  • إسرائيل تختبر الصمت العربي والأقصى في خطر
  • استشهاد شاب فلسطيني برصاص العدو الإسرائيلي في أريحا
  • محللون: الموقف العربي شجع إسرائيل على ارتكاب كل هذه الجرائم
  • شركات الطيران الأجنبية التي ألغت أو أجلت رحلاتها إلى “إسرائيل” نتيجة الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غوريون”
  • البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لوقف تصعيد الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني