الجامعة اليابانية: بدء تطبيق برنامج رونري التعليمي في مدارس 5 محافظات
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
قال الدكتور عمرو عدلي رئيس الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، إنه في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 والذي يتطلب تقديم برامج تهدف إلى تمكين المتعلم، سواء في المدارس أو الجامعات، من متطلبات ومهارات القرن الحادي والعشرين، وفي مقدمتها مهارات التفكير المنطقي، وفقا لتقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر مايو 2023، تم توقيع العقود التنفيذية لبرنامج رونري التعليمي لتطوير مهارات التفكير المنطقي عند طلاب المدارس والمقدم من شركة لوجيك جيم ليمتد عضو الحاضنة التكنولوجية بالجامعة مع عدد من المدارس المصرية الخاصة في محافظات «الإسكندرية، الدقهلية، الشرقية، البحر الأحمر، قنا».
وأوضح رئيس الجامعة اليابانية في بيان اليوم، أن تطبيق برنامج رونري التعليمي المؤسس على براءة الاختراع رونري المسجلة باسم الجامعة والمقدم من شركة لوجيك جيم ليمتد عضو الحاضنة التكنولوجية بالجامعة، يهدف إلى تحسين جودة النظام التعليمي بالمدارس، وهو ما يعكس دور الجامعة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وأشار إلى اهتمام الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا بمد جسور التعاون مع وزارة التربية والتعليم وكافة مؤسساتها نحو رؤية ومساعي مشتركة لتطوير التعليم.
تفاصيل برنامج رونري التعليميومن جانبه أوضح الدكتور هيثم السيد مؤسس ومدير عام شركة لوجيك جيم ليمتد، أن برنامج رونري التعليمي هو برنامج متكامل أشرف على إعداده خبراء دوليين من 56 دول هي «مصر، اليابان، أمريكا، تونس، جنوب أفريقيا»، ويهدف إلى إعداد الطالب لوظائف المستقبل المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلال التدريب على مهارات التفكير المنطقي اللازمة لذلك.
كما يعمل البرنامج على زيادة معدل الذكاء والقدرة على حل المشكلات، ويساعد بشكل أساسي على زيادة القدرة على التحصيل الدراسي وصقل المهارات الشخصية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجامعة اليابانية الجامعة المصرية اليابانية معدل الذكاء
إقرأ أيضاً:
العقل المحاصر.. رحلة في دهاليز التفكير العربي المقيّد.. قراءة في كتاب
الكتاب: العقل المحاصر، أنماط التفكير المعيقة لنهضة المجتمع العربيالكاتب: مروان دويري.
الناشر: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، 2025م.
عدد الصفحات: 160 صفحة.
مازالت المجتمعات العربية عالقة بين الركود الثقافي والعلمي، ومحدودية الإنجازات العربية مقياس حقيقي لذلك، مجتمعات تنتابها السعادة الكبيرة، لأي انجاز عربي يحمل صاحبه فكر وجنسية مغايرة لبلده، على المستوى الفلسطيني ومنذ أكثر من قرن، الشعب الفلسطيني عالق في دائرة من أجل النضال من أجل الاستقلال والتحرير دون جدوى، تنسب هذه الحالة من التردي العربي والفلسطيني إلى المخططات الاستعمارية الغربية، والصهيونية، وسياستها التوسعية والعدوانية.
افتتح دويري هذه الدراسة بالكشف عن مجموعة من الأفكار الشائعة، التي يستند عليها الكثير من الناس في المجتمع الفلسطيني والعربي، عند تقييم الأحداث الشخصية، والاجتماعية، والسياسية التي يمرون بها، وعلى أساس ذلك يتم تحديد أنماط التفكير، ردودهم العاطفية وطرق ومواجهتهم لتلك الأحداث، مما يعني أن نجاعة أنماط التفكير والمواجهة، تشكل عاملاً مهماً في تحديد نتائج المعالجة والنضال ضد الظلم الشخصي، أو الاجتماعي، أو السياسي، وبالتالي تحدد هذه الأنماط مصير أصحابها وشكل مستقبلهم.
هاني المصري في تقديمه لهذا الكتاب يقول عنه: "هذا غير مألوف في موضوعه، وجرأته بتناول تعد من المحرمات يتم في العادة تجنب تناولها، كونه يفكك أنماط تفكير، وقناعات سائدة منذ فترات طويلة، وهو يصدر في وقت مناسب تماماً، خاصة أن النظام الفكري، والسياسي، والمؤسسي الفلسطيني يمر بمأزق عميق يطال المؤسسة، وفكرها، وقيادتها، وبرامجها وأداءها، وتمتد جذوره عميقاً في مختلف المكونات الفلسطينية، ويتوقف على كيفية التعامل مع مصير القضية الفلسطينية لسنوات قادمة".
كشف هذا الكاتب اللثام عن أنماط التفكير العربية؛ ذات القوالب الجاهزة، التي تكون عادة غير واعية، وأصحابها لا يدركون أنها عامل مقرر في حياتهم، لذلك غالباً ينسبون معاناتهم إلى الظروف والعوامل الخارجية، ما يجعلهم دون أن يدركوا، ضحية سلبية، ومتلقية، وعاجزة، وأنماط التفكير بهذا الوصف شبهها دويري، كأنها نظارات يرتديها الإنسان، يرى من خلالها العالم، فإذا كان لون النظارة أخضر، يرى كل شيء أخضر، وإذا كان لون النظارة حمراء كل ما يراه أحمر، ويصعب أي منهم التخلي عن نظارته التي هي انطباع لأفكاره التي جبل عليها.
استطرد الدويري في حديثه عن مكونات الثقافة العربية، وأنماط التفكير والمواجهة السائدة، وتحليلاً لجذورها في التجربة الجماعية العربية منذ عصر الجاهلية حتى اليوم، معتمداً على التوجهين النظرين النفسي والمنظومي- الخوارزمي، مستفيداً في هذا التحليل مجالات تخصصية متعددة النفسية وعلم الاجتماع والسياسة والأديان والدراسات الثقافية.
كشف هذا الكاتب اللثام عن أنماط التفكير العربية؛ ذات القوالب الجاهزة، التي تكون عادة غير واعية، وأصحابها لا يدركون أنها عامل مقرر في حياتهم، لذلك غالباً ينسبون معاناتهم إلى الظروف والعوامل الخارجية، ما يجعلهم دون أن يدركوا، ضحية سلبية، ومتلقية، وعاجزة، وأنماط التفكير بهذا الوصف شبهها دويري، كأنها نظارات يرتديها الإنسان، يرى من خلالها العالم، فإذا كان لون النظارة أخضر، يرى كل شيء أخضر، وإذا كان لون النظارة حمراء كل ما يراه أحمر، ويصعب أي منهم التخلي عن نظارته التي هي انطباع لأفكاره التي جبل عليها.إن الحديث عن الثقافة العربية شغلت المفكرين العرب، وخصوصاً في القرنين الأخيرين، دائماً ما كان هذا بمثابة الدخول إلى حقل ألغام، الأدبيات التي وصفت الثقافة العربية تتراوح بين تبجيلها، والإشادة بالازدهار والعدل والانفتاح التي جاءت به هذه الثقافة، وبين وصفها بالتخلف والظلم والغضب، الحقيقة أن الثقافة العربية أسوة بكل الثقافات، بل وأسوة بكل ظاهرة فيها الشيء ونقيضه، هي هذا أو ذاك معاً.
أنماط التفكير والمواجهة هي جزء أساسي من شخصية الإنسان، لذلك حين نريد إعادة النظر في هذه الأنماط لا بد لنا من تحليل الشخصية، وفهم سيرورة تكونها في سياق المنظومة العائلية، والبيئية والاجتماعية والثقافية التي نشأت فيها، كذلك الأمر حين نريد إعادة النظر في أنماط التفكير والمواجهة السائدة في مجتمع ما، يتطلب تحليل الشخصية الجماعية أو شخصية قومية، وتتميز بأنماط تفكير وقيم وعادات سائدة تشكل الملامح الأساسية لثقافة هذا المجتمع، وهذا يتطلب فهم سيرورة تكونها في سياق التجربة الجماعية الممتدة عبر الأجيال، ضمن منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة( ص13).
يقول دويري بشكل صريح" بأن طرحه لا يهدف إلى اقناع القراء بالطرح الذي جاء به، بل ليكون حافزاً للتفكير والجدل أو يكون حجرا يضاف إلى أحجار أخرى ضرورية لتحريك المياه الراكدة، وفتح باب الحوار والجدل"، يضيف الكاتب" نصبو إلى إعادة النظر في أنماط التفكير والمواجهة السائدة في المجتمع العربي، ما يقتضي تحليل الشخصية القومية العربية أو الثقافة العربية وفي تحليلنا لهذه الشخصية"، ذلك اعتمد دويري منطلقين نظريين التحليل النفسي، ونظرية العلاقات، وجميعها تؤكد على دور الطفولة في تكوين الشخصية، وعلى السيرورات النفسية غير الواعية، ونظرية العلاقات تقوم على حاجتين متناقضتين الحاجة للحرية والاستقلالية من جهة، والحاجة للانتماء والتعلق من جهة أخرى، أما التوجه المنظومي الخوارزمي، فلا يمكن فهم وتحليل أنماط التفكير والمواجهة بشكل اختزالي بمعزل عن المنظومات النفسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية "(ص21)
الملامح الثقافية للمجتمعات الجماعية
الثقافة العربية السائدة بين العرب والمسلمين والمسيحيين والدروز تتقاطع مع الثقافة الإسلامية، كما أن التاريخ العربي يتقاطع مع التاريخ الإسلامي للشعوب العربية وغير العربية، عند وصف الثقافة العربية الإٍسلامية نجد من يعكس صفات التنوير، والازدهار، والعقلانية، والعدل، والرحمة والانفتاح والتسامح والعدل والتعددية أمثال ابن رشد، فخر الدين الرازي، محمد عبده، ومن يشدد على القبلية، والتعصب، والعنف، والانغلاق كأبن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب؛ لذلك فالثقافة العربية أسوة بكل الثقافات الغربية، والآسيوية، والأفريقية، وأسوة بالدين المسيحي أيضاً، هي هذا وذاك معاً، نجد بها قيم العدل والتسامح والتقبل والتعددية، وقيم الاضطهاد، والعنف، والتعصب، والانغلاق، فهناك ازدهار ونهوض في المدن وفقر وتخلف في فترات أخرى وبخاصة في الأرياف؛ لأن الثقافة العربية هي ظاهرة تاريخية لجأت، في مرحلة معينة أو سياق معين إلى التسامح والانفتاح، وفي مرحلة أو سياق آخر إلى العنف والتعصب .
مصطلح الشخصية العربية كما مصطلح العقل العربي واجه كثيراً من الانتقاد، والتحفظ وحتى مصطلح الثقافة العربية واجه تحفظات مشابهة تشير إلى خطر التعميم من جهة، وخطر اعتبار الشخصية العربية كياناً جامداً يتعلق بالعرق العربي من جهة أخرى.
في الفترة التي انتقلت فيها أوروبا من انحطاط القرون الوسطى إلى عصر النهضة، انتقل فيها العالم العربي من مرحلة الازدهار والانتشار إلى مرحلة الانحطاط، حين بدأ يتفكك ويضعف من الداخل، نتيجة صراعات داخلية، وبدأ يتعرض لسيطرة قوى أجنبية لم يستطع الصمود أمامها، وهكذا تخلفت المنظومة الثقافية العربية وتكلست، عما حصل في أوروبا في أواخر عصر النهضة، وبخاصة فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وإقامة دول ترعى شؤون المواطنين، ليبقى المجتمع العربي في اطار الثقافة الجماعية القبلية، وبقي الفرد متعلقا بالقبيلة، وخاضعاً لسلطتها ومصلحتها وإرادتها وقيمها وعاداتها.
تبلور الشخصية العربية في حيز الثقافة العربية
تأثيرات البيئة العربية مازالت واضحة على الشخصية العربية، حتى مع الاختلاط الثقافي بالأمم الأخرى، وحالة التغريب التي بدت على سمات سلطة الصحراء:
أدبيات كثيرة ربطت بين الطبيعة والجغرافيا، وبين الشخصية أو الثقافة، فهناك أدبيات تربط بين طبيعة اليونان المؤلفة من نحو 6000جزيرة متفرقة، وبين ممارسة الديمقراطية في كل جزيرة بكونها محدودة السكان، ما أتاح لها النقاش واتخاذ القرارات وفق أغلبية ديمقراطية، أفضت إلى دمقرطة المؤسسات وظهور الجدل في الفلسفة اليونانية، الأدبيات نفسها ربطت بين طبيعة جبال التبت، وبين الروحانيات التي ظهرت هناك، وأدبيات أخرى ربطت بين طبيعة بلاد الأسيكمو، وثقافة الناس وشخصيتهم، مما يعني الطبيعة بحد ذاتها ليست سبباً، بل عنصر من عناصر منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية أو خوارزمية متكاملة تتبلور فيها هذه الثقافات.
أما العالم العربي ذو الطبيعة الصحراوية التي تغطي نحو 80% من أراضيه، مازال ربع سكانه يعيشون حياة البداوة التقليدية، والتاريخ العربي، بتراثه ودينه يعود إلى الجزيرة العربية ذات الطابع الصحراوي، لذلك انتشرت تجربة الصحراء والبداوة مع العقيدة الإسلامية واللغة العربية؛ وحملت الشعوب العربية في وعيها ولا وعيها الجماعي الشخصية الصحراوية" أمران يميزان التجربة الصحراوية رتابة الحياة، التي لا تستفز التفكير بالمحيط من جهة، وشح العطاء وقساوة العيش التي فرضت على الأعرابي التحمل والتأقلم مع هذا الواقع والترحال بحثاً عن الماء والكلأ من جهة أخرى هذه الطبيعة مختلفة عن الطبيعة الأوروبية أو البلدان الاستوائية، من حيث التنوع ودينامية، جبال وديان، وغابات، وأنهار، وثلوج، وتقلبات الطقس وتساقط لأوراق الأشجار ما يستفز التفكير لفهم هذه الطبيعة المتباينة، والتأقلم معها، فهيرقليطس يقول: "لا يخطو رجل في النهر نفسه مرتين" دلالة على الفهم الدينامي للحياة، أما في الصحراء فيكاد يكون شروق الشمس، ومغيبها، وظهور القمر بأشكاله المختلفة يشكل التغيير الأساسي في حياة البداوة، فالنشاط الذهني الذي تفرضه حياة الصحراء الرتيبة هو نشاط محدود، ويتلخص النشاط الذهني في الإبداع اللغوي، وإطلاق عشرات التسميات على الناقة ، الفرس، السيف، فأغنوا اللغة العربية بكم هائل من المفردات والأوصاف تجاوزت 12.000.000كلمة، في حين لا تتجاوز مفردات اللغة الإنجليزية 600.000 كلمة، والفرنسية 150.000 كلمة .( ص51)
سلطة القبيلة والنظام السياسي:
لم تكن تجربة الصحراء الوحيدة التي ساهمت في نفسية الاستسلام والخضوع للسلطة عند الشخصية العربية، بل كانت تطورات تاريخية وسياسية صبت في الاتجاه نفسه" بعد مرور نحو 14 قرناً ونيف على العصر الجاهلي، ما زال يعتبر العصر الجاهلي، والقرآن الكريم المرجع الأساسي للغة العربية، وألفاظها، وقواعدها، وبلاغتها، وإذا اعتبرنا اللغة وعاء للثقافة والفكر، فمن ناحية، حافظنا على اللغة والبلاغة والإبداع الأدبي... لكننا، بقينا أسرى هذا الإرث اللغوي، والأدبي والفكري دون أن نرتقي به إلى مستوى التطور العصري والتكنولوجي، بقينا عالقين إلى حد كبير بالفكر القبلي، والتعصب القبلي، والثأر، والصلح العشائري، وتحقير المرأة، وما زلنا بعيدين عن حرية الرأي، والحوار، وإعطاء شرعية الرأي الآخر، وللإبداع والخروج عن القوالب التقليدية " (ًص54).
إن الحديث عن الثقافة العربية شغلت المفكرين العرب، وخصوصاً في القرنين الأخيرين، دائماً ما كان هذا بمثابة الدخول إلى حقل ألغام، الأدبيات التي وصفت الثقافة العربية تتراوح بين تبجيلها، والإشادة بالازدهار والعدل والانفتاح التي جاءت به هذه الثقافة، وبين وصفها بالتخلف والظلم والغضب، الحقيقة أن الثقافة العربية أسوة بكل الثقافات، بل وأسوة بكل ظاهرة فيها الشيء ونقيضه، هي هذا أو ذاك معاً.يضيف الكاتب استناداً لأدونيس في مؤلفه الخطاب والحجاب" إن العرب لم يستطيعوا على مدى تاريخهم أن يبنوا دولة، وإنما بنوا أنظمة سياسية مرتبطة بالقبيلة والطائفة وأهوائها، وهو ما يتناقض مع بناء الدولة وإقامة مؤسسات، وهكذا كان النظام، دائماً فرداً، وكانت المؤسسة التابعة له قبيلة، لا لحماية المجتمع، بل لحماية النظام، في هذه الأنظمة لا يوجد تعدد ولا حرية، بل استتباع وإخضاع لا فردية، بل قبلية فأنت هنا جزء من نظام، من قبيلة من طائفة قبل أن تكون مواطناً لا وطن إذن، بل محمية، وبستان، ودكان، بلا تقدم بل دوران"
سلطة الدين والفكر القدري:
الدين الإسلامي هو دين روحاني يتعلق بالإيمان، والقيم، والأخلاق، وهو أيضا، شريعة تدير حياة الناس في مختلف مناحيها الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، آياته أكدت لا اكراه في الدين قال تعالى: " يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة"، حاول الفقهاء والمفسرون التوفيق بين آيات الإكراه، وآيات التسامح، مدعين أن محاربة المشركين، والمرتدين والكفار تجوز فقط، حين يعارض هؤلاء الإسلام أو يشكلون خطراً عليه، أو حين يرفضون دفع الجزية. (ص69)، ولكن التفكير القدري لا يرفض تفسير الظواهر بناء على تفاعل المنظومات والعوامل فحسب، وليس أن يحول دون ممارسة الإرادة والمسؤولية الذاتية فحسب، بل أن أحد مبادئ هذا التفكير هو مبدأ التجويز في القضاء والقدر، الذي يعني أن حركة القدر لا تحكمها قوانين الطبيعة، بل هي قدر من عند الله " صحيح أن الله وهب الإنسان العقل، والإرادة لكنهما خاضعان لإرادة الله فلا يستطيع الإنسان أن يشاء شيئاً إلا بعد مشيئة الله له، وإرادته الكونية القدرية، فما يقع في العباد، وما يقع منهم كله بمشيئة من الله سابقة، وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك كله بمشيئة الله" (ص70).
هناك ميل لدى العقل العربي أسوة بشعوب جماعية تقليدية عديدة، وشعوب مستضعفة أخرى، إلى تفسير واقعة بناء على عوامل خارجية وعدم تحمل مسؤولية ذاتية، وذلك بسبب التجربة الجماعية العربية التي تميزت بالخضوع للسلطة والقبيلة، وإن كانت هناك بعض الفترات في التاريخ العربي، التي مارست فيها بعض الفئات سيادة على نفوسها، وبخاصة في المدن والحواضر، هذا الميل إلى التنسيب أو العزو الخارجي شائع في الحياة اليومية، ويضيف الكاتب اعفاء نفوسنا من المسؤولية الشخصية أو الذاتية هو تخل عن صفاتنا البشرية كعقلاء أصحاب إرادة، وسيادة على أنفسنا أمام الظروف الخارجية، وهو يحولنا إلى ضحية متلقية وعاجزة كالجماد، علينا تحاشي الخلط بين المسؤولية على ذواتنا الفردية والجماعية وبين المسؤولية والسيادة على الظروف الموضوعية"
المستوى السياسي ونظرية المؤامرة:
هناك عزو خارجي دوما لأي حدث سياسي ممارس من قبل السياسيين، بل إنه يشكل العامود الفقري لآليات الترويج والدعاية السياسية والانتخابية، وتبرير السلطات السياسية لاستمرارها، وهو وليس محصوراً بالسياسيين العرب، إلا أن هذه النزعة ظاهرة وربما مفضوحة أكثر لدى السياسيين العرب، ربما لأنهم يقارعون سياسات عدوانية قاسية تضعهم في موقع العجز، وربما لأن نزعة العزو الخارجي متأصلة في العقل العربي أسوة بشعوب جماعية وتقليدية أخرى، أو شعوب خاضعة للسيطرة الخارجية.
اعترف العرب بهزيمتين فقط من مجمل الهزائم التي لحقت بهم في صراعهم مع الصهيونية والإمبريالية الغربية، النكبة عام 1948م، والنكسة عام 1967م، ومع هذا تم عزو هاتين الهزيمتين وبقية الهزائم إلى عوامل خارجية كالمؤامرة، والمفاجأة دون تحمل المسؤولية الذاتية، واستخلاص العبر، وحتى تسمية النكبة والنكسة فيها تنصل من المسؤولية الذاتية، يمكن اعتبار بقاء الشعب أو قضية الشعب انتصاراً، لكننا لا نستطيع تخطي هذا السقف للانتصارات، أي مجرد البقاء، طالما لم نتحمل مسؤولية الهزائم وإتاحة النقد الذاتي، وطالما لم نستخلص العبر ونكف عن اعتبار هزائمنا انتصارات ( ص91).
حين وقعت ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010م، جميع رؤساء العرب عزوا أسباب الثورات إلى وجود مؤامرات، أجندت خارجية أمريكية أوروبية، أو حتى إسلامية، ولم يعترف رئيس واحد بأن هذه الثورات جاءت احتجاجاً على سياسة الدولة، أو أنها جاءت تعبيراً لإرادة الشعب، الحقيقة أن هذه الثورات لم تكن منزهة من تأثيرات خارجية لخدمة مصالح خارجية، إلا أن وصمها بالمؤامرة هو نوع من العزو الخارجي المغرض، وهذا العزو للمؤامرة ليس تنصلاً صارخاً لمسؤولية الحكام العرب فحسب، بل فيه إيحاء للمواطنين بأن هناك تحركات سياسية خفية وخبيثة يعرفها الحكام ويجهلها الناس، ما يثير الشك لدى المحتجين ويزعزع ثقتهم بثورتهم.
نسبت السلطة الفلسطينية أسباب معاناة الشعب إلى الاحتلال، وأعفت نفسها من أي مسؤولية عن كيفية لإدارة السلطة وخدماتها المتعددة، ومدى انتشار الفساد والمحسوبية، وكيفية تقرير أشكال المواجهة مع الاحتلال، كذلك سلطة حماس في قطاع غزة، نأت بنفسها من أي مسؤولية عن تردي الأوضاع أثناء فترة الحصار، ولم تراجع جدوى نهج المقاومة الذي انتهجته، وكذلك كل الفصائل الفلسطينية أعفت نفسها من مسؤولية الانقسام، وكل طرف حمل الطرف الآخر مسؤولية فشل المساعي، ولو أن كل فصيل راجع مسؤوليته في فشل مساعي الوحدة، وغلب مصلحة الفصيل على المصلحة الوطنية لتغير الوضع الفلسطيني برمته (ًص92).
التعصب العقائدي وغياب الفكر التعددي:
يقر الكاتب بحقيقة أن الديمقراطية لا تأتي بالعدالة للجميع، بل هي أداة تخدم الطرف القوي، وتبرر سيطرته على الطرف الضعيف باسم الديمقراطية، وتتحول أحياناً إلى أداة قمع للأقليات وللفئات المستضعفة، ربما أنها تضفي شيئاً من العدالة في مجتمعات فردانية وأحادية الانتماء، ينتظم فيها الناس في أحزاب يخدم كل منها مصالح فئة اجتماعية، أما تطبيق الديمقراطية في مجتمعات جماعية، أو مجتمعات فيها أقليات قوية أو اثنية، فتصبح أداة قمع وسيطرة، كديمقراطية إسرائيل" الحقيقة أن ديمقراطية الدولة ويهوديتها لا تتعارضان فحسب، بل أن الديمقراطية خدمت يهودية الدولة وعنصريتها وعدوانها، وأعطت هذه الممارسات غطاء ديمقراطياً يضفي شرعية للقمع ويخفي بشاعتها، جميع الممارسات الإسرائيلية مرت بتشريعات قانونية، كمنع عودة اللاجئين سنة 1948م، هدم القرى الفلسطينية، الحكم العسكري على الفلسطينيين في الداخل، مصادرة أراضي الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب، شن الحروب المتتالية، والاستيطان"، كل ذلك تم بأغلبية يهودية تحت قبة البرلمان( الكنيست) بطريقة ديمقراطية لصالح الاحتلال، أي أنها ديمقراطية بمقاييس إسرائيلية أداة قمع وسيطرة (ص111).
الديمقراطية لا تأتي بالعدالة للجميع، بل هي أداة تخدم الطرف القوي، وتبرر سيطرته على الطرف الضعيف باسم الديمقراطية، وتتحول أحياناً إلى أداة قمع للأقليات وللفئات المستضعفةختم الكاتب دراسته بالقول:" مقومات الشعوب العربية وامكانياتها كبيرة جداً، فهي تملك نحو 57% من احتياطي النفط في العالم، ولديها الكثير من الموارد الزراعية، والسمكية، والأثرية والسياحية، والموارد البشرية وغيرها من المقومات التي تمكنها من أن تكون في مقدمة الشعوب المتطورة، مقومات العقل العربي كذلك لا تقل عن مقومات عقول بقية شعوب العالم...ظهرت عقول عربية نابغة لا تقل نبوغاً عن عقول العلماء وفلاسفة بقية الشعوب، المشكلة الأساسية تكمن في أداء هذا العقل الذي وقع تحت حصار الموروث الثقافي والديني، واكتفى بالحفظ والنقل، وارتدع عن التفكير والنقد والتجدد والإبداع، خشية عواقب الاقصاء والتخوين والتفكير" العقل العربي واقع تحت حصار ثنائي بين الموروث الثقافي والديني، وبين القوى الأجنبية الخارجية المتحالفة مع القوى السياسية، التحرر من الأنظمة السياسية القمعية ومن الحصار الأجنبي منوط بتحرر العقل العربي من حصاره الثقافي.
هذه الدراسة للبروفيسور الفلسطيني مروان دويري، الذي صنف عام 2008م من بين أول عشرة باحثين في العالم بمجال علم النفس العابر للثقافات، وبحسب تقرير جامعة ستانفورد عام 2021م يعد من أفضل 2% من الباحثين في العالم في جميع العلوم، ودراسته هذه تمثل دعوة صريحة لتجاوز الأفكار السلبية والانفكاك عنها؛ التي تعيق تقدم وتطور المجتمعات، لذلك فهو يستحق القراءة والتفكير والتأمل والدراسة والبناء عليها لبلورة مشروع طموح يطلق العنان للعقول العربية بعيداً عن أي محاصرة داخلية أو خارجية.