الحوسبة الكوانتمية ومســتقبل الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
أرغب بالإشارة إلى الشق اللغوي لكلمة «كوانتم»، وجدل تعريبها قبل البدء في الجانب العلمي لما يُعرف بالحوسبة الكوانتمية. وجدت عدة استعمالات -تعريبات- لكلمة كوانتم في اللغة العربية؛ فهناك من يشير إليها بـ«الكَميّة»، وهناك من يستعمل كلمة «الكمومية»، إلا أنني أذهب مع الرأي الذي يُرجّح استعمال كلمة «كوانتم» دون الحاجة لتكلّف تعريبي؛ حيث يُعنى بكلمة «كوانتم» في الجانب العلمي الظواهر الفيزيائية تحت الذرية، ونجد محاولات التعريب عبر استعمال كلمات -يُراد بواسطتها التعريب- مثل «كميّة» و«كمومية» إلا أن مثل هذه التعريبات لا تحقق التعريب العلمي الدقيق للمعنى الذي تحمله الكلمة الأصلية «كوانتم»، وهناك آراء لبعض المختصّين في العلوم والفلسفة -بعضهم ممن ترجم بعض الكتب العلمية من لغات أجنبية إلى العربية- تؤيد هذا التوجه في اعتماد الكلمة الأصلية «كوانتم» مثل رأي الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا والأستاذة الدكتورة يمنى طريف الخولي، ومما أفصحا عنه -فيما يخص كلمة «كوانتم» وجدل تعريبها- في مقدمة ترجمتهم (تصدير المترجمين) لكتاب «فلسفة الكوانتم» لرولان أومنيس -المترجم عن سلسة عالم المعرفة-: « وقد تفكرنا مليا في ترجمة مصطلح «الكوانتم».
إن ما تعانيه الثقافة العربية من الافتقار إلى وحدة المصطلح في مواطن عديدة ذات أهمية وخطورة يجعلنا نجد هذا المصطلح في المؤلفات العربية بصور شتى، فيقال عن فيزياء الكوانتم: فيزياء الكم، الفيزياء الكمية، الفيزياء الكوانتية، فيزياء الكمومية. وقد آثرنا تعريبه، بمعنى الإبقاء عليه في العربية بصيغته الأصلية «الكوانتم» التي ليست إنجليزية بل كلمة لاتينية تعني «مقدار». وأبسط ما يقال في هذا أن الإبقاء على المصطلح «كوانتم» سوف يتفادى اللبس مع كلمة «كمية quantity» ومشتقاتها». من المؤيدين كذلك على الإبقاء على الكلمة الأصلية «الكوانتم» المفكر وعالم الفيزياء الأردني الدكتور هشام غصيب، والدكتور هشام من علماء العلوم الطبيعية العرب القلّة الذين يتقنون تقديم العلم -في محاضراته- بلغة عربية فصيحة يكاد لا يلحن فيها، وأشار في ذلك في إحدى محاضراته التي لا أذكر عنوانها. أكتفي بهذا التعليل في إبقائي للكلمة الأصلية «كوانتم» بدل تعريبها غير الدقيق وغير المتفق عليه؛ لأعود إلى الشق الأهم «العلمي» للحوسبة الكوانتمية، وكشف كيانه الرقمي وتطبيقاته ومستقبله مع الذكاء الاصطناعي.
ظهور لا بد منه
لم يكن ظهور الحوسبة الكوانتمية مجرد اكتشاف علمي مفاجئ، بل جاء نتيجة تطويرات وترابطات فيزيائية ورقمية بدءًا بالحاجة إلى تطوير أنظمة الحاسوب الكلاسيكية التي تعتمد على دماغها الرقمي والإلكتروني المعروف بوحدة المعالجة المركزية «Central Processing Unit» الذي يعتمد على «الترانزستور» بأعداده الكبيرة وأحجامه متناهية الصغر -تصل الأعداد إلى المليارات، والأحجام تقاس بوحدة دقيقة جدا مثل النانومتر-، ويكمن دور «الترانزستور» في كونه البوابة المفتوحة أو المغلقة للتيار الذي يمكن تمثيله عبر اللغة الرقمية بـ«1 و0» ؛ فالرقم 1 يشير إلى مرور التيار، والرقم 0 إلى منع مرور التيار أو ضعفه، ويُستعمل نظام الأرقام الثنائي «البت Bit» ليكون وحدة تخزين البيانات؛ حيث إن نظام «البت» يعمل على رقم واحد فقط إما 1 وإما 0. جاءت كذلك ثورة فيزياء الكوانتم بتطبيقاتها العملية منها ما أمكن إحداثه في أنظمة الحاسوب؛ لينقلنا من النظام التقليدي للحوسبة إلى ما نطلق عليه بالحوسبة الكوانتمية، وقبل أن نشرح مبادئ آلية عمل الحوسبة الكوانتمية وتطبيقاتها نأتي إلى شرح مبسّط مختصر لفيزياء الكوانتم.
احتمالات مفتوحة
تبحث فيزياء الكوانتم في الجسيمات متناهية الصغر وظواهرها مثل تلك التي تُعرف بتحت الذرية مثل فوتونات الضوء، والإلكترونات، والبروتونات، والنيوترونات، وتعتمد فيزياء الكوانتم مبدأ الاحتمالات المفتوحة التي تخالف مبدأ الفيزياء الكلاسيكية ذي القوانين الثابتة؛ فهناك ظاهرة «التراكب الكوانتمي» «Superposition» التي تعتبر أهم أسس آلية عمل الحوسبة الكوانتمية، وتنشأ ظاهرة التراكب الكوانتمي نتيجة وجود احتمالات كثيرة لحالة الإلكترون، ويمكن شرح هذه الظاهرة تحت الذرية عبر تجربة الشق المزدوج «Double-Slit» عبر إطلاق جسيمات تحت ذرية مثل الإلكترونات باتجاه شقين -عبارة عن فتحتين تخرج منهما الجسيمات-، وتوجد خلف الشقين شاشة «لوحة» لرصد وصول الإلكترونات وتسجيل حالتها. تُظهِر هذه الجسيمات وفقا للرصد والقياس أنماطا مزدوجة؛ فيتصرف الإلكترون تارة
بأنه جُسيم «Particle»، وتارة أنه موجة «Wave» دون القدرة على تحديد أدنى مستوى للاحتمالات في هذه الظاهرة التي تعبّر عن التراكب الكوانتمي الذي يُشير إلى مفهوم مبدأ الانصهار المتعدد «Wave-Particle Duality»، وهو أن يُوصف الإلكترون بأنه جُسيم وموجة في آن واحد.
تأتي كذلك ظاهرة التشابك الكوانتمي «Quantum Entanglement» لتصف حالة الجسيم تحت الذري -مثل الإلكترون- عند انطلاق إلكترونين بسرعة عالية جدا في اتجاهين مختلفين؛ فإن هناك ظاهرة تشابك كوانتمي تحدث لهذين الإلكترونين؛ بحيث يتأثر أحدهما بالآخر ولو على بعد مسافات ضوئية بين كل منهما بآلية يمكن أن نصفها «مجازًا» بالتخاطر؛ فكانت ظواهر مثل التراكب والتشابك الكوانتمي -التي لم يتفق العلماء بشكل قطعي فيما يخص تفسيرهما- انطلاقة إلى فكرة بناء الحاسوب الكوانتمي الذي كان عالم الفيزياء الأمريكي «ريتشارد فاينمان» أبرز من اقترحها في ثمانينيَّات القرن الماضي.
اقتصاد متسارع
تتسابق شركات التقنية في صناعة الحاسوب الكوانتمي وتتنافس فيما بينها، وتتلقى الدعم المباشر من حكومات الدول الكبرى التي وجدت في الحوسبة الكوانتمية مشروعًا يقودها إلى فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية في العالم بجانب سباقها في القطاعات الرقمية الأخرى وأبرزها الذكاء الاصطناعي. تبرز أهمية الحوسبة الكوانتمية في أنها تتجاوز قدرات الحوسبة التقليدية بأضعاف كثيرة؛ إذ تتضاعف أعداد «الترانزستورات»، ويقّل حجمها؛ لتصل إلى أحجام تحت الذرية؛ مما يسمح لوجود الظواهر الكوانتمية للجسيمات دون الذرية مثل الإلكترون؛ فوفقًا لظاهرة التراكب الكوانتمي تُظهر الإلكترونات سلوكًا مفتوح الاحتمالات؛ فيعمل النظام الكوانتمي على احتمال وجود الرقم 1 و0 معا مستعملا وحدة يُطلق عليها «كيوبت Qubit» - اختصارا لكوانتم بت-، على عكس ما يحدث في الحوسبة التقليدية التي تعمل على وجود 1 أو 0 في اللحظة الواحدة، وبوجود ظاهرة التراكب الكوانتمي في الحوسبة الكوانتمية المبنية على عدم وجود احتمال لمعرفة وجود أيّ من الرقمين، وإن وجودهما معا في آن واحد يكون مقبولا وفقا للسلوك الكوانتمي للجسيمات تحت الذرية، وهذا ما يجعل من النظام الكوانتمي أسرع بأضعاف كثيرة عن نظام الحوسبة العادي، وأكثر قدرة وجودة في المعالجة والتخزين؛ وبالتالي يكون قادرا على فكّ التشفيرات الحاسوبية بسرعة ودقة عالية، وهذا ما يدعو إلى التوجس من مخاطر الحوسبة الكوانتمية التي يمكن أن تتحول إلى سلاح ذي حدين كما رأينا مع الذكاء الاصطناعي واستعمالاته الخطرة، ومخاطر الحوسبة الكوانتمية تتضاعف مع اندماجها بأنظمة الذكاء الاصطناعي الذي بدوره -هذا الاندماج بين الحوسبة الكوانتمية والذكاء الاصطناعي- يقود إلى ظهور الذكاء الاصطناعي العام «الخارق».
اهتمام بالغ
بدأ الحديث عن الحوسبة الكوانتمية أنه يأخذ حيزًا بارزا منذ عام 2022، خصوصا بعد إعلان عدة شركات إطلاقها لحواسيب كوانتمية مثل: IBM›s Osprey quantum computer الذي يحتوي على 433 كيوبت «Qubits»، وGoogle Sycamore ب53 كيوبت، وIonQ Forte ويملك 32 كيوبت، وIQM مع 11 كيوبت، وM Squared Laser Maxwell بوجود 16 كيوبت، وOxford Quantum Circuits Lucy ويملك 32 كيوبت. لا تزال تطويرات الحوسبة الكوانتمية مستمرة عبر مضاعفة عدد وحدات التخزين «الكيوبت»؛ فشركات مثل جوجل تعمل على تطوير حاسوب كوانتمي بعدد أكبر من الكيوبت يصل إلى مليون كيوبت الذي يعد رقما كبيرا يساهم في منح الحاسوب قدرات فائقة تتجاوز التوقعات. لا تزال الحوسبة الكوانتمية في بدايتها؛ إذ ما يتوفر من أنظمة الحوسبة الكوانتمية الحالية في حدود الاستعمالات التجارية والبحثية، وللأغراض الأمنية والعسكرية عند بعض الدول الكبرى. تتعلق الاستعمالات الحالية للحواسيب الكوانتمية المذكورة التابعة لمثل هذه الشركات بالتطويرات الدوائية، وبناء خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة، والأمن السيبراني، وللتحليلات الاقتصادية والمالية والتنبؤ بمسارها، وهناك أيضا استعمالات تثير القلق مثل قدرة هذه الحواسيب على فك التشفير الرقمي بسرعة وسهولة؛ مما يُهدد النظام الاقتصادي والسياسي العالمي. يتطلب العمل مع مثل هذه الاستعمالات الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي خوارزميات معقّدة تتعامل مع بيانات كبيرة تحتاج إلى سعة تخزينية كبيرة لا يمكن تحقيق سرعة عالية في معالجتها والتعامل معها عبر الحواسيب التقليدية، ولكن بوساطة الحواسيب الكوانتمية؛ فتكون العمليات الحسابية والتحليلية عالية وسريعة خصوصا مع اندماج هذه الحواسيب الكوانتمية مع أنظمة الذكاء الاصطناعي كما سنرى في الفقرة الآتية.
إمكانيات غير محدودة .. ولكن؟
أحد أبرز التحديات التي تواجه قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات الكبيرة والتدرب عليها وقدراتها في تحليل هذه البيانات والوصول إلى التنبؤات الدقيقة هو وجود القدرات الحاسوبية العالية، ويشمل سرعة المعالجة والسعة التخزينية الكبيرة، إلا أنه يمكن تخطّي هذا التحدي بوجود الحوسبة الكوانتمية التي توفّر لنماذج الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة المستعملة بيئة رقمية واسعة وقوية. في المقابل، يعمل الذكاء الاصطناعي حال تشغيله بواسطة الحاسوب الكوانتمي على تطوير سريع لخوارزميات أكثر ذكاء؛ تساهم في تسريع تطويرات الحوسبة الكوانتمية، وهذا بدوره يساعد في مضاعفة قدرات الذكاء الاصطناعي في عمليات تحليل البيانات المعقّدة مثل التي تدخل في القطاعات الطبية؛ فمثلا يمكن للذكاء الاصطناعي الذي يعمل بواسطة الحوسبة الكوانتمية أن يفهم المادة الوراثية للفيروسات المهاجمة، ويفك شفراتها بسرعة؛ مما يساعد في تحديد الدواء المناسب، وكذلك كشف أسرار بعض الأمراض المستعصية على الطب -في وقتنا-، والبحث عن أفضل العلاجات الشافية، وكذلك في مجالات الطقس والتغيّر المناخي؛ فيمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعمل بواسطة الحوسبة الكوانتمية أن تحلل بيانات الطقس والمناخ بسرعة ودقة عالية؛ فتعطي توقعات «تنبؤات» دقيقة، وكذلك في الكشف المبكّر عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل. في الجانب الآخر، هناك مخاوف تُثيرها القدرات الفائقة لهذه الأنظمة الكوانتمية والذكية تتمركز في سرعة بلوغ الذكاء الاصطناعي المرحلة العامة أو الخارقة التي -كما شرحتها في مقالات سابقة- تُنبئ بمستقبل يهدد الوجود البشري وحضارته إن لم تكن هناك إرادة دولية شاملة تتمثل في وضع حوكمة صارمة للذكاء الاصطناعي والحوسبة الكوانتمية واستعمالاتها، وأحد هذه المخاطر التي يمكن أن تنشأ نتيجة اندماج الحوسبة الكوانتمية والذكاء الاصطناعي هو التصنيع العسكري الخارق الذي لا يقف عند أي خطوط أخلاقية وإنسانية، والذي بتسارع وتيرة تطويراته سيقود إلى تدمير المجتمعات الإنسانية وحضاراتها، ويشمل هذا الخطر العسكري الأسلحة البيولوجية بجانب بقية أنواع الأسلحة التي لا نعرفها حتى وقتنا، وكذلك يمكن لهذه الأنظمة الكوانتمية الذكية أن تُستعمل في فك أية شفرات حاسوبية مهما كانت معقّدة؛ مما يقود إلى اضطرابات اقتصادية وصناعية وسياسية في العالم؛ تتصاعد بسببها التنافسات الهادفة إلى فرض الهيمنة والسيطرة العالمية؛ مما يقود إلى انتكاسة إنسانية غير مرغوبة. رغم ذلك فإننا نعوّل على بناء الوعي العام داخل المجتمعات الإنسانية في معرفة هذه التطويرات الرقمية المتسارعة، والقضاء على أيّ وسيلة لسوء استعمالها، وتوجيهها إلى مسارها النافع والمفيد للإنسانية وحضارتها.
د. معمر بن علي التوبي - أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الذی ی
إقرأ أيضاً:
دراسة: استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يؤثر سلبًا في نشاط الدماغ
كشفت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT في مهام الكتابة يؤدي إلى تراجع ملحوظ في نشاط الدماغ والوظائف المعرفية، مقارنةً بمن يستخدمون محركات البحث أو يعتمدون على مهاراتهم الذاتية في الكتابة.
تفاصيل دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجياأجرى باحثون من مختبر Media Lab التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، دراسة استمرت لمدة تبلغ أربعة أشهر، قارنوا فيها بين ثلاث مجموعات من المشاركين في أثناء إنجاز مهام كتابية.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين استخدموا ChatGPT أتموا مهامهم الكتابية بسرعة تجاوزت غيرهم بنسبة قدرها 60%، لكن جاء ذلك على حساب الجهد العقلي المرتبط بفهم المعلومات وتنظيمها في الذاكرة الطويلة الأمد.فقد سجلوا انخفاضًا بنسبة قدرها 32% فيما يُعرف بـ (Germane Cognitive Load)، وهو مؤشر على مدى استيعاب الدماغ للمعلومات بنحو عميق وتنظيمها في الذاكرة الطويلة الأمد.
وأظهرت الدراسة أيضًا، أن المقالات التي كتبتها المجموعة التي استخدمت ChatGPT كانت متشابهة بنحو ملحوظ وافتقرت إلى الأصالة، كما عبّر المشاركون عن شعور ضعيف بالانتماء أو «الملكية» تجاه ما كتبوه.
ومع تكرار استخدام الأداة، لاحظ الباحثون تدهورًا تدريجيًا في الأداء، فقد أصبح المستخدمون يكتفون بنسخ النصوص المولدة دون مراجعة أو تفكير نقدي. واستمرت هذه التأثيرات السلبية حتى بعد التوقف عن استخدام الأداة، مما يشير إلى احتمالية حدوث تغيّرات دائمة في طريقة عمل الدماغ.
ومن المُتوقع أن تكون أدمغة الشباب، التي ما تزال في طور النمو، أكثر عرضة لهذه التأثيرات، مما يثير القلق من الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية.
تغيّرات في الأنشطة العصبية في الدماغاعتمدت الدراسة على فحوصات التخطيط الكهربائي للدماغ «EEG» لرصد الأنشطة العصبية. وقد أظهرت النتائج أن المشاركين الذين كتبوا بالاعتماد على قدراتهم الذاتية كان لديهم اتصالات عصبية أكثر ترابطًا من غيرهم، إذ سُجل لديهم 79 اتصالًا عصبيًا في نطاق موجات ألفا المرتبطة بالتركيز والتفكير الإبداعي. وأما الذين استخدموا محركات البحث فحققوا مستوى أداء متوسط، وسجل مستخدمو ChatGPT أضعف أداء بلغ 42 اتصالًا فقط.
كما رُصد انخفاض مماثل في نطاق موجات «ثيتا» Theta، المرتبط بالذاكرة والتحكم التنفيذي، إذ بلغ عدد الاتصالات العصبية لدى المجموعة التي اعتمدت على مهاراتها الذاتية في الكتابة 65 اتصالًا، مقابل 29 اتصالًا عصبيًا فقط لدى مستخدمي ChatGPT. وتُشير هذه الفروقات إلى وجود علاقة عكسية بين الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي وبين انخراط الدماغ في معالجة المعلومات.
خلل في الذاكرة وتراجع القدرة على التذكرمن أكثر النتائج إثارة للقلق، أن ما نسبته 83% من مستخدمي ChatGPT لم يتمكنوا من تذكّر اقتباسات من مقالات كتبوها قبل دقائق فقط، وبلغت النسبة 11.1% فقط لدى من استخدموا محركات البحث أو كتبوا دون مساعدة. وعند مطالبتهم بإعادة كتابة المقال دون استخدام الذكاء الاصطناعي، عجزوا عن تذكر معظم المحتوى، مما يشير إلى ضعف معالجة المعلومات في الذاكرة الطويلة الأمد.
تأثيرات مستقبلية في التعليمتثير نتائج هذه الدراسة تساؤلات جوهرية عن الخطر المرتبط بالاستخدام الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة التي ما تزال في طور تطوير قدراتها العقلية. وقد حذّرت الباحثة الرئيسية في الدراسة، Nataliya Kosmyna من أن الطلاب الذين يعتمدون على أدوات مثل ChatGPT قد يطوّرون أنماطًا معرفية مختلفة تؤثر في مهاراتهم الذهنية المستقبلية.
وتتوافق هذه النتائج مع دراسات أخرى تشير إلى أن الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي قد يُساهم في زيادة الشعور بالوحدة وانخفاض الإبداع، حتى مع مساهمته في تحسين الإنتاجية.
اقرأ أيضاًالتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل مستقبل التعليم
«ميتا» تستثمر 14.3 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي «سكيل»
الذكاء الاصطناعي يزف بشرى سارة لـ الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي