الذكاء الاصطناعي في التحكيم الرياضي بين الدقة والتحديات
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
شهدت الرياضة تحولا جذريا خلال السنوات الأخيرة بفضل التطورات التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعد تحسين أداء الحكام الرياضيين وتقليل الأخطاء البشرية التي قد تغير نتائج المباريات أحد أكثر المجالات تأثرا.
ومع ظهور تقنيات، مثل "حكم الفيديو المساعد" (VAR)، أصبحت القرارات التحكيمية أكثر دقة، ولكنها أثارت أيضا نقاشات حول مدى موثوقيتها وتأثيرها في روح اللعبة.
وفي هذا الموضوع، نستعرض دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التحكيم الرياضي، مع استعراض أمثلة عملية، والتحديات التي تواجه هذه التقنيات في تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري.
لطالما كان الحكم الرياضي هو السلطة العليا في الملعب، يتخذ قراراته في أجزاء من الثانية وسط ضغوط اللاعبين والجمهور وسرعة الإيقاع.
ولكن التحكيم الرياضي شهد تطورا جذريا خلال العقود الماضية استجابة للحاجة الملحة لتقليل الأخطاء التحكيمية.
وانتقل التحكيم الرياضي من الاعتماد الكامل على الحكم البشري إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي ساعد في اتخاذ قرارات دقيقة وعادلة.
وأظهرت الدراسات أن الأخطاء التحكيمية تظل حاضرة في بعض الرياضات الجماعية، حتى مع التدريب والخبرة.
ويقدم الذكاء الاصطناعي حلولا مبتكرة من خلال قدرته على المساعدة في اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية موضوعية، بدلا من الاعتماد على التقدير الشخصي وحده، كما يسهم في تحسين أداء الحكام.
وتتبع الأنظمة الذكية قرارات الحكام وتحلل دقتها، مما يساعد في تحديد نقاط القوة والضعف في الأداء وتوجيههم نحو التحسين.
وتشمل هذه التحليلات متابعة أنماط القرارات، وتحديد الأخطاء المتكررة، وقياس الاتساق في التحكيم. كما تساعد في إعداد برامج تدريبية مخصصة للحكام بناء على احتياجاتهم الفردية.
إعلانوتشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي دعامة رقمية لتحسين جودة التحكيم، إذ ظهر نظام الرؤية الحاسوبية "هوك آي لايف" (Hawk-Eye Live) لأول مرة في رياضة التنس عام 2003 لأغراض البث.
ولكن حصل على الموافقة عام 2005 بعد مباراة في بطولة أميركا المفتوحة للتنس عام 2004 تعرضت خلالها لاعبة لعدة قرارات خاطئة وخسرت المباراة.
وجرى توسيع نطاق استخدام "هوك آي لايف" خلال جائحة فيروس كورونا، حيث أقيمت بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس لعام 2020 بدون حكام خطوط في جميع الملاعب الرئيسية باستثناء ملعبين.
ومنذ بدء استخدام "هوك آي لايف"، استغنى اتحاد التنس الأميركي عن ما بين 190 و200 حكم، حسب مرحلة البطولة.
وتوضح ورقة بحثية صادرة عام 2024 أن السلوك البشري يتغير عند استخدام التكنولوجيا، إذ تحسنت دقة الحكام، وانخفض معدل الأخطاء الإجمالي بنسبة 8% بعد استخدام "هوك آي لايف".
من التنس إلى كرة القدم والجمبازفي عام 2009، ساعدت لمسة يد غير ملحوظة فرنسا على إقصاء أيرلندا من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010، في حين كان هدف فرانك لامبارد الشهير ضد ألمانيا نقطة التحول.
وبالرغم من عبور الكرة خط المرمى، أخطأ الحكم في تقدير الموقف، مما دفع إلى تبني التقنية الجديدة.
وفي عام 2012، أنشأ مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم عملية اعتماد لضمان جودة أنظمة تقنية "خط المرمى" (Goal-Line Technology) المستخدمة في المباريات الرسمية.
بينما ظهرت "تقنية التسلل شبه الآلية" (SAOT) لأول مرة في كأس العالم لكرة القدم عام 2022 في قطر، حيث ترسل الكرة تنبيها إلى غرفة "حكم الفيديو المساعد" كلما كانت في وضع التسلل.
كما تضمنت الكرة وحدة "قياس بالقصور الذاتي" (IMU) تكتشف المواقف غير القانونية وترسل البيانات بمعدل 500 مرة في الثانية إلى غرفة "حكم الفيديو المساعد".
كما وصلت "تقنية التسلل شبه الآلية" إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2025، من أجل توفير تحديد سريع وثابت لخط التسلل الافتراضي، استنادا إلى تتبع اللاعبين بصريا.
أما في رياضة الجمباز، فقد طورت "فوجيتسو" (Fujitsu) تقنية "نظام دعم التحكيم" (JSS) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للجمباز، لتحويل الحركات البشرية المعقدة إلى بيانات رقمية، مما قلل من التحيز وساعد في توحيد المعايير.
واستخدم "نظام دعم التحكيم" في مسابقات بطولة العالم للجمباز لعام 2019، كما استخدمت هذه التقنية لأول مرة في بطولة العالم للجمباز الفني في بلجيكا عام 2023، للتحكيم على جميع الأجهزة.
البيانات تتحدث في لعبة الجولف والملاكمةبفضل نظام "شوت لينك" (ShotLink) المعزز بمعلومات لوجستية وبيانات إحصائية وأجهزة الاستشعار المدمجة في أرضية ملعب الجولف، يمكن تتبع موقع كل ضربة قبل أن تلامس الأرض.
كما يتضمن النظام رادارا من المستوى العسكري يوفر بيانات حول كل ضربة، إلى جانب وجود 12 كاميرا ومجموعة من الأشخاص الذي يراقبون الضربات التي تخرج عن حدود الملعب.
وتوفر أجهزة الاستشعار والكاميرات البيانات للتنبؤ بموقع الضربة قبل أن تصطدم بالأرض، ويستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل تزويد الحكام بأدوات تساعدهم في أداء عملهم.
إعلانأما في رياضة الملاكمة، فإن نظام "ديب سترايك" (DeepStrike) يجمع بيانات مكثفة عن المباريات في 50 مقياسا رئيسيا لكل لاعب، مما يتيح الكشف عن السلوكيات غير المشروعة، وبالتالي مكافحة الغش في النزالات.
يتمتع الذكاء الاصطناعي بمزايا مقارنة بالحكام البشر، في ما يتعلق ببعض التحيزات المحتملة، كتلك التي قد تستند إلى جنسية الرياضي، كما أن له ميزة على القيود الجسدية للحكم البشري، مثل ضعف البصر، وسرعة الإدراك، والتعب بعد يوم طويل من التحكيم.
ومن المفترض أن أنظمة الذكاء الاصطناعي محايدة، ومع ذلك، فإن قرارات الذكاء الاصطناعي تعتمد على كيفية تدريبه ومن تدرب عليه.
ولا تزال قرارات الذكاء الاصطناعي مبنية على قواعد يبرمجها البشر، باستخدام بيانات تجمعها آلات يمكنها أن تغفل عن بعض التفاصيل أو تفسرها بشكل خطأ.
وقد يصلح الذكاء الاصطناعي بعض المشاكل، لكنه يدخل مشاكل أخرى، كما أنه يثير قضايا المسؤولية، حيث واجهت عملية اتخاذ القرار بمساعدة الذكاء الاصطناعي في الرياضة انتكاسات.
وشهدت مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2020 بين شيفيلد يونايتد وأستون فيلا إلغاء هدف واضح بسبب عطل في تقنية "خط المرمى"، وليس بسبب خطأ بشري.
واعترفت الشركة المطورة لتقنية "هوك آي لايف" لاحقا بالخطأ، واصفة إياه بالشذوذ بعد أكثر من 9 آلاف مباراة دون أي حوادث.
ونشأ جدل مماثل في المباراة الافتتاحية لكأس العالم لكرة القدم 2022، عندما ألغت "تقنية التسلل شبه الآلية" هدفا للاعب الإكوادور إينر فالنسيا.
وأثار القرار جدلا حول إذا كانت دقة النظام، التي تقدر بمستوى السنتيمتر، صارمة للغاية بالنسبة لطبيعة اللعبة السريعة.
وبينما يتفوق الذكاء الاصطناعي في القرارات الموضوعية، فإنه يعاني في القرارات الذاتية، وهو مجال لا يزال فيه الحكم البشري حاسما.
المستقبل الهجينلا يزال من الصعب تصور ملاعب رياضية بدون حكام بشريين، إذ إن المجتمع الرياضي لم يتهيأ بعد لتقبل حكم روبوت.
كما أن الذكاء الاصطناعي لا يسعى في الوقت الحالي إلى إلغاء العنصر البشري، بل دعمه بمنظومة ذكية تقلل من احتمالات الخطأ، وتعزز الشفافية، وتضمن تكافؤ الفرص.
ونتيجة لذلك، فإن التوجه هو تطوير نموذج هجين، يجمع بين الذكاء الاصطناعي والحدس البشري، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي القرارات الموضوعية، في حين يحتفظ الحكم البشري بالقرارات التقديرية التي تتطلب فهم السياق والنية.
ختاما، في عالم تقاس فيه الانتصارات بأجزاء من الثانية، لم تعد الأخطاء التحكيمية مجرد حوادث عرضية بل أصبحت قضايا رأي عام، تتصدر العناوين وتؤثر في ثقة الجمهور بالبطولات.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورا حيويا في تحسين أداء الحكام الرياضيين وتقليل الأخطاء البشرية، بيد أنه ليس معصوما عن الخطأ، ولا بديلا عن الإنسان في السياقات التي تتطلب تقديرا سياقيا.
نتيجة لذلك، فإن التحكيم الرياضي العادل يحتاج إلى مزيج من الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی فی التحکیم الریاضی مرة فی
إقرأ أيضاً:
أنثروبيك تُشعل سباق الذكاء الاصطناعي.. Sonnet 4.5 يتفوّق على جوجل ومايكروسوفت وOpenAI
في خطوة جديدة تعزز مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، أعلنت شركة أنثروبيك (Anthropic) عن إطلاق نموذجها الجديد Sonnet 4.5، الذي وصفته بأنه "أفضل نموذج برمجة في العالم حتى الآن". يأتي هذا الإعلان بعد أقل من ستة أشهر فقط من إطلاقها للنموذجين Opus 4 وSonnet 4، ليؤكد سرعة تطور الشركة وسعيها الجاد لتجاوز عمالقة المجال مثل جوجل وOpenAI ومايكروسوفت.
تستند أنثروبيك في هذا الادعاء الجريء إلى سلسلة من الاختبارات والمعايير التقنية التي أظهرت تفوق Sonnet 4.5 على كل من النماذج السابقة Opus 4.1 وSonnet 4، بالإضافة إلى النماذج المنافسة مثل Gemini 2.5 Pro من جوجل وGPT-5 من OpenAI. ففي اختبار OSWorld، وهو مقياس متخصص لاختبار أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي في المهام الحاسوبية الواقعية، حقق Sonnet 4.5 نتيجة قياسية بلغت 61.4%، متفوقًا بنسبة 17% على نموذج Opus 4.1، ما يجعله أحد أكثر النماذج كفاءة في العالم في مجال البرمجة والأداء المستقل.
لكن ما يجعل Sonnet 4.5 أكثر تميزًا هو قدرته المدهشة على العمل بشكل ذاتي على مشاريع معقدة متعددة الخطوات لأكثر من 30 ساعة متواصلة، مقارنة بسبع ساعات فقط للنموذج السابق. هذا الإنجاز يُعد تحولًا جذريًا في عالم "الأنظمة الوكيلة" — وهي النماذج التي يمكنها تنفيذ مهام طويلة الأمد دون إشراف مباشر من الإنسان، وهو ما يشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي المؤسسي والإنتاجي.
وأكدت أنثروبيك أن النموذج الجديد لا يتفوق فقط في الأداء، بل في الأمان والاستقرار أيضًا، حيث وصفته بأنه "أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي أمانًا" من بين جميع منتجاتها حتى الآن. وخضع Sonnet 4.5 لمرحلة تدريب مكثفة على معايير السلامة والحوكمة الأخلاقية، ليصبح أقل عرضة لما تسميه الشركة "سلوكيات غير مرغوبة"، مثل المبالغة في التملق، أو الميل للهيمنة، أو تشجيع الأفكار الوهمية. وهي سمات أوقعت نماذج منافسة مثل ChatGPT في بعض الجدل خلال الأشهر الماضية.
كما حصّنت أنثروبيك نموذجها الجديد ضد هجمات الحقن الفوري (Prompt Injection)، وهي أساليب خبيثة تُستخدم لخداع الأنظمة الذكية وتوجيهها لإنتاج محتوى غير مرغوب فيه. وبفضل هذه التحسينات، تم تصنيف Sonnet 4.5 ضمن إطار مستوى أمان الذكاء الاصطناعي 3 (AI Safety Level 3)، ما يعني أنه يتضمن فلاتر صارمة تمنع توليد مخرجات خطرة أو حساسة، مثل تلك المتعلقة بالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو النووية.
وإلى جانب النموذج الرئيسي، أعلنت أنثروبيك عن سلسلة من التحسينات الشاملة في منتجاتها الأخرى. فقد حصل وكيل الترميز الشهير Claude Code على واجهة طرفية جديدة أكثر تفاعلية، بالإضافة إلى ميزة مبتكرة تُعرف باسم "نقاط التفتيش" (Checkpoints)، والتي تتيح للمستخدمين حفظ تقدمهم في عملية البرمجة والعودة إلى مرحلة سابقة بسهولة إذا واجهوا خطأ في الشيفرة. كما أصبحت ميزة إنشاء الملفات، التي تم الكشف عنها في وقت سابق من الشهر، متاحة الآن لجميع مستخدمي النسخة الاحترافية Claude Pro.
أما بالنسبة للمستخدمين الذين يعتمدون على متصفح Google Chrome، فقد أعلنت الشركة عن بدء اختبار إضافة Claude Chrome Extension، والتي يمكن الانضمام إلى قائمتها الانتظارية اليوم. هذه الإضافة ستتيح للمستخدمين دمج قدرات الذكاء الاصطناعي مباشرة داخل المتصفح لتبسيط مهام البرمجة والكتابة والإنتاج اليومي.
وفيما يتعلق بالتكلفة، أبقت أنثروبيك على سعر واجهة برمجة التطبيقات (API) الخاص بـ Sonnet 4.5 عند 3 دولارات لكل مليون رمز إدخال و15 دولارًا لكل مليون رمز إخراج، وهي أسعار تنافسية بالنظر إلى قدرات النموذج الجديدة.
إطلاق Sonnet 4.5 يأتي تتويجًا لفترة زاخرة بالإنجازات للشركة، خصوصًا بعد إعلان مايكروسوفت الأسبوع الماضي عن دمج نماذج Claude في منصة Copilot 365، في خطوة فسّرها محللون بأنها اعتراف مباشر بقوة منتجات أنثروبيك في سوق الذكاء الاصطناعي العملي. وحتى OpenAI، المنافس الأشهر، أقرّ مؤخرًا بأن نماذج Claude تقدم أداءً أكثر دقة في المهام المكتبية والبرمجية المعقدة.
وبينما يحتدم السباق بين عمالقة التقنية لتقديم الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي، يبدو أن أنثروبيك قد خطت خطوة كبرى نحو القمة. فمع Sonnet 4.5، لم تعد المنافسة تدور حول من يُنتج النصوص بشكل أفضل، بل من يستطيع بناء ذكاء اصطناعي أكثر أمنًا واستقلالية وكفاءة في أداء المهام البشرية المعقدة.