عمل في العراق وشاهد على معاناة غزة.. من هو جرّاح الحروب غسان أبو ستة؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
السومرية نيوز – دوليات
لا يمكن لأي مواطنٍ عربي أن ينسى وجه الطبيب غسان أبو ستة، وعينيه اللتين تقدحان ألماً وصدمة، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وسط جثث الأطفال في غزة، ليخبرنا عن هول المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي حين قصف المستشفى المعمداني.
كان أبو ستة داخل المستشفى يعالج آلاف الجرحى نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي كان بدأ منذ 13 يوماً، لكنه استطاع أن ينجو بأعجوبة؛ الأمر الذي اعتاد عليه في السنوات العشر الأخيرة.
لا يعود طبيب الجراحة وإعادة الترميم الفلسطيني البريطاني إلى وطنه، فلسطين، إلا خلال الحروب والأزمات. لا يعنيه الخطر الكبير الذي يهدّد حياته، فهو لا يسعى إلا لتضميد جراح أهله والتخفيف عنهم، حتى صار الشاهد الأكبر والأول على معاناتهم.
فمن هو غسان أبو ستة؟
هو أستاذ متخصص في جراحة التجميل وإعادة الترميم، وقد حصل على تعليمه الطبي في جامعة غلاسكو البريطانية، وتدرّج بعد ذلك في لندن.
تخصّص لاحقاً في جراحة القحف والجمجمة للأطفال، وجراحة الحنك المشقوق في مستشفى "غريت أورموند ستريت"، إضافةً إلى إعادة ترميم الإصابات في مستشفى لندن الملكي.
عام 2011، انضمّ إلى المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، حيث ترأس بعد عام قسم الجراحة التجميلية وبرنامج إصابات الحرب لدى الأطفال، وصار المسؤول عن العيادة المتعددة التخصصات بإصابات الحرب.
شارك في عام 2015 بتأسيس منهاج طب النزاعات في معهد الصحة العالمي بالجامعة الأمريكية في بيروت، وأصبح مديراً له. وقد قاد عملية واقع معزز عبر منصة تفاعلية على الإنترنت، كانت الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، ساعدت أحد الجراحين في غزة على إعادة بناء يد طفلٍ كان يعاني من عيبٍ خلقي.
وفي 2020، بالتزامن مع انتشار فيروس كوفيد، عاد إلى بريطانيا واستقرّ فيها بعدما بدأ العمل في الجراحة التجميلية والترميمية في القطاع الخاص. ومنذ عام 2021، يعمل محاضراً في مركز دراسات الانفجارات في جامعة "إمبريال كوليدج".
أصبح غسان أبو ستة عضواً في مجلس جمعية "إنارة"، وهي مؤسّسة خيرية لتوفير الجراحة الترميمية للأطفال من مصابي الحرب في الشرق الأوسط، ومسؤولاً طبياً لمبادرة "الرضوح" في المكتب الإقليمي للشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية.
يساعد أبو ستة كذلك في لجنة التمويل الدولية، التابعة للمعهد الوطني للبحوث الصحية في بريطانيا.
دوره أساسي في غزة
منذ عام 1987، بالتزامن مع الانتفاضة الأولى، حرص غسان أبو ستة على المشاركة في علاج الجرحى الفلسطينيين حين كان لا يزال طالباً في كلية الطب. وعاد إلى غزة إبان الانتفاضة الثانية حين أصبح طبيباً جراحاً، وتطوّع في علاج المصابين كطبيبٍ ميداني.
خلال 4 حروب متتالية شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كان يحرص غسان أبو ستة على أن يكون أول المتواجدين في الميدان، لمساعدة أهله. تكرر الأمر في عدوان 2008-2009، و2012، و2014، ثم 2018، وصولاً إلى عام 2023.
أجرى أبو ستة عمليات جراحية ترميمية طارئة بشكلٍ مستمر، من دون توقف، خلال هذه الحروب؛ وكان ينتقل من مستشفى إلى آخر لمعالجة الفلسطينيين المصابين، والذين غالباً ما كانوا أطفالاً، بأبسط المستلزمات الطبية المتوفرة.
وفقاً لـ" مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، عمل غسان أبو ستة جراح حرب خلال مختلف حروب المنطقة العربية، مثل: اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان.
British-Palestinian doctor Ghassan Abu Setta describe the brutal Israeli massacre at Al-Ma'madani hospital in Gazapic.twitter.com/3sUh574hvK
— Kuffiya (@Kuffiyateam) October 18, 2023وقبل ساعات من عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، استطاع الدخول إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح، للانضمام إلى الفريق الطبي الذي يعمل على إنقاذ أكثر من 12 ألف مصابٍ سقطوا في 12 يوماً فقط من القصف الإسرائيلي.
مع الإشارة إلى أن القطاع الصحي الفلسطيني في غزة يعاني من شحٍّ في القدرات البشرية والمستلزمات الطبية، جراء الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال، لدرجة أنه أجرى عملياتٍ جراحية من دون تخدير بعد قصف المستشفى المعمداني.
طبيب في خدمة القضية الفلسطينية
إضافةً إلى تطوعه لإسعاف جرحى قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى، يمكن القول إن غسان أبو ستة يوظف إنجازاته الأكاديمية في عالم الطب لخدمة القضية الفلسطينية، ودعم الفلسطينيين بوجه السردية الإسرائيلية.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لا يوفّر أبو ستة فرصةً إعلامية إلا ويستغلها، لإيصال صوت الغزاويين وإخبار العالم عن النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وغياب المياه والكهرباء، إضافةً إلى حجم الدمار والإصابات الهائل في القطاع.
وفي مقابلةٍ تلفزيونية مع "بي بي سي"، تحدث غسان أبو ستة عن الزيارة التي قام بها جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية إلى زوجته في منزلهما ببريطانيا، وكيف تعرّضت لمضايقات وسُئلت عن سبب سفره إلى غزة، وعن الجهة التي دفعت ثمن تذكرة السفر.
وبالتزامن مع ذلك، يوظف غسان أبو ستة حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في غزة وخارجها. فقد أخبر العالم كيف وصل الأمر في غزة إلى أن صار الطاقم الطبي يلجأ إلى الخل، لعلاج التهابات الجروح البكتيرية.
وأخبرنا أيضاً كيف يقيم داخل المستشفى بشكلٍ دائم لأن الخروج خطر، وهو صاحب الشعار الذي غزا العالم الافتراضي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يقول: "لا مكان أكثر وحدة في الكون من محيط سريرِ طفلٍ موجوع، لم تعد لديه عائلة تعتني به".
Vinegar from the corner shop to treat pseuodomonas bacterial wound infections. Its come to that. pic.twitter.com/mEE4haHMyj
— Ghassan Abu Sitta (@GhassanAbuSitt1) October 19, 2023إضافةً إلى كل ذلك، يوثق أبو ستة الآثار الصحية للنزاعات الطويلة -لاسيما في غزة- وله مقالات متنوعة تركز على فلسطين وحق الشعب الفلسطيني وما يعانيه، نُشرت في صحف أجنبية وعربية مختلفة.
وفي العام 2020، شارك في تأليف كتاب "سردية الجرح الفلسطيني" مع الكاتب والصحفي ميشال نوفل. وفيه يكشف الرجلان عن سياسة إسرائيلية تهدف إلى خلق مجتمع فلسطيني في غزة، نصفه غير قادر جسدياً على العيش بشكل طبيعي، ونصفه الآخر منشغل بمساعدة النصف الأول، بما يحيل المجتمع كله إلى مجتمع غير قادر على عيش حياة عادية: اجتماعياً، واقتصادياً، وصحياً.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
في جيبي تذاكر السفر!
كان بعض الأدباء والمفكرين وحتى بعض الساسة كثيرا ما كانوا يعتبرون دعاة لسلام في الأرض، فمن خلال أعمالهم وإنتاجاتهم يحرصون على زراعة الأمل في الغد المشرق، يخبرون العالم بأن لا استقرار للنفس ولا هدوء ولا سكينة إلا بالسلام الداخلي والعالمي.
الكاتبة والأديبة اللبنانية سلوى دبوق تقول: الحق يقال إنّ الحرب تجسيد للكراهية وانتصار لثقافة الموت والنهب والإبادة الجماعية. الحرب تفاقم أيضا الفقر وتولد المجاعات والأوبئة. وبالإضافة إلى الأنقاض التي تحدثها، تترك جروحا مفتوحة لا تندمل في ذاكرة الشعوب وقلبها. أي إنسان عاقل يستطيع أن يرى في الحرب وصورها المشؤومة مظهرا من مظاهر الشر المطلق.
ومن الأدب إلى السياسة، تؤكد السياسية الأمريكية إليانور روزفلت: لا يكفي الحديث عن السلام. يجب على المرء أن يؤمن به ويعمل من أجله.
منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن نسمع عن مؤتمرات السلام، والحديث عن قمم السلام، لكن أين هو السلام؟
من الواضح جليا رفض بعض المفكرين إرجاع مسالة اندلاع الحروب لإرادة بعض الشخصيات السياسية والعسكرية المهيمنة على صنع القرار. يرون أن هناك نوعا من الحتمية التاريخية في الحرب وأن حدوثها وكيفية تطورها يعودان إلى قوى تفوق قدرة الإنسان الذي قد يستطيع التحكم ببدايتها، لكنه يعجز عن توقع مجرياتها.
في ملحمة السلم والحرب، تأثرنا كثيرا بما قاله الأدباء والشعراء، فكلماتهم تتراقص كنغمات حزينة في قلوبنا، وهنا نستحضر ما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم: وعندما أُقتل في يوم من الأيام، سيعثر القاتل في جيبي على تذاكر السفر .. واحدة إلى السلام واحدة إلى الحقول والمطر واحدة إلى ضمائر البشر.. أرجوك أن لا تهمل التذاكر يا قاتلي العزيز، أرجوك أن تسافر.
نزاعات متلاحقة وقلق دائما، وأطماع لا تنتهي، وشعوب قلوبها ترجف من التهديدات المسلحة، في صفحات التاريخ هناك الكثير من الأسرار التي لا يعرفها إلا الساسة وصناع القرار، أما البسطاء فهم يعيشون مع الأمل المعقود بنهاية الحروب والدخول في بوابات السلام الدائم.
إنني مقتنع تمامًا بأن العلم والسلام ينتصران على الجهل والحرب، وأن الدول سوف تتحد على المدى الطويل ليس للتدمير بل للبناء، وأن المستقبل ملك لأولئك الذين فعلوا الكثير من أجل خير البشرية. - لويس باستور.
من أين يأتي السلام؟ وكيف؟ أسئلة كثيرة، وإجابات تبعد أميالا كثيرة عن الواقع، فالسلام مصطلح يحتاج إلى عمل وتفاهمات ومباحثات ونقاشات مستفيضة، وصمت يهز الأرض بعيدا عن صوت الفنادق والأسلحة المختلفة.
شعوب الأرض، تنشد السلام، لكن الغرباء يحاولون دائما كتابة التاريخ حسب ما يريدون، فالأطماع البشرية مستمرة على مدى التاريخ، وقد تكون هي التي تحرك الجيوش نحو الاقتتال من أجل السيطرة على أراضي الغير، والمبررات الزائفة تكتب بمداد الدم وأرواح الأبرياء.
هناك وجه آخر لمعنى السلام كما تراها الناشطة الحقوقية ريجوبيرتا مينشو حينما تقول: السلام ليس فقط غياب الحرب. ما دام هناك فقر وعنصرية وتمييز واستبعاد، فسيكون من الصعب علينا تحقيق عالم يسوده السلام.
في كل مؤتمر يعقد هنا وهناك من اجل صنع السلام، ينفض بدون أن يكون هناك في نهاية كلمات للسلام، بل هناك وعيد بأن لا سلام في أراضي السلام.
الناشطة الاجتماعية الأمريكية جين آدامز تقول: السلام الحقيقي لا يرتبط ببساطة بغياب الحروب، إنه يتعلق بوجود العدالة. أما مواطنتها الكاتبة أميليا إيرهارت فتقول: الشجاعة هي الثمن الذي تتقاضاه الحياة لمنح السلام.
وأخيرا نتفق مع كل الذين ذهبوا بالقول: إن الشعوب باختلاف أعراقها وانتماءاتها وأجناسها تجتمع على حمل الهموم في قلوبها، وأوجاع الوطن وخوف الشتات، ولنثق بأن العالم سيحكي يوما لبعضه البعض مرثيات لا تموت أبدا، وأن الظلم مهما طال أمده، لن يدفن النور في قلوبنا، وأن الزنبقة التي قتلت في حديث الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، ستزهر من جديد، وأن الجدائل المحترقة ستعود لتتحدى الرماد، وهكذا ستتوالى الأحداث في أجندة التاريخ.
أيضا نحن نشاطر الكاتبة اللبنانية سلوى دبوق في بحثها عن فلسفة الحرب ودورها في حياة الشعوب، فهذه الحرب التي يعرفها أحد رجال عالم السياسة على أنها صراع مسلح بين دول أو أمم عدة، هي حدث يصنع التاريخ ويغير وجه العالم، لكن في الوقت عينه تقضي على حياة الآلاف أو الملايين من البشر، ولطالما أبهرت الحروب أولئك الذين يعشقون الانقلابات ويرنون إلى المجد وعلى الجانب الآخر، تسبب النزاعات القلق لأولئك الذين يخشون دفع حياتهم وحياة عائلاتهم ثمنا لها.