الخيارات الإسرائيلية للتعامل مع حرب غزة
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
ناصر بن جمعة الزدجالي
خلال الحرب الحالية، تعرضت إسرائيل لأزمة وجودية غير مسبوقة أزمة اختل معها توازن الدولة اليهودية وفقدت مصداقيتها وتلاشى رصيد سمعتها كدولة لا تُقهر وباتت تعيش أزمة ثقة عميقة ووصل الأمر بحكومتها أن ترهن وجودها بمدى ردة فعلها؛ إما أن نكون أو لا نكون لأجل ذلك يرى قادة إسرائيل أنه لابد لهم من القيام بإجراءات حاسمة تتناسب مع هول الحدث وجسامته حتى تتصالح إسرائيل مع نفسها وشعبها.
عسكرياً لطالما ارتبطت الحرب بالسياسة وأداة لها كما يقول المفكر الاستراتيجي كارل فون كلاوز فيتز (1831-1780)، وهو ما يجعل الحرب إما خاضعة لاعتبارات وحسابات عقلانية صحيحة أو رعناء خاطئة. ولعل الحل العسكري هو الأداة الأسهل والأسرع على طاولة خيارات قادة إسرائيل ربما الوحيد الذي يمكنه أن يستعيد مؤقتاً شيئاً من الثقة ويضمن نسبياً قدراً من التصالح مع الداخل ويوفر الانتقام الذي تطالب به الجماعات اليمينية المتشددة المتحالفة مع رئيس الوزراء نتنياهو على وجه الخصوص. ومع أن إسرائيل بدأت هذا الخيار مبكراً واستشهد من خلال عملياتها الانتقامية بغزة من الفلسطينيين أعداد تفوق خسائرها بالحرب، إلا أن الواضح أن إسرائيل تريد أن تصل إلى أبعد من هذا بكثير حتى تشفي غليلها وتضمن دفع حماس فاتورة ضخمة نظير قرارها الأخير تصل إلى فقدان وجودها بالكامل وتدمير عناصر قوتها. ومع أنَّ إسرائيل لديها القدرة العسكرية لحشد القوات وتأمين الأسلحة والمعدات اللازمة لقوة نيران غير مسبوقة، وتنفيذ مجمل مخططاتها العسكرية، كما ضمنت الدعم الغربي لها، إلا أنها أيضاً تعلمت والعالم من قبلها أن أي ردة فعل غير مسؤولة يمكن أو تنقلب حتماً على المتسبب بنهاية الأمر فبحجم الدمار الذي ستحدثه الحرب والحالة الاقتصادية والاجتماعية التي ستنجم عن ذلك الدمار بقدر ما تقوي عزيمة ورغبة ذلك الشعب في الصمود والانتقام والانتفاضة من أجل النار. لا نحتاج أن نذهب بعيداً لاستخلاص بعض الدروس المشابهة ومحاولة استقراء ما سيكون عليه الأمر وتوقع ردة فعل إسرائيل المحتملة في هذه الحرب، فخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام ٢٠١٤ تغللت إسرائيل إلى داخل غزة وأعادت احتلالها لمدة ٥٠ يوماً من خلال عملية نجم عنها استشهاد حوالي۲۰۰۰ فلسطيني وأحدثت قدراً كبيرا من الدمار. يومها تكبدت إسرائيل حوالي۷۰ قتيلاً من خيرة جنودها، إلا أن حماس سرعان ما عادت أقوى من ذي قبل. لا أعتقد أن إسرائيل لديها الصبر والحكمة لتعود إلى أرشيفها العسكري لتدرس التاريخ وإنما ستندفع بقوة إلى التنفيذ لتضمن هزيمة المقاومة وتحييد دورها لفترة أطول. ومن المتوقع أن تتركز الأهداف العسكرية على التالي:
أ- القيام بعمليات تمشيط بالمناطق الحدودية المتاخمة لغزة بهدف طرد أفراد المقاومة نهائياً خارج السياج الحدودي حركة المقاومة. اسرائيل تبعات ذلك. بضمان الحصول على هبات ومساعدات لإعادة البناء وتعويض السكان معنوياً واقتصادياً وتقليص الآثار والنتائج العكسية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي.
ب- العمل لاستعادة الأوضاع الأمنية بالحدود مع القيام بعمليات إخلاء واسعة لتسمح بتتبع المقاتلين والتعامل معهم بشكل مباشر
ج- الإغلاق التام للحدود والمعابر وتأمين الحدود البحرية مع فرض حصار بحري واسع.
د- القيام بعمليات قصف جوي مستمرة للبنية الأساسية لمعاقبة السكان، وقصف البنية الاقتصادية والورش لمنع أي قدرات تصنيعية مزدوجة وتدمير؛ أي مقرات لها علاقة بحركات المقاومة.
هـ- استهداف بعض الشخصيات البارزة بحماس والجهاد الإسلامي وعائلاتهم.
و- تدمير واسع للأرض بهدف تعطيل الأنفاق المحتملة بين القطاع وداخل إسرائيل.
ز- القيام بعمليات خاصة من خلال قوات النخبة مثل لواء جولاني والشبح وغيرها من القوات (مع أنها الأكثر تضرراً بالحرب يوم أمس)؛ لإعادة احتلال غزة والقيام بعمليات انتقامية وتفكيك المقاومة.
ح- العمل على تحديد أماكن الرهائن والعمل مع المخبرين على القيام بعمليات إنقاذ شاملة.
ط - التفاوض للانسحاب بعد تحقيق الأهداف مع السعي لتنصيب قيادة بديلة أو تسليم القطاع لإدارته من قبل السلطة الفلسطينية أو تنصيب محمد دحلان أو تسليمه لمصر.
ي- تحييد أي أطراف معادية أخرى كحزب الله والحيلولة دون دخولها الحرب بشكل كامل.
اقتصاديا
مع الحجم الكبير للتداعيات الاقتصادية لهذه الحرب على اقتصاد إسرائيل وبيئتها الاستثمارية، إلا أن هذا البعد غير مرشح أن يكون حاضراً بقوة في ردة الفعل المتوقعة ومع ذلك ستقوم إسرائيل بتوظيف هذا البعد توظيفاً جيداً لقلة كلفته وسهولته النسبية مقارنة بالأبعاد الأخرى، بالإضافة الى قدرتها على التأثير على الأبعاد الأخرى. ويمكن أن تكون أهداف إسرائيل الاقتصادية كالتالي:
أ- السعي للحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية عاجلة لدعم اقتصاد الحرب وتقليص تحمل إسرائيل تبعات ذلك.
ب- ضمان الحصول على هبات ومساعدات لإعادة البناء وتعويض السكان معنوياً واقتصادياً وتقليص الآثار والنتائج العكسية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي.
ج - فرض حصار اقتصادي واسع على قطاع غزة لمنع الواردات ومراقبة المتسللين عبر الحدود مع مصر ومن ناحية البحر.
د - إغلاق المعابر الحدودية والتضييق على القادمين عبر الحدود
هــ - سحب تراخيص العمل داخل إسرائيل الممنوحة لسكان غزة والتي تصل إلى حوالي ٢٠ ألف تصريح.
و- مراقبة التحويلات ووقف المساعدات المادية للقطاع ووقف البرامج الإنمائية كبرنامج المساعدات القطرية وغيرها.
بطبيعة الحال لا تزال الأحداث تتشكل والمعلومات تتدفق بسرعة كبيرة لذلك تكون الأهداف هي أيضاً متحركة تماماً مثل ما قامت به إسرائيل بعد حرب يوم الغفران أو خلال فترة الصراع الممتدة وكان آخرها حرب ۲۰۱٤ على غزة أو بالحرب مع حزب الله أو حتى من خلال استراتيجية الولايات المتحدة بعد أحداث 9 سبتمبر ۲۰۱۱ بطبيعة الحال يمكن لإسرائيل أن تقوم بالكثير من الإجراءات المؤلمة للطرف الآخر وتنقل المعركة غير المتكافئة إلى غزة الأقل تجهيزاً، لكن لكل سياسة حدود وقيود هي بلا شك خيارات صعبة جداً يتطلب معها دراسة العواقب كما أن تأثيرها يظل محدوداً وقد تكون نتائجها عكسية كما يعلمنا التاريخ من دروس العمليات بأفغانستان والعراق، لكن نتنياهو وحكومته يرى أنه ليس لديه الوقت لدورة تخطيط كاملة لتقييم الأمر ودراسة كافة السيناريوهات والبدائل.
لا أتوقع أن خطط الطوارئ المستفادة من عمليات وحروب إسرائيل السابقة يمكن أن توفر له خطة جاهزة للتطبيق السريع لأنه ببساطة لكل حرب ظروفها والتاريخ لا يعيد نفسه أعتقد أن نتنياهو يفكر بنتيجة كل يوم على حدة ويقوم بتجزئة الحرب الانتقامية على مراحل صغيرة ومتعددة، إنه ينظر فقط للنتائج المتوقعة خلال ما تبقى من فترة حكومته دون مراعاة كافية وواقعية للمستقبل.
ما سطر أعلاه مجرد قراءة تحليلية سريعة ومقاربة من واقع الأحداث التاريخية والسياسات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية بطبيعة الحال قد تزيد هذه الأبعاد وقد يتم توظيف أبعاد أخرى أكثر جدوى وقد تلجأ إسرائيل الى إضافة أهداف أكثر وأكبر، وقد تستبعد أهدافاً أخرى، لذلك تعد هذه السيناريوهات هي مجرد تنبؤات قد تصيب وتخطئ بمسار الأحداث المقبلة.
** عميد ركن متقاعد، وخبير ومستشار استراتيجي
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شركة المثلجات "بن آند جيري" تصف الحرب الإسرائيلية على غزة بـ"الإبادة"
اشتد الخلاف بين شركة المثلجات (الآيس كريم) الأمريكية "بن آند جيري" وشركتها الأم "يونيليفر"، بعد أن وصف مجلس إدارة الأولى الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها "إبادة جماعية". اعلان
وأصدرت "بن آند جيري" بيانًا أكدت فيه إيمانها بقيم حقوق الإنسان ودعمها للسلام، معربة عن تضامنها مع كل من يدين "الإبادة الجماعية في غزة".
وأضافت: "نقف مع جميع من يرفعون أصواتهم ضد ما يحدث، بدءًا من الموقعين على العرائض إلى المتظاهرين في الشوارع الذين يخاطرون بتعرضهم للاعتقال".
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لمنتجات الآيس كريم التابعة للشركة، تحمل عبارة "من النهر إلى البحر" في إشارة إلى مساحة فلسطين التاريخية قبل قيام دولة إسرائيل.
التصريح المفاجئ أثار غضب الشركة الأم "يونيليفر"، التي قالت إنه يعبر عن قناعاتها وحدها، وزاد من حدة الخلافات التي تعود جذورها إلى عام 2021، عندما أعلنت "بن آند جيري" قرارها التوقف عن بيع منتجاتها في إسرائيل والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
Relatedما هي بنود وقف إطلاق النار المحتمل في غزة؟غزة: تدافع الجوعى أمام مستودع الأغذية الأممي يعكس الخلل في نظام توزيع المساعداتكومبرباتش ودوا ليبا بين الموقّعين... رسالة حاسمة من نجوم بريطانيا إلى رئيس الوزراء حول غزةوكانت قد رفعت "بن آند جيري" دعوى قضائية ضد الشركة الأم مدعية أنها تسعى لتقويض استقلالها ومنعها من التعبير عن مواقفها السياسية والاجتماعية.
ويشتهر رئيس مجلس إدارة شركة المثلجات، بن كوهين، بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية، وقد شارك سابقًا في رسم جدارية تضمنت صورة لمنتج آيس كريم كتب عليه "بنكهة فلسطين".
صورة قديمة لرئيس مجلس "بند أند جيري" يشارك في رسم جدارية داعمة لفلسطينوقبل أيام، تم اعتقال كوهين ووجهت إليه تهمة جنحة بعدما قاطع جلسة في مجلس الشيوخ الأمريكي ووجه انتقادات للحكومة لدعمها إسرائيل، مدعيًا أنها تساهم في معاناة وتجويع الفلسطينيين.
فيديو لكوهن أثناء اعتقاله من مجلس الشيوخ الأمريكيوأظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي كوهين أثناء اقتياده خارج المبنى من قبل الشرطة ويداه مقيدتان خلف ظهره.
عقب الخلاف الحاد، تتجه الشركتان نحو فض الشراكة، حيث أكدت "بن آند جيري" أن الاتفاقية التي أبرمتها مع "يونيليفر" في عام 2000 منعت مجلس إدارتها المستقل عن التعبير عن مواقفه بحرية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة