خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيفات ثلاثة بنوك مصرية إلى «-B» من «B»بعد إجراء مماثل للتصنيف السيادي، مع توقعات مستقبلية مستقرة.

يأتي التخفيض من الوكالة بعدما قامت في 20 أكتوبر 2023، بتخفيض تصنيفها الائتماني السيادي طويل الأجل لمصر إلى «-B» من «B»، وأكدت تصنيفها الائتماني السيادي قصير الأجل عند «B».

وجاءت البنوك الثلاثة، البنك الأهلي المصري، بنك مصر، البنك التجاري الدولي مصر، حيث قالت الوكالة في تقرير التصنيف: «نحن لا نصنف المؤسسات المالية في مصر أعلى من التصنيفات السيادية للعملة الأجنبية، بسبب التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي قد تحدثها الضغوط السيادية على عمليات البنوك والجدارة الائتمانية.

»، ونتيجة لذلك، قامت بتخفيض التصنيف طويلة الأجل للبنوك الثلاث مع إبقاء التصنيف الائتماني قصيرة الأجل عند «B».

تخفيض التصنيف الائتماني لـ 3 بنوك مصرية

ويعكس خفض التصنيف السيادي وجهة نظر الوكالة بأن تأخر مصر في تنفيذ الإصلاحات يؤدي إلى تفاقم الضغوط الخارجية، حيث أدى عدم إحراز تقدم في الإصلاحات النقدية والهيكلية الرئيسية إلى تفاقم الاختلالات في سوق العملة، وتدهور صافي مركز الأصول الأجنبية للبنوك النظامية، وتأخير صرف أموال صندوق النقد الدولي وغيره من التمويل الثنائي والمتعدد الأطراف، والتي تعتبر في رأيها حاسمة لتغطية العجز المالي المرتفع في مصر.

وأضافت الوكالة أن احتياجات التمويل الخارجي رفعت تكاليف خدمة الدين الحكومية باعتبارها تحديًا محتملا أمام القدرة على تحمل الديون، نظرًا لتزايد الضغوط الاجتماعية، ومحدودية القدرة على الإنفاق بعد مدفوعات الفائدة.

وتابعت: «تصاعدت الضغوط على العملة، واقتصرت استجابة الحكومة حتى الآن على فرض ضوابط ضمنية على واردات القطاع الخاص عبر النظام المصرفي، بدلا من حل التباين بين سعر الصرف الرسمي والموازي».

الجنيه والدولار في توقعات ستاندرد آند بورز

وتتوقع وكالة ستاندرد آند بورز أن يؤدي تعديل سعر الصرف في النهاية إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري ليقترب من مستواه في السوق الموازية، حوالي 40 جنيها لكل دولار أمريكي، كما تتوقع أن ضعف الجنيه في نهاية المطاف وظروف التشغيل الصعبة سيؤثران على الجدارة الائتمانية للبنوك.

وأكملت: «التأثير الأكبر لهذا السيناريو سيكون على رسملة البنوك، من خلال تضخيم مخاطر العملات الأجنبية للأصول المرجحة».

واعتبارًا من أبريل 2023، شكلت الأصول بالعملة الأجنبية حوالي 18% من إجمالي الأصول، ولذلك تتوقع تواجد تأثيرات مباشرة محدودة على الجدارة الائتمانية للمقترضين من القطاع الخاص لأن القروض بالعملة الأجنبية تُمنح عادة للشركات التي تولد إيرادات بنفس العملة ولا تقترض الأسر بالعملة الأجنبية.

إلى ذلك، فإن الإقراض بالعملة الأجنبية للقطاع الخاص يعتبر جوهريًا إلى حد ما، حيث بلغ حوالي 17% من إجمالي القروض المحلية للقطاع الخاص حتى أبريل 2023، فيما يرتفع هذا إلى حوالي 30% بما في ذلك الإقراض بالعملة الأجنبية للحكومة.

ومع ذلك، ونظرًا لأزمة العملات الأجنبية، توقعت الوكالة أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر في السنة المالية 2024 من حوالي 4٪ في السنة المالية 2023.

ومن وجهة نظرها، فإن ما سبق، إلى جانب زيادة تكاليف الإنتاج، وارتفاع الإقراض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم الأكثر خطورة، وارتفاع أسعار الفائدة، سيؤدي إلى إضعاف الجدارة الائتمانية للمقترضين، وبالتالي، تتوقع أن ترتفع خسائر الائتمان إلى 160-170 نقطة أساس في عامي 2024 و2025، وهو أعلى من متوسط السنوات الأربع الماضية البالغ 120 نقطة أساس. ونعتقد الآن أن القطاع المصرفي المصري يمر بمرحلة تصحيح.

وترتبط القوة المالية للنظام المصرفي المصري ارتباطًا وثيقًا بقوة الدولة، فالبنوك هي مصدر التمويل الرئيسي لديون الحكومة المصرية، حيث تقدر الوكالة إجمالي مطالبات القطاع المصرفي على الحكومة العامة، بما في ذلك الأوراق المالية والتسهيلات الائتمانية، بما يعادل 60% من إجمالي الأصول.

وأضافت: «حتى لو كانت هذه الاستثمارات تدعم ربحية البنوك، فإنها تعمل على تشديد الارتباط بين الجدارة الائتمانية للبنوك والجدارة السيادية».

وإضافة إلى ذلك، يمكن للنظام المصرفي المصري، الذي نرى أنه لا يزال يتمتع بالسيولة بالعملة المحلية، أن يزيد من إقراضه للحكومة إذا زادت احتياجات إعادة التمويل المحلية للحكومة.

وزادت البنوك من اعتمادها على التمويل الخارجي بسبب عدم توفر ما يكفي من العملات الأجنبية في الاقتصاد، وفي ظل غياب تدخل البنك المركزي المصري في السوق لتوفير السيولة بالعملة الأجنبية، تقوم البنوك التجارية بتسييل الأصول الأجنبية وزيادة الاقتراض من الخارج، بتكاليف متزايدة لمواجهة ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية من الأسر والشركات.

وأصبح صافي الأصول الأجنبية للنظام بالسالب في عام 2020 بعد سنوات عديدة من صافي مراكز الأصول، وتدهورت تدريجيًا منذ ذلك الحين، حيث وصلت إلى 462.9 مليار جنيه مصري (15.5 مليار دولار) اعتبارًا من أبريل 2023، أو 10.2% من إجمالي القروض.

وتؤدي المسافة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وتقييم السوق الموازية إلى دعم الطلب الانتهازي من جانب السكان، مما يزيد الضغط على الملف التمويلي للبنوك، ونتيجة لذلك، بدأت البنوك في تقييد بطاقات الائتمان والخصم على عمليات سحب العملات الأجنبية في الخارج.

وتري وكالة التصنيف أن الضوابط لا تزال محدودة ولا تستدعي حتى الآن تخلفًا انتقائيًا من جانب البنوك المصرية، لكنها ستواصل مراقبة الوضع، بما في ذلك التطورات في ضوابط العملة، مع الاعتبار أن البنوك لديها سيولة بالعملة المحلية، وتستفيد من القروض المحلية إلى نسبة ودائع العملاء الأساسية المحلية عند مستوى منخفض يبلغ 56%

وفقًا لتقديرات الوكالة للسنة المالية 2023، تعتقد أن اعتمادها على التمويل الخارجي مكلف ومتزايد ومحدودية الوصول إلى العملات الأجنبية وسوف تؤثر السيولة على ملفات تمويلهم.

وفي الوقت نفسه، يمتلك البنك المركزي احتياطيات كافية من النقد الأجنبي تصل إلى 32.97 مليار دولار مقارنة بمدفوعات أصل الدين الخارجي بنحو 19 مليار دولار للاقتصاد بأكمله في العام المالي 2024.

وأشارت إلى أن البنوك التي تقوم الوكالة بتصنيفها في مصر من غير المرجح أن تتحمل التخلف عن السداد السيادي دون التخلف عن الوفاء بالتزاماتها المالية، ولذلك، قامت بوضع سقفًا لتصنيفاتها طويلة الأجل للبنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك التجاري الدولي عند مستوى "B-" عند مستوى التصنيف السيادي لمصر.

وكالة ستاندرد آند بورز تكشف عن أسباب تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الـ3البنك الأهلي المصري

البنك الأهلي المصري

وقالت الوكالة تعكس تصنيفات البنك الأهلي المصري ملكية الدولة الكاملة للبنك، ومن ناحية أخرى، فإننا نأخذ في الاعتبار بشكل سلبي التسوية التدريجية للبنك الأهلي المصري للأصول المتعثرة القديمة، ورسملته الضعيفة للغاية، وبيئة التشغيل المحفوفة بالمخاطر، متابعه، وترتبط الجدارة الائتمانية للبنك ارتباطًا وثيقًا بالسيادة المصرية لأنه يمتلك حوالي 25% من إجمالي الدين الحكومي أو حوالي 39% من إجمالي أصوله.

وتعكس «نظرتنا المستقرة للبنك الأهلي المصري إلى حد كبير تلك الخاصة بمصر، وهو ما يأخذ في الاعتبار توقعاتنا بأن الحكومة ستنفذ إصلاحات نقدية واقتصادية رئيسية من شأنها أن تساعد في سد فجوة التمويل الخارجي الكبيرة في البلاد على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة. وباستثناء حدوث صدمة أشد في أسعار الصرف الأجنبي، نتوقع أن تظل الجدارة الائتمانية للبنك الأهلي المصري مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجدارة السيادية.»

السيناريو السلبي: سنقوم بتخفيض تصنيفات البنك الأهلي المصري إذا قمنا بتخفيض تصنيف مصر، وذلك بسبب تعرض البنك الملحوظ للحكومة. يمكننا أيضًا خفض التصنيفات إذا لاحظنا زيادة مخاطر السيولة بالعملة الأجنبية أو زيادة خطر قيام السلطات بفرض ضوابط على العملة الأجنبية. يمكننا مراجعة تقييمنا بشكل أكبر إذا تدهورت جودة الأصول بشكل ملموس، مما أدى إلى الضغط على الأرباح والرسملة.

السيناريو الإيجابي: من غير المرجح أن تتم الترقية خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وسوف تتطلب الترقية إلى مصر. وذلك لأننا لن نصنف البنوك المصرية أعلى من تصنيفنا السيادي للعملة الأجنبية في مصر، وستتطلب الترقية إلى البنك الأهلي المصري تحسين بيئة التشغيل، أو تحسين جودة الأصول ورسملة أقوى.

بنك مصر

بنك مصر

تعكس التصنيفات الخاصة ببنك مصر المملوك للدولة بنسبة 100% - والذي نعتبره مؤسسة حكومية كبرى - ملكية البنك الكاملة للدولة، ورأينا في تحديثه المستمر، وإمكانية البناء على مكانته التجارية الداعمة كواحد من أكبر البنوك وأطولها عمرًا، لاعبين السوق الدائمة في مصر، ما يعوض هذه العوامل الإيجابية هو التسوية التدريجية الوحيدة للأصول القديمة التي تعاني من مشاكل، والرسملة الضعيفة للغاية لبنك مصر، وبيئة التشغيل المحفوفة بالمخاطر.

كما يواجه البنك مخاطر سيادية لأنه يحوز نحو 11% من ديون الحكومات المحلية، بما يعادل نحو 29% من إجمالي أصوله، فيما لا تتضمن التصنيفات طويلة الأجل للبنك أي زيادة في الدعم الحكومي الاستثنائي.

«إن توقعاتنا المستقرة لبنك مصر تعكس إلى حد كبير تلك الخاصة بمصر، وهو ما يأخذ في الاعتبار توقعاتنا بأن الحكومة ستنفذ إصلاحات نقدية واقتصادية رئيسية للمساعدة في سد فجوة التمويل الخارجي الكبيرة في مصر على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة. وباستثناء حدوث صدمة حادة في أسعار صرف العملات الأجنبية، نتوقع أن تظل الجدارة الائتمانية لبنك مصر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجدارة السيادية.»

السيناريو السلبي: سنقوم بخفض التصنيف الائتماني لبنك مصر إذا قمنا بتخفيض تصنيف مصر بسبب تعرض البنك الملحوظ للحكومة المصرية، يمكننا أيضًا خفض التصنيفات إذا لاحظنا زيادة مخاطر السيولة بالعملة الأجنبية، أو زيادة خطر قيام السلطات بفرض ضوابط على العملة الأجنبية. يمكننا مراجعة تقييمنا بشكل أكبر إذا تدهورت جودة الأصول بشكل ملموس، مما أدى إلى الضغط على الأرباح والرسملة.

السيناريو الإيجابي: من غير المرجح أن تتم الترقية خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وسوف تتطلب الترقية إلى مصر. ولن نقوم بتصنيف البنوك المصرية أعلى من تصنيف العملات الأجنبية على الديون السيادية. وستتطلب الترقية إلى بنك مصر أيضًا تحسين بيئة التشغيل، أو تحسين جودة الأصول ورسملة أقوى.

البنك التجاري الدولي CIB

البنك التجاري الدولي مصر

أدى تصنيف البنك التجاري الدولي إلى رفع المخاطر السيادية والمالية من العمل في مصر مع امتيازات العملاء المتميزة للبنك، والأداء المالي الأفضل والرسملة الأقوى من أقرانه، وفريق الإدارة ذو الخبرة. ومن خلال تركيزه الكامل على السوق المحلية، يتعرض البنك التجاري الدولي لتقلبات الاقتصاد المحلي. يحتفظ البنك بكمية كبيرة من ديون الحكومات المحلية، وهو ما يمثل حوالي 3 أضعاف قاعدة أسهمه، ولهذه الأسباب، فإننا نضع حدًا للتصنيف طويل الأجل للبنك التجاري الدولي عند التصنيف الائتماني لمصر.

وتعكس النظرة المستقبلية المستقرة للبنك التجاري الدولي إلى حد كبير تلك الخاصة بمصر، وهو ما يأخذ في الاعتبار توقعاتنا بأن الحكومة ستنفذ إصلاحات نقدية واقتصادية رئيسية من شأنها أن تساعد في سد فجوة التمويل الخارجي الكبيرة في مصر على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة. وباستثناء حدوث صدمة أشد في أسعار صرف العملات الأجنبية، نتوقع أن تظل الجدارة الائتمانية للبنك التجاري الدولي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالجدارة السيادية.

السيناريو السلبي: سنخفض تصنيفات البنك التجاري الدولي إذا قمنا بتخفيض تصنيف مصر، لأن البنك لديه انكشاف ملحوظ على الحكومة المصرية. يمكننا أيضًا خفض التصنيفات إذا لاحظنا زيادة مخاطر السيولة بالعملة الأجنبية، أو زيادة خطر قيام السلطات بفرض ضوابط على العملة الأجنبية.

السيناريو الإيجابي: من غير المرجح أن تتم الترقية خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وسوف تتطلب الترقية إلى مصر. وذلك لأننا لا نصنف البنوك المصرية أعلى من التصنيف السيادي للحكومة بالعملة الأجنبية. وبافتراض تساوي كل الأمور الأخرى، فإننا سنقوم بترقية البنك التجاري الدولي إذا رفعنا التصنيف السيادي درجة واحدة، لأننا نضع حدًا أقصى لتصنيفات البنك عند تلك الخاصة بمصر.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: البنك الأهلي البنك الأهلي المصري البنك الاهلي البنك الاهلي المصري البنك التجاري البنك التجاري الدولي التصنيف الائتماني الجنيه والدولار بنك مصر بنوك مصرية وكالة ستاندرد آند بورز البنک التجاری الدولی على العملة الأجنبیة البنک الأهلی المصری التصنیف الائتمانی العملات الأجنبیة ستاندرد آند بورز التصنیف السیادی التمویل الخارجی ارتباط ا وثیق ا البنوک المصریة الترقیة إلى خفض التصنیف فی الاعتبار من إجمالی لبنک مصر أعلى من إلى حد فی مصر وهو ما

إقرأ أيضاً:

البنك الدولي: النمو الاقتصادي في عام 2025 يخالف التوقعات المتشائمة

سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء في تقرير جديد له على أبرز التقارير الاقتصادية للمؤسسات والمنظمات الدولية التي تناولت واقع عام 2025 والتحولات الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي على مدار العام، وتوقعات النمو داخل الاقتصادات الكبرى والاقتصادات الناشئة والصاعدة، والتطورات التجارية التي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل توقعات النمو العالمي هذا العام

تناول المركز تقرير البنك الدولي -"النمو الاقتصادي في عام 2025 تحدى التوقعات القاتمة"-، والذي استعرض تذبذب توقعات الاقتصاديين بين التفاؤل والتشاؤم للنمو العالمي، وذلك في محاولة لتقديم قراءة شاملة لأداء الاقتصاد الدولي خلال العام، وأشار إلى التقلبات الحادة في مسار الاقتصاد العالمي خلال عام 2025، خاصة على مستوى توقعات النمو، فبينما تذبذبت التوقعات العالمية للخبراء بين موجات من التفاؤل وأخرى من التشاؤم، ويتوقع الآن الاقتصاديون أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.7٪، وهو ما يتماشى تقريبًا مع توقعات بداية العام.

أبرز التقرير تطور التوقعات خلال العام، فحتى نهاية مارس 2025، كان أداء الاقتصاد العالمي قريبًا جدًا من التوقعات الأولية للعام، مع استقرار في التقديرات، لكن الوضع تغير في أبريل، عندما أدت الزيادات الكبيرة في التعريفات الجمركية إلى تصاعد حاد في التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى. وارتفعت حالة عدم اليقين بشأن السياسات إلى مستويات غير مسبوقة، فيما استعدت الأسواق لاحتمال تباطؤ عالمي كبير، مما دفع خبراء الاقتصاد إلى خفض توقعاتهم، وبحلول مايو، أشارت التوقعات إلى واحدة من أضعف النتائج خلال السنوات الأخيرة، مع خفض توقعات النمو العالمي لعام 2025 بمقدار 0.4 نقطة مئوية.

إلا أنه منذ ذلك الحين، شهد الزخم تحولًا حادًا، إذ لم ينتج عن صدمة التعريفات الجمركية الانخفاض السريع الذي كان يخشاه الكثيرون، وحافظ النشاط على مستوياته في العديد من الاقتصادات، وبينما لا يزال مستوى عدم اليقين مرتفعًا، إلا أنه انخفض عن مستوياته القياسية التي بلغها في الربيع، ونتيجة لذلك، استعادت التوقعات لعام 2025 بالكامل ما فقدته في وقت سابق من العام.

أكد التقرير أن هذا النمط ليس جديدًا، فمنذ الجائحة، تخطى الاقتصاد العالمي التوقعات مرارًا، وحقق نموًا أفضل مما كان متوقعًا، فخلال الفترة بين عامي 2011 و2019، كانت توقعات النمو العالمي دقيقة نسبيًا، حيث بالغ المحللون في تقدير النتائج الفعلية بمقدار نحو 0.1 نقطة مئوية سنويًّا في المتوسط في بداية كل عام. أما الفترة التي تلت الجائحة فقد كانت مختلفة تمامًا، فخلال الفترة بين عامي 2022-2024 تجاوز النمو العالمي الفعلي التوقعات المتفق عليها بنحو 0.3 نقطة مئوية سنويًّا. وأسهمت الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من 60٪ من هذه المفاجأة الإيجابية، كما قدمت عدة اقتصادات نامية وناشئة مساهمات ملحوظة.

ذكر التقرير أنه في عام 2025، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر تقلب في توقعات النمو بين الاقتصادات الكبرى؛ حيث انخفضت التوقعات من 2.2٪ في يناير إلى 1.2٪ في مايو قبل أن تعود إلى 2.0٪ بحلول نوفمبر. ويؤكد التقرير أن هذا الانتعاش يعكس قوة الاستثمار المرتبط بالذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، واستمرار الدعم المالي، وتأثير التعريفات الجمركية بشكل محدود. لكن المرونة لم تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط؛ فقد عاد النمو المتوقع في الاقتصادات المتقدمة الأخرى إلى 1.4٪، ارتفاعًا من 1.0٪ في مايو وقريبًا من مستويات يناير، وذلك في ظل استفادة منطقة اليورو من انخفاض التضخم، وتراجع أسعار الفائدة، والإجراءات المالية المستهدفة.

ولعبت التطورات التجارية دورًا محوريًا في تشكيل توقعات النمو العالمي هذا العام، فعلى الرغم من الارتفاع الحاد في القيود التجارية، فإن وتيرة الإجراءات الجديدة قد تباطأت في الأشهر الأخيرة، وانخفض عدم اليقين في السياسات التجارية العالمية، -والذي بلغ ذروته في أبريل-، إلى مستويات مماثلة لما كانت عليه في بداية العام. وقد ساعدت التهدئة جنبًا إلى جنب مع التقدم في المفاوضات التجارية الثنائية والإقليمية، على استقرار ثقة الأعمال وتقليل المخاوف من انكماش تجاري حاد.

وأظهر النشاط التجاري نفسه قوة مفاجئة، حيث نمت حجم التجارة العالمية للبضائع بمعدل شهري متوسط قدره 4.8٪ حتى سبتمبر 2025، مقارنة بـ 2.5٪ في 2024. وتعكس هذه المرونة جزئيًا الاستعداد المبكر للشحنات قبل تنفيذ التعريفات الجمركية، وقدرة الشركات على تعديل سلاسل التوريد وتحمل بعض تكاليف التعريفات، كما بقيت تجارة الخدمات قوية وخصوصًا في مجالات المعلومات والخدمات التجارية.

وفيما يتعلق بالاقتصادات الناشئة والصاعدة، التي تمثل الآن نحو 40٪ من التجارة العالمية، فقد ساعدت التكاملات الإقليمية العميقة والاتفاقيات التجارية الجديدة على دعم النشاط الاقتصادي، مما ساعد في تعويض أثر القيود التجارية في أماكن أخرى.

وأظهر التقرير أن التطورات في الأسواق المالية وأسواق السلع دعمت أيضًا تحول التوقعات، فقد تيسرت الظروف المالية بشكل كبير منذ الربيع، مدفوعة بقوة الرغبة في المخاطرة، وارتفاع أسواق الأسهم، وسياسة نقدية أكثر تيسيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، كما ساعد ضعف الدولار الأمريكي وانخفاض العوائد طويلة الأجل في تحسين الوصول إلى رأس المال بالنسبة للاقتصادات الناشئة والصاعدة، مما مكنها من استعادة إصدار السندات بالعملات الأجنبية وساهم في تقليص الفوارق في العوائد. وقد دعمت أسواق الطاقة كذلك هذا التحسن؛ حيث انخفضت أسعار خام برنت بحوالي 12٪ منذ بداية العام، نتيجة لتوافر المعروض وضعف نمو الطلب. وبشكل عام، تظل أسعار الطاقة أقل بكثير من ذروتها في 2022، مما يخفف التضخم العام.

وبرغم المفاجآت الإيجابية قصيرة الأجل، إلا أن مسار الاقتصاد العالمي الأساسي لا يزال يثير القلق. فلا تزال تشير التوقعات إلى نمو عالمي هذا العام أقل من المتوسط بعد الجائحة، ويُعد من أضعف مستويات النمو منذ عام 2008، ويشدد البنك الدولي على أن آفاق النمو قد تتراجع إذا أدت تغييرات في رغبة الأسواق نحو المخاطرة إلى تشديد الظروف المالية، ما يزيد من تقلب العملات وتدفقات رؤوس الأموال، إضافة لذلك، يمكن أن تقوض التوترات الجيوسياسية المتصاعدة الثقة وتدفقات التجارة مرة أخرى. وبشكل أوسع، فإن أي زيادة جديدة في القيود التجارية قد تضر بآفاق النمو.

واتصالاً؛ سلط المركز الضوء أيضاً على التقرير الصادر عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD)، بعنوان "التوقعات الاقتصادية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2025"، والذي يستعرض التطورات في اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وعدد من الاقتصادات الأخرى، ويسعى لتقديم تقييم عام للوضع الاقتصادي الكلي على مستوى العالم.

أكدت المنظمة أن الاقتصاد العالمي أظهر في عام 2025 قدرة على الصمود أكبر مما كان متوقعًا، لكنه ما يزال يواجه اختلالات كامنة؛ إذ لم تظهر بعد الآثار الكاملة للرسوم الجمركية المرتفعة، لكنها أصبحت واضحة في خيارات الإنفاق وتكاليف الشركات وأسعار المستهلكين، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تباطأ نمو التجارة العالمية بعد الاندفاع القوي لتجارة السلع في بداية العام قبل الزيادات المتوقعة في الرسوم الجمركية.

وتوقع تقرير المنظمة أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 3.2% في عام 2025 إلى 2.9% في عام 2026، قبل أن يرتفع إلى 3.1% في عام 2027، كما يتوقع أيضًا إجراء تخفيضات إضافية لأسعار الفائدة وعدم حدوث تشديد مالي واسع رغم ارتفاع الضغوط على الموازنات. كما رجحت المنظمة كذلك أن تستمر أسواق العمل في التراجع، مما يزيد الضغوط الهبوطية على نمو تكاليف العمالة والتضخم، وأن يتراجع التضخم السنوي لأسعار المستهلك في دول مجموعة العشرين إلى 2.8% في عام 2026 ثم 2.5% في عام 2027، مقارنة بـ 3.4% هذا العام، مع توقع عودة التضخم إلى المستهدف في معظم الاقتصادات الكبرى بحلول منتصف عام 2027.

ومن المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية من 2% في عام 2025 إلى 1.7% في عام 2026 و1.9% في عام 2027. وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.3% في عام 2025 ثم 1.2% في عام 2026 ثم 1.4% في عام 2027. ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الصين من 5% في عام 2025 إلى 4.4% في عام 2026 ثم إلى 4.3% في عام 2027.

أوضح التقرير أن هذه التوقعات تخضع لمخاطر كبيرة قد تتفاعل مع بعضها؛ إذ قد يؤدي حدوث زيادات إضافية أو تغييرات سريعة في الحواجز التجارية، بما في ذلك تطبيق رسوم جمركية أعلى على مجموعة أوسع من السلع أو فرض قيود أكثر صرامة على تصدير منتجات حيوية مثل العناصر الأرضية النادرة، إلى إضعاف النمو وزيادة عدم اليقين وإحداث اضطرابات مهمة في سلاسل الإمداد العالمية.

وأضاف أن أولويات السياسات تتمثل في ضمان تراجع دائم للتوترات التجارية وعدم اليقين والتضخم، ومعالجة مخاطر الاستقرار المالي، ووضع مسار مالي موثوق لاستدامة الدين، وتنفيذ إصلاحات هيكلية تعزز نمو الإنتاجية؛ إذ تحتاج الدول إلى التعاون ضمن النظام التجاري العالمي وجعل سياسة التجارة أكثر قابلية للتنبؤ عبر اتفاقات تخفف التوترات وتوسع العلاقات التجارية، مع تعزيز تسهيل التجارة وتقليص الحواجز التنظيمية أمام أسواق الخدمات وتوسيع القدرات الرقمية لتقديم الخدمات عبر الحدود.

كما ينبغي للبنوك المركزية أن تظل يقِظة وتتحرك سريعًا عند حدوث تغيرات في ميزان مخاطر استقرار الأسعار، على أن تستمر تخفيضات أسعار الفائدة في الاقتصادات التي يُتوقع فيها أن يتراجع التضخم الأساسي أو يظل منخفضًا.

ويوصي التقرير بحاجة الحكومات إلى ضمان استدامة الديون على المدى الطويل والحفاظ على القدرة على مواجهة الصدمات المستقبلية، وذلك عبر تعزيز كفاءة القطاع العام واحتواء الإنفاق وتحسين الإيرادات ضمن مسارات تعديل متوسطة الأجل مخصصة لكل دولة، مع توجيه الإنفاق والضرائب نحو دعم النمو الاقتصادي المستدام وحماية الفئات الأكثر احتياجًا.

أشار التقرير إلى أن الحمائية المتزايدة وعدم اليقين الجيوسياسي وضعف النمو بحاجة إلى إصلاحات هيكلية طموحة تؤكد تُحسن مستويات المعيشة وتعزز المرونة وتدعم الابتكار والقدرة على انتقال العمال إلى القطاعات ذات الطلب المرتفع على المهارات، مما يعزز تخصيص الموارد ويزيد قدرة الاقتصادات على التكيف مع الصدمات المستقبلية، كما يمكن لإصلاحات تنظيم القطاع المالي أن تدعم تخصيصًا أكثر كفاءة لرأس المال وتوفر حماية أكبر ضد المخاطر النظامية.

وفي سياق متصل؛ استعرض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أيضاً التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، حول أوضاع التجارة والتنمية والتمويل عام 2025، حيث تناول بحث أبعاد الارتباط الوثيق بين التجارة والتمويل، وتأثيراتها على تشكيل الفرص العالمية، وكشف أسباب تعظيم المخاطر بالنسبة للدول النامية.

أوضح التقرير أن أكثر من 90% من التجارة العالمية بات يعتمد على التمويل، ما يعيد رسم خريطة الفرص ويعمّق نقاط الضعف في النظام الاقتصادي العالمي، إذ أصبحت التحركات المالية تؤثر في التجارة الدولية بقدر يقارب تأثير النشاط الاقتصادي الحقيقي، الأمر الذي ينعكس على آفاق النمو في جميع أنحاء العالم.

ويشير التقرير إلى أن عام 2025 بدا وكأنه يشهد انتعاشًا لافتًا في مجال التجارة، بعد قفزة في الشحنات نتيجة تهافت الشركات لتجنب الرسوم الجمركية الجديدة في الولايات المتحدة بالإضافة إلى أثر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، غير أن هذا الزخم يتراجع عند إزالة العوامل المؤقتة، ليهبط نمو التجارة من 4% إلى ما بين 2.5 و3%، مع اقتراب تباطؤ اقتصادي جديد في الأفق.

أكد التقرير أن التباطؤ التجاري يتماشى مع تباطؤ أوسع في الاقتصاد العالمي؛ إذ يتوقع أن ينخفض النمو من 2.9% في عام 2024 إلى 2.6% في عامي 2025 و2026، وهو مستوى أدنى من الاتجاهات السابقة لجائحة "كوفيد-19"، والذي بلغ 3% ويقل كثيرًا عن متوسط النمو المسجل قبل الأزمة المالية 2008-2009 البالغ 4.4%. كما أشار التقرير إلى ضعف الزخم في الاقتصادات الكبرى، مع توقع تباطؤ نمو الولايات المتحدة إلى 1.8% في عام 2025 ثم إلى 1.5% في عام 2026، وتراجع الاقتصاد الصيني من 5% إلى 4.6% خلال الفترة نفسها، مقارنة بمتوسط 6.7% قبل الجائحة، لتبدو مظاهر الصمود التي ظهرت في بداية عام 2025، أقل رسوخًا مما بدا أول الأمر.

أوضح التقرير أن العلاقة بين التجارة والتمويل أصبحت أكثر تداخلًا من أي وقت مضى، فخلف كل شحنة خط ائتمان، وخلف كل حاوية سعر صرف، وخلف كل طريق تجاري شبكة من البنوك والمؤسسات المالية، ومع اعتماد أكثر من 90% من التجارة العالمية على التمويل التجاري باتت المصارف والأنظمة المالية تتحكم في إمكانية الدخول إلى الأسواق وطبيعة الشروط والتكلفة، ما يجعل التجارة أكثر حساسية لتحولات أسعار الفائدة ومعنويات المستثمرين. ويبرز هذا الترابط بشكل أكثر وضوحًا في أسواق الغذاء؛ حيث يأتي أكثر من 75% من دخل أكبر شركات تجارة السلع الزراعية من الأنشطة المالية وليس من نقل السلع الأساسية كالحبوب والبن والكاكاو.

أوضح التقرير أن ضعف عمق أسواق رأس المال في الدول النامية يقلل قدرتها على تعبئة التمويل، فيما يرفع اعتمادها على البنوك الأجنبية تكلفة الاقتراض وتقلبه، فبينما تقترض الاقتصادات المتقدمة بفوائد تتراوح بين 1% و4%، تتحمل الأسواق الناشئة تكلفة بين 6% و12% لإصدار السندات الحكومية، ما يحد من قدرة هذه الدول على الاستثمار في البنية التحتية والابتكار والمرونة المناخية، ويُبقي التنمية رهينة لظروف مالية خارجية مضطربة.

وقدم التقرير مجموعة من الإصلاحات الهادفة لتقليل مواطن الضعف المالية وتعزيز التوافق بين التجارة والتمويل والتنمية، وتشمل إصلاح آلية تسوية النزاعات التجارية متعددة الأطراف لتقليل عدم اليقين، وسد فجوات البيانات الخاصة بالتجارة والاستثمار لتحسين التنسيق بين السياسات، بالإضافة إلى إصلاح النظام النقدي الدولي بهدف الحد من التقلبات الضارة في أسعار العملات وتدفقات رأس المال. كما دعا التقرير إلى تعزيز أسواق رأس المال الإقليمية والمحلية لتأمين تمويل طويل الأجل منخفض التكلفة بالنسبة للدول النامية، إضافة إلى تحسين الشفافية في تجارة السلع الأساسية، وتوسيع الوصول إلى التمويل التجاري الميسر وخاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

مقالات مشابهة

  • آلاف الضحايا.. دراسة تكشف عن أسباب تفاقم الفيضانات الشديدة في آسيا
  • وفقا لآخر تحديث.. أسعار العملات الأجنبية في البنك الأهلي يوم الخميس
  • الإدارية العليا تكشف أسباب حكمها بتصعيد مرشح على حساب آخر في انتخابات النواب
  • وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي.. شهادات الادخار بالدولار في 3 بنوك مصرية
  • أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 10 ديسمبر 2025
  • الأخضر بكام؟.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري في البنوك
  • تراجع شهية إقبال البنوك على الوديعة الثابتة لدى البنك المركزي المصري
  • البنك الدولي: النمو الاقتصادي في 2025 خالف التوقعات المتشائمة
  • مسؤولة مصرية بفرنسا تكشف الخسائر الفادحة بجناح الآثار المصرية في متحف اللوفر
  • البنك الدولي: النمو الاقتصادي في عام 2025 يخالف التوقعات المتشائمة