يُعد طه حسين صاحب مشروع حضارى لم يقتصر عائده على الساحة الثقافية فحسب، بل امتد تأثيره على نواحى المجتمع بأسره لعقود طويلة، بما شمل التعليم والعمل العام والصحافة والإبداع الروائى والقصصى والترجمة والنقد الأدبى، فضلاً عن المنجز الفكرى المتنوع والثرى.

«المصري»: اشتبك مع التراث والثوابت

ويرى الدكتور شوكت المصرى، أستاذ النقد بأكاديمية الفنون، أن طه حسين ليس مجرد ناقد كبير فنّد النصوص واشتبك مع التراث والثوابت، لكنه أرسى فى هذا المجال قواعد لانطلاق التجريب اللامحدود، وهو أيضاً ليس مجرد مفكر كبير أعاد قراءة التاريخ الإسلامى والعربى، وفتح المجال لمن جاءوا بعده فى هذا المضمار، خصوصاً فى كتابه «الفتنة الكبرى».

وذكر «المصرى» فى كتابه: «هو ليس مجرد أديب أيضاً ولا حتى أستاذ جامعى ووزير معارف وصاحب قضية وريادة فى الدعوة إلى الحق فى التعليم، طه حسين هو كل هؤلاء، وهو فوق ذلك مناضل كبير دفع ضريبة التغيير فى مجتمعه كأفضل ما يكون المثقفون واحتمل الفصل من عمله والاتهام بالكفر وتحزّب قليلو القيمة على كثرتهم ضده، لكنه فى النهاية انتصر، ليس فى قضية ولا فى معركة ولكن بوجوده بيننا إلى الآن بعشرات الكتب والأفكار، وإن كنا لا نستحق هذا الوجود لأننا لم نقرأ الرجل حق قراءته ولم نفعّل منهجه وأفكاره لتصبح دستوراً ثقافياً ومعرفياً لنا وحتى للأجيال من بعدنا».

«بيومي»: تميَّز بثقافة الاختلاف ورسَّخ للعقلية النقدية في مواجهة الأفكار المضللة

أما الدكتور مصطفى بيومى، أستاذ الأدب وكيل كلية دار العلوم بجامعة المنيا، فيرى أن الدكتور طه حسين تمكّن من نقل الثقافة من نقطة إلى أخرى، لدفع الناس للتمرد ولإقناع العقل المصرى بمجاوزة التراث، ولذلك فالإفادة الحقيقية التى قدّمها هى التمرد على السائد والمطروح، وامتلاك القدرة على قبول ورفض المطروح، وهو ما يعنى أن نمتلك وعياً عقلانياً يفحص الأشياء ويتحقق من سلامتها وصحتها، وهو الدرس الذى استفدناه ونسعى لتعليمه لتلاميذنا فى الجامعات.

ويصف «بيومى» مشروع الدكتور طه حسين قائلاً: «تميّز بثقافة الاختلاف التى دعا إليها وعمل على ترسيخها، سواء من خلال كتابه الشهير (مستقبل الثقافة فى مصر)، وما تبعه من كتابات، مثل مقالاته المهمة فى جريدة السياسة بعنوان (حديث الأربعاء) 1934 و1935، التى ينحو خلالها إلى الاختلاف الخلاق الذى يحرك الراكد، وينتج معرفة جديدة»، مشيراً إلى أنه رسّخ للعقلية النقدية التى لديها الوعى فى مواجهة الأفكار المضللة.

وأضاف: «طه حسين بدأ دراسة الأدب العربى بشكل مختلف عما كان متداولاً، بمعنى أنه طرح أفكاراً مغايرة لما هو شائع فى ذلك التوقيت، فكتاب (فى الشعر الجاهلى) فى 1926، يقع ضمن هذا السياق، والذى أثار حفيظة أصحاب الأفكار المستقرة، إذ كان يرى أن هذا الشعر لا يعبّر عن الحياة العربية، وهو لم يرغب فى الشك من أجل الشك، ولكن كان يرغب فى الوصول إلى نتيجة، حسب دراسة نقدية حديثة أشار إليها فى الكتاب».

وأكد الكاتب طارق الطاهر أن «طه حسين شخصية استثنائية استطاعت أن تقلب الموازين، وأن تنفذ ببصيرتها إلى ما عجز عنه المبصرون، فحرّك المياه الساكنة وأصبح طاقة هائلة أسهمت فى بناء وطنه، هذا البناء الذى ما زلنا لم نتوفر على كل أسراره، فما أحوجنا فى هذه اللحظة لاستعادة كل قيم التنوير بدلالاتها ومفرداتها، لكى تنير لنا الطريق فى هذه اللحظات الصعبة التى تحتاج منا إلى صبر طه حسين وعقله وبصيرته وقوته فى اتخاذ المواقف التى يمليها عليه ضميره الشخصى والجمعى معاً». ولفت «الطاهر»، إلى جوانب كثيرة فى حياة طه حسين لم تأخذ حقها من الكتابات، ففى كراسة مؤنس طه حسين تتجلى الأبوة بكل معانيها، فقد اتخذ طه حسين من نفسه «معلماً» لابنه، فنجد الدقة الشديدة والمعلومات الوافية، لتعليم «مؤنس» اللغة العربية، مستشهداً فى هذه الكراسة -التى لم تُنشر من قبل- بآيات من القرآن الكريم؛ مع ترجمة معانيها للغة الفرنسية، وكذلك كان يتوقف عند أبيات من الشعر العربى ليتعلم من خلالها قواعد النحو.

وتابع: «المعلم صاحب الشخصية الاستثنائية لم يتوقف عنده أحد بما يناسب دوره فى مواقفه من الاستعمار والاحتلال والدول صاحبة النفوذ فى ذلك الوقت ومنها فرنسا، حيث رد العميد وسام (الجوقة الفرنسية) بالفعل إلى المفوضية السويسرية لرده لفرنسا، على خلفية مشاركة فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، فطه حسين ليس شخصاً نكتب عنه مقالاً أو دراسة؛ إنما حياة نسعى لاكتشافها وفك شفراتها واتخاذ العبر والعظات من تجربته الثرية».

«عصفور»: صاحب الطبيعة التنويرية متعدد الجوانب وعقلانيته تقبل التجدد وعلّمنا أن نفهم لنمتلك

وطرح الراحل الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، فى كتابه «المرايا المتجاورة.. دراسة فى نقد طه حسين»، تساؤلات عديدة عن منهج وفلسفة طه حسين حاول الإجابة عنها، لافتاً إلى أن طه حسين صاحب الطبيعة التنويرية متعدد الجوانب فى أمور تشير إلى التباين الكيفى الذى يرجع فى جانب أساسى منه لمشروعه الحضارى، وهى طبيعة تقترن بالموسوعية التى تصل صاحبها بكل نشاط وتربطه بكل اتجاه وتدفعه إلى أن يقدم إلى مجتمعه كل ما يمكن أن يساعد على التقدم.

وقال: «ولذلك تعددت أنشطة طه حسين الثقافية بالقدر نفسه الذى تعددت أدواره الاجتماعية أستاذاً جامعياً وعميداً ومدير جامعة ووزيراً للتعليم ورجل سياسة تنقّل من حزب إلى حزب وصحفياً وصاحب جريدة ومجلة وأديباً وناقداً للأدب ومؤرخاً، ومحققاً ومترجماً وفيلسوف تربية ومتفلسفاً فى الحضارات». ويرى «عصفور» أنه «بالحوار والتجاوز نظل مخلصين لأقوم تقاليد صاحب هذا الفكر، ونضيف إلى عقلانيته التى تقبل التجدد من خلال النفى، إذ علَّمنا طه حسين أن نفهم لنمتلك، وأن نمتلك لنتجاوز، ولم يعلمنا أن نجعل من فكره وثناً نعبده أو وثناً نرجمه».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: طه حسين الهجرة الجماعية طه حسین

إقرأ أيضاً:

للحد من هيمنة التجارة الإلكترونية الصينية.. الاتحاد الأوروبي يفرض ضريبة على الطرود الصغيرة

يأتي هذا الإجراء في إطار محاولة الحد من هيمنة منصات التجارة الإلكترونية الصينية مثل Temu وShein، التي تبيع مليارات السلع منخفضة التكلفة في السوق الأوروبية.

اتفقت دول الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، على فرض ضريبة جديدة قدرها 3 يورو على جميع الطرود التي تقل قيمتها عن 150 يورو عند دخولها الاتحاد.

ويأتي هذا الإجراء في إطار محاولة الحد من هيمنة منصات التجارة الإلكترونية الصينية مثل Temu وShein، التي تبيع مليارات السلع منخفضة التكلفة في السوق الأوروبية.

وقال ماروش شيفتشوفيتش، مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي: "مع التوسع السريع للتجارة الإلكترونية، يتغير العالم بسرعة، ونحن بحاجة إلى الأدوات المناسبة لمواكبة هذا التطور".

وأضاف: "لذلك، يُعد القرار المتعلق بالرسوم الجمركية على الطرود الصغيرة الواردة إلى الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة لضمان المنافسة العادلة على حدودنا في عصر التجارة الإلكترونية اليوم".

Related قانون الشبكات الرقمية: ست دول في الاتحاد الأوروبي تبدي اعتراضًا جديدًابرلين تتجه للضغط على الاتحاد الأوروبي لتعديل موعد حظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوريإيلون ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بـ"ألمانيا النازية".. وبروكسل تندّد بتصريحاته "المجنونة"

ويسري القرار، اعتبارًا من 1 يوليو 2026، على كل طرد كامل وليس على كل صنف منفصل، ما يعني أن العميل الذي يشتري ثلاثة أصناف شحنها في طرد واحد سيدفع ضريبة 3 يورو فقط، بينما إذا تم تسليم الأصناف في ثلاثة طرود منفصلة، ستطبق الضريبة على كل طرد على حدة.

وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا حادًا في عدد طرود التجارة الإلكترونية منخفضة القيمة المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي.

فقد تم استيراد نحو 4.6 مليار يورو من السلع التي تقل قيمتها عن 150 يورو إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2024، أي ما يعادل متوسط 12 مليون طرد يوميًا، وفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية، مقارنة بـ 2.3 مليار يورو في 2023 و1.4 مليار يورو في 2022.

وكانت القواعد الحالية تعفي الطرود التي تقل قيمتها عن 150 يورو من الرسوم الجمركية، إلا أن الاتحاد الأوروبي قرر مؤخرًا إلغاء هذا الإعفاء، في خطوة تهدف إلى ضمان المنافسة العادلة وحماية الأسواق الأوروبية.

ويُعتبر هذا القرار مؤقتًا إلى أن يضع الاتحاد الأوروبي حلاً دائمًا لكيفية إدارة الإعفاء من الرسوم الجمركية على الطرود منخفضة القيمة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • حوار الوفد مع الدكتور مبروك عطية عن ما لايذكرمن السيرة المطهرة وسبب ذلك
  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • باللغتين العربية والإنجليزية.. توجيه جديد من وزير الري بشأن المشروعات
  • وزير الري يشهد ختام ورشة العمل "خريطة طريق للجيل الثانى لمنظومة المياه 2.0 "
  • وزير السياحة والآثار: التراث المصري إسهام حضاري للإنسانية جمعاء
  • رئيس جمهورية اليمن الأسبق يكشف تفاصيل مشروع فندق عدن وخيارات التطوير الاقتصادي في الجنوب
  • «فخ» كأس العرب
  • للحد من هيمنة التجارة الإلكترونية الصينية.. الاتحاد الأوروبي يفرض ضريبة على الطرود الصغيرة
  • الصين تفرض ضريبة جديدة على الواقي الذكري: قلق صحي لدى السكان
  • قراءة في مشروع قانون موازنة الدفاع الوطني الأميركية 2026