لعبت شركة فاجنر العسكرية، ذراع روسيا العسكرية في الكثير من دول العالم، لاسيما أفريقيا، دورًا كبيرًا في الأحداث والانقلابات التي شهدتها القارة السمراء منذ بداية انخراط الميليشيات العسكرية الروسية في القارة عام ٢٠١٧.

الانتشار في أفريقيا

منذ عام ٢٠١٧ عمدت ذراع روسيا العسكرية، إلى الانتشار في إفريقيا، لتأمين موضع قدم لموسكو ومحاولة تقليص وتقويض النفوذ الغربي، وظهر ذلك بمنتهى الوضوح، في كل من ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان، بالإضافة إلى تدخلها بأشكال متنوعة في أكثر من عشرين دولة أفريقية.

فاجنر في أفريقيا الوسطى

وأكبر دليل على ذلك أنها منذ تدخل مجموعة فاجنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، عام ٢٠١٨، لحماية الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، قامت فورًا بتقديم التدريب العسكري والمساعدات القتالية للقوات المحلية في مواجهة الحرب الأهلية هناك، كما حصلت على إمكانية الوصول المباشر إلى الموارد الطبيعية الضخمة في بانغي، بما في ذلك مناجم الذهب بنداسيما.

ليبيا ومالى والسودان

وفي ليبيا سيطرت فاجنر على إنتاج النفط في الحقول الجنوبية الغربية، ومن ثم الحد من التطلعات الغربية للاستثمار في البنية التحتية الليبية في إطار مساعي التمحور بعيدًا عن الغاز الروسي. الأمر نفسه تكرر في مالي عام ٢٠٢١، عقب الاتفاق الذي جرى مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وتُشير بعض التقارير إلى أن فاجنر حصلت على امتيازات واسعة للتعدين في مالي، مُقابل الخدمات الأمنية التي توفرها للسلطات هناك.

كما نجحت فاجنر في اختراق السودان ووجدت لنفسها موطئ قدم بداية من ٢٠١٧، وشهدت حضورًا أكبر في عام ٢٠١٩ عقب خلع نظام، لكن هذا الوجود شهد زيادة ملحوظة منذ عام ٢٠١٩، عقب الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، وذلك لتعزيز وصولها لاحتياطيات الذهب السوداني، ودعم مساعي موسكو للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان.

تعزيز النفوذ

في هذا السياق أكد محمود الأفندي، الباحث المختص في العلاقات الدولية، أن فاجنر استخدمت أدوات كثيرة لتعزيز نفوذها في دول القارة السمراء، حيث تشمل قوات شبه عسكرية، وصفقات التسليح، وحملات إلكترونية، تستهدف توجيه الرأي العام أو الترويج لأفكار معينة، وإدارة الحملات الانتخابية بما يخدم مصالح حلفائها.

وأشار، إلى أنه تم تغطية تكاليف نشاط مجموعة فاجنر في الدول الإفريقية من خلال الامتيازات الخاصة بالموارد المعدنية، فحسب تقارير غربية حديثة تجني مجموعة فاجنر نحو مليار دولار سنويًّا من أرباح التعدين في جمهورية إفريقيا الوسطى وحدها.

دعم التكتلات الجديدة

وأكد الباحث أن فاجنر تدعم في الوقت الراهن التكتل الجديد، لمجموعة دول الساحل الإفريقي، ولاسيما بعد اتفاقيات التعاون العسكري والدفاع المشترك التي أبرمتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لمواجهة أي تهديدات محتملة من قبل مجموعة «الإيكواس»، أو لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة في هذه المنطقة، كما يتوقع أن تَعمدَ قوات فاجنر إلى توسيع الدعم لمالي ضد حركات الأزواد الانفصالية في شمال البلاد.

وأضاف أن بؤر التوتر الرئيسية والأنظمة الهشة القائمة في القارة الأفريقية، ولاسيما في جمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو والسودان، تُشير إلى أن روسيا لا تزال تشكل ضامنًا أمنيًّا مهمًّا وشريكًا عسكريًّا موثوقًا فيه بالنسبة لهذه الدول.

ممثل الحكومة الروسية

وأكد الباحث المختص في العلاقات الدولية، أن الدول الأفريقية لا تنظر إلى مجموعة فاجنر باعتبارها شركة عسكرية خاصة، بل كممثل عن الحكومة الروسية، وذلك استنادًا لحزمة الدعم التي تقدمها موسكو للأنظمة القائمة في هذه الدول وتضمن استمراريتها وبقاءها، والتي تبدو أكثر جاذبية بالنسبة لهذه الدول مقارنة بأي مكاسب مُحتملة يمكن أن تتمخض عن اتفاقيات التعاون التي تقدمها القوى الغربية، لذا وفاة أو اغتيال زعيم فاجنر السابق يفغيني بريغوجين، في نهاية أغسطس ٢٠٢٣، لن تؤثر على مستقبل ونفوذ الدب الروسي في العديد من الدول الأفريقية.

وتوقع الخبير في الشأن الدولي، أن تدفع موسكو ببعض الشركات الروسية شبه العسكرية، لاستبدال دور فاجنر في أفريقيا، بما في ذلك شركة «ريدوت» والتي يترأسها سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي، والتي بدأت مؤخرًا التجنيد في أفريقيا.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: روسيا فاجنر أفريقيا أفریقیا الوسطى مجموعة فاجنر فی أفریقیا فاجنر فی

إقرأ أيضاً:

هل ما زال في المجتمع ما يكفي من القوة ليحمل الوطن؟

لم يعد الحديث عن العدالة أو الفساد أو تراجع الانتماء مجرد نقاش فكري، بل تحوّل إلى صرخة اجتماعية تتردد في الشوارع والبيوت ومواقع العمل. فالعدالة هي حجر التقدم في الحياة، وهي الحد الفاصل بين الحاكم والمحكوم، وحين تتصدع هذه القاعدة تبدأ الدول في فقدان توازنها. واليوم، تبدو مصر أمام معادلة خطيرة تتقاطع فيها ثلاثة مسارات: اتساع الفساد، وانهيار الانتماء، وتآكل الطبقة الوسطى. 
من البديهي أن الفساد يزدهر حين يشتد الإغراء لارتكابه ويسهل الإفلات من عقابه. وتاريخيًا، عرفته كل العصور والبلدان بدرجات متفاوتة، لكنه في مصر — كما يرى كثير من المواطنين — بلغ حدًّا يتجاوز القدرة على الاحتمال.
الإغراءات تتكاثر، والضغوط المعيشية تزداد، وارتكاب المخالفة أصبح في كثير من الحالات أسهل من الالتزام، في ظل غياب رادع قوي وحازم. 
صحيح أن الفساد وُجد في العهد الملكي، وتواصل في عصور عبد الناصر والسادات ومبارك، لكنه اليوم أكثر تعقيدًا وخطورة لأنه اقترن بظاهرة جديدة: تراجع الانتماء وضعف الحس الأخلاقي وانعدام الالتزام بالصالح العام، مقابل تصاعد ثقافة “مصلحتي أولًا… ولو على حساب الجميع”.وهذا أمر يستوجب الدراسه والتحليل
حين ينشغل المواطن بتأمين قوته اليومي، يصبح الانتماء رفاهية يصعب التمسك بها. وهنا تستعيد الذاكرة قول كارل ماركس: “العامل لا وطن له”. عبارة قاسية، لكنها تكشف حقيقة لا يمكن تجاهلها:
الحاجات الضرورية حين تشتد تخنق الشعور بالانتماء. 
وهذا ما أصاب الطبقة الوسطى — عماد أي مجتمع — خلال العقود الماضية.
الطبقة الوسطى… من عمود المجتمع إلى هدف للضربات المتتالية
لطالما كانت الطبقة الوسطى في مصر قبل الثورة طبقة نابضة بالحياة، تحمل قيم الانضباط والالتزام والانتماء، سواء في الريف أو المدن. وكان تأثيرها في الإدارة والتعليم والثقافة ضامنًا لاستقرار المجتمع وتماسكه. 
لكن هذه الطبقة تراجعت تدريجيًا منذ منتصف القرن العشرين، وبدأت رحلة الانهيار مع انفتاح “السداح مداح” الذي أطلق العنان لثقافة الفهلوة والمصالح والصفقات.
بعض أفرادها تحوّل إلى متسلقين يركضون وراء السلطة في عهد مبارك، بينما تعرّض من تمسك بقيمه للدهس تحت وطأة التعويم المتكرر وغياب القدوة وانسداد الأفق الاقتصادي. 
حتى السياسة لم تنجُ؛ فالمقاعد النيابية أصبحت — في كثير من الحالات — تُمنح لمن يملك المال، أيًّا كانت مصادره، لا لمن يملك القدرة والكفاءة. وبذلك خسر المجتمع آخر أدواته لإعادة التوازن. 
الخطر الذي لا يُناقش… مجتمع بلا طبقة وسطى
حين تنهار الطبقة الوسطى، لا يختل الميزان الاقتصادي فقط، بل تهتز ركائز الدولة كلها. فهذه الطبقة هي التي تضبط الإيقاع بين السلطة والمواطن، وهي التي تمنع الفقر من التحول إلى غضب، والغنى من التحول إلى استبداد. فغياب الطبقه الوسطى يعني : 
تضخم النفوذ المالي
انهيار الثقة في المؤسسات
انتشار الفساد كأمر واقع
تراجع الإنتاج وانخفاض جودة الخدمات
شعور عام بالاحتقان قد يهدد الاستقرار
في النهايه … هناك طبقة تختفي ووطن يختنق
لن تستقر دولة يفقد مجتمعها عموده الفقري. ولن تنجو أمة تتراجع فيها العدالة، ويُترك فيها المواطن في مواجهة ضغوط لا ترحم.
الفساد ليس مجرد رقم، والانتماء ليس مجرد شعور، والطبقة الوسطى ليست مجرد شريحة اجتماعية…
إنها شروط البقاء نفسها.
إذا لم تُستعد العدالة، ولم يُواجه الفساد، ولم تُحمَ الطبقة الوسطى، فقد نجد أنفسنا — فجأة — أمام سؤال لم يكن مطروحًا من قبل:
هل ما زال في المجتمع ما يكفي من القوة ليحمل الوطن؟

مقالات مشابهة

  • هل ما زال في المجتمع ما يكفي من القوة ليحمل الوطن؟
  • شريف الجبلي: تعزيز الحضور الاقتصادي المصري في أفريقيا ضرورة استراتيجية
  • كاغامي: ليست كل الانقلابات في أفريقيا سيئة
  • المشاط تجتمع بـ7 سفراء أفارقة لتعزيز التكامل الاقتصادي في مؤتمر «أفريقيا التي نريدها»
  • وزير الخارجية: نتطلع لمواصلة التعاون مع باكستان في إطار مجموعة الدول الثماني النامية D8
  • الدفاع الروسية: استهدفنا بضربة مكثفة ليلية مواقع للصناعة العسكرية والطاقة في أوكرانيا
  • جنوب أفريقيا ترد بقوة بعد إعلان ترامب عدم دعوتها لقمة مجموعة الـ٢٠ المقبلة
  • دوري أبطال أفريقيا.. نهضة بركان يخطف فوزا مثيرا من ريفرز يونايتد ويعتلي صدارة مجموعة بيراميدز
  • الخارجية الروسية: ننتظر خطوات عملية من الغرب لإعادة النظر بالعلاقات
  • القوات الروسية تنفذ ضربات ضد مؤسسات المجمع الصناعي الأوكراني