سينمائيون وكتّاب: تجسيد مختلف المشاعر الإنسانية غاية تلتقي عليها السينما مع الأدب
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
الشارقة - الرؤية
استعرض كلٌّ من د. ديفيد فوّينكنوس الروائي والمخرج الفرنسي الحائز على جائزة رينودو الأدبية المرموقة، ود. مانيا سويد الكاتبة الروائية والناقدة السينمائية السورية، الإمكانات الدفينة للسينما والأدب، وكيف يمكن أن يؤثر كلٌّ منهما في الآخر، وتوقفا عند أوجه التشابه والاختلاف بينهما.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان "الخط المتوازي بين السينما والكتب" في أول أيام معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 42، التي يتواصل في "مركز إكسبو الشارقة" حتى 12 من نوفمبر الجاري، تحت شعار "نتحدث كتباً" بحضور ومشاركة 2033 ناشراً من 109 دول.
بين الرواية والسينما بون شاسع
أوضح ديفيد فوينكنوس -خلال الجلسة التي أدارها الكاتب معتز قطينة- أن أوجه التشابه بين الأدب والسينما تتلخص في أن كلاهما يسعى لتجسيد مختلف المشاعر الإنسانية، وأهم وجه شبهٍ بينهما هو تركيزهما على سرد القصص المختلفة، مشيراً إلى وجود مسافات تقنية كبيرة الرواية والفيلم، وقال: "حين أعمل على رواية، أنسجم مع الشخصيات للغاية، وأتعمق في مشاعرها، ودوافعها، بينما في إخراجي السينمائي، أركز على كيفية سرد القصة بالصور، وباستخدام مختلف العناصر السينمائية".
من جانبها لفتت د. مانيا سويد إلى أن كلّاً من السينما والأدب يخدم الآخر، وقالت: "الكثير من الروايات العظيمة حين تحولت إلى أفلام برؤى مخرجين مبدعين، أضافت للأفلام قيمة جديدة، لكن لابد أن نعي أمراً هاماً، وهو أن كل عمل إبداعي قائم بذاته، ولا يجب المفاضلة بين الأعمال الفنية، فربما يفشل مخرج في تقديم رواية ما عظيمة، فلا نقول إن هذا المخرج دمر الرواية، بل ببساطة نقول لم يقدم المخرج فيلماً جميلاً".
المقاربة السينمائية لها شروطها
واتفق الضيفان على ضرورة أن تعهد الروايات التي سيتم تحويلها لفيلم لكاتب سيناريو متخصص وماهر، واعٍ لما يجب أن تقوله السينما، مشددين على أهمية أن يعي السينمائي أنه لا يجب أن يكرر بالحرف ما تم ذكره في الرواية.
وقدم الضيفان مقاربة لتأثر الرواية بصرياً بعوالم السينما، موضحين أنه من المهم ألا يقع الروائي ضحيةً للمشهدية الطافحة التي تتميز بها السينما، ويتحوّل فعل القراءة في الرواية إلى فعل مشاهدة لفيلم مصوّر، فمهمة الرواية أن تمنح القارئ الحق بتخيل.
"البؤساء" و"شحاذون ونبلاء"
وفي إجابة الضيفين على سؤال: "لو قدر لكل منكما أخذ قصة من بلد الآخر، وتحويلها لفيلم، أي قصة ستأخذون؟"، كان جواب ديفيد فوينكنوس أنه سيقتبس من رواية "شحاذون ونبلاء" للروائي المصري الفرنسي ألبير قصيري، مشيراً إلى أنه يأمل أن يحوّل رحلته من فرنسا للشارقة إلى فيلمٍ سينمائي من إخراجه، ويصوّر أحداثه في الشارقة، أما د. مانيا سويد اختارت "البؤساء" لفيكتور هوجو.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بانو مشتاق تفوز بجائزة بوكر الدولية 2025: قصص سراج القلب تضع نساء جنوب الهند في صدارة الأدب العالمي
في سابقة أدبية فارقة، فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق مساء الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية "سراج القلب" (Heart Lamp)، لتصبح بذلك أول عمل قصصي على الإطلاق يحصل على الجائزة العالمية للرواية، وأول نص مكتوب في لغة الكانادا – التي يتحدث بها ما يقدّر بـ65 مليون شخص في جنوب الهند – ينال هذا التكريم.
تتناول "سراج القلب" الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند، حيث يهيمن النظام الأبوي والتمييز الطبقي والديني. وقد رأت هذه القصص النور بين عامي 1990 و2023، مترافقة مع نضال الكاتبة ضد البنى الاجتماعية المحافظة التي قاومت نشر هذا العمل، وتجاهلته أبرز الجوائز الأدبية في الهند، وفقًا للقائمين على جائزة بوكر.
في تصريحها عند تسلّم الجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني (يتقاسمها المؤلف والمترجم)، قالت مشتاق: "أقبل هذا الشرف ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين"، واصفة لحظة التتويج بأنها "لا تُصدّق".
قصص حية ومؤلمةتتألف المجموعة من 12 قصة قصيرة، كتبت بأسلوب سردي يتميز بالحيوية والعاطفة اللاذعة، وترسم صورًا عميقة لحياة نساء وفتيات يعشن في مجتمعات أبوية محافظة. تدور القصص حول أمهات، وجدّات، وأطفال أذكياء، وأزواج مهزوزين، ومشايخ ساخرين، وإخوة متسلطين، وسط واقع تحكمه قيود اجتماعية ودينية صارمة.
إعلانووصفت لجنة تحكيم بوكر العمل بأنه "شيء جديد حقًا للقراء باللغة الإنجليزية، قصص جميلة، مليئة بالحياة، تُترجم بلغة مبتكرة توسّع فهمنا للترجمة والاختلاف الثقافي."
وعززت الكاتبة الهندية بانو مشتاق ومترجمتها ديبا بهاستي من أهمية الكتاب الفائز بجائزة بوكر الدولية 2025، ليس فقط بوصفه نصًا أدبيًا مميزًا، بل بصفته صوتًا احتجاجيًا وشهادة ثقافية نادرة تعبر عن حياة نساء مسلمات في جنوب الهند. ومع فوز "سراج القلب"، دخلت لغة الكانادا – للمرة الأولى في تاريخ الجائزة – إلى المحفل الأدبي العالمي، واضعة النساء والهامش واللغة في صلب النقاش.
تنتمي بانو مشتاق إلى الجيل الذي انخرط في حركة "باندايا ساهيتيا" (الأدب الاحتجاجي) في السبعينيات والثمانينيات في جنوب غرب الهند. وهي واحدة من النساء القلائل اللواتي برزن في هذه الحركة التي انتقدت النظام الطبقي والاجتماعي الهندوسي، وأبرزت أصوات المنبوذين (الداليت) والمسلمين.
إلى جانب عملها كمحامية وناشطة نسوية، ألفت ست مجموعات قصصية، ورواية واحدة، ومجموعة مقالات، وديوان شعر، جميعها بلغة الكانادا. كما حازت جوائز كبرى منها جائزة أكاديمية كارناتاكا ساهيتيا وجائزة دانا تشينتاماني أتيمابي.
في تعبير مؤثر عن رؤيتها الأدبية، قالت بانو: "قصصي تدور حول النساء – كيف يطالب الدين والمجتمع والسياسة بالطاعة العمياء منهن، وبذلك، يلحقون بهن قسوة غير إنسانية، ويحولونهن إلى مجرد تابعات. لا أُجري أبحاثًا مستفيضة؛ قلبي هو مجال دراستي."
جاء تتويج "سراج القلب" في وقت يشهد فيه الهند توترات متزايدة حول قضايا الحريات الفردية وحقوق الأقليات. ويُعدّ فوز هذا العمل المكتوب بلغة محلية ومن منظور امرأة مسلمة تحديًا صريحًا للهامشية الثقافية السائدة في البلاد، ورسالة دعم للغات الأصلية والمهمّشة.
وقامت بترجمة العمل إلى الإنجليزية ديبا بهاستي، الصحفية والكاتبة من جنوب الهند، والتي تقاسمت الجائزة مع بانو مشتاق. وقد وصفت لجنة التحكيم الترجمة بأنها "جذرية ومبتكرة تُحدث اضطرابًا في اللغة وتخلق نسيجًا جديدًا لتعددية الإنجليزية."
إعلانوصفت المترجمة ديبا بهاستي تجربتها مع "سراج القلب" بأنها "عملية فطرية بالكامل"، تختلف عن أي مشروع أدبي سابق. وقالت في تصريحاتها عقب الفوز:
"قرأت أولًا جميع الأعمال القصصية التي نشرتها بانو، قبل أن أختار القصص التي ستشكل هذه المجموعة. كنت محظوظة بحرية الانتقاء، ولم تتدخل بانو في العملية، رغم فوضويتها المنظمة."
الترجمة، في هذا السياق، لم تكن مجرّد تحويل لغوي بل عملية إبداعية وموقف نقدي، أعادت من خلاله بهاستي تقديم صوت مشتاق إلى قراء الإنجليزية بصياغة تحافظ على نكهة اللغة الأم، وتحتفي بتعدد اللهجات والتجارب.
تُمنح جائزة بوكر الدولية سنويًا منذ عام 2016 (بعد أن كانت تُمنح كل عامين سابقًا)، وتُخصص للأعمال الخيالية المترجمة إلى الإنجليزية. وقد أصبحت هذه الجائزة مرموقة على مستوى العالم، ونافذة للأصوات الأدبية من خارج المركز الثقافي الغربي.
ويعكس اختيار "سراج القلب" توسعًا في ذائقة لجنة التحكيم وتقديرها لأدب المناطق المهمشة، وتمثيلًا نادرًا للمرأة المسلمة في المشهد الأدبي العالمي، بلغة غير مألوفة، لكنها مشبعة بالإبداع والمقاومة.
توترات نفسية واجتماعيةفي بيانها الختامي، أكدت لجنة التحكيم أن "سراج القلب" ليست مجرد مجموعة أدبية بل وثيقة أخلاقية وسياسية. وقالت: "في اثنتي عشرة قصة قصيرة، كتبت خلال ثلاثة عقود، تجهر بانو مشتاق بالحقيقة في وجه السلطة. تروي حياة فتيات ونساء مسلمات على هامش المجتمع الهندي، وتشقّ طريقها عبر الطبقات الاجتماعية والدينية، كاشفة عن القمع والظلم والفساد."
ورغم بساطة السرد الظاهرة، ترى اللجنة أن القصص تحمل توترات نفسية واجتماعية عميقة، وتحفز القارئ على إعادة النظر في الأعراف الاجتماعية والدينية واللغوية، التي تُستخدم غالبًا في تثبيت الهويات القمعية.
أشارت كانيكا شارما، الناقدة في مجلة Vogue India، إلى أن الجائزة ليست أول اعتراف بأدب بانو مشتاق، بل امتداد لمسيرة طويلة من الاحتفاء المحلي.
إعلانولفتت إلى قصة "كاري ناغاراغالو"، التي تدور حول امرأة مسلمة هجَرها زوجها، والتي تحولت إلى فيلم عام 2003 فازت بطلته بجائزة الفيلم الوطني لأفضل ممثلة.
"لكن هذا التكريم الدولي تأخر كثيرًا، فلطالما كان صوت بانو مشتاق مهمّشًا في ظل هيمنة لغات ونخب معينة في المشهد الأدبي الهندي."
من اللافت في "سراج القلب" أن القصص لا تكتفي بتفكيك المجتمع الأبوي، بل تنبش في بنية اللغة ذاتها بوصفها جزءًا من أدوات القمع. ففي إحدى القصص، تتساءل الراوية:
"هل أقول عن زوجي ‘غاندا’ (الزوج الذكر القوي)، أم ‘ياجامانا’ (المالك)، أم ‘باتي ديفارو’ (السيد الإله)؟ لا، لا أريد لغة تجعلني خادمةً في بيتي أو تمنح زوجي صفة الإله."
في هذا المقطع السردي، تستخدم بانو مشتاق تناصًا لغويًا مشحونًا بالمفارقة والتمرّد، لتطرح أسئلة وجودية على القارئ: هل يمكن للمرأة أن تتحدث بحرية بينما تقف اللغة ضدها؟
قصص المجموعة تحتفي بالمقاومة، لا عبر الشعارات، بل من خلال القصّ الصادق والساخر والنافذ. شخصياتها نساء متعلمات قليلات الحيلة، وأمهات محبطات، وفتيات يواجهن المجهول، في ظل نظام يحوّل الدين والسياسة والعائلة إلى أدوات للضبط والسيطرة، كما يقول نقاد.
والمفاجأة التي تقدمها القصص لا تكمن فقط في حبكتها، بل في طريقة التعبير، وفي اللغة التي تدمج العامية بالرمزية، والمشهدية بالحوار الداخلي، لتخلق نصًا هجينًا يحتفي بالهامش بصفته مركزًا جديدًا للكتابة.
ويقول نقاد أن القصص الفائزة تمثل انتصارًا ليس فقط للأدب المكتوب بالكانادا، بل أيضًا لـ الترجمة بوصفها مقاومة ثقافية. فمن خلال شراكتها مع ديبا بهاستي، فتحت بانو مشتاق نافذة جديدة لحكايات النساء المسلمات في جنوب الهند، وجعلت منها أدبًا عالميًا ذا صوت واضح وقوي.
إعلانوفي عالم يُعاد فيه تعريف المركز والهامش باستمرار، تأتي "سراج القلب" كتأكيد أن الهامش يتكلم – ويُقرأ – ويُحتفى به، متى أُتيح له فضاءٌ للبوح والترجمة والتلقي.