جريدة الوطن:
2025-06-01@01:19:48 GMT

من دراسات الشورى «12ـ16»

تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT

من دراسات الشورى «12ـ16»

الثاني عشر «التضخُّم وارتفاع الأسعار».
يُطلق مصطلح «التضخُّم» على ظواهر ومؤشِّرات وتقلُّبات عديدة ذات علاقة وثيقة بالاقتصاد، ترتبط بالأجور والأرباح وارتفاع التكاليف… وما يعنينا في هذا المقال هو، التضخُّم الَّذي يُعرف بأنَّه الزيادة الَّتي «تظهر بشكلٍ مُستمرٍّ على الأسعار الخاصَّة بالخدمات والمنتجات، ولَمْ تتمكَّن السُّلطات الحكوميَّة من فرض السيطرة عَلَيْها»، والَّتي تُرهق كواهل المواطنين، وتجعل الأجور عاجزة عن تحقيق أبسط متطلَّبات وتكاليف المعيشة.

ومؤشِّرات القلق البالغ الَّتي تتسرب إلى صانعي السِّياسة، في بلداننا العربيَّة، هذه الأيَّام، مبعثها الضغوطات النَّامية بسبب ارتفاع نسب التضخُّم وزيادة أسعار السِّلع الغذائيَّة في الأسواق المحلِّيَّة بنسب عالية جدًّا، بدافع من تأثيرات جائحة «كوفيد١٩» وما صحبها من إجراءات وإغلاقات مشدَّدة، والمواجهة الروسيَّة الأوكرانيَّة، والأحداث المأساويَّة في فلسطين أخيرًا، والفساد الَّذي ينخر في شرايين اللوبيَّات النَّافذة والمتحكِّمة، وما تسبَّب فيه من عِلَلٍ وأسقام وأضرار بليغة حطَّمت طموحات وأحلام المواطن العربي الَّذي تعرَّض على مدى عقود للظلم وحرمانه من حقوقه في التعليم والصحَّة والعمل والمساواة والشراكة في صناعة القرار، والتنعُّم بخيرات بلاده، فأصبحت الفئة القليلة جدًّا، هي المتحكِّمة في القرارات والثروات والسِّياسات، والمالكة للأموال والنفوذ والقوَّة… ارتفاع معدَّلات التضخُّم وأسعار السِّلع بما يفوق بكثير قدرات المواطن العادي والبسيط على توفير متطلَّبات معيشة أُسرته، يخيف الأنظمة السِّياسيَّة العربيَّة من أن يتسبَّبَ في ثورات شَعبيَّة جديدة، وانطلاق «ربيع عربي» آخر، لَنْ تكُونَ نتائجه بالطبع كسابقه، الكثير من القِمم العربيَّة المصغَّرة الَّتي تنعقد على فترات، دافعها ـ وفقًا لتسريبات صحفيَّة ـ دعم كُلٍّ من مصر والأردن، ماليًّا لكَيْ تتمكَّن من محاصرة التضخُّم والإبقاء على دعم بعض السِّلع الأساسيَّة، وتثبيت أسعارها، ومساندة العملة المحلِّيَّة، ودرء البلدان العربيَّة مظاهر الاحتجاج والغضب الشَّعبي وانفلات الأمن والثورات العارمة… كُلُّ تلك الجهود ـ من وجهة نظري الشخصيَّة ـ لَنْ تتجاوزَ المسكِّنات المؤقَّتة، ولَنْ تُحقِّقَ خصوصًا على المديَيْنِ المتوسط والبعيد أيَّ أثَرٍ يقي غضب الشَّارع العربي ويُعِيد له سكينته واستقراره ويهدِّئ غضبه. الإصلاحات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة الجادَّة الَّتي تقودنا إلى إحداث التحوُّل الحقيقي هي ما يضْمَن هدوء الشَّارع ويُحقِّق رضا المواطن، ويُعزِّز الأمن والاستقرار ويبني نهضة عربيَّة حقيقيَّة تضيء سماء المستقبل وتُسهم في الركب الحضاري. وقَدْ تناولتُ هذا الموضوع وفصَّلتُه في عددٍ من المقالات الَّتي نشرتها على فترات، مؤكِّدًا على استحالة تعافي العالَم العربي من أسقامه ومشاكله وتحقيق رضا مُجتمعاته بِدُونِ «إصلاح سياسي حقيقي، وخطوات عمليَّة وجادَّة لرفع وتوسيع صلاحيَّات وأداء المؤسَّسات التشريعيَّة والرقابيَّة ووسائل الإعلام وأجهزة الرقابة والمساءلة وتحقيق استقلاليَّتها التَّامَّة عن ضغوط وهيمنة السُّلطة التنفيذيَّة لِتحققَ مبدأ الشراكة والتمثيل الحقيقي للمُجتمع وتتمكنَ من مساءلة كبار المسؤولين والنافذين وسدِّ منافذ الفساد وكفالة القانون لحُرِّيَّة التعبير، ومراقبة وتقييم تنفيذ وتطبيق أداء البرامج والخطط والرؤى الاقتصاديَّة، ومحاسبة كُلِّ مَن تسبَّب ويتسبَّب في إخفاقاتها وإعاقة تحقيقها لأهدافها. نَعَم لَنْ يتحققَ الإصلاح، وتنهضَ المُجتمعات وتتقدمَ الأوطان، وترتفعَ مؤشِّرات الإنجاز في كُلِّ شيء بما في ذلك «براءة الاختراع والابتكار والتصنيع وتكنولوجيا الذَّكاء الاصطناعي…» ويطبَّقَ القانون وتضمحلَّ بؤر الفساد وتُردمَ، وتتطوَّر مؤسَّسات التعليم ومراكز البحث العلمي وتُحتضن المواهب في بيئة لَمْ تترسخْ بعد فيها قِيَم الديمقراطيَّة، ولا مؤسَّساتها ومُثلها الإنسانيَّة، فتحقيق التقدُّم والثورات العلميَّة المتتابعة وتطبيق الرؤى والاستراتيجيَّات والخطط ونجاحها أصبحت لصيقة ونتاجًا للنُّظم الديمقراطيَّة كما نراه نموذجًا واضحًا في أوروبا وأميركا واليابان والصين الَّتي أحدثت إصلاحات جوهريَّة في نظامها السِّياسي وغيرها الكثير من القوى الناشئة». وفي مقال آخر تحدَّثتُ عن المشكلات العميقة الَّتي «يواجهها المواطن الخليجي محدود الدخل الَّذي يعتمد على مصدر واحد لا غير هو الراتب الشهري، راتب وظيفة، ضمان اجتماعي، أو تقاعد…» حيث يَقُودُ الارتفاع الكبير في أسعار السِّلع ورفع الدَّعم عن الخدمات وزيادة وفرض الضرائب إلى تآكل «القِيمة الحقيقيَّة لهذا الدخل»، الضعيف أصلًا، «وتئد الكثير من طموحاته وتنسف خططه المستقبليَّة الَّتي وإن بدَتْ بسيطةً إلَّا أنَّها تعكس مستوى ودرجة معيشته وعدد الريالات الَّتي يأخذها في نهاية كُلِّ شهر… وأخيرًا تقضي على قِيمة مدَّخراته. فالمواطن الَّذي بدأ يدَّخر الريال على الريال من أجْلِ تحقيق حلمه في بناء منزل يلمُّ شمله وأُسرته أو شراء سيارة أو استثمار صغير في مجال عقاري أو في سُوق الأوراق الماليَّة يضْمَن له مصدرًا آخر يُعزِّز دخله البسيط إنَّما يدَّخره على حساب الكثير من الاحتياجات الَّتي يحرم مِنْها نَفْسَه وأفراد أُسرته. لكنَّ الارتفاع المتواصل للأسعار الَّذي شمل كُلَّ شيء من السيَّارة، مرورًا بموادِّ وتكلفة البناء، وانتهاء بالمستلزمات الاستهلاكيَّة الأساسيَّة تقف عقبة كأداء أمام التطلُّعات وتحقيق الغايات، وقادت المواطن إلى تجاوز البنود الَّتي حدَّدها لتلبية الاحتياجات الشهريَّة الثابتة، بل وأتَتْ على البند الزهيد المخصَّص للادخار، وألجأته فوق ذلك إلى الاقتراض مُتعدِّد الأوجه…»، لقَدْ تضاعفت أسعار «السِّلعة الواحدة لأكثر من مرَّة في فترة وجيزة، فالسِّلع الاستهلاكيَّة ـ على سبيل المثال ـ الَّتي يشتريها الإنسان البسيط بقِيمة خمسين ريالًا قَبل أعوام قفزت إلى أكثر من مئة ريال عُماني. إنَّ تضاؤل القوَّة الشرائيَّة بسبب ارتفاع الأسعار المستمرِّ سوف يفضي إلى آثار خطيرة اجتماعيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة وإلى تهديد الطبقة الوسطى عماد المُجتمع الَّتي يتناقص عددها…». مجلس الشورى، ومن منطلق تمثيله لمصالح المُجتمع تناول هذه المُشْكلة الخطيرة عَبْرَ أكثر من نافذة وأداة برلمانيَّة وفي ملاحظاته على مشروعات الخطط والميزانيَّات ونقاشه مع الوزراء المختصِّين، مُطالِبًا بمراقبة السُّوق وزيادة أو الإبقاء على الدَّعم الحكومي للسِّلع الأساسيَّة، ومراجعة سياسات الضرائب والرسوم ورفع الأجور… لمكافحة التضخُّم وارتفاع الأسعار، واستعرض التحدِّيات الَّتي سوف تواجه «التنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في البلاد خلال المرحلة المقبلة..» وأهمُّها على الإطلاق «التفاوت الكبير والمتنامي في الدخول بَيْنَ شرائح المُجتمع المختلفة وزيادة نسب فئات ذوي الدخول المتدنِّية للغاية…»، وهو ما تَعُودُ أسبابه إلى ضعف الأجور و»الزيادة الكبيرة في أعداد الباحثين عن العمل..». وطالب المجلس بـ»ضرورة إجراء دراسة شاملة حَوْلَ متوسطات الدخول والمستوى المعيشي لمختلف شرائح المُجتمع في مختلف مناطق السَّلطنة للتعرف بطريقة علميَّة على مستويات المعيشة ونسبة شرائح المُجتمع الَّتي يُمكِن أن تصنفَ على أنَّها تقع تحت خطِّ الفقر، ومراجعة تشريعات ونُظُم الضمان الاجتماعي وتوفير الموارد الماليَّة اللازمة لمعالجة أوضاع هذه الشرائح… مع لفْتِ النظر إلى أنَّ المجلس أعدَّ كذلك، دراسة شاملة حَوْلَ «التضخُّم وارتفاع الأسعار»، رفعت إلى السُّلطان في يناير 2009م. ولو أنَّ مجلس الوزراء والمؤسَّسات الحكوميَّة المتخصِّصة راجعت تلك التنبيهات والرؤى والتوصيات وحلَّلتها وأمعنت فحصها، ما وصلنا إلى ما بلغه المُجتمع من ضعف في الرواتب وارتفاع كبير في الأسعار وأعداد نامية باستمرار من الباحثين عن العمل وصف المواطنين الطويل الَّذين يبيعون في الشوارع للحصول على ما يكفي لتوفير متطلباتهم الرئيسة، وهذا السخط والإحباط ومرارة الشكوى الَّتي تضجُّ بها وسائل التواصل من الواقع المعيشي…

سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الکثیر من الم جتمع

إقرأ أيضاً:

كيف يستعد المغاربة لـالعيد الكبير دون أضحية؟.. بيع في الخفاء وارتفاع بالأسعار

في ساعة متأخّرة من يوم أمس الخميس، داهمت السلطات المحلّية، محلاّ يبيع أضحية العيد، بقلب أحد الأحياء الشعبية المُتواجدة بمدينة الدار البيضاء، في المغرب؛ مشهد وصفه عدّة مغاربة بـ"الغريب والمُبالغ فيه"، فيما اعتبره آخرين: "منطقيا"، عقب القرار الملكي القاضي بعدم ذبح الأضاحي.

ارتباك المغاربة في الاستعداد لعيد الأضحى هذه السنة، بات جليّا؛ إذ خفّت مشاهد بيع لوازم العيد من الفحم والتبن، وشحذ السكاكين..، في مُقابل التّهافت على محلاّت الجزارة، لشراء اللحم، أو السعي للظّفر بكبش في الخفاء. 

"عربي21" خلال جولة في عدد من الأسواق الكبرى، والمحلّية، رصدت التحوّل الذي حصل خلال الساعات القليلة الماضية، إذ بعد مشاهد توحي بطبيعة الاستعداد الطبيعي لعيد الأضحى، خفّت الأجواء فجأة، مع بروز للسلطات في الواجهة.




ما الذي يجري؟
"القرار الملكي أتى رحمة بجيوبنا التي اكتوت بنار الغلاء، لكن عدد من المغاربة جعلوا الأسواق تلتهب أكثر، جرّاء إقبالهم غير الطبيعي لشراء الأضحية، سواء في العلن أو في الخفاء" هكذا قالت سميرة، وهي أم لثلاثة أطفال.

وتابعت سميرة في حديثها لـ"عربي21" بالقول: "منذ صدور القرار وأنا أقنع أطفالي أن للعيد شعائر عظيمة، ولو لم نشتري الكبش؛ وأن القرار أتى لصالحنا وجرّاء الجفاف الذي اجتاح البلاد لسنوات"، مردفة: "لكن منذ يومين، وجرّاء تهافت جل من أعرف للشراء، أصبحت حائرة في أمري، هل سأضطرّ للاقتراض من أجل الكبش؟".

مُواطنين مغاربة، كُثر تحدّثوا لـ"عربي21" عن استثنائية استعداداتهم لعيد الأضحى هذا العام، بين من اعترف بشرائه للأضحية قبل أشهر للعيد في قلب مناطق قروية خارج المُدن الكبرى، وبين من اكتفى بشراء اللحم والحرص على الاستعداد النفسي لأجواء العيد رفقة العائلة، دون ذبح، وبين من احتار به الأمر، إثر ما شاهده من تهافت للمغاربة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Jaber HD‎‏ (@‏‎jaber_hd90‎‏)‎‏
تعليمات صارمة..
بمُجرّد اقتراب عيد الأضحى في المغرب (السبت)، عاشت مجموعة من المتاجر الكبرى، على إيقاع  تعليمات "صارمة" وجّهت لإدارات هذه الفضاءات التجارية، تقضي بسحب لحوم الغنم ومشتقاتها، بشكل كامل، من رفوف البيع. ما أثار موجة من التساؤلات لدى المواطنين.

أيضا، أصدرت ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، قرارات لمنع كافة مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى، في خطوة تنظيمية لافتة، طالبت خلالها تجار المواشي، وخصوصا بائعي الأغنام، بإخلاء الأسواق، حتى إشعار آخر، وذلك في سياق تنفيذ توجيهات وطنية تتعلق بعيد الأضحى.



توجّه السلطات المحلية، قضت به بشكل مُتسارع، باقي مُدن وأقاليم المملكة، من أجل الحد من بعض مظاهر الاحتفال بالشعيرة، تنفيذا لتوصيات قيل إنها قد صدرت عقب الرسالة الملكية الموجهة إلى الشعب المغربي، والتي دعا فيها الملك محمد السادس إلى عدم ذبح الأضاحي هذه السنة.

ساعات قليلة قبل هذه التعليمات، تجوّلت "عربي21" في عدد من الأسواق، فلاحظت ارتفاع فُجائي في أسعار اللحوم، ما كان قد ضاعف من قلق الأسر المغربية، بالتّزامن مع أنباء كانت تتداول، بخصوص أن السلطات ستتّخد إجراءات صارمة لمنع ذبح الأضاحي هذا العام. كل هذه الأحداث المُتسارعة، جرت، في غياب تواصل مُباشر للجهات المختصّة مع المواطنين.

وكان القرار الملكي قد أتى، إثر ما وُصف بـ"سياق استثنائي" تراعي فيه الدولة لتداعيات الظروف الاقتصادية والمناخية الرّاهنة؛ فيما أجمع متتبعو الشأن الديني بالمغرب على أنّ: "القرار يعكس حسّ الملك بالمسؤولية الاجتماعية، وحرصه على تخفيف الأعباء على المُواطنين، دون المساس بجوهر الشعيرة".


حماية المستهلك على الخط
أمام الوضع المُعاش في المغرب، خلال الأيام الراهنة التي تسبق حلول يوم عيد الأضحى، ارتفعت حدّة الانتقادات الموجّهة من جمعيات حماية المستهلك، للتّحذير من: "استغلال بعض التجار والموزعين للطلب الموسمي المتزايد على اللحوم ومكونات "الدوارة" (أحشاء الذبيحة) للترويج لمنتجاتهم بأسعار مبالغ فيها".

وأوضحت جمعيات حماية المستهلك في المغرب أنّ: "هناك استغلالا واضحا للمناسبات الاجتماعية، مثل العقيقة وعيد الأضحى، لرفع الأسعار دون مراعاة للتوجيهات الرسمية الرامية إلى استقرار السوق وضمان توازن الأسعار".

وتابعت: "لا تقتصر أسباب هذا الارتفاع على المضاربة وحدها، فالإقبال المكثف والمفاجئ للمواطنين على اقتناء اللحوم خلال فترة قصيرة، سواء لأغراض عيد الأضحى أو لمناسبات خاصة (مثل العقيقة)، يُساهم بدوره في ارتفاع منسوب الطلب بشكل غير مسبوق، وهذا الارتفاع المفاجئ في الطلب يُحدث اختلالا واضحا بين العرض والطلب في السوق".

وفي حديثه لـ"عربي21" قال الباحث في علم النفس وقضايا الأسرة، محمد حبيب، إنّ: "المغرب يشهد هذا العام تهافتا واسعا على اقتناء الأضاحي بسرية وتحايل "العقيقة"، بل وحتّى على مكونات ثانوية مثل "الدوارة" التي ارتفع ثمنها إلى 600 (60 دولارا) درهم بعدما كانت لا تتجاوز 200 (20 دولارا) درهم".

وأوضح حبيب: "رغم السياق الاقتصادي الصعب، ورغم الخطاب الملكي السامي الذي دعا بوضوح إلى تأجيل قيام الشعيرة ومراعاة الظروف الراهنة. المفارقة أن نفس المجتمع الذي اشتكى قبل أشهر قليلة من غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، هو نفسه من دخل في سباق محموم للحفاظ على طقوس عيد الأضحى، وكأن الأمر يتعلق بهوية مهددة أو كرامة موضوعة على المحك".

"لفهم هذا السلوك، يجب تجاوز التفسيرات الاقتصادية البسيطة. فالمسألة ليست فقط عنادا جماعيا أو جهلا بأولويات المرحلة، بل هي تعبير عن قلق نفسي جماعي، وخوف من فقدان الرمزية التي يمثلها العيد في المخيال الجماعي" بحسب الباحث في علم النفس وقضايا الأسرة.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Jaber HD‎‏ (@‏‎jaber_hd90‎‏)‎‏
وتابع: "فالأضحية، بالنسبة للغالبية، ليست فقط شعيرة دينية، بل هي مناسبة ذات طابع وجداني واجتماعي عميق، تُستحضر فيها صور الطفولة، والعائلة، والدفء، والانتماء. وبالتالي، التخلّي عنها أو تأجيلها يُشعر البعض بأنه انسلاخ عن الذات، عن الذاكرة، وعن: السرب".

وأكد حبيب لـ"عربي21": "من هنا نفهم كيف تتحول السنة المؤكدة إلى واجب اجتماعي، وكيف يصبح المظهر أهم من المضمون. فالعيد صار عرضا اجتماعيا لا يمكن تغييب مشاهده: الخروف، النار، الشواء، الصور على مواقع التواصل. هذه الطقوس تعاش كوسيلة لحماية الكرامة الاجتماعية، وليس فقط تقربا إلى الله".

وختم بالقول: "لهذا، لا يهم إن كانت الوسائل مكلفة أو مرهقة، المهم هو عدم الغياب عن المشهد العام، ولو تطلب الأمر الاستدانة أو بيع الممتلكات" مستدركا: "ارتفاع أثمنة الدوارة (أحشاء الكبش)، بدوره، يفصح عن تحول آخر: الربط بين العيد والطعام لا بالشريعة. فالمواطن بات يقيس العيد بما يطهى، لا بما يؤدى من شعائر".

واستطرد: "هذا يعكس سيطرة ثقافة الاستهلاك على المعنى، وتحول المناسبة الدينية إلى طقس غذائي- اجتماعي مركزي، حيث يشتد الطلب على الرأس، الكرشة، الدوارة، دون أي نقاش حول مغزى ذلك من الناحية الدينية أو القيمية".


تفاعل متسارع.. 
رجّت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، بعدد المنشورات حول أسعار اللحوم في عدد من الأسواق المغربية، مع استفسارات عن مدى قانونيتها، وتداعياتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين؛ فضلا عن صور ومقاطع فيديو لمداهمات السلطات لمحلات بيع الأضحية.

وتفاعلا مع ما يجري، أكّد وزير الدولة المغربية السابق المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنّ القرار الملكي، قد أتى: "بعد تفكير ملي، وتردد جلي، واستشارة واسعة".

وأوضح الرميد، عبر منشور مطول على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "ذلك أنّه يعرف حق المعرفة، أن الأمر يتعلق بشعيرة مستحبة، أصبحت مع مرور الزمان عادة متمكنة مستحكمة، ويعرف أن هذه الدعوة بقدر ما سيتسحسنها الكثيرون، سيقول بشأنها البعض ما سيقولون !!!".

"لكن واجب رفع الحرج عن الناس، ودفع الضرر عنهم، من منطلق ما تقرره الشريعة الغراء، من واجب جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، امتثالا لقول الله تعالى (وماجعل عليكم في الدين من حرج)، دفعه إلى دعوة شعبه إلى ما دعاه إليه" تابع الوزير المغربي السابق.

وأضاف: "من المعلوم، أن توالي سنوات الجفاف على المغرب، أدّى إلى نقصان كبير في أعداد قطيع الماشية، مما أدى إلى ارتفاع أثمان اللحوم"، مردفا: "من المعلوم أيضا، أن الحكومة فشلت في السنة الماضية في توفير الأضاحي لتخفيف أزمة غلائها، مع كل الدعم  المالي الكبير، الذي استفادت منه القلة القلية بدون عائد واضح على أثمانها".

وتابع: "معلوم أنه لو لم يقدم الملك على ما أقدم عليه من الدعوة إلى عدم الإقدام على شعيرة الذبح يوم العيد، لتسابق الناس في شراء الأكباش، ولتفاحشت أثمانها، ولتضرر الفقراء والمساكين، وتقلبوا في مضاجعهم حسرة وألما، خاصة منهم ذووا الأبناء الصغار"، مسترسلا: "من المعلوم أيضا، أن عدد رؤوس الماشية التي تذبح يوم العيد، تتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين راسا من الغنم؛ ولنا أن نتصور المستوى الذي كان سيؤول إليه ثمن اللحم بعد عيد الأضحى، وهو الذي كان قد بلغ مائة وخمسين درهما للكيلو الواحد، قبل يوم26 فبراير، تاريخ الرسالة الملكية!!!".

"قرّر فقهاؤنا أنّ الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة، وكما يقرر الناس في شأن ضروراتهم الخاصة، بعد استفتاء العلماء، فإن من واجب ملك البلاد أن يقرر بشأن الحاجة العامة التي تهم البلاد والعباد، بعد استحضار معطيات التراجع الواضح في أعداد قطيع الماشية، واستيفاء الرأي الشرعي اللازم في مثل هذه الأحوال" بحسب الرميد.



وأردف: "لذلك، فإن من واجب الناس، كل الناس، احترام التوجيه الملكي، خاصة وأن الدولة حريصة على الحرص على استيفاء كل سنن العيد ومظاهره، ما عدا الذبح الذي سينوب بشأنه الملك أمير المؤمنين عن كافة المواطنين".

وأورد: "كما على عباد (الدوارة)، الذين يذبحون على سبيل العادة لا العبادة، أن يعلموا أن الذبح يوم العيد على خلاف عموم الناس، هو إلحاق الأذى بالجيران، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره)".

وختم الرميد، منشوره الذي حظي بتفاعل واسع، بالقول: " ليعلم من يقدم على الذبح في هذه الظروف، أنه مواطن سيء، وأن تدينه مغشوش،  بل إنه مريض يحتاج إلى علاج، شفاه الله وغفر له".

إلى ذلك، توالت التعليقات، والمنشورات بخصوص إقدام بعض المغاربة على التهافت على الأسواق، في مقابل عزم السلطات على الحد من مظاهر الاستعداد للدبح السرّي أو لبيع الأضحية في الأسواق. بينهم الأمين العام للحزب المغربي الحر، إسحاق شارية، الذي وصف الحكومة بكونها: خانت ثقة الشعب والملك.

وتابع شارية، عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "في الوقت الذي أعطى جلالته تعليماته وتوجيهاته بإلغاء شعيرة عيد الأضحى حماية للقطيع الوطني ومساهمة في إعادة إنتاجه.. كان على الحكومة العمل على تنزيل القرارات الملكية من خلال مراسيم تمنع شراء الأكباش خلال هذه الفترة".


"وتمنع الجزارة من بيع لحومها وبطونها تحت طائلة غرامات أو عقوبات" أضاف شارية، مردفا: "عمدت حكومة عزيز أخنوش إلى ما يشبه تحدّ سافر للقرار الملكي أو تبخيس غير مباشر من خلال امتناعها عن تنزيل قراراته ومواكبة احترامها بأي مرسوم أو قرار حكومي رادع حماية منها للشناقة وكبار المربين من أصحاب الحمامة والمستفيدين من الريع".

واسترسل: "قامت بما يمكن تشبيهه بعملية تدليسية هدفها الانتقام من نزع كعكة أموال الفلاحة من عزيز أخنوش، بل والسعي إلى مزيد من النزيف والاستنزاف للثروة الحيوانية، وما إطلاق يد الجزارة والناس لشراء كبش العيد.. إلا رسالة واضحة مفادها أن الحكومة تخيّر الجميع من أعلى سلطة حتى آخر مواطن بين بقائها وبين الجوع، وأنها مستمرة في سياساتها الاستنزافية..".



وبالعودة إلى الباحث في علم النفس وقضايا الأسرة، محمد حبيب، فإنّه: "على المستوى السياسي- التواصلي، فقد شكّل الخطاب الملكي خطوة مهمة في توجيه الرأي العام، لكنه لم يواكب بحملات إعلامية ودينية كافية لتأطير القرار وخلق تعبئة مجتمعية حقيقية".

وأكّد في حديثه لـ"عربي21" أنّ: "المجتمع، دون مواكبة تواصلية فعالة، قد يقرأ الرسالة بطريقة خاطئة، نقاش عقيم حول مصطلح "يهيب" ويحوّل التوجيه إلى منع، والمنع إلى تهديد، ما يولد مقاومة رمزية تعبر عن ذاتها بالتهافت بدل الالتزام".

مقالات مشابهة

  • تعز.. مظاهرة نسوية تنديدا بتردي الخدمات وانهيار العملة الوطنية
  • دراسة: تراجع التدين وارتفاع الإلحاد في تركيا
  • منها تخفيف الاكتئاب والالتهابات.. 7 فوائد صحية لليانسون
  • كيف يستعد المغاربة لـالعيد الكبير دون أضحية؟.. بيع في الخفاء وارتفاع بالأسعار
  • على من تُطلق الدولة الرصاص؟
  • علاقة القهوة بالجينات.. دراسات متنوعة تكشف معلومات مثيرة
  • رئيس مجلس الشورى يعزي عضو المجلس هدى أبلان في وفاة نجلها
  • قصف لا يتوقف في غزة… وارتفاع مروّع في عدد شهداء الصحافة
  • مركز دراسات أفريقي يحذر من توسع التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية
  • قصف متواصل على غزة وارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين