فتاة العتبة وبيومي فؤاد وديكارت وانفعال المشاعر
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
فجأة وجدتني بحاجة إلى التفكير معكم بصوت عالٍ عن انفعال المشاعر، بعدما وجدتها طغت واستفحلت وانتشرت، وغلبت علينا جميعا فوصلت إلى حدود الخطر في هدم العلاقات وتقطيع الصلات، بل ربما أدت إلى قتل معنوي وربما قتل نفس في لحظة غضب.
وحتى لا يظن البعض أنني أقصد الجزء السلبي فقط من انفعال المشاعر فحتى الإيجابي منه إن بدا لحظيًا فى شكل مبهج إلا أن عدم استمراره أصبح مؤذيًا.
وحتى أشارككم ما يدور في ذهني وما أكده "ديكارت" ورغم اختلافي معه في الكثير مما ساقه في كتابه "انفعالات النفس"، إلا أنه قدم قاعدة ثابتة وهي ضرورة معرفة المشاعر والسيطرة عليها، وقال إن المشاعر "ستة" وهي: العجب، الحب، الكراهية، الرغبة، الفرح، الحزن".
سأعود معكم لديكارت وسينوزا وخلافهما حول صراع النفس والجسد على مملكة الغضب وأيهما يحكم؟ لكن الآن أود أن أخبرك أننا دمرنا الكثير من صفاتنا أو كما يقال جيناتنا وتعاليمنا بما زرعوه بداخلنا من مشاعر لحظية وانفعالية.. والأصل في المشاعر هو التأني إن لم يكن في الإحساس ففي البوح بها.
أتتذكرون فتاة العتبة، تلك واقعة اغتصاب فجة علنية، تتذكرها بعض الأجيال التي عاصرتها، ولدت حالة انفعال من مشاعر الغضب الذي دون مبرر تحول إلى تعاطف ثم حب ثم فرح ثم حزن.
أوضح لك.. انهالت على الفتاة طلبات الزواج من رجال كثيرين، وتواترت الأخبار وعاش الجميع حالة من توهج المشاعر التي ابتعدت في منطقها عن الواقع، فأعطوا أملًا مزيفًا وسرابًا يحسبه الظمآن ماءً، وتوارت الحادثة كغيرها وبقى الألم مضاعفا لأصحابه، ألم الحادثة وألم الأمل الزائف الذي وزعناه بسخاء مجانا عبر أرصدة من المشاعر لم نتحقق منها ولسنا قادرين على تحويلها إلى واقع.
ولا أعرف ما الذي ذكرني بفتاة العتبة.. هل هو اغتصاب أرض عربية؟! لم يسارع حتى الرجال بمشاعر لحظية للوقوف بجوارها! أو أن ما يحدث في فلسطين هي المشاعر الحقيقية التي أود أن أشير إليها، المشاعر التي محصتها السنوات فباتت عقيدة لا تقبل الفصال.
أتتذكرون "أكثم" رجل أنقاض الزلزال الذي خرج حيًا بعد أيام، فعرضت عليه نصف النساء الزواج وصار مشهورًا لبضعة أسابيع ثم توارت حكايته فعاش تحت أنقاض الحياة حتى مات دون جلبة.. ودون أن يحاول شخص واحد السؤال عن نصف الحكاية التي لا نراها.
حكايات كثيرة ما بين تفويض وتقييد وهتافات ومظاهرات في دول وجامعات ونقابات وبيوت، يقف أحدهم ومعه "ريموت" فينفعل الناس بمشاعر لحظية كدمى ثم يذهب كل منهم في طريقه، كمن يمر على جنازة فيطفئ إذاعة الأغاني ويرفع سبابته وبعد لحظة يعاود الرقص على أغنيته.. الأصل في كل ما يمر ألا يمر سريعا حتى يولد مشاعر صادقة ومستمرة.
وحتى لا أطيل عليك وأتركك لمحاكمة بيومي فؤاد وموقف محمد سلام، وإعلانات المنتجات المصرية، وأهرامات الشيخ، وغيرها مما ترسخ بداخلك الانفعال اللحظي للمشاعر فتجرف ما تبقى من عقل، أعود لديكارت الذي جعل النفس هي صاحبة الإرادة في إدارة المشاعر لا الجسد، والذي قال عنه قاصر وعاطل، ومحكوم لا يفكر ولا يختار أبدا. بينما النفس بها الإرادة الموجهة والمتحكمة، بل المسيطرة. هذه الفكرة الديكارتية يؤمن بها تقريبا كل الناس، ويرفضها سبينوزا رفضا قاطعا. فيقول سبينوزا: «ليست النفس (إمبراطورية داخل إمبراطورية)، بل هي تتحرك والجسد بطريقة متوازية وبشكل متزامن. فما يحدث في الجسم، يحدث في العقل، والعكس صحيح. فكل فعل أو انفعال في أحدهما، يوازيه ما يماثله في الآخر،إنهما وجهان لعملة واحدة، لذلك كلما استطاع العقل، كقوة طبيعية في الإنسان، أن يوضح أفكار الأشياء وصورها الذهنية، وجعلها منتظمة ومرتبة وواضحة، فإن انفعالات الجسم ستكون على نظام العقل نفسه».
فإذا كان ديكارت يرى أن حدوث الفعل في النفس يؤدي إلى حدوث انفعال في الجسد، والعكس صحيح، فإن سبينوزا يؤكد على العكس تماما. ففعل النفس كصفة فكرية، يوازيه فعل جسدي كصفة امتدادية والعكس صحيح.
باختصار الفعل أو الانفعال يحدث للإنسان في كليته، وكل ما هنالك أنه يتجلى في النفس بصفة التفكير، أي كإدراك، وفي الجسم بصفة الامتداد، أي كتجسد ملموس. فالخجل يوازيه مثلا احمرار الوجه. إن النفس بحسب سبينوزا، ليست شيئًا متعاليًا ومفارقًا ومتحكمًا ومسيرًا ومبثوثًا في الجسد. بل هي وجه آخر للجسد.
وأخيرًا يا صاح فكر وتأنى قبل أن تبوح بمشاعرك.. فإذا بوحت استمر واستمر.. لا تدعم قضية للحظة ثم تنصرف.. لا تلق كلمة إعجاب في قلب أحد ثم تمضي.. لا تزور مريضا مرة بل داوم حتى يشفى.. افرح بتوأدة واحزن بتوأدة.. لا تؤيد ولا تنتقد حتى تعرف الحقيقة كاملة فنصف الصورة لا يكفي.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
أستاذ بجامعة الأزهر: ينبغي عدم الانشغال بالفتن عن بناء النفس
قال الشيخ أحمد البصيلي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إنه ينبغي عدم الانشغال بالفتن عن بناء النفس وتنمية العقل، مؤكدًا أن العلم يمثل نورًا يضيء الطريق، بينما الإيمان يهذب النفس ويقوي الإرادة. ودعا الشباب إلى أن تكون أفعالهم رسالة وكلماتهم قدوة، وأن يظلوا دائمًا قادرين على مواجهة التحديات بحكمة وصبر.
واستعرض الشيخ أحمد البصيلي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف نماذج من القيم التي يجب أن يتحلّى بها الشباب، داعيًا إلى الجمع بين نور العلم ونور الإيمان، خلال محاضرة ألقاها بجامعة قنا، وذلك تحت رعاية الدكتور أحمد عكاوي رئيس جامعة قنا، وإشراف الدكتور محمد سعيد نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ورائد عام الأسرة .
تعزيز القيم:ونظمت أسرة طلاب من أجل مصر بجامعة قنا، ندوة تثقيفية تحت عنوان " تعزيز القيم وبناء الوعى بين الشباب في ظل التحديات المعاصرة " استضافت خلالها فضيلة الشيخ أحمد البصيلي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف.
وحضر الندوة، الدكتور اشرف موسي نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب والدكتورة بدرية حسن على رائد فتيات اسرة طلاب من اجل مصر والدكتور محمد همام مساعد رائد الاسرة ولفيف من عمداء ووكلاء الكليات وأعضاء هيئة التدريس بالإضافة إلى حوالي 1200 طالب وطالبة من طلاب الجامعة.
ونقل الدكتور محمد سعيد تحيات الدكتور أحمد عكاوي رئيس الجامعة إلى الحضور، مُرحبًا بفضيلة الشيخ أحمد البصيلي. وأثنى على دور أسرة طلاب من أجل مصر وما تقدمه من أنشطة هادفة تُسهم في بناء طالب جامعي واعٍ قادر على التفكير والبناء، مشيرًا إلى أن الندوة تأتي في إطار حرص الجامعة على دعم الأنشطة التثقيفية والروحية التي تعزز الوعي وتنمّي الفكر لدى الطلاب.
ووجه فضيلة الشيخ أحمد البصيلي خلال اللقاء رسائل توعوية للشباب، مشددًا على أهميتهم كعماد المستقبل وقلب الأمة النابض بالحياة.
وشهدت الندوة حضورًا طلابيًا لافتًا من مختلف كليات الجامعة، في إطار اهتمام جامعة قنا بتوفير مساحات حقيقية للحوار واللقاءات الفكرية والإنسانية التي تصقل شخصية الطالب الجامعي.
وكان الدكتور أحمد عكاوي رئيس جامعة قنا، قد استقبل فضيلة الشيخ أحمد البصيلي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، على هامش فعاليات الندوة التثقيفية التي نظمتها أسرة طلاب من أجل مصر تحت عنوان "تعزيز القيم وبناء الوعى بين الشباب في ظل التحديات المعاصرة".