واشنطن – مع الإعلان عن تمرد قوات فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين ضد وزارة الدفاع الروسية، سارعت الإدارة الأميركية للتأكيد بأنها كانت تعرف عن نية فاغنر بالتحرك نحو العاصمة موسكو.

وقبل أيام أفادت شبكة "سي إن إن" (CNN) بأن الاستخبارات الأميركية تمكنت سابقا من جمع معلومات دقيقة للغاية عن خطط بريغوجين، ومن ذلك أين وكيف كانت المجموعة تخطط للتقدم في تحركها العسكري نحو موسكو.

وذكرت المصادر أن بريغوجين قرر المضي قدما في خطته بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية في العاشر من الشهر الجاري إجبار جميع الشركات العسكرية الخاصة -بما في ذلك فاغنر- على توقيع عقود مع الجيش الروسي بدءا من مطلع شهر يوليو/تموز القادم.

وفي الوقت نفسه حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على التأكيد أن بلاده لا علاقة لها بما يحدث في روسيا ولن تتدخل في ما يجري بها، وأن ما يجري هو جزء من صراع داخل النظام الروسي.

وقد أثار الموقف الأميركي كثيرا من التساؤلات إزاء الطريقة التي حصلت بها واشنطن على معلومات حول التمرد، وكيفية تقييم واشنطن للتمرد، وكذلك كيف تنظر واشنطن لما سيحدث لمجموعة فاغنر، سواء في أوكرانيا أو في أي مكان آخر. الجزيرة نت طرحت هذه الأسئلة على عدد من الخبراء في واشنطن.

واشنطن تعرف الكثير

"الولايات المتحدة تعرف الكثير عما يجري في الداخل الروسي"، بهذه الكلمات بدأ خبير الشؤون الاستخباراتية جوناثان أكوف حديثه حول ادعاءات الحكومة الأميركية بعلمها المسبق والوشيك بتحرك يفغيني بريغوجين وقوات فاغنر، مؤكدا أنها ذات مصداقية كبيرة.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، أشار جوناثان أكوف الباحث في قسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا الساحلية، والذي عمل في السابق محللا عسكريا في المكتب الوطني للبحوث الآسيوية، إلى فشل الجيش الروسي مرارا وتكرارا في اتباع حتى أبسط قواعد تأمين الاتصالات خلال حرب أوكرانيا.

وأضاف "فضلا عن ذلك، من المعروف أن الولايات المتحدة كانت قادرة على تجنيد كثير من الأشخاص داخل الحكومة الروسية".

وتابع "بالنظر إلى مدى حزن وإحباط عدد من القادة العسكريين الروس فيما يتعلق بمدى سوء أداء جيشهم في حرب أوكرانيا، ناهيك عن خط المرتزقة ذاته، ربما كان لدى مجتمع الاستخبارات الأميركي تقارير جيدة عن خطط مجموعة فاغنر وأي جنرالات من المحتمل ومن غير المحتمل أن يدعموهم، عن طريق أشخاص من داخل المنظومة الأمنية الروسية".

وتناول أكوف الذي سبق أن خدم في القوات البرية الأميركية تفاصيل التحرك العسكري لفاغنر، قائلا إن "قوات فاغنر استولت على قاعدة عسكرية في روستوف، وفجرت مصفاة طاقة في فورونيج، وأسقطت بضع طائرات هليكوبتر في رحلتها التي تراوح بين 300 و400 كيلومتر في اتجاه الشمال، قبل أن تتوقف على حدود موسكو".

ووفقا للخبير الأميركي، فإن هذا ليس علامة ضعف للحكومة الروسية وهو أمر راسخ بالفعل، ولكنه دليل على عدم كفاءة بريغوجين والقادة الميدانيين الآخرين في هذه الحرب.

وأوضح أنه لا يرى أي تغيير يذكر في الوضع الراهن داخل روسيا بعد تمرد فاغنر القصير، مشددا على أن هناك القليل من الدلائل على أن الشعب الروسي قد يثور على الحكومة، على الرغم من الهتاف لأبطال فاغنر، واصفا ما حدث بأنه "دراما روسية كلاسيكية".

تمرد صادم

من جانبه، رأى ألكسندر داونز، مدير معهد دراسات الأمن والصراع بجامعة جورج واشنطن والخبير في الصراعات الدولية وحروب المدن، أن ما جرى كان صادما جدا من ناحيتين، أولا: أن الانتفاضة نفسها كانت مفاجأة كبيرة، على الرغم من أن الاستخبارات الأميركية على ما يبدو كان لديها بعض التلميحات بأن شيئا ما قادم، وثانيا: الطريقة الغريبة التي انتهى بها التمرد.

وقال في تصريحات للجزيرة نت إن ما يصعب فهمه هو أنه إذا كانت شكوى بريغوجين الرئيسية هي إجبار وزارة الدفاع الروسية قوات فاغنر على توقيع عقود مع الجيش فلماذا لم يستخدم التهديد بالانسحاب من القتال بالكامل لوقفه؟ بدلا من الذهاب إلى القيام بتمرد شامل على هذا النحو. هذا كان لا بد أن ينتهي بشكل سيئ؟

وتحدث ديفيد دي روش، المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر في كلية الدفاع الوطني بواشنطن، للجزيرة نت، قائلا إن "هناك تأثيرا كبيرا على معنويات القوات المسلحة الروسية، فقد صرح بريغوجين علنا أن الحرب غير شرعية وتم إطلاقها فقط حتى يتمكن المرتبطون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الربح".

وأضاف أن من الصعب جدا تحفيز الجنود على المخاطرة بحياتهم إذا شعروا بأن قادتهم لا يهتمون حقا بالقضية التي يقاتلون من أجلها، فقد رأينا فاغنر تتقدم بسرعة كبيرة نحو موسكو، ولم يكن هناك قوات برية كبيرة تابعة لوزارة الدفاع أو الاستخبارات الروسية أو وزارة الداخلية على استعداد للمخاطرة بحياتها لمحاولة إيقاف ما كان قوة صغيرة نسبيا من المقاتلين.

ووفقا لروش، فمن غير المعقول أن نتوقع أن هذه اللامبالاة قد تصيب القوات الروسية في أوكرانيا، وأن حدوث أي اختراق كبير للقوات الأوكرانية قد يؤدي إلى انهيار للقوات الروسية بسبب الإحباط المعنوي.

خطة بريغوجين

بدوره، اعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- أن الأحداث في روسيا تشير إلى الخطر الذي تشكله جهة فاعلة مسلحة تسليحا جيدا من غير الدول، وقدرتها على تحويل تلك الأسلحة ضد الدولة الراعية.

وأكد في حديث للجزيرة نت أن فاغنر كانت تقدم نفسها كمتعاقد عسكري خاص للحكومة الروسية، لكنها تتصرف بشكل أساسي "كمنظمة إرهابية"، والدليل على ذلك انتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها في أوكرانيا.

وأضاف والين أن "زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين هو فرد مفلس أخلاقيا لا تحركه سوى المنفعة الشخصية والسلطة والربح، كان يطلق الخطب ضد أعضاء القيادة الروسية بسبب إخفاقاتهم في دعم جهود فاغنر في أوكرانيا بشكل صحيح طوال أشهر".

وتابع "بريغوجين الغاضب بشكل مفهوم من الوضع في أوكرانيا قرر أن يتحرك بأهداف غير واضحة ضد الحكومة الروسية، لكنه سرعان ما أدرك أنه لن ينجح فأوقف التمرد".

وأضاف والين أن تقدم قوات فاغنر بسرعة نحو موسكو تحقق بدافع المفاجأة أكثر من أي شيء آخر، إلا أنه بمجرد أن بدأ سلاح الجو الروسي في ضرب قوافلهم على الطريق السريع رأى بريغوجين حقيقة ما ينتظره وما يمكن أن يحققه.

وأردف قائلا "البعض يقول إن هذا الحدث يظهر أن الرئيس بوتين ضعيف. أود أن أزعم أن هذا ليس هو الحال بالضرورة، فالتمرد لم يعد موجودا وقد فاز بوتين. اسمحوا لي أن أكون واضحا رغم ذلك، لم يكن هناك خيار في هذا التمرد السريع… كان الرجل السيئ مقابل الرجل الأكثر سوءا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی أوکرانیا قوات فاغنر

إقرأ أيضاً:

طقوس الفودو وحروب الموز.. سجل حافل بتدخلات واشنطن في أميركا اللاتينية

على مدى قرن ونيف، شكلت أميركا اللاتينية مسرحا لتقلّبات السياسة الخارجية الأميركية وتناقضاتها الحادة. فبين إعلان حماية المصالح والديمقراطية، والانغماس في تغيير الأنظمة بالتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر، نسجت واشنطن علاقة بجوارها الجنوبي اتسمت بالتفرد والاضطراب.

وفي تقرير لمراسلتها هيلين كوبر التي تغطي أنشطة وزارة الحرب (البنتاغون)، تناولت صحيفة نيويورك تايمز تاريخ التدخلات العسكرية للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية باستعراض أبرز المحطات في تسلسل تاريخي يمتد من أواخر القرن الــ19 حتى أواخر القرن الــ20، نوجزها:

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس تستعرض قائمة الأسلحة الأميركية لدى إسرائيلlist 2 of 2نيويورك تايمز: هكذا ستبدو حروب المستقبلend of listكوبا (1898)

كانت الحرب الإسبانية الأميركية نقطة تحول أطلقت سلسلة من التدخلات. فبعد إرسال البارجة "يو إس إس مين" إلى هافانا وإغراقها في انفجار غامض، شنت الولايات المتحدة حربا أدت إلى حصار كوبا واحتلال بورتوريكو وغوام والفلبين بموجب معاهدة باريس.

كان إنزال المارينز في خليج غوانتانامو بكوبا في يونيو/حزيران عام 1898 إيذانا ببدء "حروب الموز"، وهي فترة اتسمت بالانخراط المكثف للمارينز في زعزعة استقرار حكومات أميركا الوسطى والكاريبي وقلبها، وفقا لتصريح العقيد المتقاعد مارك كانسيان، المستشار الأقدم في المركز للدراسات الإستراتيجية والدولية.

نيكاراغوا (1912)

بدأ تدخل الولايات المتحدة في نيكاراغوا عام 1912 عندما هبطت قوات المارينز على أراضيها في خضم ثورة على رئيسها الموالي لواشنطن، بذريعة الحفاظ على المصالح الأميركية. وما لبث أن تحولت المهمة إلى تدخل عسكري مباشر لينتهي الأمر باحتلال دام 21 عاما، ليصبح جزءا رئيسيا من "حروب الموز".

قائدا جبهة التحرير الوطني الساندينية في نيكاراغوا دانيال أورتيغا (يمين) وهومبرتو أورتيغا (غيتي)المكسيك (1914 و 1915)

ويقدّم المقال نموذجا آخر لاضطراب السياسة الأميركية في المنطقة بسبب تحركاتها في المكسيك عام 1914، فقد دعمت واشنطن انقلابا على رئيس مكسيكي، ثم سحبت دعمها لصالح "الزعيم الثوري الخارج على القانون" بانشو فيا، قبل أن تدخل في مواجهة جديدة مع حكومة مكسيكية كانت قد اعتقلت جنودا أميركيين ثم أفرجت عنهم، لكن الولايات المتحدة طالبتها باعتذار و21 طلقة تحية، فوافقت المكسيك على الاعتذار، لكنها رفضت طلقات التحية.

إعلان

واستغل الرئيس الأميركي آنذاك وودرو ويلسون حادثة بسيطة ليفرض حصارا على ميناء فيراكروز ويحتله مدة 7 أشهر، في خطوة يُنظر إليها اليوم كدليل إضافي على توظيف القوة العسكرية في إدارة الخلافات الدبلوماسية.

تصميم خاص لخريطة المكسيك (الجزيرة)

وبحلول عام 1915، انقلبت الولايات المتحدة على فيا. وفي 9 مارس/آذار 1916، شن فيا هجوما على موقع للجيش في نيو مكسيكو أسفر عن مقتل جنود ومدنيين، فأرسل ويلسون إلى المكسيك من جديد قوات للقبض على فيا بهدف وحيد هو أسره، لكنها فشلت في العثور عليه بعد عام تقريبا وعادت في عام 1917.

هذه المطاردة العقيمة حوّلت فيا إلى بطل شعبي، مما يؤكد كيف أن التدخل الأميركي "يشوه السياسة" الداخلية، كما أشار ميغيل تينكر سالاس، الأستاذ الفخري للتاريخ والدراسات اللاتينية بجامعة بومونا.

غرينادا (1983)

اجتاحت الولايات المتحدة جزيرة غرينادا عام 1983 عقب انقلاب داخلي، مبرّرة التدخل بحماية مئات الطلاب الأميركيين. وتصف الصحيفة العملية بأنها كانت سريعة وحاسمة وأسفرت عن تغيير النظام.

بنما (1989)

في واحدة من أكثر الحوادث غرابة، أقدمت الولايات المتحدة على اعتقال الجنرال مانويل نورييغا الذي كان لسنوات عميلا لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية وحليفا للولايات المتحدة.

وكان نورييغا يتقاضى أموالا لتخريب حركات يسارية، كما كان يغسل أموال المخدرات. وبعد أن اتُّهم بالاتجار وتهريب المخدرات وساءت علاقته بالولايات المتحدة، أعلن الحرب عليها، مما أدى إلى غزو أميركي بعد مقتل جندي أميركي عند نقطة تفتيش.

وفي ذروة الغزو، أعلن الجيش الأميركي العثور على 110 أرطال من الكوكايين في دار ضيافة نورييغا. لكن البنتاغون اضطر إلى التراجع لاحقا، موضحا أن المادة لم تكن سوى "تمالي"، وهي مادة قال أحد الضباط، إنها "تستخدم في طقوس الفودو"، في واحدة من أبرز زلات الجيش الأميركي الإعلامية في المنطقة.

هاييتي (1994)

بعد 60 عاما على زيارتهم الأولى لهاييتي، عاد المارينز -هذه المرة برفقة قوات من الجيش الأميركي- بعدما أصدر الرئيس بيل كلينتون أمرا للجيش الأميركي بإعادة الرئيس جان-بيرتران أريستيد إلى السلطة، عقب انتخابه ديمقراطيا ثم الإطاحة به سريعا.

وبعد عشر سنوات، خرج أريستيد من دائرة الرضا في واشنطن، ليُطاح به في انقلاب دُبّر بتنسيق بين الولايات المتحدة وفرنسا، الدولة التي كانت قد استعمرت هاييتي.

هاييتي تنخرها العصابات الإجرامية (الفرنسية)

عقب اغتيال الرئيس هاييتي، فيلبرون غيوم سام (بعد فترة وجيزة من أمره بإعدام 167 سجينا سياسيا)، أرسل الرئيس الأميركي ويلسون قوات المارينز إلى البلاد.

كانت المهمة المُعلنة هي استعادة النظام وتحقيق الاستقرار بعد الاضطرابات التي كانت تُغذيها جزئيا إجراءات أميركية، مثل الاستيلاء على احتياطيات الذهب الخاصة بها بسبب الديون. وبقي المارينز هناك ما يقرب من 20 عاما، وانسحبوا أخيرا في عام 1934.

مقالات مشابهة

  • طقوس الفودو وحروب الموز.. سجل حافل بتدخلات واشنطن في أميركا اللاتينية
  • ياسين براهيمي للجزيرة نت: إصابتي كانت مروعة
  • عاجل | سفارة أميركا بأنقرة: إذا أرادت تركيا العودة لبرنامج طائرات إف 35 فعليها التخلي عن امتلاك منظومة إس 400 الروسية
  • جهاز الاستخبارات الروسي يكشف صفقة فساد وسرقة أموال جديدة بين أوكرانيا والأوروبيين
  • زيلنسكي: مستعدون لهدنة في مجال الطاقة إن كانت روسيا مستعدة لذلك
  • زيلينسكي: أوكرانيا ستطلع أميركا على خطة السلام المعدلة
  • الجيش الروسي يُسيطر على بلدتين جديدتين شرق وجنوب أوكرانيا
  • تحقيق: فيلق أفريقيا الروسي متهم بالاغتصاب وقطع رؤوس المدنيين في مالي
  • لوس أنجلوس تايمز: فظاعات يرتكبها فيلق أفريقيا الروسي في مالي
  • مونيكا وليم تكتب: انعكاسات التقدم الروسي في أوكرانيا على فرص التسوية