للدكتور محمود عبدالعال فرّاج: الدعوة للمقاطعات الاقتصادية في الميزان
تاريخ النشر: 8th, July 2023 GMT
للدكتور محمود عبدالعال فرّاج في الأسابيع القليلة الماضية مررنا بأحداث جرت في مملكة السويد من الاعتداء السافر على مقدسات المسلمين وما تبعه من احتجاجات في العديد من دول العالم الإسلامي تمثلت في اشكال مختلفة من الاحتجاجات الجماهيرية الي استدعاء سفراء بعض الدول العربية والاسلامية للتشاور مروراً بالدعوات الي ضرورة القيام بعمل شعبي جماهيري كالمقاطعة الاقتصادية للمتاجر والعلامات التجارية السويدية التي تأتي في مقدمتها متاجر ايكيا والعديد من العلامات التجارية الاخرى المنتشرة في الكثير من دول العالم العربي والإسلامي ، فكان لابد لي من التوقف طويلاً امام هذه الدعوات الصادقة التي انطلقت للمناداة بالمقاطعة الاقتصادية للسويد ومدي جدوي تلك الدعوات ، حقيقة الامر ان الدول العربية لديها علاقات تجارية محدودة جداً حيث بلغت قيمة صادرات السويد للدول العربية، 4.
564 مليار دولار خلال العام الماضي وهو ما يمثل حوالي 2.1 في المائة من مجمل صادراتها، بينما بلغت قيمة وارداتها من الدول العربية 1.262 مليار دولار بما نسبته 6 في الألف من مجمل وارداتها، ليصل نصيب الدول العربية من تجارة السويد 1.4 في المائة، وحققت السويد فائضا تجاريا مع العرب بلغ 3.3 مليار دولار امريكي ، فهل يمثل ذلك الرقم قوة ضاغطة على السويد للاعتراف بالسوء الذي تم ممارسته ضد اهم مقدسات المسلمين ، في هذا المقال سنتعرف على ذلك ونحللها بشيء من الواقعية والانصاف. دعونا في البدء نعرف ما هو مفهوم المقاطعة الاقتصادية حيث يمكن تعريفها على أنها وقف العلاقات الاقتصادية من خلال رفض جماعي لاستهلاك منتجات شركة أو دولة ما، أو إقامة أي علاقة اقتصادية معها، للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها اتجاه بعض القضايا مثل إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما، او التدخل في الشئون الداخلية لدولة معينة، فالمقاطعة الاقتصادية تعتبر احد أوجه حروب العقوبات الاقتصادية حيث يتم استخدام العقوبات الاقتصادية كوسيلة للضغط على الدول لتغيير سلوكها أو سياساتها، فعلى سبيل المثال فرضت العديد من الدول العقوبات الاقتصادية على إيران وروسيا وكوريا الشمالية بسبب سياساتها المتنازع عليها. في الإسلام تعتبر المقاطعة الاقتصادية أحد الأدوات التي يمكن استخدامها للتعبير عن الاحتجاج أو تحقيق الغايات السياسية أو الاقتصادية، حيث توجد بعض المبادئ والتوجيهات في الإسلام التي قد تؤثر على المقاطعة الاقتصادية فالإسلام يدعو الي ان تكون اسلمية فيُشجع المسلمون على أن يكونوا سلميين في تعبيرهم عن الاحتجاجات والمقاطعة كما يُحث على عدم العنف أو التخريب في ممارسة هذه الاستراتيجية، ومن ضمن أساليب المقاطعة الاقتصادية في الدين الإسلامي منع التجارة غير الحلال التي تعتبر احد أوجه المقاطعات الاقتصادية كما ان الفكر الإسلامي يدعو الي التعاون والتضامن حيث يشجع الإسلام على التعاون والتضامن بين المسلمين في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية فعلي سبيل المثال يمكن أن يشمل ذلك دعم الشركات المحلية وتعزيز الاقتصاد المجتمعي او رفض لمنتجات الدول التي تناهض الفكر الإسلامي كالمقاطعة التي حدثت سابقاً للدنمارك ولفرنسا بسبب الرسوم المسيئة للرسول الكريم أفضل الصلاة والسلام عليه، كما ان هناك العديد من هناك بعض الأمثلة التاريخية على المقاطعة الاقتصادية في الإسلام، ولعل أشهرها مقاطعة مشركي قريش للمسلمين في مكة في بدايات الدعوة الإسلامية، حيث قامت قبيلة قريش بمقاطعة المسلمين المؤمنين بالرسالة الإسلامية وفرضت عليهم حصارًا اقتصاديًا، وتضمنت تلك المقاطعة منع التجارة مع المسلمين ومقاطعة الأسواق التي تدعمهم ومع ذلك، استمرت المقاطعة لفترة وجيزة قبل أن تتغير. الأوضاع ويتمكن المسلمون من تجاوزها وكذلك الدعوات المتكررة لمقاطعة إسرائيل التي تأتي بين الفينة والأخرى كدعوات شعبية لتشجيع مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووقف التعامل معها، بهدف الضغط على إسرائيل لتحقيق العدل والحقوق للفلسطينيين. يشمل ذلك عدم شراء المنتجات الإسرائيلية أو دعم الشركات التي ترتبط بإسرائيل كما ان هنالك العديد من الأمثلة التاريخية والحديثة على المقاطعات الاقتصادية التي تم تنفيذها بواسطة مجتمعات أو دول فعلي سبيل المثال مقاطعة جنوب أفريقيا في فترة الفصل والتمييز العنصري حيث قامت العديد من المجتمعات الدولية والمؤسسات بمقاطعة الحكومة الجنوب أفريقية ومنتجاتها. تضمنت المقاطعة عدم الاستثمار في البلاد وعدم شراء السلع الجنوب أفريقية، وهدفت إلى الضغط لإلغاء نظام الفصل العنصري، وهو كما تكلل بالنجاح في نهاية الامر نتيجة لهذه المقاطعات بالإضافة الي العديد من العوامل الأخرى التي يأتي في مقدمتها نضال الشعب الجنوب افريقي وزعامته ضد نظام الفصل العنصري. لكن السؤال الأهم هل تنجح دائماً المقاطعات الاقتصادية في تحقيق أهدافها، الإجابة على هذا السؤال تحتاج الي التوقف امام العديد من النقاط قبل الإجابة عليه بشكل نهائي، تتمثل اهم هذه النقاط فيما يلي حيث ان المقاطعة الاقتصادية تعتمد على احتياجات المجتمع أو الدول التي تنادي بالمقاطعة والأهداف التي ترغب في تحقيقها، فقد تكون المقاطعة الاقتصادية لها تأثيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية على الدولة المستهدفة وتشكل ضغطًا لتغيير سياساتها أو سلوكها. ففعالية المقاطعة الاقتصادية في تحقيق أهدافها قد تتفاوت بحسب الظروف والسياق الذي تُنفذ فيه. قد تكون للمقاطعة تأثيرات قوية وفعّالة في بعض الحالات، وفي حالات أخرى قد تكون أقل تأثيرًا فإذا كانت المجموعة أو الدولة المقاطعة لها قوة اقتصادية كبيرة، مثل دولة كبرى أو اتحاد دولي قوي ( كدول رابطة العالم الإسلامي متحدةً)، فقد يكون لها تأثير قوي في تحقيق أهدافها، نظرًا لقدرتها على تأثير التجارة والاستثمار بشكل كبيركما تعتمد فعالية المقاطعة على درجة تبعية الدولة المستهدفة على التجارة الخارجية فإذا كانت الدولة المستهدفة تعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية أو على سوق معين، فقد يكون للمقاطعة تأثير كبير في حدوث الضغط الاقتصادي ومن ثم تحقيق اهداف المقاطعة وفي حال حظيت المقاطعة بدعم دولي وشعبي واسع، فقد يزيد ذلك من فعالية المقاطعة وضغطها على الدولة المستهدفة. يمكن أن يشمل الدعم الدولي العقوبات الاقتصادية الرسمية ومقاطعة الشركات والمنظمات الدولية وهو ما لا يتحقق في حالة السويد التي يدعمها الاتحاد الأوروبي متعللا بحرية الراي ، كما ان تنوع الاقتصاد المستهدف يلعب دوراً هاماً في تحديد مدي فعالية المقاطعة من عدمه فإذا كان لدى الدولة المستهدفة اقتصاد متنوع ومصادر متعددة للإمدادات والأسواق، فقد يكون للمقاطعة تأثير أقل نسبيًا، حيث يمكن أن تستبدل الدولة المستهدفة الأسواق المقاطعة بأسواق أخرى، وهو ايضاً ما يتحقق في حالة السويد حيث تتمتع باقتصاد قوي وتنوع في صادراتها للعديد من الدول الأوروبية تحديداً حيث تتمتع السويد بالاقتصاد رقم 22 على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي، ورقم 32 من حيث إجمالي الصادرات، تمثل الاجهزة الكهربائية مثل أجهزة الكومبيوتر والغسالات والثلاجات أهم صادرات السويد، وهي تمثل 16 في المائة من إجمالي صادراتها السنوية، وتبلغ قيمتها حوالي 25 مليار دولار أمريكي كما تحتل المركبات المرتبة الثانية بنسبة 14 في المائة، وبقيمة تقدر بـ 24 مليار دولار، وهذا يشمل السيارات والشاحنات وقطع الغيار، وتأتي المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية من ضمن اكبر مستورد من السويد ، كما انها تأتي في المركز 31 من إجمالي الواردات على مستوي العالم ويأتي في طليعة وارداتها الطاقة حيث تعاني من نقص حاد في موارد الطاقة. من المهم أن يؤخذ في الاعتبار أن تطبيق المقاطعة الاقتصادية يعتمد على التفسير الفردي والسياق الاجتماعي والقانوني لكل مسلم، وينبغي أن يكون متوافقًا مع مبادئ الإسلام والقوانين المحلية، كما انه ولابد ان تتكامل المقاطعة المجتمعية مع المقاطعة الرسمية فلا يكتفي فقط بمقاطعة الافراد لسلعة شركة او سلعة قادمة من دولة ما واما بجب ان تتكامل مع مقاطعة كاملة شاملة ان قوم الدولة ايضاً بممارسة الضغط الاقتصادي على الدولة المستهدفة ( السويد في حالتنا ) لتكون حملة المقاطعة ذات فاعلية وان يكون ذلك في شكل حملة مستمرة مبنية علي اهداف وليست كردة فعل حدثت على تجاوز معين ضد الإسلام او المسلمين لان هذه التحركات المحدودة تتآكل مع مرور الزمن وبالتالي فان الشركات او الدول او المجتمعات المسيئة لا تلقي لها بالاً وانما تعتمد على استراتيجية النسيان بالتقادم ومرور الوقت ، ولكن ان بنيت هذه الحملات وان كان تأثيرها محدوداً قياساً بالتبادل التجاري على سبيل كما في حالة السويد والدول العربية ، ان الشركات والعلامات التجارية السويدية تخشي اشد الخشية من تصاعد نبرة الاحتجاجات والدعوات المنادية بمقاطعتها وهو ما يدفها للتأثير على حكومتها لتشريع القوانين التي تحد من الإساءة للأديان السماوية وتجرمها وهو ما حدث حيث يجري الحديث الان على دعوة الحكومة السويدية للبرلمان بالعمل على تشريع قوانين تحد من الإساءة للأديان وتصنفها من ضمن جرائم الكراهية ، لا نريد لكل هذه الحملات المتتالية ان تذهب سدى وانما نريد ان يكون تأثيرها على الاهتمام بالجوانب الاقتصادية وكيفية الحد من هذه الاعمال من خلال تفعيل حملة مقاطعة اقتصادية علمية وممنهجة يكون تأثيرها قوياً فيما حدث سابقاً والتلويح بها لوقف اية اساءات أيا كانت قد تاي مستقبلا واعتقد ان رابطة الدول العالم الإسلامي في هذا الجانب مع وزارات الاقتصاد والغرف التجارية والشركات التي لديها علاقات مع الجانب السويدي قد تلعب دورا هاما في هذا الصدد.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
ما الدولة التي تراهن عليها أميركا للتحرر من هيمنة الصين على المعادن النادرة؟
فتح التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية والتوسع الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، والصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من ناحية وكون الصين أكبر منتج في العالم لمعادن الأرض النادرة من ناحية أخرى الباب أمام إندونيسيا كي تحتل مكانة إستراتيجية مهمة في سلاسل إمداد المعادن النادرة وصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ونظرا لافتقارها إلى الاحتياطيات الطبيعية والإمدادات المحلية من معادن الأرض النادرة التي تستخدم في أغلب الصناعات المتطورة بدءا من السيارات الكهربائية وحتى الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء، تواجه الولايات المتحدة حاجة ملحة لتأمين سلاسل توريد موثوقة لهذه المعادن بعد معالجتها.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية تقول آنا بورغيل المحاضرة في سياسة التحول نحو الطاقة المستدامة بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز الأميركية وسلمى خليل الباحثة في الكلية نفسها إن إندونيسيا تعتبر من أهم الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة لتأمين إمدادات موثوقة من المعادن الأساسية ومكونات بطاريات السيارات الكهربائية.
إندونيسيا.. أكبر احتياطي من النيكلوقالت المحللتان إن إندونيسيا تمتلك أكبر احتياطيات من النيكل في العالم، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكبر منتج له أيضا، كما تحولت من دولة مصدرة للنيكل الخام إلى مركز رئيسي للمعالجة والتصنيع.
إعلانففي عام 2022، حظرت الحكومة تصدير خام النيكل غير المعالج، ما دفع المستثمرين الأجانب إلى إنشاء مصاهر ومرافق وسيطة على الأراضي الإندونيسية لمعالجة وتصنيع النيكل محليا.
وحققت سياسة إندونيسيا للاستفادة من احتياطيات النيكل نتائج مبهرة؛ فقد تضاعفت عائدات صادرات النيكل إلى أكثر من 10 أمثالها خلال عقد من الزمن، لتصل إلى 30 مليار دولار عام 2022 ويعود جزء كبير من هذا النمو إلى تصدير منتجات النيكل ذات القيمة المضافة مثل النيكل الحديدي، وحديد النيكل الخام، والفولاذ المقاوم للصدأ بدلا من الخام.
وعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة صادرات النيكل الإندونيسي المستخدم في الفولاذ المقاوم للصدأ إلى 11.9 مليار دولار في عام 2022، وكتبت إيف واربورتون الباحثة في التغيرات السياسة والاجتماعية في تحليل نشرته ناشونال إنتريست، أن آفاقا استخراجية جديدة تظهر في إندونيسيا بسرعة مذهلة فضلا عن مراكز صناعية.
ومع ذلك، تأخر تطور سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية في إندونيسيا عن طفرة الفولاذ المقاوم للصدأ، وحتى وقت قريب، كانت صناعة النيكل في إندونيسيا موجهة نحو إنتاج النيكل من "الفئة الثانية" المستخدم في صناعة الصلب، وليس إلى مركبات النيكل عالية النقاء "الفئة الأولى" اللازمة للبطاريات.
لذلك، انخفضت صادرات إندونيسيا من منتجات النيكل المتعلقة بالبطاريات في السنوات الأولى من حظر التصدير -من حوالي 307 ملايين دولار عام 2014 إلى 196 مليون دولار عام 2022- ما يعكس غياب القدرة التصنيعية اللازمة لإنتاج مواد صالحة للبطاريات، وفق المحللتين.
خطة إندونيسيةولحل هذه المشكلة، خططت الحكومة الإندونيسية لتصبح واحدة من أكبر 3 دول منتجة لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم بحلول عام 2027، مع قدرة متوقعة تبلغ 140 غيغاواتا/ساعة بحلول عام 2030، وقدمت الحكومة حوافز سخية -مثل الإعفاءات الضريبية لمدة تصل إلى 20 عاما للمشاريع الكبرى- لجذب المستثمرين إلى هذا القطاع.
وتصدرت الشركات الصينية قائمة الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع المعادن الأساسية بإندونيسيا، تلتها الشركات الكورية الجنوبية واليابانية. وبحلول عام 2021، شغلت إندونيسيا أول مصنع لديها بما يعرف بالاستخلاص الحمضي عالي الضغط (HPAL)؛ وهذا سد فجوة حرجة في سلسلة التوريد من خلال إنتاج مواد كيميائية من النيكل صالحة للاستخدام في البطاريات، وبحلول عام 2023 تم إطلاق 6 مشاريع للاستخلاص الحمضي عالي الضغط في إندونيسيا.
ويعني هذا أن إندونيسيا أصبحت قادرة على توفير ليس فقط الخام، بل أيضا المواد المكررة اللازمة لإنتاج أقطاب الكاثود في بطاريات الليثيوم، أي أنها ترسخ مكانتها كمصدر واحد مجمع لكل عناصر سلسلة الإمداد بدءا من المناجم إلى المواد الكيميائية المستخلصة، والتي تعتبر الجزء الأكثر صعوبة في سلسلة التوريد والتي تبحث عنها الولايات المتحدة والدول الغربية لتأمين احتياجاتها بعيدا عن الإنتاج الصيني والروسي، حسب المحللتين.
لكن المشكلة هي أن هذا التطور الصناعي في إندونيسيا يتم من دون مشاركة أميركية تذكر، رغم حقيقة أن إنتاج هذا القطاع من النيكل والكوبالت يستخدم في سيارات شركة تسلا وغيرها من السيارات الكهربائية الأميركية.
إعلان عنصر حيويفي الوقت نفسه فإن النيكل ليس مهما فقط في صناعة البطاريات عالية الكثافة المطلوبة لزيادة مدى السيارات الكهربائية، وإنما حيوي لتقليل الاعتماد على الكوبالت الذي يصعب الحصول عليه مع ارتفاع تكلفته.
ومن المنظور الأميركي، يمثل قطاع النيكل في إندونيسيا قيمة إستراتيجية حيوية في بناء سلاسل توريد بطاريات أكثر مرونة وتنوعا. ويعد استغلال قاعدة الموارد الإندونيسية وسيلة لتلبية الطلب المتزايد على النيكل في السيارات الكهربائية، مع تقليل الاعتماد على الصين، التي تسيطر على ما يصل إلى 90% من سلسلة توريد بطاريات الليثيوم المؤين العالمية حاليا.
ولذلك فالشراكة مع إندونيسيا تتيح للولايات المتحدة تقليل الفجوة الهائلة مع الصين في مجال إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. ففي حين وصل إنتاج الصين من هذه البطاريات عام 2023 إلى حوالي 480 غيغاواتا/ساعة لم تنتج الولايات المتحدة سوى 58 غيغاواتا/ساعة، وفق رؤية المحللتين.
في الوقت نفسه فإن إندونيسيا تتحول إلى مركز شامل لسلسلة توريد السيارات الكهربائية في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل هذا الأمر، فلن يكون لها تأثير يذكر على المعايير أو التسعير أو تدفقات الإمدادات الصادرة من أحد أهم مراكز هذه الإمدادات في العالم.
ورغم ذلك تواجه إندونيسيا مشكلة كبيرة تتمثل في اعتماد صناعة معالجة النيكل الخام على الطاقة الكهربائية المولدة بالفحم وهو ما يجعلها صناعة ملوثة للبيئة، ووفقا للتقديرات فإن إنتاج كل طن من النيكل المعالج، يطلق نحو 58.6 طنا من ثاني أكسيد الكربون.
ضعف متزايدوتضع هذه الحقيقة ضعفا متزايدا على صناعة النيكل العالمية، إذ يتزايد اهتمام مشتري المعادن بالاستدامة، وفي الوقت نفسه فإنها تمثل فرصة للولايات المتحدة التي تستطيع مساعدة إندونيسيا في تطوير إنتاج "النيكل الأخضر" باستخدام بدائل لأفران الصهر، ودمج مصادر الطاقة المتجددة أو منخفضة الكربون، والاستفادة من تقنية احتجاز الكربون، وفق المحللتين.
إعلانوثمة هناك أسباب وجيهة لتوقع تزايد الطلب على "الفولاذ الأخضر" وغيره من مواد البطاريات منخفضة الكربون، لأن الأسواق الأوروبية واليابانية ستتطلبها بشكل متزايد للامتثال للوائح التصدير.
وأخيرا تقول آنا بورغيل وسلمى خليل في تحليلهما إن إندونيسيا لا تعتبر مجرد فرصة استثمارية للشركات الأميركية ذات الطموحات العالمية أو الساعية للتحرر من هيمنة الصين على التكنولوجيا النظيفة، بل إنها إحدى الجبهات القليلة المتبقية في العالم التي ما يزال يمكن تحقيق مكاسب إستراتيجية فيها.