قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: "كل ما حلمنا به حياة تشبه الحياة". وجميعنا يعلم أن الفلسطينيين لا يحيون حياة تشبه الحياة الآن. إن المقومات الأساسية للحياة كلها غير موجودة. بينما يوجد الموت في كل شيء. فهم يحيون الموت أو إنذارات الموت بكل تفاصيلها. في كل لحظة. لا يوجد كهرباء ولا ماء ولا طعام ولا حتى دواء يساعد على الإعاشة في غياب مقومات الحياة.
لقد تسرب الشعور بالذنب لحياة كل إنسان على كوكب الأرض تقريبًا. إذا مارس أي منا أي شكل من أشكال الحياة البسيطة يتذكر أن هناك من يقتلون بحرمانهم منها، إذا أكل أو شرب أو شعر بالأمان، وهي أمور بديهية للحياة البشرية وليست هبات خارقة يمكن أن يمن بها أحد على آخرين. يكفي أنهم وحدهم ينتظر كل منهم دورًا مأساويًا في كوميديا سوداء. لا يملكون سوى خيارًا واحدًا "إذا كان من الموت بد فمن العار أن تموت جبانًا".
علينا أن نعبش أيضًا. علينا أن نأكل ونشرب ونتحرك ونعمل ونتنفس ونراقب أطفالنا وهم يلعبون ويضحكون ويختارون ثيابهم الجديدة. إننا نرسل لهم الدعم لكن هذا الدعم يحتاج للكثير من الخطوات التي لا نملكها كي يصل إليهم. لكن الشعور بالذنب يقتلنا يتسرب إلى حياواتنا وكأنه حجاب واقٍ من الحياة ذاتها. نعيش متألمين، لكن لا نحب أن نعرب من أننا يجب أن نعيش. الصور القاتلة والمشاهد الدموية تطارد الجميع داخلهم وليس فقط على الشاشات المضيئة وأوراق الصحف المطبوعة. صارت رأس كل منا نشرة أخبار مصاحبة لا يتوقف فيها عداد الضحايا وعداد مرات العجز عن إنقاذ كل منهم. إنها مأساة قدر لنا أن نحياها، وأن نحملها للأجيال القادمة. نعم هناك أفكار مضيئة يمكننا أن نصدرها كإحياء قضية بشكل قوي، وتصوير حقائق فظيعة للعالم كان لا يراها كما هي على أرض الواقع، وربما كانت تصدر له حقائق مغلوطة أو منقوصة بشأنها. إلا أننا مازلنا نتألم. ولا نعلم كيف نتوقف عن الألم. إننا ننخرط في الحياة اليومية فنجدنا ننخرط في حياتهم لا حياتنا دون أن ندري.
من كان يظن أن الحياة يمكنها أن تتحول إلى فيلم رعب مستمر طوال الأربع وعشرين ساعة؟!. لا يوجد رعب أكثر من انتظار الموت كل لحظة. من يقتلك معك كل لحظة، بل ويدعي أن من حقه قتلك وأنت لم تفعل شيئًا. يا إلهي بيتي لم يعد بيتًا بل مسرحًا للمعركة. من يمكنه أن يوافق على أن تصبح البيوت هدفًا للقنص وبها أحلام الأطفال العذراء؟! حين أحاول الكتابة كل أسبوع لا أدري ماذا أقول غير أنه فعلًا هؤلاء قوم لم يحلموا إلا بحياة تشبه الحياة. فهذه حياة لا تشبه الحياة على الإطلاق. وصارت حياتنا في معظمها حياة موازية للحياة. فأين هي الحياة؟! سامحونا إن كنا نكتب كلامًا يشبه الكلام.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
مقاطعة لا تشبه سابقاتها
4 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: تجدد الموقف وتقرر الحسم والفرز، حين أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الجمعة، تجديد مقاطعته للمسار السياسي، في بيان مقتضب حَمَل في كلماته القليلة ما يكفي لإحداث رجّة داخل المشهد العراقي الغارق أصلاً في تعقيداته.
وكتب الصدر على حسابه الرسمي: “مقاطعون.. من شاء فليقاطع.. ومن شاء فليتخذ لشهوة السلطة سبيلا”، وهي عبارة كثيفة الإيحاء، لا تستهدف فقط الجمهور الموالي بل توجه صفعة مباشرة إلى منظومة الحكم، وتضعها أمام مراياها المهشّمة. فالمقاطعة هنا لا تُفهم بوصفها انكفاءً، بل عصيانًا رمزيًا، وموقفًا أخلاقيًا موجهًا ضد “شهوة السلطة”، كما وصفها.
وانسحب الصدر سياسيًا منذ نحو عامين، بعد اقتحام أنصاره المنطقة الخضراء عقب خلافات دستورية وقانونية مع الإطار التنسيقي، لكنه لم ينسحب من التأثير، بل ظل حاسمًا في مواقفه، مراقبًا بصمت غالبًا، ومتدخلاً ببيانات حازمة في مفاصل محددة.
وأعاد الصدر في بيانه التذكير بشروطه التاريخية لأي عملية سياسية “مقبولة”: تسليم السلاح المنفلت، حلّ المليشيات، تقوية الجيش والشرطة، استقلال العراق، ومحاسبة الفاسدين. وهي مطالب تبدو أقرب إلى قائمة “شروط الإنقاذ”، لكنّها في ذات الوقت تمثل نقدًا مباشرًا لبنية الحكم الحالية التي لم تتمكن، بعد عشرين عامًا من التغيير، من تفكيك المنظومة الموازية داخل الدولة.
بيان الصدر هذه المرة ليست مجرد عزوف، بل انقلاب في قواعد اللعبة السياسية.
القرار هو تصعيد بوجه الإطار التنسيقي الذي يستعد لدورة انتخابية جديدة، ويريد تثبيت نفوذه في المحافظات. فالصدر، بقراره هذا، يسحب انصاره والمتعاطفين معه في الشارع من كل معادلة سياسية مستقبلية، ليترك خصومه في ملعب خالٍ من الخصم الشعبي الأقوى، ولكن تحت رقابة مكثفة من جمهور يلتزم الصمت الغاضب.
ويبدو أن الرسالة الأوضح التي حملها بيان الصدر هي: لا تسوية بلا إصلاح، ولا سياسة مع المليشيات، ولا دولة من دون سيادة كاملة.
وبذلك يضع خصومه أمام امتحان عسير .
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts