ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عزَّ وجل- في كل الآناء، ولاسيما في الكُرَب واللأواء، والمِحَن والبَأْساء.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: في خِضمِّ المآسي والكروب، ومَعَامِع الخطوب، وحوالك الدُّروب، تَشْرَئِبُّ النفوس إلى الخلاص من أسباب الوهْن والانكسار، والأخذ بأسباب العزّة والانتصار، وتَتَطلع الأرواح إلى أَرَجِ الرَّحمات المُفَرِّجات، وعَبَقِ النفحات المُصَبِّرات، وَيَزْداد الأمر إلحاحًا وتأكيدًا، وتَحَتُّمًا وتَعْضِيدًا، في هذه الآونة العصيبة، والحِقْبة التاريخية اللَّهِيبة، التي أحدقت بأمتنا اللَّهيفة من أَطرافها، وتَنَاوَشَتْهَا المِحَنُ مِن سِوَاها وأكنافها.

وإنَّ مِن سنن الله -جل وعلا- أن جعل لكلِّ شيءٍ أسبابًا ونتائج، وغَايات ومَبَاهج، وأمر عباده باتخاذ الأسباب، للوصول إلى أسمى الغايات: معاقد العزَّة والانتصارات. وإنَّ من الواجبِ على أهل التوحيد والإيمان أن يَتدَرَّعُوا بأسباب النصر والعزَّة والتمكين، ويأخذوا بها في كل مكان وحِين. وإنَّ من فضل الله سبحانه على عباده المؤمنين أن دلّهم وأرشدهم إلى هذه الأسباب، وبيّنها في كتابه الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وأضاف فضيلته: إن من أعظم ما أمر الله به التوحيد والإخلاص؛ فالتوحيد والإخلاص في العمل من أعظم أسباب النصر؛ قال سبحانه مخاطبًا صفوة هذه الأمة رضي الله عنهم: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. وإن ثاني سبب للنصر الإيمان والعمل الصالح مستشهدًا بقول الله سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ}. وثالث سبب نُصرة دينِ الله: مستشهدًا بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إنْ تَنصُرُوا اللَّه يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
فيما أبان فضيلته أن رابع هذه الأسباب: اجتماع الكلمة على الحق، وإصلاح ذات البين، وعدم التــنازع والتـفرُّق.. مستشهداً بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. وخامسها هو إعداد ما يُستطاع من قوَّة؛ فالقوَّة للمؤمنين المدافعين عن دينهم وأمَّتهم مطلب شرعي؛ فالإسلام دين القُوّة والعزة، وقِوامُه بكتابٍ يهدي، وسلاحٍ ينصر. وسادس هذه الأسباب: التوكّل على الله، مؤكدًا أن التوكّل على القوي المتينِ من أعظم الأسباب الشرعية الجالبة للنصر والتمكين. وسابعها الصبـْر والثبات، واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “واعلم أنَّ النصر مع الصبر، وأن الفَرَجَ مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”. فيما يكون ثامن أسباب النصر إقامة الصلاة والإكـثـارُ مـن ذكر الله سبحانه واستغفاره ودعـاؤه والاستغاثة به واللَّجَوء إليه. وتاسعها: التجافي عن طريق أهل الضلال ومسالك أهل البطِر والرِّياء. وعاشرها الدعاء؛ إذ قال فضيلته: إنَّ من حقِّ إخوانكم في الأرض المقدسة عليكم نصرتهم بالتضرُّع إلى الله، والدعاء والإلحاح عليه، والتذلل بين يديه سبحانه، وسؤاله عاجل النصر والثبات والتمكين.
وزاد بقوله: إن في هذه الآونة الرَّاهنة، والأوقات الدَّامِية التي تمرّ بها أمَّتنا الإسلامية، في ظلِّ العدوان الصهيوني الغاشم، والهجمة المدَمِّرة المستعرة، في عُنجهية واستكبار، وتجبُّرٍ ومكْرٍ كُبَّار، وسطوة شعواء، على المستضعفين من المدنيين الأبرياء، والأطفال والشيوخ والمرضى والضعفاء، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.
وأكد الشيخ السديس أن أُخُوَّتنا القعْساء، وعقيدتنا الشمّاء، تقتضي مؤازرة أهالينا في فلسطين الإباء؛ ليحَقِّقوا الأمن والانتصار، وحقْنَ الدماء والاستقرار، وفكّ الحصار، ووقف العُنف والتهجير القسْريّ، ووصول المساعدات والإغاثة الإنسانية.
وأوضح فضيلته: إن ممّا يثلج صدور المؤمنين في هذا الأوان تلك الوقْفة المشرِّفة لبلاد الحرمين الشريفين قيادة وشعبًا، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين -أيدهما الله-، تجاه الأحداث الرَّعِيبَة، والتَّدَاعِيات الرَّهيبة في فلسطين، وتوجيههما الكريم بتنظيم حملة شعبية كبيرة لإغاثة إخواننا في غزّة وسائر فلسطين، والمساهمة في رفع المُعاناة عن المدنيين، وبذل كل ما من شأنه تخفيف المِحَن المأساوية التي يُعانيها سكّان القطاع وسواهم، وعقْد مؤتمر القمّة العربية والإسلامية الاستثنائية الموفَّقة، وبيانها الختامي الحازم، مؤكدًا أنَّ هذه الوقفة المجيدة الأبيَّة تجاه هذه القضيّة الشريفة لتأتي ضِمن موقف المملكة التاريخي المعهود، بالمؤازرة الرِّيادِيَّة للشعب الفلسطيني الشقيق في مختلف الشدَائد والمحن التي مرّت به، سائلاً الله -عز وجل- أن ينصر إخواننا في فلسطين، وأن يعجِّل بنصرهم، إنه قوي عزيز.
* وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير المسلمين بتقوى الله، والتوكّل عليه، واللجوء إليه بالدعاء، والإيمان بأن النصر ملازم للصبر، وأن الظلم والبغي عاقبته الخزي والخذلان.
وقال: إن الزمان صروف تجول، ومصائب تصول، سلمٌ وحربٌ، وأجاجٌ وعذب، ورخاءٌ وجدب، والمؤمن مهما تفاقم الضر والبلايا، وحلّت المحن والرزايا، يعلم أنه لا راد للقضاء المسطور، ولا مانع للقدر المقدور؛ ما قضي كائن، وما قُدّر واجب، وما سُطّر منتظر، وما يشأ الله يكُن، وما يحكم به الله يحقّ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء ربُنا صنع، فلا جزع ولا هلع، وإنما صبرٌ ومصابرة، وتفاؤل بأن النصر والظفر لأهل الإسلام والإيمان، والذلّ والصغار والخسار لأهل الظلم والعدوان والطغيان، مستشهداً بقول الله تعالى: {وَاللَّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وأضاف فضيلته: إن القلب ليعتصر ألماً وحسرة لما حلّ بأهلنا في غزة من كربة ونكبة، لقد بلغ السيل زُباه، والكيد مداه، والظلم منتهاه، والظلم لا يدوم ولا يطول، وسيضمحلّ ويزول، والدهر ذو صرفٍ يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله ليُملي للظالم فإذا أخذه لم يُفلته” ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِي ظَالِمَة إِنَّ أَخْذَه أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
وتابع الشيخ صلاح البدير قائلاً: كم شَحَن الظالمون المعتدون من الشوكة الرادعة، والشكّة القاطعة، والقوة الجامعة، لكنهم غفلوا عما أجراه الله لعباده المظلومين من منح الصبر، وعوائد النصر، فمهما بلغت قوة الظلوم، وضعف المظلوم، فإن الظالم مقهور مخذول، مصفّد مغلول، وأقرب الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذُ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحي القيوم فوق الغيوم.
وبيّن أن الظالم الجائر سيظلّ محاطاً بكل مشاعر الكراهية والعداء والحقد والبغضاء، لا يعيش في أمان، ولا ينعم بسلام، حياته في قلق، وعيشه في أخطار وأرق، مهما تدرّع بالأكاذيب، وتلبّس بالمكر، وتظاهر بأنه المظلوم المهضوم المعتدى عليه؛ لأن الظلم مسبّب المحن، والجور مَسلبة للنعم، مجلبة للنقم، وأن الله سبحانه يُنعم على الكافر نعم نفع أو نفع دفع أو نعم رفع، ولكنه استدراج وإملاء في صورة إنعام وإعطاء، ذاكراً قول الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}. مضيفاً بأن للدهر طعمان، حلو ومرّ، وللأيام صرفان عُسر ويُسر، وكل شدة إلى رخاء، وكل غمرة إلى انجلاء، وإن بعد الكدر صفواً، وبعد المطر صحواً، والشمس تغيب ثم تشرق، والروض يذبل ثم يورق، ولله أيام تنتصر من الباغي وتنتقم من العاتي.
ودعا فضيلته إلى التحلّي بالطاعة، ولزوم الجماعة، والبعد عن التشاحن والتطاحن، والحذر من الجدل والمراء. وإن من فعل ما شاء لقي ما ساء، ومن أصلح فاسده أهلك حاسده، وأحصن الجُنة لزوم الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة. موصياً باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء؛ ليرفع الكرب ويدفع البلاء.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الله سبحانه الله تعالى أسباب ا

إقرأ أيضاً:

غطرسة الاستكبار تتحطم على صخرة إرادة شعب الإيمان

يمانيون

في ميدان السبعين الشامخ، ساحة الحرية والجهاد، وفي أكثر من ألف ساحة تنضح بحناجر الأحرار في ربوع اليمن الحر، ارتفعت أصوات الجماهير المؤمنة بالتكبير لله ، معلنة فجرًا جديدًا ينبلج بوعد الحق، وتهاوت فيه أسطورة القوة الأمريكية الزائفة.

كان المشهد مهيبًا، لوحة فنية تتجسد فيها عظمة سنوات من الصمود الأسطوري، والتضحيات الجسام، والثقة الراسخة بنصر الله العزيز، كأن التاريخ يعيد صياغة سطوره على هذه الأرض الطيبة، ليكتب صفحات المجد والفخار بأحرف من نور.

في زخم هذه المسيرات المهيبة، استعاد اليمنيون كلمات القائد الملهم، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، التي صدحت منذ بواكير المواجهة، كأنها نبوءة تتجلى اليوم بكل تفاصيلها: “قلت لكم من أول يوم وجدتكم، أن الله سبحانه وتعالى سيمكننا من رقاب أولئك الأغبياء الفجرة، أولئك الذين لا يستحون من الله ولا من خلقه.” “وها هي الأيام تشهد صدق هذه الكلمات، حيث رأى العالم بأم عينه كيف تحطمت غطرسة قوى الاستكبار على صخرة إرادة شعب مؤمن، وكيف تجلت قوة فتية آمنت بنصر الله، فكان لها ما أرادت”.

غزة في القلب.. صرخة مدوية في وجه المتخاذلين
في هذا المشهد المهيب لم تغب قضية الأمة المركزية، فلسطين وغزة الصامدة، بل كانت حاضرة بقوة في قلوب ووجدان اليمنيين. الرسائل التي ارتفعت في الميدان كانت واضحة وقوية، تحمل في طياتها غضباً مقدساً: “إن كانت غزة لا تهمهم، فويل لهم من الله سبحانه وتعالى، الله ينتقم منهم دنيا وآخرة.” مشيرين إلى أن البعد الإنساني والأخلاقي العميق لهذه المعركة بات يتجلى في أن القضية لم تعد مجرد صراع مع عدو غاشم، بل هي انتصار للحق على الباطل، وللمظلوم على الظالم، وامتداد لمعركة الأمة ضد قوى الشر التي تسعى لتمزيق وحدتها وكرامتها.

ومن تلك الساحات التي اكتظت بالملايين من اليمنيين، خرجت صرخة الثقة بالله، السلاح الأمضى، والإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع: “أما نحن، فنحن على ثقة بالله عز وجل وبقيادتنا الرشيدة. واليوم نحتفل بانتصارنا على أمريكا يا رجل.” كلمات واثقة، يعكس من خلالها الشعب اليمني عمق إيمانه بنصر الله، وثقته بحكمة قيادته التي قادت المعركة ببصيرة وثبات، محققة نصراً مدوياً، مثل زلزال استراتيجي هز أركان الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وأعاد رسم خرائط النفوذ.

تفكيك خطاب العدو وسخرية التاريخ
لم يفت اليمنيين استحضار سخرية التاريخ من قادة قوى العدوان، فبينما كانوا يطلقون تهديداتهم الفارغة، كان الرد اليمني يزلزل الأرض من تحت أقدامهم. “إذا كان المتكلم مجنون فالمستمع بعقله”، بهذه الحكمة الشعبية، أشارت الجماهير إلى ترامب بنبرة ساخرة “هذا رجل مهفوف، رجل تجاري مادي يريد الدولارات”، محللة ومفككة الخطاب العدواني للعدو، وكاشفة عن دوافعه المادية الرخيصة، لتظهر بوضوح زيف ادعاءاته وشعاراته البراقة. والمفاجأة كانت في الشهادات التي كشفت عن تحول جذري في موقف قوى العدوان، فـ “بشهادة العمانيين الذين شهدوا أنه جاء اليوم يطالبهم بالصلح مع الحوثي، ولأنه يعلم أن الحوثي له رجال صادقون ما عاهدوا الله عليه.” هذه الشهادة الصادقة من وسيط محايد، تكشف عن مدى الوهن الذي أصاب قوى الاستكبار، واعترافها الضمني بقوة الحق وإرادة الصمود اليمنية.

لا استجداء للأعداء
في هذا السياق، برزت قوة الإيمان العميق المتجذر في نفوس اليمنيين، جيلاً بعد جيل تربى على قيم العزة والكرامة. “والله يا ولدي، إنني قد تمنيت – وأنا في هذا العمر سبعين سنة – أن يأخذني السيد إلى فوق تلك البارجة. والله الذي لا إله إلا هو، لا أخشى شيئاً. لأن هذه إرادة وهذا دين وهذه قيم عشنا عليها وتربينا عليها، وربانا آباؤنا وأجدادنا من أجل هذا.” هذا العمق الروحي هو سر الصمود الأسطوري، جيل لا يخشى الموت في سبيل الله والعزة، بل يعتبره شهادة في سبيل الحق. بل والرسالة كانت قوية وواضحة: “فهل يعقل أننا نستجدي من تلك العاهرة التافهة؟ هل نخاف الموت؟ والله لا أحد في هذا الشعب يخاف الموت إلا أولئك الرعاة الفجرة الحقراء المرتزقة اللصوص.” رسالة صارخة مدوية تتجلى، من خلالها، عزة النفس اليمنية، ورفض الاستسلام أو الخنوع لقوى الباطل، بل التأكيد على أن الخوف هو صفة الجبناء والمرتزقة الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بثمن بخس.

تحدي الصمود والعزة في وجه قوى النفاق

الغضب في وجه تلك الأبواق المأجورة التي سعت لبث الفرقة واليأس، والأصوات النشاز التي حاولت النيل من صمود الشعب اليمني هو الآخر، كان حاضراً : “الذي يحزنني منهم عندما أسمع كلامهم في تلك القنوات التابعة لأولئك المنافقين المتملقين، ذلك الرجل الفاجر الذي قال: ’24 مليون يموتوا’. كان فرحاً أن ترامب سيأتي ليأكلنا”. غضب حضر في الكلمات التي تعكس مدى الازدراء الذي يكنه الشعب اليمني للمنافقين والعملاء الذين تمنوا له الهزيمة والهلاك. غضب يضاف إليه التحدي الحاضر وبقوة: “فالآن قولوا لأبناء النفاق، هيا ليأتوا. وعيب زنادكم، لن يلاقوا منا إلا ما يسوؤهم.” تحد صارخ يعكس الثقة بالنفس والقوة، والإصرار على مواجهة قوى العدوان بكل بسالة وعزة.

دعوة للوحدة ونبذ الفرقة
وفي ميادين النصرة، كانت الرسالة واضحة للعملاء والمدجنين الذين ارتموا في أحضان قوى العدوان: “وأنا أنصح من كان في قلبه ذرة كرامة من أولئك العملاء، أولئك المدجنين في دهاليز آل سعود وفي أسطنبول وفي العمارات وفي السجون السعودية، أن يتقوا الله ويخجلوا على أنفسهم. اليوم صنعاء تقول لهم: أرض اليمن لنا جميعاً، لا داعي للتمزق، لا داعي، عدونا معروف، لقد حطمه الله عز وجل، عدونا معروف وهم اليهود.” الدعوة للوحدة ونبذ الفرقة كانت حاضرة بقوة، مصحوبة بدعوة إلى السلام والأخوة: “ارجعوا إلى طاولة الإخاء واتقوا الله، لكي لا تزجوا بأنفسكم في الخاتمة المخزية، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.” هذا التحذير الأخوي يهدف إلى إنقاذ ما تبقى من ضمائر أولئك الذين انحازوا إلى صف العدوان، وتذكيرهم بعاقبة الخيانة.

لكن على الجميع أن يدرك أن الشعار الذي وحد اليمنيين في وجه العدوان: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.” ظل وسيبقى ليعكس جوهر المعركة والصراع ضد قوى الاستكبار والصهيونية، وليكون نبراساً للأجيال القادمة.

قمة التضحية والفداء..
عمت الفرحة بالانتصار أرجاء اليمن، لتتجلى في كلمات التهنئة الصادقة التي عبرت عن التحام الشعب بالقيادة: “أهنئ الشعب اليمني، وأهنئ قيادتنا الرشيدة، السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، لأنني أثق ثقة عمياء أن الرجل مع الله، وأنه مخلص لله ومخلص لهذا الشعب، وأن الله سيأخذ بيده.” وتتجلى قمة التضحية والولاء للوطن في كلمات بسيطة وعميقة، كلمات صادقة عبرت عن عمق الانتماء والارتباط بهذه الأرض المباركة، والاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل عزتها وكرامتها: “لكن أسأل الله أن أموت بزي هذا الوطن، وزي الراية المنصورة المظفرة بإذن الله تعالى.”

البشرى القرآنية الموجزة “جاء نصر الله” تختزل كل المعاني، وتعلن عن تحقق الوعد الإلهي، وبداية مرحلة جديدة من العزة والكرامة لليمن والأمة. من ميدان السبعين، ميدان الحرية والجهاد، صدحت الأصوات مجدداً بالدعوة إلى الوحدة والجهاد، مهنئة القائد والجيش: “أولاً. من ميدان السبعين، ميدان الحرية، ميدان الجهاد، نهنئ أولاً السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، روحي له الفداء، ونهنئ رجال الرجال في القوات المسلحة وقوات الصواريخ والبحرية.” وثانياً، نشير إلى أن الوقائع -لا الفبركات الإعلامية- أكدت أن الانتصار اليمني كان مدوياً لدرجة أن العدو الأمريكي نفسه اعترف بالهزيمة: “وقد اعترفت قيادتهم رئيساً وجيشاً بهذه الهزيمة، الذين زجوا بأنفسهم في حرب ما هم أهل لها، إنما هي حسبة ليل صهاينة، وهو ما يعلمونها اليوم.”

وأشارت الجماهير اليمنية إلى أن هذا الاعتراف الصريح يكشف عن مدى الحماقة والتقدير الخاطئ لقوى العدوان، وكيف أن إرادة الحق تنتصر في النهاية. والآيات القرآنية كانت حاضرة لتؤكد حتمية النصر: “إِنَّ نَّصْرالله َقَرِيبٌ”, مؤكدين” وغداً بإذن الله، وفي المعركة الفاصلة، سننتصر على إسرائيل الشيطان الأكبر، وسنحرر القدس، وسيدخل هؤلاء الرجال من اليمن مكبرين كما وعد الله في كتابه الحكيم.” الوعد الإلهي الذي بشر الله المؤمنين فيه بتحرير القدس الشريف، قضية الأمة المركزية.

إهداء النصر لأهل غزة المظلومين
مع التأكيد الجماهيري على وحدة المصير مع الأشقاء في غزة، كان الجوهر الذي حضر بقوة في حناجر من ملأوا ساحات المسيرات العظيمة على امتداد الربوع السعيدة: “وكذلك نهدي هذا النصر العظيم لنا ولأهل غزة المظلومين، للمجاهدين في غزة”، حضر التقدير لقوى الصمود التي صنعت هذا النصر: “نهدي هذا النصر العظيم لسيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله. ونهدي كذلك هذا النصر العظيم للقوة الصاروخية وللقوة الجوية المسيرة. ولرجال الرجال في الجبهات، في الميدان. وكذلك نهدي هذا النصر العظيم لرجال الأمن البواسل.”

هذا الشعور الفياض بوجوب الانتصار لمظلومية غزة هو الذي يعكس البعد القومي والإنساني للمعركة، يصاحبه تأكيدات جماهيرية على أن النصر هو من عند الله، ودعوة للأمة للتحرك: “هذا نصر من الله. أولاً أقول لهم أيها العرب، أيها المسلمون، اتقوا الله، تحركوا، ولا تخافوا إلا من الله. والله هو الذي سينصركم، وهو الذي أهان أمريكا وإسرائيل على أيديكم بقوة الله سبحانه وتعالى.”

وكلمات التقدير لقائد الثورة كانت صادقة ومعبرة: “ونقول بيض الله وجهك مثل ما بيضت وجوهنا. ونبارك للقوات المسلحة اليمنية هذا الانتصار الكبير على كل طواغيت الأرض، على هذا الطاغوت الأمريكي بكل عنجهيته، الذي قبر في أرض اليمن الطاهرة.” كما تم التأكيد على البعد الاستراتيجي لهذا الانتصار وتأثيره على القضية الفلسطينية: “ونبارك لإخواننا في غزة هذا الانتصار وفصل أمريكا عن إسرائيل بفضل الله سبحانه وتعالى.”

خلاصة: فجر جديد يبشر بعزة الأمة وكرامتها

إن ما يحدث في اليمن هو تحول استراتيجي عميق، لا يزلزل أركان الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة فحسب، وإنما العالم بأسره. إنه انتصار للإرادة الصلبة، والإيمان الراسخ، والقيادة الحكيمة. إنه فجر جديد يبشر بعزة الأمة وكرامتها، ونصر مؤزر من الله لعباده المؤمنين. هذه الحقيقة التي نقلتها حناجر الجماهير اليمنية بكل أبعادها وتأثيرها، لتكون نبراساً للأحرار والمستضعفين في كل مكان، وشاهداً على أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.

– نقلاً عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم
  • رحيل الدكتور محمد حاج خليل (أبو إياد) بعد مسيرة حافلة في التربية والتعليم
  • هل يفعلها ترامب ويعترف بفلسطين من الرياض؟
  • ما هو يوم الحج الذي أوجب الله عليه الناس؟ تعرف عليه
  • نور على نور
  • من يُتقن أيديولوجية الصبر
  • غطرسة الاستكبار تتحطم على صخرة إرادة شعب الإيمان
  • ما هو السبت؟ بحث تاريخي يتناول التسمية والمفهوم في عدة أديان ولغات
  • صورة اليهود في القرآن الكريم
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم