تعرف علي حكاية " قصر التيه " بالفيوم
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
قصر التيه او "اللابيرنت" فى الفيوم عبارة عن متاهة ويصعب الخروج منه بعد دخوله. واعتبره الرحالة القدماء إحدى عجائب الدنيا السبع، ويفوق فى تصميمه وروعته فى نظر كثيرين منهم المعابد والآثار المصرية القديمة بما فيها أهرامات الجيزة ومعبد الكرنك وللاسف لم يبقى منه سوى اطلال بعد ان تم استخدامه كـ محجر فى عصور سابقة .
يقول سيد عوض شعيب كبير مفتشى اثار الفيوم ان معبد اللابيرنت "قصر التيه" يقع فى الناحية الجنوبية من هرم هوارة ، وقد اطلق عليه المؤرخ اليوناني هيرودوت والذى زاره فى القرن الخامس قبل الميلاد اسم" اللابيرنث" تشبيها له بقصر اللابيرنث الشهير فى جزيرة كريت باليونان ، وقد اجمع كل من زاره على ان هذا المعبد كان يفوق كل المعابد المصرية القديمة من حيث المساحة والنقوش والتصميم المعماري وعدد التماثيل التى كانت قائمه به. ومن الواضح ان المبنى تم بناؤه فى عهد امنمحات الثالث ، لكن ربما اكملته ابنته الثانية سوبك نفرو اخر ملكات الاسرة الثانية عشرة الفرعونية لان اسمها وجد على عدة قطع حجريه داخل المعبد .
معبد جنائزى وقصر للملكوقد اختلف العلماء المحدثون فى الغرض من هذا المبنى فأشار البعض الى ان جزء منه على الاقل كان معبد جنائزي للملك امنمحات الثالث وجزء اخر قصرا. وكان هذا العمل العظيم دليلا على غنى وعظمة إقليم الفيوم فى ذلك العصر.
ويضيف "شعيب " ان مشروعات الري وإستصلاح أراضي الفيوم مع بداية عصر الأسرة الثانية عشرة من الدولة الوسطى في عصر أمنمحات الأول. وأخذ مشروع استصلاح أراضي الفيوم صفة القومية فى عهد الملك أمنمحات الثالث والذى اهتم باقليم الفيوم اهتماماً كبيراً خاصة فى مجال الزراعة, وأنشأ مدينة ماضي وبنى بها معبداً صغيراً، وله يرجع تمثالي بيهمو والذي كان يبلغ إرتفاع الواحد منهما 13متر وقد يساعدنا ذلك علي تخيل مدي ضخامة وعظمة المباني فى عهده, وقام ببناء السدود والجسور عند اللاهون، فبلغت مساحة الأراضي الزراعية المستصلحة سبعة وعشرون ألف فدان.
وأقام امنمحات الثالث مجموعته الهرمية فى هوارة وكان اللابيرنث معبده الجنائزي أو جزء منه، وقد أخذت عظمته بألباب الرحالة أمثال: هيرودوت وكما ذكره أيضاً مانيتون, وديودورس الصقلي, واسترابون, وبلينى, وبومبينوس, والذين قاموا بوصفه. وكان قائما حتى العصر الصاوي فى الاسرة 26 الفرعونية وقام ملوك ذلك العصر بالكثير من الأصلاحات والترميم فى مبني اللابيرنث, واستطاع هيرودوت وصفه, وهو الذى أورد فى روايته عن اللابيرنث قائلاً " لقد شاهدتها فوجدتها فوق الوصف تشييداً واتساعاً, ولا يماثلها من مباني اليونان شيء, بل هى أعظم من الأهرام, التي لا يساويها شيء من العمائر ولا معابد أفسوس وساموس فى اليونان مع إنها من أعظم المباني. وهى مدينة واحدة خلافا لمن زعم تعددها, ولكنها تشتمل على اثنا عشر بهوا محاطة بسور أبوابها يخالف بعضها بعضا ,ستة جهة الشمال وستة جهة الجنوب, يحيط بالكل سور واحد وعدد غرفها 1500 علوية ومثلها سفلية" وقال أنه زار الحجرات العلوية ولم يسمح الكهنة له بزيارة الحجرات السفلية وقالوا له أنها مدافن التماسيح المقدسة ومدافن الملوك الذين بنوا اللابيرنث فى سالف الأزمان.
اما الرحالة أسترابون والذى ذكر فى وصفه له ..اللابيرنث عمارته لا تقل أهمية عن الأهرام ,ملحق بها قبر الملك الذى بنى اللابيرنث ,قصر عظيم من عدة مساكن ملكية على قدر ما كان بمصر من أقاليم فى صف واحد بحيث تكون مبنى واحد كبير. وأمام المدخل كثير من الممرات الطويلة المسقوفة تتقاطع مع بعضها البعض وتكون طريق ملتوية حتى أن الغريب لا يستطيع أن يجد طريقه نحو الخارج أو غلى داخل أي بهو بدون دليل, ومن الحقائق المدهشة أن سقف من أسقف الحجرات يتكون من صخرة واحدة ذات حجم هائل".
ومن الجدير بالذكر كما يقول كبير مفتشي الاثار بالفيوم أن بقايا اللابيرنث الآن قليلة جدا فلم يبقى منه شيء حتى أنه أثناء حفائر عالم الآثار الإنجليزي الشهير وليم فلندرز بتري بالمنطقة أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لم يذكر إلا بعض الكتل الحجرية الضخمة جنوب هرم أمنمحات الثالث. وتتناثر بقايا بعض الأحجار المختلفة الأنواع والأحجام سواء أحجار رملية وجيرية وجرانيتية على مساحة كبيرة جنوب هرم أمنمحات الثالث وهى موقع اللابيرنث والذي كان يشغل مساحة مستطيلة تقريبا فيبلغ طوله 350 متر من الشرق إلى الغرب و244 متر من الشمال للجنوب, وهي مساحة كبيرة جدا, ويرجع سبب دماره إلى إستخدام أحجاره كمحجر خلال العصر الروماني والعصور التالية. وتستقطع ترعة عبدالله وهبي جزءا منه ويظهر إلى الغرب منها أرضيات من احجار جيرية ضخمة جدا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفيوم المعابد أهرامات الجيزة
إقرأ أيضاً:
غزّة .. كربلاء العصر
في كل زمانٍ يُولد كربلاء جديد. ليست كربلاء واقعة منتهية في التاريخ بل روح متكررة تختبر ضمير الأمة وتقيس مدى صدقها في مواجهة الطغيان والوقوف مع المظلوم. واليوم تقف غزة في قلب كربلاء المعاصرة والدم الفلسطيني يسيل على درب الحسين متحدياً جبروت يزيد العصر: الكيان الصهيوني.
كربلاء لم تكن معركةً عسكرية فقط بل كانت صرخة في وجه الاستسلام والذل ثورة على الانحراف الثقافي والسياسي والأخلاقي الذي أصاب الأمة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). والحسين (عليه السلام) لم يخرج طالباً سلطة بل خرج “لطلب الإصلاح في أمة جده” وهي ذات الروح التي تحرك المقاوم الفلسطيني اليوم حين يقف وحيداً في الميدان مدركاً أن ميزان القوى لا يرجّح كفته لكنه يؤمن كما آمن الحسين أن الدم إذا سُفك في سبيل الله يُحدث في وعي الأمة ما لا تفعله الجيوش.
غزة منذ شهور تخوض كربلاءها. الأطفال يُذبحون كما ذُبح الرضيع عبد الله في أحضان أبيه والبيوت تُحرق كما أُحرقت خيام آل بيت النبوة والنساء تسبى وتُشرد وتُقتل كما سُبيت زينب وكُنّ في قلب المصيبة. وكل ذلك يجري على مرأى ومسمع «أمة المليار» التي صمت أغلبها كما صمتت الأمة وأهل الكوفة وتخاذلت كما تخلّى أهل الشام وتفرّجت كما تفرّجت القبائل حين عُرض رأس الحسين على رمح في طرقات الدولة الأموية.
بعد أن ذُبحت غزة هل سيبقى العالم كما هو؟ هل تستقر أوضاع الأمة؟ أم تبدأ الأمة تغلي وتبدأ اللعنات تتوالى والنكبات تتساقط عليها جيلًا بعد جيل وحتى نعيش نحن اليوم في زمنٍ تتساقط فيه العروش وتُفضح فيه الشعارات وتُكشف فيه كل وجوه الزيف والتطبيع والعمالة.
لن تسلم للأمة قضيّتها لن تسلم لها كرامتها لن تسلم لها هويتها. وما أسوأ الإنسان حين يسمع صرخات الأبرياء من غزة ثم يجد نفسه يخذل غزة ويبرر للجلاد أو يصمت في وقتٍ تكون الكلمة فيه أشرف من ألف رصاصة. إنه أسوأ من ذلك الذي نشأ في حضن الكيان الصهيوني وتربى على الولاء له. لأنه خذل وهو يعلم ورضي وهو يسمع وسكت وهو يرى الدم ينزف.
وانظروا إلى التاريخ… أليست غزة اليوم مثل الحسين بالأمس .. أليست محاصرة غريبة مستضعفة تواجه طغيان يزيد العصر وحدها.. أليست الأمة تتفرج كما تفرجت الأمة على الحسين آنذاك؟ ثم ستندم كما ندم أهل العراق لكن بعد فوات الدم بعد فوات الأبطال بعد فوات زمن العظماء.
لو كان الموقف في وقته لو كانت الغضبة في أوانها لو كان السيف صادقاً يوم طُلب منه أن ينصر لربما تغير وجه الأمة من جذوره. لربما عادت فلسطين محررة وعادت القدس شامخة ولربما لم نكن نعيش اليوم زمن الذل والتطبيع والانهيار.
لكن العرب يفرّطون كما فرّطوا بآل البيت… ثم لن يبقى لهم سوى الندم. يندبون الحسين وهم خذلوه واليوم يبكون غزة وهم خذلوها.
ويا لها من خسارة… ليست كخسارة أرض أو مدينة. بل هي خسارة أمّة حين تفقد أعظم رجالها حين يتم اغتيالهم وهي تعلم أنهم على الحق حين يقتل عليٌّ ويُذبح الحسين وتُخنق غزة تحت ركام الصمت.
هي نكبة الأمة أن تذبح عظماءها أو تتركهم وحدهم في الميدان. هي النكبة حين لا ندرك القيمة إلا بعد أن تُفقد ولا نفيق إلا بعد أن يسقط الجدار ويدخل العدو .
لكن في غزة كما في كربلاء هناك “حسين” وهناك “زينب” وهناك من يقول بملء القلب والدم: «لن نركع»، «لن نساوم»، «لن نبيع القضية». والمقاومة الفلسطينية رغم الألم والحصار والجراح تؤكد بدمها أنها ليست مجرد حركة مقاومة بل نهج كربلائي أصيل يحمل روحية «هيهات منا الذلة».
وإذا كانت كربلاء قد أخرجت للأمة معياراً خالداً للحق والباطل فإن غزة اليوم تعيد ترسيم هذا المعيار. ليس الحياد موقفاً ولا الصمت خياراً. من لم يكن مع الحسين، فهو مع يزيد ومن لم يقف مع غزة فهو شريك في الجريمة حتى بصمته.
غزة تفضح المواقف كما فضحت كربلاء جُبن القاعدين. تفرز الصفوف وتكشف الأقنعة وتحفر في وجدان الأمة سؤالاً لا يسقط بالتقادم: أين كنت حين ذُبح الحسين .. وأين تقف اليوم وغزة تُذبح ويُباد أهلها؟
فغزة اليوم، هي كربلاء العصر… وأطفالها شهداء الطف… ومقاوموها هم آل بيت الكرامة… و”هيهات منا الذلة” شعارهم في زمنٍ غاب فيه الشرف عن كثير من العواصم.