البرهان وطرح ثلاث سيناريوهات للحل
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
السيناريو الأول.. و يتمحور في ... عندما زار وفد الاتحاد الأفريقي و الايقاد القاهرة للالتقاء بقيادات سياسية سودانية تمثل الحرية " الديمقراطي" و غيرها من القوى الأخرى كان بناء على تصور لتوسيع قاعدة المشاركة، و تبدأ العملية السياسية موازية للمفاوضات العسكرية. باعتبار أن توافق القوى السياسية على مشروع سياسي واحد سوف يعجل بالحل و وقف الحرب؛ و كان ذات الوفد قد طالب الحرية المركزي بأن تعجل عملية توسيع قاعدتها المدنية التي تبشر بها.
السيناريو الثاني... كان موازيا للسيناريو الأول، و منافسا له من حيث تمثيل القاعدة السياسية، كانت هناك مجموعات مختلفة متنافسة من أجل استلام السلطة، كل واحدة منها ساعية بدعم من روافع خارجية أن تكون هي المقبولة لاستلام السلطة بعد وقف الحرب، و رغم أن دول جوار السودان قد أكدت في الاجتماع الذي كانت قد عقدته في القاهرة أنها تقف مع وحدة السودان، و عدم التدخل في شئونه الداخلية، لكن للأسف أن خمسة دول منها كانت وراء دعم الميليشيا بتجنيد مواطنيها للمشاركة مع الميليشيا في الحرب، و استخدام أراضيها لمرور الدعم اللوجستي للميليشيا، بهدف إجبار الجيش للرضوخ و قبول كل الشروط المطلوبة التي تقدم من قبل الاتحاد الأفريقي و الإيقاد، على أن يكون هناك مسارين في التفاوض " عسكري.. و أخر سياسي" و بسبب صمود الجيش و تأييد قطاع واسع من الجماهير له، و هم يخرجون لاستقبال طلائعه و متحركاته في كل مكان، كان سببا أن يضعف السيناريو، و يجعله يتحرك بصورة ضعيفة، تخوفا من ردات فعل مضادة من قبل الجماهير. بعد ما عقد قحت " المركزي" اجتماعها الموسع في أديس أبابا و كونت مؤسستها " تقدم" بقيادة حمدوك، و أصدرت بيانها الذي رفضت فيه مشاركة المؤتمر الوطني و الحركة الإسلامية بكل فروعها و مسمياتها، شعرت "قحت المركزي" أنها فقدت دورها القيادي و أن إضافة الحركة الإسلامية و كل فروعها للبيناء و التي كان وراءها الجمهوريين الناشطين و السابقين، أن هذا الشطط و الغلو سوف يفقدها سطوتها، خاصة أنها كانت قد أعطت وعدا للاتحاد الأفريقي و الإيقاد أنها تقبل توسيع قاعدة المشاركة ما عدا المؤتمر الوطني، و أيضا ما جاء في بيان القاهرة، و البيان يعد نكوصا عن وعدها. هذا الأمر قد خلق خلافا داخل حزب الأمة الذي كانت بعض قيادته تصرح أنهم ضد وضع أي شروط تعطل عملية إنهاء الحرب. و الدعوة للاجتماع في القاهرة سوف تحدث شرخا في " تقدم" حيث ترفض بعض القوى الاجتماع في القاهرة و خاصة الجمهوريين. كما قحت " المركزي" قد تأكد لها إذذا خسرت القاهرة سوف يضعف قوتها و فاعليتها، باعتبار أن القاهرة لها دورا مؤثرا في عملية الحل السياسي.
السيناريو الثالث.. حيث كشف الرئيس الاريتري أسياس افورقي ل "صحيفة الشرق الأوسط،" عن طرحه مبادرة و قال( ليست للإعلام أو النشر، ويمكن طرحها لدول الجوار، لأن السودان مهم للجميع ليس فقط دول الجوار، وفي النهاية للسودانيين الحق في اتخاذ قراراتهم للوصول إلى برّ الأمان.) و أضاف قائلا ( أن المبادرة تختلف عن أطروحات بعض السياسيين التي ترتبط ببعض الأجندة الخارجية، المقدمة في عدة عواصم أفريقية) أن أريتريا كانت قد دعت إلي اجتماع للقوى السياسية في اسمرا إلا أن القوى التي حضرت الاجتماع لم تصل لرؤية واضحة، خاصة؛ كان هناك اجتماعا في أركويت و اجتماع آخر للحركات في جوبا، الأمر الذي لم يؤدي إلي نجاح اجتماع اسمرا بالصورة المطلوبة... لذلك قرر الرئيس أسياس أن يتحرك بنفسه لطرح مبادرته على عدد من دول الجوار حيث قال (ساعرض المبادرة على دول الجوار، و لكن لن أفصح عنها للإعلام غير أنني من دون أي مجاملة أومن بأن الشعب السوداني يتمتع بثقافة و وعي لا يتوفران لدى كثير من الشعوب الأخرى، بسبب التجارب الثرية التي اسهموا فيها منذ الاستقلال عام 1956م فهم مؤهلون لحل مشاكلهم.. و لديهم خيارات يمكنهم مشاركتها مع دول الجوار إذا أرادو، مع أهمية التشخيص السليم للأزمةدون تحيز أو ارتباط بأي أجندة خارجية) رغم أن أسياس رفض الإفصاح عن مبادرته إلا أنه من خلال استخدامه للمجاز و التورية بين أن الإزمة تكمن في القوى السياسية نفسها التي تعددت اجندتها و أهملت قراءة تجاربها التاريخية و تعلقت بأهداف الخارج لمساندتها كرافعة لها للسلطة. أن جلوس القوى السياسية السودانية مجتمعة داخل السودان سوف يغير الكثير من العوامل السالبة التي تعثر عملية التحول الديمقراطي.
أن السيناريو الثالث.. من خلال التسريبات للقاءات التي جرت في الغرف المغلقة و الرسائل السرية؛ يهدف إلي الاعتراف بالسلطة التي يمثلها البرهان، هي سلطة الأمر الواقع و بالتالي يجب التعامل معها وفقا للسيادة السودانية، و هذا يعد تحولا كبيرا لمجريات الأحداث، مقارنة بالاجتماع الذي كان قد عقدته الإيقاد في أديس أبابا، و صرح فيه الرئيسان الكيني و الأثيوبي ليس هناك سلطة في الخرطوم يمكن التعامل معها، و أقرا بدخول القوات العسكرية لدول شرق أفريقيا، و جعل محيط 50 كيلو متر في كل اتجاهات منطقة منزوعة السلاح. الأن تغير الموقف تماما حيث أصبح البرهان يمثل سلطة معترف بها.. هناك رؤية بأن لا تكون هناك فترة إنتقالية بالمعنى الذي قد درجت عليه الأحزاب في المرحلة السابقة، و أن تكون هناك حكومة لها مهام محددة في التعمير، و تحسين الخدمات و معاش الناس، و تهيئة البيئة للانتخابات العامة. و أيضا أن يكون العمل السياسي محدود بشرط المؤتمر الدستوري الذي تحسم فيه القوى السياسية خلافاتها و تصنع دستورا دائما للبلاد، و تستعد للانتخابات العامة. هذا السيناريو توافق عليه أغلبية دول الجوار و سوف تتبناه الإيقاد و يطرح أيضا على البعثة الأممية و الاتحاد الأفريقي و الاوروبي و أمريكا. كما أن العاصمتين نيروبي و أديس أبابا أقرتا أن أي اجتماع للإيقاد يجب أن يحضره السودان، ممثلا في رئيس مجلس السيادة أو من ينوب عنه. الأمارات لا ترفض ذلك لكنها تريد ضمانات لاستثماراتها في السودان، الجيش لا يقبل إعطاء أي ضمانات حتى يحصر ما دمرته الحرب، و يطالب الدول التي ساعدت الميليشيا أن تدفع تكلفة التعمير و البناء في السودان و تعويض المواطنين. أن أنتصار الجيش في العاصمة الآن و تشتت الميليشيا غير المنضبط ، حيث لا تملك قيادتها السيطرة عليها قد غير موازين اللعبة السياسية تماما.. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
//////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة أدیس أبابا دول الجوار الذی کان
إقرأ أيضاً:
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
عمر سيد أحمد
[email protected]
مايو 2025
من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد النهب
في السودان، لم يُولد اقتصاد الظل من فراغ، ولم ينشأ على هامش الدولة، بل تكوَّن داخل قلب السلطة، وتحوَّل إلى أداة محورية في يد منظومة مسلحة — تضم الجيش، وجهاز الأمن والمخابرات، والمليشيات — تحالفت لعقود مع منظومات الإسلام السياسي لتثبيت السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع تفجّر الثورة، ثم اندلاع الحرب، تكشّف الوجه الحقيقي لهذا الاقتصاد: ليس فقط مصدرًا للثراء غير المشروع، بل وقودًا للحرب، ومنصة لتشويه الوعي، ودرعًا يحمي شبكات السلطة من الانهيار.
اقتصاد بلا دولة… بل ضد الدولة
اقتصاد الظل في السودان لم يعد مجرد أنشطة غير رسمية كما في التعريف التقليدي، بل أصبح منظومة مهيكلة تعمل خارج إطار الدولة، تموّل وتُهرّب وتُصدر وتُجيّش بلا أي رقابة أو مساءلة. يتجلّى هذا الاقتصاد في تهريب الذهب من مناطق النزاع عبر مسارات محمية بالسلاح وعبر الحدود في كلزالاتجاهات وعبر المنفذ المحمي بالنافذين ، وتجارة العملة التي تغذي السوق الموازي بعيدًا عن النظام المصرفي، إلى جانب شبكة من الأنشطة التجارية الخارجية التي تدار لصالح قلة مرتبطة بأجهزة أمنية وشركات استيراد الوقود لطفيلي النظام السابق محمية من السلطة ، وتحويلات مالية غير رسمية تُستخدم في تمويل اقتصاد الحرب.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 50% إلى 80% من إنتاج الذهب في السودان يُهرّب خارج القنوات الرسمية. وتُقدّر خسائر السودان من تهريب الذهب خلال العقد الماضي بما لا يقل عن 23 مليار دولار في حدها الأدنى، وقد تصل إلى 36.8 مليار دولار . هذه الأرقام تُظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يمثّلها اقتصاد الظل، ومدى تحوّل الذهب من مورد وطني إلى مصدر تمويل خفي للحرب والنهب.
من العقوبات الاقتصادية إلى السيطرة: نشأة التحالف الخفي
خلال سنوات العقوبات الأميركية، نشأت شبكات بديلة لحركة المال والتجارة، قادها رجال أعمال ومؤسسات أمنية مرتبطة بالنظام. وبدل أن تواجه الدولة الأزمة ببناء بدائل وطنية، فُتحت السوق أمام فئة طفيلية نمت في الظل، وتحوّلت إلى ذراع اقتصادية للسلطة. وحتى بعد رفع العقوبات عام 2020، لم يُفكك هذا الهيكل، بل تعمّق. ومع انقلاب 25 أكتوبر، استعادت هذه الشبكات سيطرتها الكاملة على الأسواق والموارد، لتبدأ مرحلة جديدة: تحويل اقتصاد الظل إلى مصدر تمويل مباشر للحرب.
اقتصاد الريع: الأساس البنيوي لاقتصاد الظل
من أبرز الأسباب البنيوية التي مهدت لتضخم اقتصاد الظل في السودان هي هيمنة اقتصاد الريع، الذي مثّل النمط الغالب منذ الاستقلال. فقد اعتمد السودان تاريخيًا على تصدير المواد الخام دون أي قيمة تصنيعية مضافة، بدءًا من القطن والحبوب الزيتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالبترول في العقد الأول من الألفية، وانتهاءً بعصر الذهب بعد انفصال الجنوب عام 2011. هذا النمط الريعي جعل الاقتصاد السوداني مرتهنًا للأسواق الخارجية، ومفتقرًا لقاعدة إنتاجية وطنية مستقلة.
في ظل أنظمة شمولية وفساد مؤسسي، لم تُستثمر عائدات هذه الموارد في تنمية مستدامة، بل أعيد توزيعها عبر شبكات محسوبية وزبونية لصالح نخب الحكم والأجهزة الأمنية. وبدل أن يكون اقتصاد الريع رافعة للتنمية، تحوّل إلى بيئة حاضنة لاقتصاد الظل. والمفارقة أن هذا الاقتصاد لم ينشأ في الهوامش كما قد يُظن، بل نشأ وترعرع في المركز، داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبتواطؤ من النخبة الحاكمة، التي استخدمته أداة للتمويل غير الرسمي، ولتثبيت سلطتها السياسية والعسكرية.وهكذا، اندمج الريع مع الفساد والعسكرة، وخلق منظومة اقتصادية موازية، لا تقوم على الإنتاج بل على النهب، ولا تخضع للقانون بل تتحصن خلفه..
تجارة السلاح والمخدرات: الوجه المحرّم لاقتصاد الظل
من أخطر أوجه اقتصاد الظل، تورّط المنظومة المسيطرة في تجارة السلاح والمخدرات. فقد انتشرت تقارير موثقة عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل خلال عهد الإنقاذ، حول “كونتينرات المخدرات” التي وصلت البلاد أو عبرت نحو دول الجوار، تحت حماية أو تواطؤ من جهات أمنية. هذه التجارة، وإن ظلت في الظل، شكّلت مصدر تمويل خفي مكمل للحرب، ومنصة لتجنيد المليشيات، ومجالًا لتبييض الأموال وتوسيع سيطرة مراكز النفوذ.
معركة الوعي المُموّلة: الإعلام كسلاح في الحرب ضد المدنية
لا يقتصر دور اقتصاد الظل على تمويل السلاح فقط، بل يُغذي معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة السيطرة على الوعي. تُدار هذه الحملة الإعلامية من غرف خارج السودان، في عواصم مثل القاهرة، إسطنبول، دبي، والدوحة، بإشراف إعلاميين من بقايا نظام الإنقاذ وشبكات أمنية وإيديولوجية. وتنتج هذه الغرف محتوى ممولًا على وسائل التواصل الاجتماعي يبرر الحرب، ويشوّه قوى الثورة، ويُجيّش الرأي العام ضد التحول المدني، ويروّج لاستمرار الحرب التي شرّدت الملايين، وقتلت الآلاف، ودمّرت البلاد.
الهدف لا يقتصر على قمع الثورة المسلحة، بل يمتد إلى اغتيال فكرة الدولة المدنية ذاتها. تُصوَّر الديمقراطية كتهديد للاستقرار، وتُقدَّم السلطة العسكرية كخيار وحيد لضمان وحدة البلاد، في تجسيد صريح لعسكرة الدولة والمجتمع.
تفكيك المنظومة: ليس إصلاحًا إداريًا بل صراع طويل
لا يمكن الحديث عن تفكيك اقتصاد الظل في السودان بوصفه مجرّد قرار إداري أو إجراء قانوني، خاصة في ظل حرب مفتوحة، وانهيار مؤسسات الدولة، وسيطرة المنظومة المسلحة على مفاصل الاقتصاد. فهذه المنظومة لا تُفكَّك من خلال الانتصار الحاسم، بل من لحظة تآكل السيطرة المطلقة، حين تبدأ الشروخ في البنية الأمنية والاقتصادية للنظام القائم.
ورغم عسكرة الحياة اليومية، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى شلل في الفعل المدني أو استسلام لقوى الأمر الواقع. المطلوب هو العمل من داخل الحرب، لا على هامشها، لصياغة مشروع تحوّل واقعي وجذري. ويبدأ ذلك بخلق وعي جماهيري جديد، يفضح الترابط البنيوي بين السلاح والثروة، ويضع اقتصاد الظل في موضع المساءلة الشعبية والدولية.
يتطلب هذا المسار مراقبة دقيقة للسوق الموازي وتحليل آلياته، تمهيدًا لبلورة سياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تعيد تنظيم السوق وتكسر احتكار شبكات التهريب. كما أن توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، لا بد أن يتحول إلى ملفات قانونية وإعلامية قابلة للمساءلة، لا مجرد روايات متداولة.
إلى جانب ذلك، يبرز دور الإعلام البديل والمجتمعي كجبهة مقاومة مستقلة، تتصدى لخطاب التضليل الذي يُنتج خارج البلاد، وتواجه الرواية الرسمية التي تبرر الحرب وتشيطن التحول المدني. هذه المواجهة الإعلامية ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء رأي عام مقاوم ومتماسك.
وأخيرًا، فإن أي محاولة للتغيير لا تكتمل دون بناء شبكات وتحالفات مدنية، تطرح مشروعًا وطنيًا بديلًا يعيد تعريف الدولة، ويفكك الارتباط بين السلطة والثروة، وينقل الاقتصاد من يد المليشيات إلى يد المجتمع. هذا الطريق ليس خطة جاهزة، بل جبهة مفتوحة، تتطلب العمل اليومي، والمبادرة من داخل الشروخ التي فتحتها الحرب، لا انتظار نهايتها.
العمل وسط الحرب: لا وقت للانتظار
ورغم عسكرة الحياة واشتداد المعارك، لا ينبغي أن يكون الواقع ذريعة للتوقف عن الفعل أو الاستسلام للأمر الواقع. بل العكس هو الصحيح؛ المطلوب اليوم هو العمل من داخل الحرب، ومن بين شقوقها، لبناء بدايات جديدة تُمهّد لمسار تحوّل مدني حقيقي. فالتغيير في سياق مثل السودان لا يُنتظر حتى لحظة النصر، بل يُصنع من داخل المعركة، بخطوات واقعية ومدروسة، تستند إلى الفعل الجماهيري والإرادة الجمعية.
أدوات التغيير: من الوعي إلى التنظيم
هذا المسار يتطلب بناء أدوات جديدة، وخلق وعي جماهيري ناقد، يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل أيضًا اقتصادية وثقافية. ويبدأ ذلك بكشف البنية الاقتصادية للمنظومة المسلحة، وفضح العلاقة البنيوية بين السلاح والثروة، بما يتيح خلق ضغط داخلي وخارجي على مراكز النفوذ. كما ينبغي رصد نشاط السوق الموازي وتحليل آلياته، لتجهيزه للمواجهة لاحقًا بسياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تفكك احتكارات الظل وتستعيد الاقتصاد لحضن المجتمع.
في الوقت ذاته، يُعد توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، ضرورة لبناء ملفات قانونية وإعلامية يُمكن الرجوع إليها في لحظة المساءلة. وعلى الجانب الإعلامي، لا بد من دعم إعلام بديل، مستقل ومجتمعي، يواجه سرديات التضليل التي تُدار من غرف إعلامية في الخارج، ويقدم خطابًا مقاومًا ينبني على سردية الثورة، لا على خطاب الحرب.
وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على بناء تحالفات مدنية مرنة وواقعية، تطرح مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً، يعيد تعريف علاقة الدولة بالمجتمع والموارد، ويفكك ارتباط السلطة بالنهب والاحتكار.
جبهة مفتوحة: بداية لا نهاية
إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة تاريخية تتطلب إعادة صياغة المشروع الوطني من جذوره. وهذه ليست خطة جاهزة بقدر ما هي جبهة مفتوحة للتغيير التدريجي، تُصاغ من داخل لحظة الانهيار، لا من خارجها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في انتظار نهاية الحرب، بل في استثمار التصدعات التي خلقتها، وتحويلها إلى مسارات للمقاومة المدنية، وبدايات جديدة تُبنى فيها دولة ديمقراطية مدنية، عادلة ومنقذة، تعبّر عن طموحات الناس لا عن مصالح النخب المتغولة.
المصادر
1. Global Witness (2019). ‘The Ones Left Behind: Sudan’s Secret Gold Empire.’
2. International Crisis Group (2022). ‘The Militarization of Sudan’s Economy.’
3. Human Rights Watch (2020). ‘Entrenched Impunity: Gold Mining and the Darfur Conflict.’
4. United Nations Panel of Experts on the Sudan (2020–2023). Reports to the Security Council.
5. BBC Arabic & Al Jazeera Investigations (2021–2023). Coverage of Sudan’s illicit trade and media operations.
6. Radio Dabanga (2015–2023). Reports on drug trafficking and corruption during Al-Ingaz regime.
7. Sudan Tribune (2020). ‘Forex crisis and informal currency trading in Sudan.’
الوسوماقتصاد الظل السودان تحالفات الخفاء تمويل الحرب عمر سيد أحمد