لجريدة عمان:
2025-05-22@05:53:29 GMT

عُمان.. في يوم مجدها وسؤددها

تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT

عُمان.. في يوم مجدها وسؤددها

لا تستذكر سلطنة عمان اليوم وهي تحتفل بعيدها الوطني المجيد الماضيَ العريق والتاريخ العظيم فقط، رغم أنه تاريخ مشرّف ومليء بالبناء والمنجزات الحضارية في السياق العماني والسياق الإنساني، ولكنها ترنو إلى المستقبل الذي تسير نحوه بكثير من الاطمئنان أنه سيكون مستقبلا مشرقا بعد أن بذل الآباء والأجداد وكل الأجيال الماضية جهودا كبيرة في تمهيد الطُرُق نحوه.

ورغم التحديات التي تفرضها طبيعة سيرورة التاريخ للأمام وتفاعلاته مع كل ما حوله إلا أن العمانيين بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على يقين تام أنهم يسيرون نحو مستقبل مشرق، وقد علمتهم التجارب كيف يعبرون بنجاح المراحل الصعبة والمعقدة نحو غايتهم التي ينشدونها حيث المجد والمساهمة في البناء الإنساني.

إن ذلك ليس مجرد حلم يبالغ به شعب في يوم عيده الوطني، رغم أن الأحلام مشروعة، ولكنه يقين وإيمان حتى قبل أن يكون طموحا.. وعندما تؤمن الشعوب بأحلامها وبقدرتها على تحقيقها تبدع إبداعات خالدة تصبح ضمن أمجاد الدول ومفاخر الشعوب.

ومن يعُد إلى تاريخ عُمان يجد الكثير من النماذج التي يمكن القياس عليها، كيف استطاع العمانيون في الكثير من مراحل التاريخ الحالكة أن يعبروا بشجاعة وصلابة المسافة الفاصلة بين الخوف والرجاء، وأن ينتصروا على التحديات مهما بدت مستحيلة.. وآخر التحديات الصعبة التي عبرها العمانيون كانت بقيادة سلطان البلاد المفدى ـ أعزّه الله ـ عندما مرت عُمان، والكثير من بلاد العالم، بأزمة مالية ناتجة عن الجائحة الصحية الأخطر التي عاشتها البشرية. لقد شارك العمانيون جميعا بقيادة جلالة السلطان في عبور ذلك التحدي الصعب إلى المرحلة الآمنة التي نعيشها اليوم.. وخرجت عُمان مثل كل مرة أكثر قوة وأكثر خبرة وأكثر يقينا بقيادتها وقوة أبنائها. وسيأتي اليوم الذي ننظر أو تنظر فيه أجيال عُمان القادمة إلى تلك المرحلة باعتبارها مرحلة فاصلة في تاريخ عُمان عبرها العمانيون بالعزيمة نفسها التي عبر فيها أجدادهم مراحل تاريخية مماثلة.

واليوم الذي تحتفل فيه سلطنة عمان بعيدها الوطني، الذي هو رمز عزتها ومبعث من مباعث فخرها، تجد نفسها تسير وفق رؤية واضحة صاغتها القيادة، بتوافق شعبي، لتكون خارطة طريق نحو المستقبل. وفي خطابه أمام مجلس عُمان هذا الأسبوع قال جلالته ـ حفظه الله: «لن نتوانى عن بذل كل ما هو متاح لتحقيق ما رسمناه من أهداف وتطلعات رؤية عمان 2040» وقد أسهمت هذه الخطة بعد قرابة ثلاث سنوات على بدء تطبيقها في تعزيز المكانة المالية لسلطنة عمان وتقدمها في الكثير من المؤشرات العالمية وتحقيق درجات من الحماية الاجتماعية للفئات التي تحتاجها. رغم أنها كانت سنوات صعبة جدا نظرا لما أحاط بها من ظروف اقتصادية ومالية وصحية ومتغيرات سياسة عالمية.

لكنّ هذه اللحظة التاريخية التي نمتلئ فيها يقينا وإيمانا بمستقبلنا كما نمتلئ فيها فخرا واعتزازا بتاريخنا وحاضرنا عليها أن لا تنسينا كل التضحيات التي بذلت من أجل ما نحن فيه طوال التاريخ، وأن علينا أن نعمل بجد مضاعف، كما عمل من قبلنا، حتى نحافظ على كل ما تحقق في مسيرة بناء هذا الوطن.. والمستقبل الذي نريده وننشده يحتاج منّا إلى عمل مقرون بعلم ومعرفة وبوعي كبير « فالعالم لا يتغير بذاته.. إنما الوعي هو الذي يغير العالم» كما يقول الفيلسوف هيجل.. ولذلك فإن الوعي شرط أساسي من شروط التغيير.

إن دعوة جلالة السلطان المفدى خلال خطابه أمام مجلس عُمان إلى أهمية الحفاظ على منظومة المجتمع الأخلاقية والثقافية والتمسك بالسمت العماني دليل واضح على أهمية بناء الوعي بكل ما يحيط بنا من قضايا وتحديات كبرى؛ فالعالم يمر بتحولات تفقده الكثير من مبادئه وقيمه لصالح اعتناق أفكار جديدة لا تتناسب مع قيم الدين الإسلامي الحنيف التي يعتنقها المجتمع العماني ويؤمن بها. وقد ارتبطت قوة العمانيين وصلابتهم عبر التاريخ بقوة تمسكهم بمبادئهم وقيمهم وأخلاقهم.. ولذلك فإننا لا نستطيع في عُمان أن نتقدم نحو المستقبل دون قيم ومبادئ سواء كانت قيما اجتماعية أو سياسية، وقد عرف العالم عنّا ذلك واحترمنا على أساسه وسنبقى على مبادئنا وسمتنا الرفيع.

وكل عام وعُمان كيانا حضاريا عظيما وخالدا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من

إقرأ أيضاً:

النباح الأخير: الأسطورة أفقا.. التاريخ بطلا

الكثيرون من أدباء العالم كتبوا التاريخ قصائد، وأبدعوا في ذلك أيما إبداع، من أبرز هؤلاء العظيم اليوناني الاسكندراني، (كفافيس) وهناك من وظّف الأسطورة في بناء أدب رفيع خالد لا يذهب بسهولة من أذهان الناس، مثل محمود درويش وأدونيس وبدر شاكر السياب. لكن الكثيرين فشلوا في ذلك مثل باولو كويلو الذي فشل في روايته (بريدا) لأن وعظ الرواية كان مباشرا والأسطورة الموظفة كانت مجرد خلفية دون حيوية أو توتر درامي.

أمامي (النباح الأخير) وهو كتاب قصصي جديد يكثف فيه المبدع القصصي الأردني المتميز مفلح العدوان تجربته في توظيف الأسطورة والتاريخ في قصص قصيرة لا تغادرنا بسهولة. الكتاب صدر حديثا عن دار نشر (ناشرون وموزعون) بمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، وبغلاف جميل للفنان بسام حمدان، قبل التوغل في هذا العالم القصصي الأصيل سأحكي قليلا عن مفلح، ليس عن سيرة حياته، (والتي تهمنا بالطبع) بل عن سيرة مشواره الجمالي القصصي، تعرّفت على مفلح كقاص على مواقع التواصل الاجتماعي، لفتني في لغته السردية تلك المسحة الشعرية التي ترافق أنفاس السرد عنده، المسحة الشعرية غير الطماعة، تلك التي تكتفي بمرور أو بمرافقة خفيفة لا تتدخل في الحبكة ولا تحاول الاستيلاء على الحدث، لاحقا لاحظت أن مفلح يذهب إلى استخدام التاريخ كفضاء سردي متوتر وعميق، واستطعت أن أقرأ تجربته بعناوين أو محاور أو ثيمات متنوعة: البساطة والعمق، الرمزية والتكثيف، الهوس الرومانسي بالمكان، وشعرية الصورة السردية، أما المحور الأبرز في قصصه أو الثيمة الكبرى فهو حضور الذاكرة بكامل ألقها وانفجاراتها والتباساتها.

في كتابه الأول (الدوار الأول بعد المئة) الصادر عام 1997 تبرز ملامح المشروع القصصي الأساسية، في تجربة مفلح، يستعير الكاتب من دوارات عمان معنى التيه وعبثية العودة إلى المكان بعد إيهام بسفر أو تحليق، المشهد العماني حاضر بقوة في هذه المجموعة الجميلة، المندفعة نحو أسئلة تتجاوز المحلي إلى آفاق وجودية وإنسانية بالغة الرحابة، المكان في هذه القصص لا يشكل فضاء سطحيا أو خلفية تقليدية كما يتوقع، عند كثير من القصاصين، هو بطل من أبطال قصصه، بل هو البطل الأساس، وهو النبع الأصيل الذي تنفجر منه الأحداث، وهنا نستطيع أن نشهد أو أن نرى أن (بطولة المكان) هي الثيمة المركزية في أدب مفلح العدوان، ولكنها ليست أي بطولة عادية أو مبتذلة أو مطروقة، فهذه البطولة المكانية تتردد كثيرا في كثير من قصص وروايات الآخرين، وهي تبدو مثل المدخل السهل الذي يلجأ إليه الكاتب المستعجل، الذي يريد أن يبهر، لكن البطولة هنا في تجارب مفلح عبر مجموعاته تذهب إلى أبعاد جديدة، وآفاق عالية، فهي ذائبة بالأسطورة ومجدولة بالاستعارات الدينية، ومتكئة على تاريخ المكان الحقيقي، هذا يتوضح تماما في تجربته الأخيرة التي بين أيدينا (النباح الأخير،) حيث يواصل مفلح حراثة الأمكنة وتقليبها بحثا عن جوهر المعنى المبتعد أو غير الواضح.

تبدو عمان تاريخا وأسطورة مكانا رحبا لاستخدامها أفقا للكتابة السردية، ولا أعرف قاصا أو أديبا أردنيا غير مفلح تعمق في هذا الاتجاه من الكتابة، ووصل به إلى هذه الذرى المشتعلة، ويبدو أن اشتغاله في مشروع (ذاكرة المكان - حكاية قرية، والذي بدأه عام 2004 (عبر ملحق في جريدة الرأي ثم توسّع لاحقا) ليُوثّق تاريخ القرى الأردنية وذاكرة سكّانها شفاهيا وكتابيا. حيث جاب أكثر من 200 قرية يجمع حكايات الناس عن النشأة، الأسماء، العادات، العمارة والوقائع اليومية، ثم نشر هذه المادة في مقالات مطوّلة وأصدر منها كتبا ومعارض صور ومحاضرات لاحقا) قد شكل لديه دافعا قويا لتحويل شغفه التاريخي الوطني بالمكان الأردني إلى أدب، وهذا ما حصل، فقد وظف مفلح المعلومات التي جمعها عن القرى الأردنية توظيفا جماليا مدهشا، وكان ذلك.

في قصة النباح الأخير، وهي التي تتصدر قصص المجموعة حيث يستدعي مفلح أسطورة أصحاب الكهف، وهذا الكهف كما يوضح في الحاشية: (يقع في قرية الرجيب، شرق العاصمة عمان، وكانت تسمى قديما الرقيم، وأصحاب الكهف في الرواية الإسلامية هم الفتية المؤمنون الذين فروا من قومهم بدينهم، وتخفوا في الكهف فأنامهم الله ثلاثمائة وتسع سنين، ولما استيقظوا ما لبثوا أن ماتوا. أما في الرواية المسيحية فهم النيام السبعة، أو القديسون أهل مغارة فلس).

أجمل في هذه القصة، هو استعادة الكاتب لقصة أصحاب الكهف، الشهيرة بهدف إسقاطها على استعارة قصة حاكم فيلادلفيا الروماني وفيلادلفيا هي عمان الآن، وقد تولى هذا الحاكم واسمه دقيانوس الحكم بين عامي 249 م حتى 251م. وقد كان ظالما يأمر بقتل واضطهاد كل من لا يأتمر بأمره ويعبد آلهته.

وتتوالى قصص المجموعة أدبا محولا بجمال فائق من تاريخ جاف: برج الناقة، لفائف القلعة، أيقونات مبتورة الرأس، مسيح عفرا، بانتظار المخلص، نبوءات راهب الزرقاء، شهادة وفاة، العثماني، عربات لعساكر مصر، عرس ابن الخوري، المجوس يخرقون البازلت، سبيل الحوريات والموؤدة الغريقة.

في حواشي القصص يفصل مفلح قصص الأشياء والأحداث والمكان، فنقرأ عن الإسينيون وهي طائفة عاشت في الفترة المكابية، وعن أصل مدينة الزرقاء حيث كان يطلق عليها أسماء كثيرة كيبوق وقد ورد ذكرها في وثائق تل العمارنة، وعن جبرا (جبرائيل) ملك من الملائكة الذي ورد ذكرهم بالقرآن. وعن الحارث بن أبي شمرا ملك الغساسنة في بلاد الشام وعن كهوف قمران التي اكتشفت فيها مخطوطات البحر الميت وغيرها من الحواشي.

مقالات مشابهة

  • كتب الله ان في ذات التاريخ يوم 20 مايو 2025م يهرب بقال
  • لماذا تخشى إسرائيل أطفال غزة؟.. قراءة من صفحات التاريخ
  • صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
  • النباح الأخير: الأسطورة أفقا.. التاريخ بطلا
  • ما هو سر صراخ أفراد المليشيا وتغيير مواقف الكثير من رجالات الإدارة الأهلية ؟!!!
  • الضغط يزيد...أورتاغوس تكراراً: لا يزال أمام لبنان الكثير
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • أورتاغوس: لا يزال أمام لبنان الكثير لنزع سلاح حزب الله
  • علاء فاروق: المتحف الزراعي يشهد على ريادة مصر عبر التاريخ
  • صور| أخصائية تستعرض التاريخ العريق لطب الأسنان عبر 7000 سنة قبل الميلاد