عربي21:
2025-12-14@01:32:23 GMT

إسرائيل في الجامعات الأمريكيّة: الأزمة المستعصية

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

المُنتَج الإسرائيلي أصبح فاسداً. ليس من السهل الترويج له في مجتمعات الغرب. في الدول النامية، هو لم يكن يوماً محبّذاً لأن إسرائيل التصقت في تاريخها بالاستعمار والعنصريّة، ونُظِرَ إليها كدولة استعماريّة تعاملت مع العرب وفق تقاليد الاستعمار الوحشي وأعرافه. لكن الغرب بعد الحرب العالميّة الثانية كان في حالة الندم على ما فعله، هو، باليهود في مجتمعاته عبر التاريخ.

لا تصدّقنَّ أن معاداة السامية هي مشكلة نازية حصراً، أو حكرٌ على ألمانيا. هي مشكلة عريقة في الكنيسة والمجتمعات المسيحيّة في أوروبا.

قرّرت دول الغرب بعد الحرب العالميّة الثانية أن تكفّر عن ذنوبها عبر تقديم الدعم المطلق لدولة إسرائيل وتغطية جرائمها عبر العقود. ألمانيا زادت على ذلك بإغداق العطايا المالية (بالمليارات) على إسرائيل. وساهم الصهاينة في صناعة هوليوود في تقديم نموذج برّاق (مُخادِع) لإسرائيل والصهيونيّة. فيلم «الهجرة» (بطولة بول نيومان) رسّخ فكرة أسطوريّة مثاليّة عن حلم بناء دولة إسرائيل. وكان نجوم هوليوود يتسابقون لجمع التبرّعات لمصلحة إسرائيل. كان المنتَج الإسرائيلي في عزّه آنذاك، واستمرّ حتى الثمانينيّات. اجتياح لبنان وما صاحبه من مجازر عرّفَ أجيالاً مسنّة وشبابيّة على صورة حقيقيّة لإسرائيل. لكن غزة نزعت الحجب بالكامل عن صورة إسرائيل.

في الجامعات الأميركيّة، لم تكن إسرائيل تشغل النشاط الطلابي كثيراً. كانت المؤسّسات الجامعية موالية لإسرائيل لأنه كان هناك توافق بين اليمين واليسار حول دعم إسرائيل. وساهم المموّلون الصهاينة في مدّ الجامعات بجوّ موالٍ لإسرائيل عبر إنشاء كراسٍ دائمة للدراسات الإسرائيليّة أو لكراسٍ تحتضن سنوياً أستاذاً إسرائيليّاً زائراً. العرب كانوا في موقع دفاعي ضعيف، وخصوصاً أن الجامعات الأميركيّة لم تكن تقبل المال العربي «الملوّث». جامعة جورجتاون عانت كثيراً في «مركز الدراسات العربيّة المعاصرة» بسبب التمويل العربي، وخصوصاً عندما حاول القذافي تمويل كرسيّ لهشام شرابي (رفضت الجامعة التمويل). كان اللوبي الإسرائيلي (إيباك) ينشر دراسة سنويّة عن العمل المناهض لإسرائيل في الجامعات الأميركيّة وكانت قلّة منهم تجرؤ على استضافة نشاط معارض لإسرائيل، وموضة اعتبار نقد إسرائيل موازياً لمعاداة اليهودية لم تكن قد سرت بعد. كان دليل اللوبي للجامعات يلحظ أستاذاً مناهضاً للصهيونية هنا وآخر هناك. مراكز دراسات الشرق الأوسط كانت هي العدوّ الأبرز للوبي لأنها كانت تخرّج طلاباً متخصّصين في الشرق الأوسط، وكان هؤلاء غالباً موالين للحق الفلسطيني. الجهل بالقضيّة هو السلاح الأبرز للوبي الإسرائيلي، ولهذا حاول الصهاينة وقف تمويل الحكومة الأميركيّة لمراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات. وأساتذة هذه المراكز كانوا أيضاً غالباً من المناهضين للصهيونية. وجمعيّة دراسات الشرق الأوسط (ميسا) كانت هي الأخرى بأكثرها مناهضة للصهيونيّة، ما حفّز الصهاينة على إنشاء منظمة صغيرة بديلة (ساهم فيها برنارد لويس، والصهيوني اللبناني فؤاد عجمي).


الجامعات حاربت النشاط المناصر لفلسطين في الألفيّة. كما أن العمل الطلابي العربي من أجل فلسطين عانى من مشاكل متراكمة. أولاً، قرار حركة «فتح» في السبعينيّات (بأمر من عرفات وتنفيذ من محمود عبّاس، يومها) بفصل العمل الفلسطيني الطلابي عن العمل الطلابي العربي العام في العالم. في الخمسينيّات والستينيّات، لم يكن هناك فصل بين العمل الفلسطيني والعربي. كانت القضيّة قوميّة بالفعل، وكانت المنظمات الفلسطينيّة (حتى السبعينيّات) تضمّ عرباً من جنسيّات مختلفة (كانت اللجنة المركزيّة للجبهة الديموقراطيّة لتحرير فلسطين تضمّ أعضاء من جنسيّات مختلفة). عرفات أراد (باسم الشعار الزائف، «القرار الفلسطيني المستقل») أن يتفرّد بالقرارات كي لا يسمح بمواقف جذريّة أن تؤثّر على مواقفه التسوويّة (شرح إلياس شوفاني ذلك في كتابه «مرئيّة الصفاء»). ثانياً، أحبطت دول الخليج النشاط السياسي القومي المناهض لإسرائيل بعد حرب الخليج في ١٩٩١. كانت المنظمات العربيّة (الطلابيّة والمهنيّة) تستعين بدعم مالي من السفارات العربيّة لعقد مؤتمراتها. استعانةُ دول الخليج بالحماية الأميركيّة المباشرة والوحشيّة بعد الاجتياح العراقي للكويت قضت على الرعاية الخليجية، وقد حاربت سفارات الخليج كل اللوبيات والمنظمات العربيّة لأن الأجندة تبدّلت. لم تعد فلسطين في الوارد. اقتناء السلاح والاستعانة باللوبي الإسرائيلي باتا الأولويّة القصوى.

طغيان الموقف الفلسطيني على مواقع التواصل هو سبب من أسباب تحرّر الشباب في الغرب من سطوة السرديّة الصهيونيّة


ماتت الجمعيّات الطلابيّة العربيّة وتشتّت التنظيم العربي في الجامعات. بدلاً من تنظيم يعنى بتحضير نشاطات للتعريف بفلسطين والقضايا العربيّة، نبتت نوادٍ فينيقيّة وفرعونيّة تهتم بالشرذمة لا بالجمع. وبعض النوادي اللبنانية الفينيقيّة لم تجد غضاضة من عقد صلات مع نوادٍ إسرائيليّة، لكن اللبناني شاذّ سياسيّاً بطبعه خلافاً لمعظم العرب. الوجود الإسرائيلي لم يختفِ من الجامعات وكان هناك مزج بين النوادي اليهودية ونوادٍ مناصرة إسرائيل. وكان المتبرّعون الصهاينة الأثرياء ينفقون في دعم هذه النوادي وفي إنشاء مبانٍ (أحياناً) لجمع أعضاء نوادي الـ«هيليل» الخاصّة باليهود. العرب متروكون لجهودهم الفرديّة، واندثرت العقائد القوميّة الجامعة، وتحوّل البعض نحو جمعيّات إسلاميّة أخذت على عاتقها العمل من أجل فلسطين. نبتت نوادٍ خاصة بفلسطين، وهي استقطبت عرباً ويهوداً وآخرين. أصبح نادي «طلاب من أجل عدالة في فلسطين» هو الأبرز. وأذكر عندما كنتُ أجول في الجامعات في أوروبا وكندا وأميركا أن بعض هذه النوادي كان يضم أغلبية من اليهود. ورأينا في الأسابيع الماضية الحضور القوي لتجمّع «أصوات يهوديّة من أجل السلام».
لكن زخماً من النشاط المناصر لفلسطين أصاب الجامعات الأميركيّة في العقدَين الماضيَين. تحوّل شهر آذار إلى مناسبة لعقد نشاطات من ضمن «أسبوع عن الأبرثايد الإسرائيلي». أصيبت المنظمات الصهيونيّة بالذعر، وخصوصاً أن بضاعة إسرائيل أصبحت فاسدة عند الشباب. ترى الأسماء من مشاهير هوليوود على عرائض في دعم حرب إسرائيل (وهذه العرائض ينظّمها منتجون أثرياء من الصهاينة)، ونادراً ما ترى أسماء من الصف الأوّل، كما كانت الحال في الماضي. الشباب الغربي يهجر إسرائيل ويلتحق بالحق الفلسطيني. تقارن بين نسب تأييد إسرائيل حسب العمر وترى فارقاً هائلاً: نحو ٨٠٪ بين الذين يتخطّون الستين مع إسرائيل، ونسبة نحو الثلث فقط عند الشباب. واليوم ظهر استطلاع جديد (لـ«كوينيبيك») يؤكد أن أكثر من نصف الشباب في سن الاقتراع مع فلسطين. وحتى الشباب اليهودي أقل مناصرة لإسرائيل بكثير من الآباء والأجداد. النوادي الموالية لإسرائيل وجدت نفسها في نفور مع البيئة الطلابية. لم تعد تنفع شعارات الماضي: عن دولة ضعيفة مُحاطة بعرب أقوياء، أو أن إسرائيل دولة ديموقراطيّة. وقد ساعد بروز نتنياهو وقيادته لإسرائيل على مدى نحو عقدين في الإساءة للمنتج الإسرائيلي لأنه ارتبط ارتباطاً وثيقاً باليمين الغربي العنصري المتطرّف. لم يعد ممكناً تسويق إسرائيل كدولة اشتراكية ديموقراطية. التركيز على كلمة أبرثايد وإجماع (وإن متأخر) منظمات حقوق الإنسان الغربيّة حول طبيعة أبرثايد إسرائيل أبعد عنها مؤيّدين محتملين. جمعيات حقوق الإنسان الغربيّة (بالرغم من اعتراضنا الشديد عليها، نحن العرب، وعن حق) تلقى الكثير من المصداقية بين طلبة الجامعات.

الحرب الحاليّة وضعت الصهيونيّة الأميركيّة في موضع شديد الحراجة:

1) الحزب الديموقراطي بصورة عامّة، والقطاع الشبابي فيه بصورة خاصّة، هجر قضيّة إسرائيل، إمّا بسبب ارتباطها بشخص نتنياهو واليمين المتطرّف أو لأن التغطية الإعلاميّة الحديثة فضحت حقيقة إسرائيل. في غضون عشرين سنة فقط، زادت نسبة التعاطف الديموقراطي مع فلسطين من نحو ١٥٪ إلى ما يقارب الـ ٥٠ بالمئة اليوم (حسب استطلاع «غالوب»).
2) لا شك أن الأزمة الكبرى بالنسبة إلى إسرائيل تكمن في تغطية وسائل التواصل الاجتماعي. هناك انفصام بين تغطية الإعلام التقليدي عن الصراع وتغطية الإعلام الجديد على المواقع (هنا يمكن عقد مقارنة معاكسة في الإعلام العربي الجديد، المموَّل من حكومات الأطلسي وسوروس، إذ نجده أقلّ تعاطفاً مع فلسطين من الإعلام العربي التقليدي لأنه محكوم بالضوابط الصهيونية التي يفرضها المُمَوِّل).

وحاولت مجموعة من الجمهوريّين هذا الأسبوع فرض حظر على «تيك توك» في كل البلاد، وأشاروا إلى حقيقة أن عدد شرائط الفيديو المرتبطة بهاشتاغ «فلسطين حرّة» أكبر بكثير من تلك المرتبطة بهاشتاغ «أنا أقف مع إسرائيل». لكن درو هارويل في «واشنطن بوست» على حقّ عندما يشير إلى أن نسبة تأييد فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى المملوكة أمريكيا لا تختلف عن مضمون «تيك توك» (بالرغم من أن تلك عرضة لرقابة صهيونيّة صارمة يفرضها مارك زوكربرغ وغيره من أصحاب شركات التواصل الكبرى). إنّ عدد البوستات ذات الهاشتاغ «فلسطين حرّة» على «فيسبوك» فاق الـ ١١ مليوناً، أي ٣٩ مرة أكثر من بوستات مرتبطة بـ«أنا أقف مع إسرائيل». وعلى «إنستغرام»، ارتبطت البوستات المرتبطة بهاشتاغات فلسطين بـ ٦ ملايين بوست، ٢٦ مرّة أكثر من البوستات الموالية لإسرائيل (هذه الأرقام من ١٣ نوفمبر).

وحقيقة طغيان الموقف الفلسطيني على مواقع التواصل هي سبب من أسباب تحرّر الشباب في الغرب من سطوة السرديّة الصهيونيّة. الإعلام التقليدي كان، ولا يزال، خاضعاً، لتأثير اللوبيات الصهيونيّة. اتصال واحد من مدير منظمة «إي دي إل» الصهيونية لناشر صحيفة أو مدير أخبار في محطة تلفزيونية يكفي لفرض سرديّة ومنع أخرى بديلة. والشباب العربي والغربي الناشط يستطيع أن يدحض أكاذيب إسرائيل في دقائق معدودة. لاحظوا كمّ التغريدات أو شرائط الدعاية والأكاذيب التي اضطرّ العدوّ إلى أن يمحوها بعدما دحضها وفنّدها شباب المواقع. في الصحف، كنا نقرأ أكاذيب صهيونية. وكنتُ ساذجاً عند وصولي إلى أمريكا، إذ إنني كنتُ أدبّج الرسائل وأرسلها إلى بريد القراء في الصحف لأفنّد أكاذيب إسرائيل. لكن سرعان ما اكتشفت معايير النشر: على العربي بداية أن يبدو معتدلاً بأن يقول، أنا أعترف بإسرائيل ولها الحق في الأمن، لكن الشعب الفلسطيني مسكين، أو أيّ كلام من هذا القبيل. المقولات الحادة وغير المواربة لا تجد طريقها للنشر.

3) المشكلة العرقيّة. إسرائيل خسرت الملوّنين، من السود والآسيويّين والمتحدّرين من أمريكا اللاتينيّة. نسبة تأييد إسرائيل باتت نحو الثلث بين السود. والشباب الأسود كان الأكثر حماسةً وجرأة في الهتافات في التظاهرات التي جرت هنا. بعض السود (لقدرتهم على الذهاب بعيداً أكثر من غيرهم في اختبار حدود حريّة التعبير، خلافاً للعرب) لم يتورّع عن الهتاف لـ«حماس» وهي تُعدّ منظمة إرهابيّة هنا. البضاعة الإسرائيليّة هي اليوم بيضاء ويمينيّة رجعيّة ومتقدمة في السن، ديموغرافيّاً. والتظاهرة التي نُظّمت قبل أيام في واشنطن كانت صارخة في بياض وجوه متظاهريها.

المنظمات الصهيونية قلقة وهي تضغط من أجل حظر النوادي المناصرة لفلسطين. جامعة براندايس الصهيونية كانت أول جامعة تحظر نادي فلسطين، وتبعتها جامعات أخرى. المنظمات الصهيونية قلقة، وتكاد أن تعلن أن كل مناصرة لفلسطين هي معاداة للسامية. وشعار «من البحر إلى النهر» بات قضيّة القضايا وتم اعتباره بصورة شبه رسمية كشعار إباديٍ ضد اليهود. لكنّ الشعار انتشر أكثر من أي وقت، وكل التظاهرات باتت تهتفه. الصهيونيّة في أزمة، وحرب الإبادة في غزة، يا للمفارقة، فاقمت تلك الأزمة. الناس ترى إسرائيل على حقيقتها. لم تعد الشعارات تنطلي. الوعي هو ما عوّلت الصهيونيّة الغربيّة على غيابه.

(الأخبار اللبنانية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني فلسطين غزة الاحتلال طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الجامعات ة لإسرائیل الصهیونی ة ة إسرائیل العربی ة أکثر من من أجل

إقرأ أيضاً:

أحمد الرحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل

عام مضى منذ أن انقلبت الحرب التي ظن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه، بعد أن تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، ودخول دمشق بقيادة أحمد الشرع يوم الـ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي بات اليوم رئيسًا انتقاليًا، فيما يعيش الأسد في منفى في روسيا.

لا تزال سوريا غارقة في الدمار، ففي كل مدينة وبلدة، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل سنوات من حرب طاحنة، ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقًا بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضه النظام المخلوع لسنوات طويلة.


تمكن أحمد الشرع من شق طريقه باتجاه الخارج والذي على ما يبدوا كان أسهل بكثير من الداخل، فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا"، كما وحضي بدعم أمريكي وأوروبي كبير تمخض عنه رفع العقوبات عن بلاده، أما في الداخل، فالصورة قد تكون مختلفة، حيث يدرك السوريون نقاط الضعف ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية.

ورغم تأكيد الشرع أن بلاده منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب، مؤكدًا أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين"، غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تمامًا ولم تقتنع كليا بالنوايا، فيما يواصل الرئيس ترامب الدفع باتجاه إنجاح اتفاق بين سوريا وإسرائيل الذي بات يواجه الكثير من العراقيل بسبب شروط يفرضها نتنياهو.

لاستقراء ما يمكن أن تحمله الأيام من أحداث بشأن سوريا، وحجم المنجزات والإخفاقات التي واكبت حكومة أحمد الشرع خلال عام مضى، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصا مع الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أحمد الرحال، وفيما يلي نص المقابلة:

أين ترى سوريا اليوم بعد عام من التحرير؟ هل تسير ضمن خطوات مدروسة باتجاه تحقيق العدالة والمساواة التي يرمي إليها الشعب، أم أن الإخفاقات كثيرة؟

نحن أمام إنجاز كبير، وهو إسقاط نظام الأسد، ومع ذلك لدى الشعب السوري مطالب أكبر بكثير مما تحقق، ولكن السلطة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ومع وجود إخفاقات كبيرة، فإن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة إن لم تُنفّذ فنحن في مشكلة، وهي ترسيخ الأمن، وإعادة بناء المجتمع، فضلاً عن الحاجة لمؤتمر حوار وطني وإعلان دستوري جديد وتأسيس حكومة تشاركية تعددية.

هل استطاع الرئيس أحمد الشرع محو سمة الإرهاب عنه، وتمكّن من إقناع الرأي العام بأنه تحول من مجاهد إلى رجل دولة؟

زيارة أحمد الشرع للبيت الأبيض دليل على وجود قناعة عربية ودولية بأن الرئيس السوري أزال عنه سمة تهمة الإرهاب، لكن المشكلة ليست في الرئيس الشرع، بل في بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وما حدث في الساحل السوري والسويداء من انتهاكات، وإن كانت فردية، دليل على ضرورة تغيير سلوك هؤلاء.

ما تفسيرك لطبيعة الحراك المعارض لحكومة أحمد الشرع في بعض المحافظات كالسويداء واللاذقية؟ مجلة الإيكونوميست ترجح اندلاع انتفاضة قريبًا ضد قادة سوريا الجدد. هل يمكن وصفها فعلًا بالانتفاضة؟

بقدر النجاحات الكبيرة التي حققتها السياسة السورية في الخارج، لكنها أخفقت في كثير من ملفات الداخل. لذا، من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وخاصة في المفاصل الأمنية والعسكرية، لتجنب ما حدث في بعض المحافظات، والتي على إثرها خرجت تظاهرات معارضة للحكومة في دمشق. وفي المحصلة، تتحمل الحكومة المسؤولية لمعالجة الانقسامات وتجنب الخطر، رغم عدم وجود مخاوف من تطور الوضع للتصادم مع السلطات على غرار ما حصل في عام 2011، لكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى مشروع وطني يجمع لا يفرق.

هل من المنصف اتهام سوريا الجديدة بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولم تعد ضمن سلم أولوياتها، وباتت دمشق خارج معادلة الحكومات العربية المعادية لإسرائيل؟

قرارات الحكومة في دمشق واضحة، وهي أنها قسمت موضوع التفاوض مع إسرائيل إلى شقين، الأول هو اتفاق أمني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 18-12-2024، بمعنى العودة إلى الاتفاق الموقع عام 1974، وهذا أمر لا يعني بالضرورة السلام مع إسرائيل، ولطالما أكد الرئيس الشرعي ووزير الخارجية الشيباني أن سوريا ملتزمة بالموقف العربي، ومفاده لن نمنح إسرائيل سلامًا على بياض، ولا يعني أيضًا التخلي عن القضية الفلسطينية، فالنتيجة هو مجرد اتفاق وليس تطبيع.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
البعض يتهم حكومة الرئيس أحمد الشرع بالخضوع لإسرائيل، مستدلين بذلك بسلسلة الهجمات التي شنها الاحتلال على سوريا والتي لم تكن تُذكر خلال حكم الأسد، ما رأيك؟

نتيجة للتفاهمات التي كانت موجودة ما بين نظام الأسد وإسرائيل، تُرجمت إلى عدم شن الاحتلال هجمات على سوريا، وليس معنى هذا أن إسرائيل كانت تتخوف من الجيش السوري، فبعد عام 1973، لم يشكل الجيش للاحتلال رقمًا صعبًا، ونذكر هنا ما قاله رامي مخلوف عام 2011، أن أمن دمشق من أمن إسرائيل، كما أن تل أبيب هي من عارضت إسقاط نظام الأسد حتى تيقنت عام 2024، أن إيران لا تخرج من سوريا طالما نظام الأسد موجود، وبالتالي رفعت الغطاء عنه.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
قبل أيام حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة دعم الرئيس ترامب لأحمد الشرع على أمن دولة الاحتلال، هل فعلاً سوريا بوضعها السياسي والاقتصادي الهش حاليًا تشكل تهديدًا لإسرائيل؟

كلام الرئيس، والشارع، وكل القيادة السورية كان واضحًا، وهو أننا اليوم لا نبحث عن عداء مع أحد، ولا نريد أن نبحث عن حرب مع أحد، بل نريد بناء مؤسسات الدولة، وتأمين معيشة المواطن السوري. وبالتالي، الكلام عن كون دمشق تمثل تهديدًا لإسرائيل بعيد عن المنطق، والحقيقة أن نتنياهو يبحث عن الذرائع للتحرش بسوريا منذ وصول الشرخ للسلطة، ومفاد رسالة تل أبيب أنها لن تنتظر سبع سنوات للوقوع في كمين طوفان الجولان كما حدث مع طوفان الأقصى.

كانت غزة حاضرة في هتافات الجيش السوري خلال مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير، هل تم بتوجيه مركزي أم باجتهاد فردي، أم إنها ورقة ضغط للدفع باتجاه تسريع الاتفاق مع إسرائيل؟

الخطاب السوري تجاه القضية الفلسطينية وغزة والضفة الغربية واضح، وهو في وجدان كل مواطن سوري، وهذا ما لمسناه خلال ترويض الهتافات في الاستعراض العسكري الذي حدث في دمشق بذكرى التحرير، وما يبدر من تصريحات بشأن دعم فلسطين هي مواقف معنوية فردية، ليس معناها أن ترسل سوريا جيشًا للقتال ضد إسرائيل.

لا ننكر وجود مؤيدين وحلفاء حتى اللحظة للرئيس المخلوع الأسد، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن هل تعتقد أن ما تضمنته الفيديوهات المسربة وهو برفقة لونا الشبل قد أطاح بصورته؟

عام 2021، خسر بشار الأسد ما كان يملكه من دعم وتأييد لدى الطائفة العلوية، حيث تيقنوا أنه لا خير يرتجى منه، خاصة وأن البروباغاندا الإعلامية والاستخباراتية التي عمل عليها النظام تفككت خلال أعوام الحرب الأخيرة، كما أن إعلانه عن عدم قدرته على تأمين الرواتب وتقديم الخدمات، كلها أسباب فاقمت من السخط الشعبي ضد الأسد، لذا فإن ظهوره خلال المقاطع المصورة وهو يستهزئ بالجيش وقادته، بما فيها الميليشيات الوافدة التي كانت تدعمه، أكدت لمن لم يتأكد بعد مدى الاستخفاف الذي كان يتعامل به بشار الأسد مع مؤسسات وقطاعات الدولة، كما كشفت تلك المقاطع أن سوريا كانت تفتقد أساسًا لوجود رئيس يمتلك مواصفات الهيبة التي تؤهله لقيادة بلد غارق بالأزمات.

تعرض لأول مرة .. تسريبات تكشف أحاديث بين الأسد ولونا الشبل#سوريا#قناة_التغيير_الفضائية pic.twitter.com/6ea7dGdvs5 — قناة التغيير الفضائية (@AlTaghierTV) December 6, 2025
تباطؤ مسار العدالة مع الذكرى السنوية للتحرير
لا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم على نحو 25 بالمئة من مساحة البلاد، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى الدروز، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين، وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في آذار/مارس الماضي رغم تعهد دمشق بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتي اتضح تورط العديد من الفصائل المنضوية ضمن الحكومة.

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه الشديد بشأن بطء وتيرة العدالة، وقال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به، وأشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكدًا أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.

وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضررًا من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه، وهو ما شددت عليه منظمات حقوق عالمية، مثل العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش، اللذين دعوا السلطات السورية إلى العمل من أجل خلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية.

بعد عام على سقوط الأسد، ينبغي للسلطات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، العمل لخلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية. pic.twitter.com/K3e5HdOIgw — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 9, 2025

"إسرائيل" واستغلال ضعف سوريا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها، فإسرائيل ما تزال تمثل تهديدًا حاضرًا بالنسبة للسوريين، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي"، فبعد سقوط الأسد، شن الاحتلال سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق، كما وتقدم جيشه خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم، واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدوًا، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.

أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريبًا. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي التي استولى عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق، وخلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.

وزير "إسرائيلي".. "الحرب مع سوريا حتمية"
صرح وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أن الحرب مع سوريا "حتمية"، في ظل تصاعد التوترات الميدانية واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وجاء موقفه تعليقا على تسجيلات تظهر جنودا من الجيش السوري وهم يهتفون لغزة خلال مسيرة عسكرية أقيمت الاثنين احتفالا بالذكرى الأولى لـ"عيد التحرير"، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

من هتافات الجيش السوري في مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير الأولى:

غزة، غزة، غزة شعار، نصر وثبات، ليل ونهار
طالعلك يا عدوي طالع، طالعلك من جبل النار
اعملك من دمي ذخيرة، واعمل من دمك أنهار

pic.twitter.com/9GXwRMlxgO — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) December 8, 2025
وكتب شيكلي المنتمي لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو تدوينة مقتضبة على حسابه في منصة "إكس"، أرفقها بخبر حول هتافات الجنود السوريين، واكتفى فيها بعبارة: "الحرب حتمية"، ورغم أن الحكومة السورية الحالية لم تظهر أي تهديد عسكري مباشر للاحتلال فإن الأخير يواصل تنفيذ توغلات داخل الأراضي السورية وغارات جوية أودت بحياة مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري.

عام على سقوط الأسد.. ماذا تغير في سوريا؟
ومع مرور عام على تحرير سوريا وسقوط نظام الأسد، يعود السوريون بذاكرتهم إلى تلك اللحظات المفصلية في تاريخ بلادهم، لتبقى شاهدة على بداية مرحلة جديدة في تاريخ دمشق، ورغم كم الأزمات إلا أن هناك الكثير من المنجزات، منها تبييض السجون، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم تحرير 24 ألفًا و200 معتقل كرقم تقديري، في حين لا يزال مصير 112 ألف معتقل ومختف قسريًّا مجهولًا حتى اللحظة.


كما تم رفع معظم التدابير التقييدية المرتبطة بنظام الأسد ورموزه خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة الدولية، وفق المجلس الأوروبي والخزانة الأمريكية، فضلا عن عودة سوريا إلى الخريطة الدبلوماسية وسط حراك متسارع على مستوى رفيع، لإعادة دمجها في المنظومة الإقليمية، وفق كارنيفي للسلام الدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي، قال تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن هناك استقرارَا جزئيَا في سعر الصرف بعد تحسنه، وسط تقارير عن توفير أكبر للسلع نتيجة إعادة فتح خطوط التوريد.



مقالات مشابهة

  • غداً .. بيت الشعر العربي ينظم أمسية شعرية لشعراء وفناني فلسطين
  • فلسطين تُدين تصريحات السفير الأمريكي ويعتبرها غطاءً سياسياً للاستيطان غير الشرعي
  • الوطني الفلسطيني: تصريحات السفير الأمريكي حول الاستيطان تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي
  • فلسطين ترد على السفير الأميركي في إسرائيل: الاستيطان جميعه غير شرعي
  • مدير معهد فلسطين للأمن القومي: اغتيال رائد سعد يهدف لإرباك حماس ورفع معنويات الداخل الإسرائيلي
  • انطلاق قطار الشباب إلى الأقصر للمشاركة في منتدى الشباب العربي الإفريقي في نسخته الـ14
  • انطلاق فعاليات المنتدى العربي الإفريقي للشباب من القاهرة إلى الأقصر
  • أحمد رحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
  • أحمد الرحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
  • “لجان المقاومة في فلسطين”: الجبهة الشعبية شكّلت علامة مضيئة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني