منطقة الراحة.. لماذا يفضّل البعض البقاء فيها؟ وكيف تؤثر على الثقة بالنفس؟
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
عمّان- تبدو حياة الإنسان آمنة ومريحة في دفء "منطقة الراحة"، وفي أحيان كثيرة يصعب علينا الاعتراف بأن إيجاد الدافع للمغادرة أمر صعب، لكن كلما بقينا عالقين في "منطقة الراحة"، أهدرنا مزيدا من الفرص للانغماس الكامل في التجربة الإنسانية.
لذلك، ينصح الخبراء بتعلّم كيفية الخروج من منطقة "الراحة الخاصة"، الأمر الذي يتطلب قوة إرادة وتغييرا في العقلية.
يعرّف اختصاصي الطب النفسي الدكتور أسامة كنعان "منطقة الراحة" بأنها "منطقة وهمية، تستخدم مجازا للدلالة على حالة نفسية يعيشها الفرد، بحيث يشعر بالسعادة وبراحة كبيرة وطمأنينة غامرة ورضى عن نفسه، وحالته، ومعلوماته، ومهاراته وحتى عن الأشخاص الذين يتعامل معهم والمكان الذي يوجد فيه، حيث إنها جميعها ثابتة، ولا يوجد فيها أي جديد أو متغير".
ومن شأن الركون إلى منطقة الراحة سلب التحدي من حياة الفرد، "وكما نعلم جميعا، فإن التحديات التي نواجهها في حياتنا هي التي تصقل لدينا المهارات المعرفية والحياتية، وبالتالي تحقق لنا النجاح والسعادة، أي أن المعادلة باتت بسيطة وواضحة: تحديات أقل، مهارات أقل. وفي المقابل، تحديات أكثر، مهارات أكثر وأقوى".
وبما أن التطوّر من سمات الإنسان الناجح، "فمن المفترض ألا يقبل (الشخص) بحالة الركود هذه التي تُعطي انطباعا خدّاعا بالرضى، وإنما سيغدو في حياته باحثا عن تحديات جديدة، وتتحول حياته إلى سباق مع الزمن كي يُثري معلوماته ويزيد من مهارته"، وفق كنعان.
ويوضح كنعان -للجزيرة نت- أن صعوبة مغادرة منطقة الراحة قد تكون ناتجة عن مجموعة من العوامل النفسية والعقلية التي تؤثر على الإنسان.
وإليك بعض الأسباب التي قد تحول دون مغادرة البعض مناطق الراحة:
الأمان والثبات: تورث مناطق الراحة شعورًا بالأمان والاستقرار، وقد يسبب الخروج منها شعورًا بعدم اليقين وعدم الأمان. التقليد والرتابة: غالبًا ما يكون البشر عرضة للروتين والرتابة، ومغادرة منطقة الراحة قد تعني مواجهة تحديات وتجارب جديدة. التحفظ على الراحة النفسية: توفر مناطق الراحة فرصة للاسترخاء واستعادة الطاقة، والخروج منها قد يبدو مصدرا للتوتر والإرهاق. الخوف من المجهول: قد يشعر الإنسان بالقلق حيال المستقبل وما قد يكون في انتظاره خارج منطقة الراحة، وهذا الخوف يمكن أن يكون عامل صعوبة. الرغبة في تجنب التحديات: يفضل البعض البقاء في مناطق الراحة لتجنب التحديات والضغوط الناتجة عن مواجهة العالم الخارجي.التمسك بالرتبة والهيكل: مناطق الراحة غالبًا ما تكون ذات هيكل وتنظيم، والبعض قد يجد الأمان والسهولة في التمسك بهذا الهيكل.
ويقترح كنعان عدة وسائل للخروج من منطقة الراحة، ومنها:
اختيار هدف واحد والتركيز عليه من دون الإفراط في التفكير الذي يسبب المماطلة في تنفيذه. تغيير الروتين اليومي يسهم بشكل كبير في الخروج من هذا المأزق الذي قد يلازم الإنسان فترات طويلة. مواجهة الخوف والمضي تدريجيًا نحو التغلب عليه بتغيير طرق التفكير في مسببات الخوف.اكتشاف بيئات جديدة عن طريق السفر الذي يعد من أمتع الطرق للخروج من منطقة الراحة.
ماذا يحدث عندما تظل حبيس منطقة الراحة؟
من جانبها، تقول مدربة المهارات الحياتية جين سلايطة إن العيش في منطقة الراحة "يبعدك عن تحدي نفسك وخلق نسخ إبداعية من ذاتك، وبالتالي يتقوقع الإنسان على نفسه وتصبح حياته مملة متكررة يسودها الكسل".
وتوضح سلايطة -للجزيرة نت- أن "هناك مخاوف عديدة للخروج من منطقة الراحة، مثل الخوف من المجازفة كتغيير العمل، وما يشعر به الشخص من عدم قدرته على التعلم، وشعوره أنه لا يمتلك مهارات كافية تؤهله للقيام بالعمل الجديد، هذه كلها أفكار مخيفة يستطيع الإنسان التخلي عنها".
وتضيف "أنها عبارة عن فكرة كوّنها الشخص عن نفسه وبنى صورة ذاتية بأنه لا يستطيع التغيير. هذه الصورة وهمية وغير حقيقية، لكنها تتحكم في تصرفات الإنسان وأفكاره ومشاعره وخياراته".
وترى سلايطة أن معظم المخاوف فكرية من داخل الإنسان، "وإذا لم يعِها ويدرك أنه يستطيع تغييرها ويبني الصورة التي يريدها، تستمر الصورة القديمة، ويظل الشخص في منطقة الراحة من دون إنجازات، ويستصعب الخروج منها".
وتختم بالتشديد على ضرورة "اهتمام الإنسان بتطوير نفسه والتغلب على مخاوفه. هذه مسألة قرار وإرادة تعود للشخص نفسه إذا قرر التغير والتعلم والتطور، إذ توجد دورات عديدة لتطوير الذات وبناء صورة ذاتية مشرقة شجاعة قوية قيادية، وهناك مدربون مؤهلون يستطيعون تقديم المساعدة اللازمة".
يستعرض موقع "بيتر آب" عددا من مزايا مغادرة منطقة الراحة، أبرزها:
زيادة المرونة: كلما خرجت من "فقاعة الراحة"، زاد مستوى المرونة لديك، فاتخاذ قرارات قد تبدو غير مريحة يزيد من قوتك ويساعدك في التغلب على العقبات التي تواجهها في حياتك الشخصية والمهنية. تحدي الذات: لن تدرك حقيقة قدراتك إذا أصررت على التقوقع في منطقة الراحة. لكن بمجرد التغلب على خوفك، ستبدأ في اكتشاف إمكاناتك الحقيقة. ابدأ بتحدي نفسك، وابحث عن فرص للتعلم! تعزيز الثقة بالنفس: ترتبط الثقة بالنفس بعلاقة طردية مع مناطق الراحة، فكلما صغرت مناطق الراحة، قلت ثقتك بنفسك وقدراتك. وكلما واجهت مخاوفك وتحديتها أكثر، زادت ثقتك بنفسك.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الثقة بالنفس الخروج من
إقرأ أيضاً:
جيلٌ كبر مع الثورة.. كيف يرى سوريا بعد عام على الإطاحة بالأسد؟
دمشق- ذات صباح رمادي بمدينة إدلب السورية، يفتح خزيمة العيدو، طالب العلوم السياسية، نافذة غرفته المطلة على شارع مزدحم، الضوضاء التي تصل إليه اليوم لا تشبه صخب طفولته حين وقعت مجزرة الأقلام في بلدة حاس قضاء المدينة.
بين الإطلالتين، مرت 14 سنة غيّرت كل شيء: السلطة، والمؤسسات، وحتى الأسئلة التي يطرحها الشاب العشريني عن بلده ومستقبله.
ويواجه خزيمة، كسائر أبناء جيله (مواليد 1998- 2005)، سؤالا وجوديا بشأن الهوية والانتماء ورؤية البلاد، فقد نشأ هذا الجيل في ظل الحرب والنزوح، والآن يخطو مرحلة الشباب في دولة تتشكل من جديد، ويعيد فيها تعريف علاقته بالحاضر والمستقبل.
ذكريات ومستقبلويصف خزيمة طفولته بقوله للجزيرة نت إنه "عاشها كلها داخل الثورة"، حيث المظاهرات الأولى وصدى القصف، ومجزرة الأقلام في المدرسة، كلها مشاهد محفورة في ذاكرته.
ورغم ذلك، يشعر اليوم بتغير ملموس بعد عام على سقوط النظام ويعيش "فرحا شديدا ممزوجا بحزن على الشهداء والمعتقلين الذين لم يشهدوا هذه اللحظة".
واليوم يمكن لخزيمة أن يحلم أن يصبح سياسيا أو دبلوماسيا، ويُمثّل بلده في المحافل الدولية، وهو "حلم كان يبدو مستحيلا في السابق".
أما أحمد علي (22 عاما) طالب هندسة معلوماتية من مدينة حلب، فلم يكن شعوره كخزيمة بانطلاق الثورة، ويقول إنه يحمل ذاكرة مشوشة عن طفولته، كأن شريطا قد مُسح من حياته.
ويقول للجزيرة نت "ما أتذكره هو رائحة القرية حين كانت العائلة كلها تجتمع، قبل أن تبتلع الثورة تفاصيل البيت وتفصلنا عن بعضنا"، مشيرا إلى أن 14 عاما مضت لم ير خلالها أخاه.
وحين يستعيد أحمد صورة سوريا القديمة، يقفز إلى ذهنه مشهد الرشوة والذل، وطوابير تأجيل الخدمة الإلزامية، والقلق على الحواجز، والأسئلة المعتادة عن الدولار أو الهاتف المجمرك، فقد كان الخوف جزءا من الشارع.
إعلانويشير إلى أنه لم يشعر بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، بأي تغيير جذري في حياته، ويقول "الطرقات انفتحت، لكني لا أرى استقرارا، بل على العكس، الخوف من المستقبل يلازمني".
ويصف وضعه المعيشي بأنه أصعب من ذي قبل، فدخول البضائع الأجنبية وضعف الرواتب جعلا الحياة اليومية سباقا على فرصة شبه معدومة.
ورغم دراسته في هندسة المعلوماتية، لا يرى أحمد مستقبلا لمجاله في حلب، ويوضح أن طموحاته تواجه سخرية من المحيط، حتى عند تطوير تطبيقين إلكترونيين للأطباء، لم يأخذا على محمل الجد، يقول بلا تردد "لا مستقبل هنا، ومن يريد العيش يبحث عن عمل بالخارج".
فيما يستعيد محمد بلال، (22 عاما)، من ريف حلب ويعيش في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، طفولته في حي شرقي المدينة، حيث كان يساعد والده في المكتبة بعد انتهاء الدوام المدرسي. ويقول "لا أتذكر كيف بدأت الثورة ولا أعرف شيئا عنها، كان عمري 8 سنوات فقط".
وعاش محمد أغلب طفولته هاربا من الحرب والنزوح، فقد نزح من مدينة حلب إلى ريفها ومن ثم إلى مناطق شمال شرق سوريا حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ويشير إلى أنه لم يمتلك وثائق شخصية لأنه كان مطلوبا للنظام السابق، مما جعله محاصرا "لا أستطيع الخروج، وحياتي كلها كانت هروبا من الحرب والبدء من الصفر" يقول محمد للجزيرة نت.
ويصف سوريا بأنها "وطن بدائي"، ويشير إلى العقوبات التي تمنعه من ممارسة أشياء بسيطة مثل شحن الألعاب الإلكترونية التي يحب ممارستها، وهو يخشى العودة إلى مدينته، ويقول "أفتقد الأمان لا أثق أنني لن أتعرض لمكروه لقد رأينا ما حدث خلال عام بعد سقوط النظام".
ولكن رغم ذلك يرى بارقة أمل عبر الانفتاح الدولي على سوريا قائلا "أشعر أن هناك فرصة متقدمة من الممكن أن تعطى لسوريا عندما أرى الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب"، لكن أمله يتراجع أمام "خطاب الكراهية بين السوريين" على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويحلم الشاب محمد بتحويل شغفه بالألعاب الإلكترونية إلى مصدر دخل عبر الإنترنت إذا أزيلت العقوبات، ويؤكد استقلالية وذكاء جيله قائلا "جيلنا مختلف عن سابقه، لقد تعلمنا من الإنترنت".
تغير ملموسومن مدينة درعا، يروي الطالب في كلية الحقوق، مراد المفعلاني، (20 عاما)، ذكرياته الأولى مع الثورة، والهتافات في المظاهرات، وتوتر البيت، والشوارع الفارغة قبل الغروب.
وعندما كان يسمع عبارة "سوريا قبل 2024″، يختصرها بـ3 كلمات: بلد الحواجز، والخوف، وانعدام الأمل. واليوم، يلاحظ تغيرا ملموسا، فالحركة في المدينة أهدأ، والناس يتحدثون أكثر عن العمل والدراسة والمستقبل بدلا من أخبار المداهمات والخوف المعتاد.
لكنه يشعر بقوة الخوف من المستقبل، كما يقول، "لم يعد ذاك الخوف القديم، لكنْ هناك خوف من القادم".
ويرى مراد فرصا أفضل اليوم للتدريب والدراسة، رغم أن الطريق لا يزال صعبا، ويؤكد أن أكبر تحدٍّ يواجهه هو إيجاد وجهة واضحة وسط التغييرات السريعة ويقول "كل شيء يتغير بسرعة، وأنا ما زلت أبحث عن طريقي (مستقبلي)".
إعلانوأمله الأكبر -كما يقول- يكمن في متابعة الدراسة خارج البلاد والعودة لخدمة منطقته، ويضيف "الحلم الأقرب لي هو إيجاد هدف وطريق واضح لحياتي"، ويتابع "تربّينا على الخوف لكننا لم نستسلم له ونحاول أن نجد معنى لحياتنا بعد سنين الضياع".
أطلقت وزارة الإعلام السورية النسخة الورقية الأولى من صحيفة #الثورة_السورية كأول صحيفة ورقية تصدر في #سوريا منذ الإطاحة بنظام الأسد قبل نحو عام.
وقال وزير الإعلام السوري حمزة مصطفى إن النسخة الجديدة من الصحيفة ستكون انعكاسا لحياة المواطنين وتطلعاتهم تحت شعار “فاصلة الحق رافعة… pic.twitter.com/sy79TLLquV
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) December 2, 2025
ضبابية المشهدوتشير دراسات إلى أن الأجيال التي نشأت في بيئات ما بعد التحولات العنيفة، سواء كانت ثورات أو حروبا، تحمل سمات مشتركة: ذاكرة منقوصة، وشعورا طويل الأمد بعدم اليقين، ورغبة في القطع مع البُنى القديمة حتى لو لم تتبلور بدائل واضحة.
ووجدت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي أن الشباب الذين نشؤوا خلال الاضطرابات غالبا ما يعانون مستويات أعلى من القلق بشأن المستقبل، خاصة في ظل اقتصاد هش وفرص غير مستقرة.
أما تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فيؤكد أن شباب ما بعد النزاعات أكثر استعدادا للمشاركة الاجتماعية، وأكثر اندفاعا نحو التعليم والتقنيات الحديثة، لكنهم يشعرون بأن المؤسسات الرسمية أهملت احتياجاتهم، وأن الانتقال السياسي لم يترجم إلى تحسّن ملموس في حياتهم اليومية، ما يدفعهم للتفكير في الهجرة حتى في الدول التي شهدت تغيرا سياسيا كبيرا.