المستعر الأعظم 1006.. ماذا قال عنه العلماء المسلمون؟
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
اهتم علماء المسلمين في عصرهم الذهبي بشكل أكبر بالظواهر الدورية، وبرعوا في فهم حركات النجوم ومنها تمكنوا من بناء أدق الأزياج في عصرهم، والأزياج هي الجداول الفلكية التي تشرح مواعيد الشروق والغروب وحركة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم التي أطلقوا عليها اسم الكواكب الثابتة، أما الكواكب كالمشتري وزحل فأطلقوا عليها اسم الكواكب السيارة.
لكن رغم ذلك، فإن تراث علم الفلك عالميا شهد كذلك مساهمات لعلماء مسلمين في رصد الظواهر المفاجئة أو العابرة، ومنها دون شك المستعر الأعظم الذي انفجر ولمع في السماء الجنوبية (في كوكبة السبع أسفل العقرب) في ربيع عام 1006 ميلادية.
علي بن رضوانوممن سجلوا هذه الظاهرة الفلكي المصري علي أبو الحسن علي بن رضوان في تعليقه على كتاب "تيترابيبلوس" (أي الكتب الأربعة) من تأليف الفلكي كلاوديوس بطليموس الذي عاش في الإسكندرية خلال القرن الثاني بعد الميلاد، ويناقش الكتاب جوانب من الفلسفة والتنجيم.
فقد قال بن رضوان إنه سيصف مشهدا غريبا حصل بينما كانت الشمس في ذلك اليوم عند 15 درجة في برج الثور، وكان المشهد في الدرجة 15 من برج العقرب. وأضاف أنه "نيزك عظيم مستدير الشكل يكون عظمه قدر الزهرة مرتين ونصف أو ثلاث مرات. وكان نوره يضيء منه الأفق، ويلمع لمعانا شديدا، ومقدار ضيائه ربع ضياء القمر وأكثر قليلاً".
وتعطي هذه الملامح بيانات واضحة عن مستعر أعظم قيل في هذه الفترة إنه لمع ليلا لدرجة أن البعض تمكن من القراءة على ضوئه في السماء. وبحسب دراسة من جامعة أكسفورد فإن المصادر العربية والصينية واليابانية تتفق في أوصافها على هذا المشهد، والذي ربما كان ألمع ما سجلته البشرية.
وفي عام 2016 كشف فريق بحث ألماني عن أدلة ترجح بقوة أن العالم العربي "ابن سينا" شاهد وسجل بيانات عن المستعر الأعظم نفسه في أبريل/نيسان من عام 1006.
واشتهر ابن سينا أساسا في دراسة الطب والفلسفة، وتشير الدراسة إلى أن أحد النصوص في "كتاب الشفاء" خاصته كانت عن الفيزياء والأرصاد الجوية وتبحث بشكل خاص في علم الفلك. وما لفت انتباه الباحثين هو نص يصف جسما لامعا ظهر في السماء عام 1006، وظن الباحثون التاريخيون من قبل أنه وصفٌ لمذنب، لكن الدراسة تؤكد أنه كان وصفا لظهور جرم مفاجئ يتغير لونه بمرور الوقت قبل أن يتلاشى، وهذا لا يسري على المذنبات، بل المستعرات العظمى.
قال ابن سينا في النص سالف الذكر: "كالذي ظهر في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة للهجرة، فبقي قريبا من ثلاثة أشهر يلطف ويلطف حتى اضمحل، وكان في ابتدائه إلى السواد والخضرة، ثم جعل كل وقت يرمي بالشرر، ويزداد بياضا ويلطف حتى اضمحل".
ويعرض هذا الفيديو الصادر عن مرصد شاندرا للأشعة السينية تاريخ هذا المستعر الأعظم في 60 ثانية.
أرصاد حديثةومع حلول عصر الفضاء في الستينيات من القرن الفائت، تمكن العلماء من رصد جوانب السماء بالأشعة السينية، وكان المستعر الأعظم 1006 واحدا من أضعف مصادر الأشعة السينية التي اكتشفها الجيل الأول من الأقمار الصناعية التي ترصد الأجرام السماوية في نطاق الأشعة السينية.
ويقترح العلماء الآن أنه كان مستعرا من النوع "آي إيه"، وهو حالة خاصة يدور فيها نجمان أحدهما عملاق أحمر والآخر قزم أبيض يسحب من مادته، وحينما يزيد حجم المادة المنقولة من العملاق الأحمر إلى رفيقه الأبيض عن حد معين فإنه ينفجر محدثا مستعرا أعظم.
ويُستخدم هذا النوع من المستعرات العظمى في تحديد توسع الكون، وقد حصل كل من الأميركيَّين سول بيرلموتر وآدام ريس والأميركي الأسترالي بريان شميت على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011 عن استخدامهما لهذا النوع من الانفجارات النجمية في المجرات الأخرى لتأكيد توسع الكون بشكل متسارع.
ونعلم اليوم أن قُطر المستعر الأعظم 1006 يبلغ نحو 60 سنة ضوئية، ولا يزال يتوسع بسرعة 9 ملايين كيلومتر في الساعة تقريبا نتيجة لهذا الانفجار الذي سجله العلماء المسلمون وغيرهم قبل أكثر من ألف سنة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ابن سینا
إقرأ أيضاً:
سباق نحو ثروة السماء.. من يملك كنوز القمر في عصر التعدين الفضائي؟
لم يعد القمر مجرد قرص فضي يزين سماء الليل، بل تحول إلى هدف استراتيجي يحمل في باطنه ثروات قد تعيد رسم خريطة الطاقة والصناعة على كوكب الأرض.
ومع تسارع الخطط الدولية والخاصة لاستغلال موارده، يتصاعد سؤال محوري من سيحصل على نصيب الأسد من كنز القمر؟
كنوز مخفية على سطح القمريختزن القمر مجموعة نادرة من الموارد الطبيعية، أبرزها المعادن الثمينة، والهيليوم-3 الذي ينظر إليه بوصفه وقود المستقبل في مجال الاندماج النووي، فضلا عن الجليد المائي القادر على توفير الماء والأكسجين والوقود للبعثات الفضائية.
هذه الثروات تجعل القمر منصة محتملة لبناء اقتصاد فضائي قريب من الأرض، بقدرات هائلة على تغيير موازين الطاقة عالميًا.
التعدين القمري حمى الذهب الجديدةيشهد الفضاء سباق محمومًا بين شركات خاصة وبرامج حكومية لتطوير تقنيات التعدين القمري شركات مثل «إنترلون» و«أستروبوتيك» تعمل على ابتكار معدات قادرة على معالجة كميات ضخمة من تربة القمر، حيث صُممت حفارات كهربائية لمعالجة ما يصل إلى 100 طن في الساعة، مع خطط طموحة لاستخراج الهيليوم-3 خلال السنوات المقبلة.
الاهتمام بهذا العنصر تحديدا يعود إلى إمكاناته الهائلة في إنتاج طاقة نظيفة ومستدامة عبر الاندماج النووي، ما يفتح الباب أمام استثمارات تكنولوجية واقتصادية غير مسبوقة.
سباق دولي على موطئ قدم قمريبالتوازي مع القطاع الخاص، تتحرك القوى الكبرى بخطوات مدروسة فالصين أعلنت هدفها إنزال رواد فضاء على سطح القمر بحلول عام 2030، وتعمل مع روسيا على إنشاء محطة أبحاث قمرية بحلول 2035 في المقابل، تواصل الولايات المتحدة تنفيذ برنامج «أرتميس» لإرساء وجود بشري دائم على القمر.
ولا يقتصر المشهد على هذه القوى، إذ تشارك اليابان وأستراليا في مهمات خاصة، بينما تطور وكالة الفضاء الأوروبية أول مركبة هبوط قمرية لها، ليصبح القمر ساحة سباق علمي محتدم.
ثروات واعدة وأسئلة الملكيةرغم الإغراء الاقتصادي الكبير، تطرح الموارد القمرية تساؤلات معقدة حول الملكية وحقوق الاستغلال فغياب إطار قانوني واضح يثير مخاوف من احتكار الدول والشركات الكبرى للثروات، ما قد يوسع فجوة عدم المساواة بين الدول في عصر الفضاء.
مخاوف بيئية وعلميةلم يسلم الحماس للتعدين القمري من الانتقادات علماء الفلك والناشطون البيئيون يحذرون من أن الاستغلال المفرط قد يلحق أضرارا دائمة بسطح القمر، ويؤثر في الأبحاث العلمية المستقبلية.
كما أن تراكم الحطام والتلوث المحتمل قد يعرقل عمليات الرصد والدراسة.
وتزداد المخاوف في المناطق الأكثر غنى بالموارد، خاصة قطبي القمر حيث يتركز الجليد المائي، وهي مناطق مرشحة للتحول إلى بؤر توتر وصراع محتمل.
الحاجة إلى تشريع فضائي عادلمع اقتراب البشر من استغلال فعلي لموارد القمر، تتعاظم الدعوات لوضع اتفاقيات دولية ملزمة تنظم التعدين الفضائي، وتضمن تقاسمًا عادلًا للموارد، وتحمي مصالح الأجيال القادمة.
القمر فرصة أم صراع قادم؟اليوم، لم يعد القمر مجرد جرم سماوي بعيد، بل أصبح ميدانيا اقتصاديا وعلميا وجيوسياسيًا مفتوحًا.
وبين وعود الثروة ومخاطر الصراع، يبقى التحدي الأكبر هو إدارة هذا السباق بعقلانية ومسؤولية، حتى لا تتحول فرصة الفضاء إلى أزمة عالمية جديدة.