صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-20@19:53:19 GMT

الخطر الأكبر على السودان!

تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT

الخطر الأكبر على السودان!

 

الخطر الأكبر على السودان!

عثمان ميرغني

 

التاريخ القريب يعلمنا أن الدول التي انهارت جيوشها، أو فرطت فيها بحلها وتفكيكها، دفعت ثمناً باهظاً وعانت من انفراط عقد الأمن وعدم الاستقرار، ومن التقسيم والتشرذم، ما جعلها ساحة للصراعات والحروب الداخلية، والتدخلات الخارجية.

الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية والدولة في عام 1991، لم يعرف طعم الاستقرار وأصبح نهباً للحروب الداخلية والتفكك والتدخلات الخارجية.

العراق منذ الغزو الأميركي وحلّ جيشه في عام 2003 دخل في مرحلة طويلة من الفوضى والعنف وعدم الاستقرار، لا يزال يعاني من آثارها ويدفع فاتورتها الباهظة.

ليبيا أيضاً لم تسلم ودخلت في دوامة العنف والتشرذم وعدم الاستقرار منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي وحل وتشتت الجيش. أما اليمن فهو حالة خاصة من الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية والقبلية المتشعبة والممتدة منذ فترة طويلة، التي تواصلت مع تنحية الرئيس علي عبد الله صالح الذي شبّه حكم بلاده بالرقص على رؤوس الثعابين.

السودان ربما لم يصل إلى هذه المرحلة، لكنه ليس محصناً منها إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، وطال أمد الحرب التي تزداد تعقيداتها ومعاناتها ومخاطرها يوماً بعد يوم، بعدما بلغت نقطة «الشر المطلق» على حد الوصف الذي استخدمته الأمم المتحدة في حديثها عن العنف الذي استشرى ووصل إلى مرحلة الإبادة على أساس عرقي وقبلي في دارفور. وفي ظل هذه الظروف المعقدة يتعرض الجيش السوداني إلى هجمة غير مسبوقة، في ظل التجاذبات والصراعات السياسية التي عصفت بالبلد ودفعت به إلى أتون هذه الحرب، وفي ظل سير المعارك الجارية وسيل التحليلات الذي لا ينقطع في وسائل التواصل الاجتماعي. فمع كل انسحاب للجيش من موقع، تضج المواقع المختلفة بالتحليلات والتأويلات والتجاذبات بين المشككين الذين يتحينون الفرص للضرب في الجيش، وبين المدافعين عنه بوصفه المؤسسة التي تحمي الوطن في وجه هجمة تهدد وحدته وتماسكه.

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نقمة أحياناً بسبب مشكلة النقل الأعمى والكسول بلا تمحيص أو تفكير. ففي ظل غياب الإعلام الرسمي وتفوق قوات الدعم السريع بشكل كبير على الجيش في معركة الإعلام منذ بداية الحرب وحتى اللحظة، أصبح المواطن نهباً للشائعات، وفي حيرة من أمره إزاء الأخبار والتقارير المتضاربة، والتحليلات والاجتهادات التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعرف في بعض الأحيان مصدرها في ساحة مكشوفة توجد فيها أجهزة وأدوات أطراف خارجية.

أخطر ما في هذه المعركة هو تكرار الشعارات التي تدمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان» أو «جيش الفلول» والتي انتقلت من بعض النخب السياسية والمدنية لتصبح لافتة ثابتة تستخدمها قوات الدعم السريع في الحرب ضد الجيش. فعلى الرغم من أنه ليس هناك من ينكر أن الإسلاميين تغلغلوا في الجيش، فإنه ليس صحيحاً أن الجيش كله أو حتى غالبيته من «الكيزان»، واستخدام هذه الشعارات بهذه الكيفية والكثافة بات ورقة لا ترمي لإضعاف الجيش في المعركة الراهنة وحسب، بل قد يستخدمها البعض حجة لتفكيكه لاحقاً. وقد كان لافتاً أن أحد الوجوه القيادية في قوات الدعم السريع تحدث علناً وفي مقطع فيديو يتباهى فيه بـ«الانتصارات» الأخيرة، عن أنه بعد الآن لا يكون الحديث عن دمج «قوات الدعم» في الجيش، بل دمج الجيش في قوات الدعم.

الحقيقة أن خطاب دمغ الجيش بأنه «جيش الكيزان والفلول» تبنته قوى منخرطة في تحالف قوى الحرية والتغيير وخارجه في إطار المعركة السياسية التي كانت دائرة إبان الفترة الانتقالية، وضمن الكلام الذي استندت إليه الدعوات لإصلاحه، وهي دعوات يشتط فيها البعض أحياناً بالحديث المبطن عن تفكيكه وإعادة بنائه. ليس هناك من يعترض على أن الجيش في حاجة إلى عملية إصلاح، فحتى العسكريون يقرون بذلك. هذا الإصلاح تستدعيه عوامل كثيرة منها ما كشفت عنه هذه الحرب من بعض أوجه القصور مثل النقص في قوات المشاة، وفي بعض أوجه التسلح والتدريب لمواجهة مختلف الظروف بما فيها حرب المدن. ومنها مسائل أكثر تعقيداً مثل كيفية إبعاده عن السياسة التي أضرت به وبمهنيته، بل وأضعفته، وفتحت أبوابه أمام تغلغل قوى سياسية تريد اتخاذه مطرقة لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى السلطة عبر طريق الانقلابات لا عبر صندوق الانتخابات.

قضية إصلاح الجيش تتداخل وتتشابك معها أيضاً معضلة قوات الدعم السريع ومستقبلها بعد كل هذا الذي جرى. فإذا كانت قضية دمجها في القوات المسلحة صعبة وشائكة قبل الحرب، بل كانت ضمن العوامل التي أسهمت في إشعالها، فإنها أصبحت الآن أكثر تعقيداً، لا سيما في ظل التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها، وأكسبتها عداء وكره قطاعات كبيرة من المواطنين الذين باتوا يرفضون تماماً فكرة الدمج أو أن يكون لهذه القوات أي دور أو وجود في الساحة. وما يزيد الأمر خطورة هو التجاذب الحاصل بين القوى السياسية المتصارعة، وتحديداً بين الإسلاميين الذين يرون فرصة لإقصاء هذه القوات وحلفائها من المشهد، وبين قوى الحرية والتغيير التي تتمسك بعملية الدمج وترى دوراً لـ«الدعم السريع» في تحقيق مقاصدها لتحجيم تغلغل الإسلاميين في القوات المسلحة، بل ولإقصائهم عن الساحة تماماً.

السودان يمر بمرحلة بالغة الخطورة في ظل هذه الحرب المستعرة التي لا أحد يستطيع الجزم بمآلاتها، وآخر ما يحتاجه الآن هو إضعاف جيشه أو انهياره بأي شكل وتحت أي ظرف. فنحن نرى اليوم بعض الحركات المسلحة تتنمر وتهدد لأنها ترى الدولة تضعف، والجيش مشغول بحربه ضد «الدعم السريع». حتى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو التي راهن عليها البعض لدعم التحول الديمقراطي، خيبت الآمال عندما استغلت ظروف الحرب الراهنة وانشغال الجيش لتحاول قضم المزيد من الأراضي وتوسيع رقعة سيطرتها. كذلك رأت أطراف في حكومة جنوب السودان فرصة في هذه الحرب لكي تدفع بقواتها إلى منطقة أبيي المتنازع عليها، في مؤشر على أن هناك أطرافاً عدة داخلية وخارجية تتربص وتتحين الفرصة للنهش في جسد السودان الذي يبدو اليوم في أضعف حالاته.

مطالب الإصلاح مطلوبة، وكذلك دعوات ابتعاد الجيش عن السياسة، لكنها لا ينبغي أن تصبح ورقة تؤدي، بشكل أو آخر، إلى انهياره الآن أو تفكيكه في وقت لاحق، لأن ذلك سيكون أكبر خطر على البلد، والدروس كثيرة وماثلة حولنا.

الوسومالخطر السودان العنف عثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الخطر السودان العنف عثمان ميرغني

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي الذي يستبيح المستشفيات ويختبئ خلفها

لطالما بررت إسرائيل قصفها مستشفيات قطاع غزة بأنها تضم قواعد ومكاتب سرية لحركة حماس، من دون أن تتمكن من إثبات تلك المزاعم.

ولكن المفارقة التي كشفتها إيران اليوم هو أن الجيش الإسرائيلي يختبئ خلف المستشفيات ليخفي قواعد ومراكز ومواد حساسة.

ظهرت هذه القصة للعلن عندما أعلنت إسرائيل أن قصفا إيرانيا عطل مستشفى سوروكا في بئر السبع، متهمة طهران باستهداف المرضى.

لكن إيران بادرت إلى توضيح أن القصف استهدف مقرا عسكريا خلف المستشفى يخفي فيه الجيش الإسرائيلي جنودا ومقدرات عسكرية حساسة.

وقد أكدت طهران أن القصف الصاروخي استهدف وأصاب مقر قيادة واستخبارات الجيش الإسرائيلي بجوار المستشفى الذي تعرض لأضرار جانبية جراء موجة الانفجار.

واليوم الخميس، تبادل الجانبان قصفا جديدا وأصيب 147 إسرائيليا، بينهم 6 جروحهم خطيرة، جراء أقوى هجوم صاروخي إيراني منذ يومين، وفق وسائل إعلام عبرية، بينها صحيفة يديعوت أحرونوت.

رقابة مشددة

وتفرض الرقابة الإسرائيلية حظرا مشددا على تحديد المواقع التي تستهدفها صواريخ إيران، وجرى استحداث دوريات شرطة لمنع البث من جانب الإعلام والأشخاص في هذه المواقع.

وادّعى الجيش الإسرائيلي -عبر منصة إكس- أنه "تم تحديد إصابات عدة نتيجة القصف الصاروخي، إحداها أصابت أكبر مستشفى جنوب إسرائيل"، من دون أن يحدد مواقع سقوط باقي الصواريخ.

وحسب هيئة البث العبرية (رسمية)، فإن الحديث يدور عن مستشفى سوروكا في مدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل.

ونقلت عن طبيب في المستشفى -لم تسمه- قوله إن المبنى المتضرر هو المبنى الجراحي القديم الذي تم إخلاؤه الأربعاء.

في المقابل، قال الحرس الثوري -في بيان- إنه "في هذه العملية استُهدف مركز القيادة والاستخبارات التابع لجيش النظام (الإسرائيلي) بدقة عالية وبضربة دقيقة قرب مستشفى".

وأكدت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" أن البنية التحتية العسكرية المستهدفة "أُصيبت بدقة"، بينما تعرض مستشفى سوروكا لأضرار جانبية بسبب موجة الانفجار.

وبتركيزها على الأضرار الجانبية بالمستشفى وادعاءات مهاجمة أهداف مدنية، يبدو أن إسرائيل تحاول استمالة حليفتها الولايات المتحدة للانخراط إلى جانبها في الحرب على إيران، وفق مراقبين.

إدمان قصف المستشفيات

ومنذ بدء عدوانه على إيران فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، استهدف الجيش الإسرائيلي استهدافا مباشرا أكثر من مستشفى، بينها مستشفى أطفال بالعاصمة طهران.

وأمس الأربعاء، قصف الجيش الإسرائيلي محيط مبنى الهلال الأحمر الإيراني شمال طهران، وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون الإيراني تصاعد الدخان من الموقع المستهدف.

إعلان

كما ذكر التلفزيون الإيراني، الاثنين الماضي، أن الجيش الإسرائيلي قصف "مستشفى الفارابي" بمدينة كرمنشاه غربي البلاد.

واستهدفت غارات إسرائيلية مستشفى "حكيم" للأطفال في طهران، وفق وزارة الصحة الإيرانية السبت الماضي.

وبدعم أميركي ضمني، بدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسعا على إيران بمقاتلات جوية، فقصفت مباني سكنية ومنشآت نووية وقواعد صواريخ واغتالت قادة عسكريين وعلماء نوويين.

ومساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد بسلسلة هجمات بصاروخية باليستية وطائرات مسيّرة، بلغت عدد موجاتها 14، وخلفت إلى جانب القتلى والجرحى أضرارا مادية كبيرة، وفق مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي.

وفي غزة، دمرت إسرائيل معظم المستشفيات والمراكز الصحية، وقتلت وأصابت واعتقلت كثيرا من أفراد الطواقم الطبية والإسعاف، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة والأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

وعبر إغلاقها المعابر، تمنع تل أبيب إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة إلى غزة، وترفض إخراج جرحى ومصابين للعلاج بالخارج، في ظل انهيار المنظومة الصحية بالقطاع المحاصر.

ومنذ 18 عاما، تحاصر إسرائيل غزة، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني -من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع- بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.

وتشن إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، نحو 186 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذّر من تداعيات "الأعمال العدائية المتصاعدة" في السودان
  • الجيش الإسرائيلي الذي يستبيح المستشفيات ويختبئ خلفها
  • حنان رمسيس: استمرار الحرب قد يجرّ المنطقة لكارثة اقتصادية.. والذهب هو الرابح الأكبر
  • ماذا لو تم استهداف منشأة نووية في إيران وماهي الدول التي ستتأثر ؟
  • هجمات انتقامية وحصار ومجاعة.. النزاع في السودان يزداد حدة
  • السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» كمنظمة إرهابية ويعلن إفشال هجوم كبير في كردفان
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • بعثة تقصي الحقائق: جرائم دولية وانتهاكات مروعة في السودان
  • وصول دفعة جديدة تضم 678 من الفارين من قوات الدعم السريع بمنطقة المثلث
  • المعجزة التي يحق لكل سوداني أن يفتخر بها