«حيزيا».. من السيرة الشعبية إلى السردية الروائية
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
الجزائر ـ العُمانية: يعود الروائيُّ الجزائريُّ واسيني الأعرج في عمله السردي (حيزيا) (322 صفحة)، الذي صدرت طبعته الثانية عن دار خيال بالجزائر، إلى واحدة من أبرز القصص الشعبية المعروفة في منطقة بوسعادة (جنوب الجزائر)، وهي قصّة (حيزيا)، التي اشتهرت وتواتر ذكرُها، بعد أن خلّدها الشاعر محمد بن قيطون (1843/1907)، في واحدة من أشهر قصائده الشعبية الجزائرية.
تبدأ رواية (حيزيا) بشاب اسمه (خالد) تعود أصوله إلى منطقة (سيدي خالد) في بسكرة (جنوب الجزائر)، ويسكن مع والده تاجر التُّمور، في وهران (غرب الجزائر)، حيث يشرع هذا الشاب في رحلة بحث عميقة في فصول قصّة ملحميّة، وهي (حيزيا)، ويشدُّ الرحال إلى (سيدي خالد)، ليتعرّف على شاب اسمه (مسعود)، وهو قريب امرأة عجوز لها مكانة كبيرة في سيدي خالد، تلقّب بـ (لالة ميرة)، ليدلُّه مسعود على منبع لغز قصّة (حيزيا)، ويقصد خالد لالة ميرة من أجل معرفة أسرار القصّة الملحمية المدفونة لسنوات في قبر أسرار القبيلة، وظنّ أنّ ما يبحث عنه سهل المنال، ولم يكن يتصوّر أنّ لالة ميرة لن تبوح بسرّ (حيزيا) إلا للشخص الذي كانت تبحث عنه، بعد أن ينجح في اختبار تُجريه له. ومن أبرز الشخصيات، التي اعتمد عليها واسيني الأعرج، في تأثيث هذا العمل الروائيّ (حيزيا) هي: خالد، وابن قيطون، والسعيد، ولالة ميرة، وأحمد بلباي، وعيشة، والقايمة، والجازية، ومسعود، وربيحة حنا، وحليمة، وسراب، وأطلس (كلب)، وكاميليا (سحلية صحراوية).
وقسّم الكاتبُ روايته إلى قسمين، قسمٌ تناول فيه بأسلوب غير مباشر مغامرات خالد وسعيه نحو الحقيقة، أمّا القسم الثاني، فينطلق فيه واسيني في سرد قصّة (حيزيا)، من خلال رواية لالة ميرة لخالد، وزاوج فيه بين الأسلوب المباشر وغير المباشر؛ إذ يُسافر واسيني بالقارئ في ثنايا قصّة (حيزيا) تارة، وينقله إلى حديث لالة ميرة مع خالد تارة أخرى، ليُعيده إلى قلب القصّة مرة ثالثة، وهكذا حتى نهاية الرواية.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
المعلّم والتربية الشعبية
هناك اعتقاد شائع أو لنقل ثقافة شعبية عند البعض، سواء كان ذلك في الصحافة والإعلام أو شبكات التواصل أو عند بعض أولياء الأمور أو عند بعض الموظفين في القطاعات العامة والخاصة، وهو أن المعلّم هو الموظّف الوحيد الذي يتمتع بإجازات طويلة. هذا التصوّر المزيّف، زاد من الضغوط على المعلّم، فأصبحنا نرى المعلّم الآن يعيش أسوأ حالاته من خلال الكثير من الإجراءات التي أثقلت كاهله كالفصول الثلاثة الطويلة والعقود المكانية وغرف الصف المزدحمة وبرامج الاستثمار الأمثل واختبارات الرخصة والقائمة تطول. ربما يكون هذا الوضع الذي يعيشه المعلم، نتاج ما يعرف بالتربية الشعبية الذي يعني هنا الاعتقادات الشعبية البديهية المنتشرة حول التربية والتعليم، والتي لا تستند إلى نظرية تربوية أو بحث علمي، كأن يقول شخص ما في مقهى شعبي أو في استراحة وهو يدخّن النرجيلة: إن الضرب هو الوسيلة الوحيدة الناجحة في التعليم، ثم يُتبع ذلك بسرد تجربته الشخصية على الجالسين حوله، ليثبت أن نجاحه الباهر، هو نتاج استخدام هذه الوسيلة في التعليم في الابتدائية والمتوسطة والثانوية. هذا الموقف ينتمي إلى مفهوم التربية الشعبية، وهو مجرّد مثال بسيط لتوضيح ماذا يعني هذا المصطلح. قد يأتي هذا الاعتقاد المزيّف من صحفيين أو مؤثرين في شبكات التواصل أو رجال أعمال أو مصرفيين يشتغلون في القطاع البنكي أو أي مجال آخر. قد يغيّر هؤلاء موقفهم ويتخلّون عن اعتقادهم المزيف لو أغلقت على واحد منهم باب غرفة الصف مع 40 طالباً لمدة 45 دقيقة. هذه كانت مجرد حصة واحدة فقط، فما بالك لو كانت خمس حصص يومية تستمر طوال أسبوع كامل. المعلمون أنفسهم من غير الأكفاء، قد يكونون عرضة لمثل هذه الاعتقادات المزيفة، وقد يعتنقون أفكاراً يرونها صحيحة في حين أنها سلبية وقد تضر العملية التربوية عندما يحوّلونها إلى ممارسات تربوية.
لا مشكلة من إبداء الرأي والتعبير عن القضايا التربوية، لكن المشكلة الحقيقية هي عندما تتبنّى الجهة المسؤولة عن التربية هذا الاعتقاد على أنه حقيقة مطلقة، ويتحول إلى قرار يصل إلى أروقة المدرسة، ويؤثّر على من يرتادها؛ رغم أن النظرية التربوية والبحث العلمي قد تعارض هذا الاعتقاد وترفضه.
ولعل خير مثال على أن التربية الشعبية مؤثرة في عملية التعليم، هو الاعتقاد أن الاختبارات تكشف عن جودة التعليم أو رداءته، أو أن المعلم وحده مسؤول عن انخفاض درجات الطالب في القدرات والتحصيلي، لأن هذا الاعتقاد من وجهة نظر تربوية غير صحيح، فالاختبارات وحدها لا تساعد على إصدار حكم عادل على جودة التعليم أو رداءته. لا تقيس الاختبارات أبعادا مهمة عند الطلاب كالتفكير الناقد أو الابتكار أو حل المشكلات، هذا على الرغم من أن بعض الاختبارات الجيدة، وليس كلّها، تقدم ملمحاً حول عملية التعلّم.
عملية الإصلاح التربوي تبدأ بمراجعة وتنقيح بعض هذه المعتقدات الزائفة التي لا تستند إلى حقائق تربوية ثبتت فعاليتها.
khaledalawadh @