لجريدة عمان:
2025-06-30@22:33:39 GMT

الفنون الشعبية.. هويّة وطنية وإنسانية

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

الشعر الشعبي هو لسان حال الشعوب، يختزن أحوال المجتمعات، ويرصد تحولاتها، ويعنى بتفاصيل الحياة اليومية، وكلما كان الشاعر لصيقا بالمجتمع، كان أكثر صدقا وحرارة في التعبير عن الواقع، وقد استطاع الشعر أن يتغلغل في الحياة العامة، واستطاع أن يقدم صورة واضحة، وكاشفة لحركات المجتمع، وسكناته، وذلك من خلال الفنون الشعبية، والأهازيج التي كان الناس يبتكرونها كلما دعت الحاجة، وهم يعبرون من خلالها عن واقعهم، ومشاعرهم، ومناسباتهم، ويتفاعلون مع الأحداث من حولهم.

ولا شك أن لكل بيئة فنونها التي تجسد هذا الواقع، فالبيئة البحرية مثلا تمتاز بالفنون ذات الرتم السريع، والكلمات المحمّسة لأبناء المجتمع، كفنون (المديمة، والدان دان، ونهمة البحر، والشوباني، وبو زلف.. وغيرها)، ومعظم هذه الفنون ذات إيقاع راقص، ومتداخل، وهو ما يحتاجه أهل البحر في حياتهم اليومية، بعد يوم عمل طويل، ويلاحظ أن كثيرا من الفنون البحرية عبارة عن فنون مستوردة من بيئات من الخارج، تظرا لارتباط أهل الساحل بالسفر، والهجرة، وقام العمانيون بتطوير هذه الفنون، وإدخال بعض التعديلات التي تناسب المجتمع المحلي.

كما أن للبادية فنونها الكثيرة، وأكثرها فنون غير إيقاعية، تعتمد على الصوت، و«الشلّة»، ولا تعتمد على الآلات الإيقاعية إلا في أضيق الحدود، كفنون (التغرود، والطارق، والهمبل، والعيالة، وغيرها)، وهي فنون تعكس روح البدوي الجادة، ورصانته المعهودة، كما أن البيئة البدوية بيئة قاسية، وصارمة، وتفتقد إلى مقومات الصخب، ولذلك جاءت هذه الفنون لتعكس صورة أهل البادية، وسلوكهم، وشخصيتهم.

وفي الجبل كذلك كان لتلك الفنون نصيب كبير، وهي فنون تعبّر عن قسوة المكان، وطبيعته الصخرية، ومحدودية الرقعة الجغرافية، مثال فنون (الهبوت أو الزامل، والنانا في محافظة ظفار، وفن الندبة في محافظة مسندم..)، وهي تقوم على القوة في الأداء، وتعبر عن الشخصية التي تسكن الجبل، من صرامة وقوة، ونشاط.

كما أن هناك فنونا لأهل المدينة، وللبيئة الزراعية، يرددها الناس في تلك المجتمعات، وهي تحفزهم على الحياة، وتبث فيهم روح النشاط، والحيوية، ويتغنون بها في مناسباتهم.

ويبقى فن «الرزحة» هو القاسم المشترك بين جميع البيئات تقريبا، فهو الفن الذي يقام على البحر، وفي البادية، وفي الجبل، وهو في كل حالاته يعبّر عن مناسبات مختلفة، وله أشكال، وأنواع، وطرائق متعددة، تختلف باختلاف المنطقة، أو البيئة، ولكنه يختزل الحالة الاجتماعية لتلك المجتمعات، ويعبر عنها، ويغوص فيها، وهو فن اجتماعي أصيل، لا خلط فيه، ويتواجد في كل المناسبات العامة، والخاصة، وفيه تظهر شخصية الرجل العماني التقليدية، من حيث «السمت»، والعزم، والقوة، والحيوية، والشجاعة، ولذلك فإن «الرزحة» بكل أشكالها صالحة لكل زمان، ومكان، وهو واسطة العقد في الفنون الشعبية العمانية.

إن المحافظة على هذه الفنون، وتعلمها، وتعليمها وتشجيع نشرها واجب وطني تُعنى به المؤسسات الرسمية المعنية، وهي جزء من الهوية الوطنية الثقافية التي تربط الأجيال بعضها ببعض، وتعمل على حفظ الشخصية التقليدية التي تسعى كل دول العالم المتحضرة للحفاظ عليها، والتمسك بها، لأنها الحلقة التي تؤكد على عراقة وحضارة الدول ومكانتها التاريخية، والثقافية، والإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الفنون

إقرأ أيضاً:

المقاومة الشعبية السودانية إلى أين يجب أن تتجه

(1) بعد انتكاسة المسلمين في غزوة أحد بعد أن نزل الرماة من الجبل طلبا للغنيمة أراد بعض قادة قريش اقتحام المدينة والقضاء المبرم على العصبة الاسلامية ورغم رفض أبوسفيان للفكرة لتثبيت رمزية الانتصار ، إلا أن النبي القائد أصدر تعليماته للجيش الاسلامي المثخن بالجراح بالخروج لمنازلة جيش مكة وعسكر في حمراء الاسد ثلاثة أيام ثم عاد الجيش عزيزا إلى المدينة . كذلك بعد انفضاض جيش الاحزاب وفك الحصار عن المدينة عاد النبي صلى الله عليه وسلم الى داره وبدأ في خلع السلاح ولامة الحرب وجاءه جبريل وقال له إن الملائكة لم تضع أسلحتها ثم أشار اليه بقتال يهود بني قريظة الذين نقضوا عهد وثيقة المدينة وتآمروا مع الاحزاب ضد المسلمين ، ونادى المنادي من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة . عبرة هذه القصص تنم على ضرورة وحدة وتلاحم الجبهة الداخلية ، واستمرار حالة التعبئة العامة ورفع الجاهزية عند منازلة العدو في المعارك الوجودية حتى استئصال شافته وإزالة مخاطره.
(2)
إن فكرة المقاومة الشعبية أو المجتمع القائد بكل أبعادها الدعوية والسياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية هي الاصل في الرسالة المحمدية وهكذا كان دأب النبي صلى الله عليه وسلم في استنهاض طاقات المجتمع ، من يشتري الدار المجاورة للمسجد وله الجنة ، ومن يشتري بئر رومة وله الجنة، ومن يجهز جيش العسرة وله الجنة ، وأبوبكر وعبد الرحمن بن عوف كانا يبذلان الأموال والسلع الاستهلاكية لكل مجتمع المدينة عند الشدة ،فالمقاتل كان يجهز ذاته من خيله ورجله وسلاحه وزاده من ماله الخاص ويناجز الاعداء حتى يسقط شهيدا وربح البيع. هكذا كانت دولة الاسلام الأولى متماثلة القوة والعظمة في بنيتها المؤسسية والمجتمعية.
(3)
ثمة حالة من الاسترخاء والكمون اعترى المقاومة الشعبية مع استمرار تدفق دعم المجرم محمد بن زايد للمليشيا الارهابية بالمال والسلاح والمرتزقة، ومغازلة المرتزق حميدتي لمصر، ورسائله التخديرية لفت عضد وتلاحم الجبهة الداخلية المناصرة لمعركة الكرامة ، مع توالي الضغوط الإقليمية والدولية على القيادة السودانية بضرورة ابرام تسوية سياسية تعيد إنتاج وتدوير المليشيا المجرمة في المشهد السياسي .
إزاء هذه التطورات لابد من يقظة المقاومة الشعبية السودانية وتثبيت توجهاتها في معركة الكرامة وفي مرحلة ما بعد المعركة. ولعل أبرز هذه التوجهات هي ضرورة استمرار حالة التدريب والتسليح وسط كل قطاعات الشعب السوداني . وضرورة تكامل دور المقاومة الشعبية من تحرير الأرض من دنس المليشيا الارهابية الى إعادة الاعمار والخدمات .
إن التمويل المالي واللوجستي لمشاريع المقاومة الشعبية من تحرير الأرض إلى إعادة الاعمار يجب أن يكون من كل قطاعات المجتمع السوداني في الداخل والخارج. إن المقاومة الشعبية هي تجسيد وتمثيل لإرادة المجتمع السوداني بكل تنوعه الجغرافي والديني والاثني والفكري، والسياسي .
(4)
إن أدبيات المقاومة الشعبية في استثارة الحماسة والتعبئة واستنهاض طاقات المجتمع يجب أن تكون نابعة من التراث الثقافي والفني وقصص الملاحم والبطولات السودانية دون تحيزات ايديولوجية أحادية. إن الثابت الاستراتيجي للمقاومة الشعبية في معركة الكرامة هو القضاء الناجز على مليشيا آل دقلو الارهابية إما في الميدان أو التفاوض على الاستسلام ، وكذلك محاكمة كل قيادات القوى السياسية المدنية الداعمة للمليشيا وهذا الثابت خط أحمر غير قابل للاختراق بمساومات تعيد إنتاج المليشيا المجرمة وجناحها السياسي(تحالف صمود/ تأسيس)
(5)
إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون نواة الاحتياط للجيش السوداني وتعمل تحت قيادة وإمرة الجيش . إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون داعمة لقضايا البناء الوطني والوفاق والسلام والوحدة، والتحول الديمقراطي المستدام.
صفوة القول إن المقاومة الشعبية يجب أن تكون النواة الصلبة لترسيخ فكرة وثقافة المجتمع القائد لمشروع النهضة السودانية بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

عثمان جلال

السبت: 2025/6/28

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المقاومة الشعبية السودانية إلى أين يجب أن تتجه
  • مراكش تستعد لاحتضان الدورة 54 لمهرجان الفنون الشعبية
  • امتحانات الشهادة السودانية 2024 المؤجلة تنطلق وسط تحديات أمنية وإنسانية واسعة
  • إلهام الفضالة تتعلم فنون القتال.. فيديو
  • إثبات الوفاة معاناة قانونية وإنسانية تؤرّق ذوي الشهداء والمفقودين بغزة
  • هيئة فنون الطهي تُطلق رخصة الطاهي الحر
  • بينها سعودي الجنسية.. متطلبات الحصول على رخصة الطاهي الحر
  • لتعزيز التنافسية بين الطهاة.. هيئة فنون الطهي تُطلق رخصة الطاهي الحر
  • موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة يو إف سي 317 والقنوات الناقلة