شهادات الأسرى الإسرائيليين وتوديعهم للقسام.. الجزيرة نت تحكي قصة المقاوم الإنسان
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
طفلة صغيرة بجديلة طويلة وملابس أنيقة، يغمرها الفرح ولا تكف عن الابتسام والتلويح لرجل مدجج بالسلاح، وبقدر ما تبدو سعيدة باللحظة الراهنة، تحرص على اغتنام كل الوقت المتبقي للتعبير عن الرضا والامتنان.
مثل هذه المشاعر طبيعية جدا من طفلة نحو جندي من وطنها افتكها من بين يدي مجرم أو أنقذها من موت محقق في حادث سير خطير.
ولكن الطفلة الباسمة ليست سوى ابنة العدو الأول لهذا الرجل المدجج بالسلاح، حيث يمطره كل يوم بالقنابل ويمنع عنه الغذاء والدواء ويضرب عليه حصارا مطبقا منذ سنوات.
ومن هنا تحكي الجزيرة نت قصة المقاوم الإنسان التي لا يريد العالم رؤيتها ولا روايتها، حتى لا تُناقض ما يتواطأ عليه الغرب حاليا من وصم حركة حماس بالإرهاب.
ففي الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الجزئية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، أطلقت حركة حماس 13 من النساء والأطفال الإسرائيليين، مقابل إفراج إسرائيل عن 39 من النساء والأطفال الفلسطينيين.
وداع استثنائي في غياب الحقد والانتقام
وأثناء تسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر، ظهر عناصر كتائب عز الدين القسام يربتون على الأطفال ويترفّقون بالمسنين، في فصل واضح بين صورة المقاوم الفلسطيني ذي البأس الشديد في الميدان، وصورته كإنسان يعطف على الضعيف والصغير ويحترم الشرائع والمواثيق.
أمام الكاميرات ظهر الأسرى المفرج عنهم بصحة جيدة ويرتدون ملابس مرتبة، وظهرت فتيات وسيدات يبتسمن لرجال المقاومة ويلوحن لهم بالود والتودد.
ومثل هذا حصل في تسليم الدفعة الأولى من الأسرى يوم الجمعة الماضي، فقد تبادل الطرفان مشاعر الود أثناء الوداع وظهر عنصر من القسام يحمل سيدة مسنة كما لو أنها جدته إلى أن أجلسها على كرسي داخل سيارة، ويترفق بطفل صغير يرتدي ثيابا زاهية كأنما يسكب عليه حنان الأبوة.
ولم يكن من الممكن ادعاء أن هؤلاء الأسرى تعرضوا لمعاملة قاسية لا من حيث الجانب النفسي ولا الجسدي، ولذلك اعترفت إسرائيل أنهم كلهم عادوا في وضعية صحية جيدة وفي ظروف نفسية طبيعية.
وأوضح مستشفيا "فوولفسون" و"شنايدر" في تل أبيب أنهما استقبلا مجموعة من الأسرى الذين أفرجت عنهم حماس وأنهم جميعهم في وضعية صحية جيدة.
صدمة في الجانب الآخر
بيد أن أصواتا إسرائيلية ضاقت بالصورة الإنسانية المكثفة القادمة من غزة التي يتوقع منها الانتقام والحقد أمام عدوان إسرائيلي استمر 48 يوما وأدى لسقوط نحو 15 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير القطاع الصحي ومختلف المرافق الحيوية وتهجير وتجويع السكان.
وقد نقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حماس طلبت من الأسرى المفرج عنهم إظهار الود لعناصرهم والتلويح لهم، لتحول المناسبة إلى فيلم دعائي.
ورفض ناشطون إسرائيليون نشر مقاطع فيديو تسليم حماس للأسرى، قائلين إنهم لم يقتنعوا بما سموها الدعاية الفظيعة التي تنتجها حماس.
لكن حديث المفرج عنهم بعد وصولهم لإسرائيل، كشف أن مقاطع التسليم لم تكن عملا دعائيا، وإنما كانت انعكاسا فعليا للمعاملة الحسنة التي تلقوها منذ اقتيادهم إلى غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى لحظة الإفراج عنهم.
وفي حديث نقلته جيروزاليم بوست، روت الإسرائيلية أدريانا أن جدتها يافا عادت من غزة "جميلة ومشرقة" وفي وضعية صحية جيدة.
وفي شهادة أخرى، قال قريب لإحدى الأسيرات "لحسن الحظ، لم يتعرضوا لأي تجارب غير سارة أثناء أسرهم، بل تمت معاملتهم بطريقة إنسانية.. خلافا لمخاوفنا، لم يواجهوا القصص المروعة التي تخيلناها.. كان يتابعون الراديو والتلفزيون، حيث سمعوا الأخبار من إسرائيل".
وقبل أسابيع تحدثت أسيرة إسرائيلية أفرجت عنها حماس عن المعاملة الحسنة، قائلة "كانوا ودودين معنا وعالجوا رجلا كان مصابا بشكل سيئ في حادث دراجة.. كان هناك ممرض يعتني به وأعطاه الأدوية والمضادات الحيوية".
وتضيف "كانوا ودودين وحافظوا على نظافة المكان وتناولنا الطعام سويا. وعندما وصلنا قالوا إنهم مسلمون يؤمنون بالقرآن ولن يؤذونا. لقد كانوا كريمين للغاية وهذا يجب أن يقال".
وبالفعل، فإن الفرسان المؤمنين بالقرآن، يثخنون في عدوهم في ساحات المعارك وفي الوقت ذاته يعطفون على الأطفال والنساء "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
شهادات مغايرة.. شريعة الضرب والإذلال
في المقابل، تحدثت الأسيرات الفلسطينيات المحررات عن تعرضهن لمعاملة سيئة في السجون الإسرائيلية تصل حد الركل والضرب والحرمان من النوم والطعام والدواء.
ومن اللحظة الأولى لاعتقالها قبل 3 أشهر في القدس المحتلة، تعرضت الأسيرة المحررة فاطمة عمارنة للضرب الشديد على أيدي الجنود الإسرائيليين، وفق حديثها للجزيرة نت.
وبصوت متحشرج، تحدثت عمارنة عن ظروف التحقيق التي بدأت بالضرب المبرح إلى التهديد باعتقال العائلة والاغتصاب.
أما ميسون الجبالي -وهي أقدم أسيرة في السجون الإسرائيلية- فروت أن سلطات الاحتلال سحبت كل شيء من الأسيرات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقمعتهن بالعزل الانفرادي وبالضرب والرش بالغاز.
وجاء في شهادة الجبالي أن إدارة السجون كانت تقدم طعاما شحيحا لـ80 أسيرة، ولا يكفي بالكاد لأقل من 10.
ولا يمكن لإسراء جعابيص أن تمحي من ذاكرتها يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 عندما انفجرت أسطوانة غاز كانت معها في سيارتها بشكل عرضي على بُعد عشرات الأمتار من حاجز عسكري إسرائيلي بين مدينتي القدس وأريحا.
ونتيجة هذا الانفجار أتت الحروق على 60% من جسدها، لكن الاحتلال قال إنها تعمدت تفجير نفسها على الحاجز واعتقلها، ولم تعانق الحرية قبل منتصف الليلة الماضية.
وتقول جعابيص "تركت الأسيرات الطفلات يبكين، لأنهن تعرضن لانتهاكات كثيرة في السجن، وزادت حدة هذه الممارسات بعد السابع من أكتوبر الماضي".
وكذلك تحدث الأطفال الفلسطينيون الأسرى المحررون عن تعرضهم للضرب والتجويع، وتعمّد الاحتلال لإذلالهم وإهانتهم حتى في لحظات الإفراج عنهم.
من الاحتلال إلى الطوفان والعدوان
يذكر أن إسرائيل قامت على أرض عربية محتلة عام 1948، وضمت القدس والضفة الغربية عام 1967، وواصلت طيلة سنواتها الـ75 قتل واعتقال الفلسطينيين وتوسيع النشاط الاستيطاني في الضفة وشن العمليات العسكرية على غزة والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقتلت حتى الآن أزيد من 1400 إسرائيلي.
كما أسرت المقاومة الفلسطينية أزيد 200 إسرائيلي وأعلنت أنها تريد مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.
من جانبها، شنت إسرائيل طيلة 48 يوما عدوانا وحشيا على غزة، حيث قصفت المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد، مما أدى إلى استشهاد نحو 15 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب إصابة 36 ألفا وفقد 7 آلاف وتدمير أحياء بكاملها وتشريد معظم السكان.
وأثناء العدوان نفذت إسرائيل توغلا بريا في غزة استمر لنحو شهر بهدف استعادة أسراها والقضاء على حماس، لكنها لم تحرر أيا من الأسرى، بينما واصلت المقاومة دك المدن الإسرائيلية بالصواريخ.
وبعد خسائر ميدانية فادحة في الأرواح والعتاد، قبلت إسرائيل بالدخول في هدنة مؤقتة مع حماس يتخللها تنفيذ صفقة تبادل جزئي للأسرى، بواسطة قطرية وبدعم من مصر والولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول من النساء والأطفال من الأسرى
إقرأ أيضاً:
اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
لم يكن استهداف مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهما مجرد امتداد لسلسلة طويلة من الانتهاكات بحق الصحفيين، بل خطوة محسوبة في إطار إستراتيجية أوسع -حسب محللين- تهدف إلى إسكات الكاميرات التي وثّقت المأساة في قطاع غزة، وتهيئة المشهد لمجازر بلا شهود.
ويأتي الاغتيال الذي استهدف خيمة إعلامية أمام مستشفى الشفاء الطبي في سياق أرقام صادمة كشفها مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، إذ بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب 238، وهو رقم غير مسبوق حتى في الحروب العالمية التي امتدت لسنوات.
ولم يكن هذا الرقم، حسب حديث الدحدوح لبرنامج "مسار الأحداث"، حصيلة قصف عشوائي، بل يعكس سياسة ممنهجة لإبادة الصوت الصحفي الفلسطيني، بما يحمله من قدرة على فضح جرائم الاحتلال وكسر الحصار الإعلامي المفروض على القطاع.
غير أن صدى هذه الجرائم في الساحة الدولية، كما يصفه الدحدوح، ما زال أدنى بكثير من مستوى الحدث.
فبينما شهد العالم تضامنا واسعا في قضايا أقل حجما من "شارلي إيبدو" في باريس إلى استهداف صحفيين في أوكرانيا، اكتفى جزء كبير من المؤسسات الإعلامية والاتحادات الدولية ببيانات وتصريحات خجولة، في حين التزم كثيرون الصمت أو مالوا إلى تبني رواية الاحتلال.
هذا الصمت، كما يضيف الدحدوح، كان أشد وطأة على الصحفيين في قطاع غزة من وقع القصف نفسه، لأنه يبدد إحساسهم بأنهم جزء من جسد مهني واحد عابر للحدود.
اغتيال
أما على الساحة الأوروبية، فيرى الأمين العام لاتحاد الصحفيين الأوروبيين ريكاردو غوتيريش أن ما جرى ليس مجرد استهداف لمراسلين، بل "عملية اغتيال" اتخذ قرارها على أعلى المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل.
ويؤكد أن غالبية الصحفيين الأوروبيين لا يصدقون مزاعم الاحتلال حول صلة الضحايا بحركة حماس، لكن بعض وسائل الإعلام الغربية لا تزال تكرر هذه الدعاية عن وعي أو جهل، مما يستدعي مواجهة قانونية وسياسية.
إعلانغوتيريش أشار إلى أن هناك تحولا ملموسا في المزاج الشعبي الأوروبي، حيث باتت الأعلام الفلسطينية مشهدا مألوفا في المظاهرات والمهرجانات، وازدادت الضغوط على الحكومات لاتخاذ إجراءات ملموسة مثل وقف صادرات السلاح وتعليق الاتفاقيات التجارية مع تل أبيب.
لكنه شدد على أن الإدانة اللفظية لم تعد كافية، وأن اللحظة تستدعي خطوات عملية توقف الإفلات من العقاب وتضع حدودا لسياسة القتل الممنهج ضد الصحفيين والمدنيين في غزة والضفة الغربية.
هذا القلق من التحول الدولي ينعكس مباشرة في الحسابات الإسرائيلية، كما يوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، الذي يرى أن الإعلام العالمي بدأ يتبنى "الحقائق على الأرض" بدلا من الرواية الرسمية لتل أبيب.
أزمة غير مسبوقة
ويضيف أن إسرائيل تواجه اليوم أزمة غير مسبوقة في صورتها الخارجية، إذ بدت أدوات دعايتها باهتة وعاجزة أمام الشاشات الدولية، في وقت يتحدث فيه أنصار القضية الفلسطينية، من فلسطينيين وأجانب، بلسان قوي يوظف خطاب العدالة والإنسانية ويكسب تعاطف النخب والطلاب والمجتمع المدني في الغرب.
ويربط مصطفى هذا التراجع في النفوذ الدعائي بمحاولة الاحتلال إسكات الصحفيين الميدانيين الذين يشكلون مصدرا مباشرا للمعلومات والصور التي تتحدى السردية الإسرائيلية.
ومن هذا المنظور، فإن اغتيال كوادر مهنية ومرموقة مثل أنس الشريف هو استثمار في "الفراغ الإعلامي" الذي تحتاجه إسرائيل لتنفيذ سياساتها على الأرض دون رصد فوري من كاميرات مستقلة.
ويتجاوز المشهد حدود القتل الفردي إلى إستراتيجية متكاملة تقوم على إفراغ الميدان من الشهود، وفتح الطريق أمام عمليات عسكرية قد تشمل اجتياحات أو توسعا في سياسات التهجير والتجويع، بعيدا عن أعين العالم.
لكن، ورغم فداحة الثمن، يؤكد الدحدوح أن روح الفداء لدى الجيل الجديد من الصحفيين الفلسطينيين ما زالت متقدة، وأن الإرادة التي دفعتهم إلى العمل تحت القصف والحصار لن تُطفأ بسهولة حتى لو دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الحقيقة.
هذا النمط من التصعيد الإعلامي الميداني يتقاطع -وفق محللين- مع ما ترسمه إسرائيل لمرحلة "اليوم التالي" للحرب، فإسكات الشهود المستقلين يتيح لها إعادة صياغة المشهد وفق روايتها، وتبرير أي ترتيبات سياسية أو أمنية جديدة في غزة، سواء تمثلت في مناطق عازلة أو فرض وقائع ديمغرافية جديدة.