حياة النازحين بمراكز الإيواء ليلا.. باردة ومظلمة ومخيفة
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
غزة- لأكثر من 40 عاما كانت عبارة "المدرسة بيتي الثاني" ملازمة للسبعيني شحدة أبو زريق، وهو مدير مدرسة متقاعد، لم يتخيل يوما أنها ستصبح بيته الأوّل، وقد اضطر للنزوح عن منزله في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ويقيم حاليا برفقة 34 من أبنائه وأحفاده في مدرسة حكومية بمدينة رفح جنوبا.
صبيحة اليوم الثاني لمعركة "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الماضي، نزح أبو زريق بأسرته من بلدة بيت حانون، المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، نحو مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في محيط المستشفى الأندونيسي ببلدة بيت لاهيا المجاورة في شمال القطاع.
"زلزال قلب حياتي" هكذا يصف أبو زريق (71 عاما) للجزيرة نت، أثر العدوان الإسرائيلي عليه وعلى أسرته، وقد أصبحوا مشردين بلا مأوى، حيث نال الدمار الهائل الذي تعرضت له بلدة بيت حانون، من منزله ومزرعته.
مكث أبو زريق وأسرته في مدرسة بيت لاهيا 43 يوما، ورغم حدة الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط المستشفى الإندونيسي وانتهت باقتحامه لاحقا، لم يغادر هذا النازح السبعيني المدرسة إلا بعد قصف استهدفها مباشرة، ويقول إن "العناية الإلهية حفظت أرواح 3 آلاف نازح غالبيتهم من النساء والأطفال".
من أقصى شمال القطاع إلى أقصى جنوبه، قرر أبو زريق النزوح بأسرته إلى مدينة رفح، التي لم يجد في مدارس "أونروا" متسعا لهم، فبادر مع أسر أخرى إلى فتح مدرسة الدوحة الثانوية، وكانوا أول النازحين فيها قبل أن تتوافد إليها عشرات الأسر الأخرى.
تخلّت أسرة أبو زريق عن سيارتها الخاصة الحديثة، التي لم يمض على شرائها أكثر من 3 شهور، وتركتها في الشارع، واستقلت عربات تجرّها الدواب إلى أقرب نقطة مسموح بها قبل السير على الأقدام لنحو 5 كيلومترات، عبر "مفترق الشهداء" حيث تتمركز الدبابات الإسرائيلية على شارع صلاح الدين الرئيسي الواصل بين شمال القطاع وجنوبه.
في "مختبر العلوم" بمساحة لا تتعدى 25 مترا مربعا، تتكدس هذه الأسرة على 4 فرشات فقط، يقول أبو زريق إنهم يضطرون إلى مشاركة عدد من الأطفال في فرشة واحدة للنوم عرضا وليس طوليا، فيما الكبار ينامون بالتناوب وكل فردين على فرشة واحدة عكس بعضهما البعض، بحيث يكون رأس أحدهما عند قدميْ الآخر.
اكتسب أبو زريق خبرة واسعة في إدارة المدارس على مدار 4 عقود، لكن لم يكن من بينها تجربة إدارة مدرسة تحولت إلى مركز نزوح يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وتزداد معاناة النازحين إليه ليلا في ظل أجواء شتوية شديدة البرودة.
ينظر النازحون في هذه المدرسة باحترام كبير لأبو زريق، الذي يجد في ذلك مسؤولية كبيرة ملقاة على كاهله، لذلك يستيقظ باكرا لصلاة الفجر، ويبدأ عمله التطوعي في متابعة شؤون عائلته والنازحين، واحتواء أية مشاحنات قبل أن تتحول إلى مشكلات يسببها الضغط النفسي الذي يعيشه النازحون لظروف معيشتهم القاسية.
لم تفلح مساعي أبو زريق في الحفاظ على روتين حياته اليومي قبل اندلاع الحرب، حيث كان ينام مبكرا، ويستيقظ عند الساعة الثانية فجرا لقيام الليل، ثم ينطلق لمسجد مجاور لمنزله لأداء الفجر، ويمكث فيه حتى شروق الشمس، ويعود لمنزله وينام حتى التاسعة صباحا، حيث يبدأ يومه بتدريس أحفاده واجباتهم المدرسية، وتحفيظهم القرآن الكريم.
في مركز الإيواء انقلبت حياة هذا الرجل السبعيني "رأسا على عقب"، وافتقد كثيرا من عاداته اليومية، كما تلفت أسنانه المستعارة، وبصعوبة بالغة تمكن من إصلاحها حتى يتمكن من مضغ القليل من الطعام المتوفر.
تزداد هذه الأعباء ليلا -بحسب أبو زريق- الذي يقول "الليل يطول والنوم معدوم، والقلب يرتجف من شدة البرد، وخلال إحدى لياليه فاضت روح نازحة خمسينية وخلّفت وراءها أطفالا"، معبرا عن خشيته من تفشي أوبئة فتاكة إذا طالت فترة النزوح واشتد الشتاء، بسبب الاكتظاظ الشديد وانعدام الرعاية الصحية والمرافق الحيوية، واللجوء إلى إشعال النار من مواد بلاستيكية للتدفئة والطهي.
ومع حلول ساعات المساء تبدو هذه المدرسة كـ"مقبرة"، وفقا لوصف أبو زريق، حيث يخيم عليها الحزن والظلام، ويفتك البرد بأطفال ونساء داخل الغرف، يتلاصقون أملا في اكتساب بعض الدفء، فيما رجال يتجمعون في حلقات متناثرة هنا وهناك حول نيران يشعلونها من بعض أوراق الكتب وأغصان أشجار مزروعة بالمدرسة.
عندما نزح آلاف الغزيين خفافا من مناطق شمال القطاع، سواء لأن الأجواء كانت مشمسة، أو لأن الاحتلال لم يمهلهم الوقت الكافي لجلب أمتعتهم وملابسهم الشتوية، لم يدركوا وقتها أن فترة نزوحهم ستطول وسيلقي الشتاء بظلاله الثقيلة عليهم.
ويواجه هؤلاء أزمة حادة في توفير ملابس شتوية إما لعدم توافرها في الأسواق، أو لغلاء فاحش بالمتوافر منها، وكان لأبو زريق نفسه تجربة شخصية عندما عاد من السوق بيدين خاويتين ولم يجد سراويل ثقيلة لأحفاده، الذين تنتابهم خلال الليل أحلاما مزعجة، وباتوا يعانون من التبول الليلي، بسبب الخوف والبرد الشديدين.
من بين أسرة أبو زريق يوجد 5 نساء و12 فتاة، يقول هذا الرجل السبعيني الذي نشأ على عادات وتقاليد صارمة تحترم خصوصية المرأة، إن معاناتهن مضاعفة عن الرجال، وفي كثير من جوانبها لا تستطيع حتى مجرد التعبير عنها بالكلام.
ووجد أبو زريق في بضع كلمات تعبيرا مكثفا عن معاناة النساء النازحات في مراكز الإيواء، قائلا "مقيدات الملابس واللسان"، وصمت لوهلة قبل أن يكمل ببضع كلمات أخرى "هنا فقدت المرأة أنوثتها تماما".
ومن أجل دخول دورة المياه، أو الحصول على فرصة للاستحمام، تحتاج المرأة في مراكز الإيواء إلى إجراءات معقدة، والكثير من التحضير، مع طلب المساعدة من نساء أخريات يتبادلن دور توفير الأمان وبعض الخصوصية "المؤقتة والسريعة" لبعضهن البعض.
من على مقاعد كلية العلوم في جامعة الأزهر بمدينة غزة، حيث يدرس يحيى -أحد أحفاد أبو زريق (21 عاما)- الفيزياء، إلى النزوح في مختبر العلوم في مركز إيواء، يشعر هذا الشاب بقلق كبير على مستقبله، مع حجم الدمار الهائل الذي طال جامعات غزة، ولا يعلم شيئا عن مصير جامعته.
يعاني يحيى من آلام نتيجة عملية جراحية في ساقه، تزداد حدتها مع البرد الشديد خلال الليل، من دون أن يجد قطعة قماش لتدفئة ساقه، ويقول للجزيرة نت، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة شعور بالقهر "حياتنا صارت مقلوبة، منازل وجامعات مدمرة، وخشب مقاعد الدراسة وقود للنار، والمدارس للإيواء والتعليم في مهب الريح".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شمال القطاع
إقرأ أيضاً:
تقلبات جوية و تحذيرات من الفروقات الحرارية والضباب في بعض المناطق
صراحة نيوز ـ تشير آخر التحديثات الصادرة عن مركز طقس العرب الإقليمي إلى انحسار تأثير الكتلة الهوائية الحارة نسبيًا التي أثرت على أجواء المملكة خلال الأيام الماضية، لتحل محلها كتلة هوائية معتدلة تُعيد الأجواء الربيعية المعتدلة نهارًا والباردة نسبيًا ليلًا، في تقلبات جوية تستدعي الانتباه، خاصة في فترات الليل والصباح الباكر.
انخفاض كبير على درجات الحرارة الليلة وتحذير من الفروقات الحرارية
ومع دخول ساعات ليل الإثنين/الثلاثاء، يُتوقع أن يطرأ انخفاض متسارع على درجات الحرارة، لتصبح الأجواء باردة نسبيًا إلى باردة، خاصة في المناطق المرتفعة والسهول الشرقية. وتُشير التوقعات إلى أن الفروقات بين درجات الحرارة العظمى والصغرى قد تصل إلى 13-15 درجة مئوية، الأمر الذي يُنذر بارتفاع فرص الإصابة بنزلات البرد والأمراض الموسمية، خاصة بين الأطفال وكبار السن، مما يستدعي الحذر وارتداء الملابس الدافئة ليلاً.
الثلاثاء: أجواء دافئة إلى حارة نسبيًا مع نشاط للرياح والغبار في بعض المناطق
أما يوم الثلاثاء، فتكون درجات الحرارة أعلى من المعدلات بنحو درجتين مئويتين، مع أجواء دافئة في الجبال، وحارة نسبيًا في بقية مناطق المملكة. الرياح ستكون جنوبية غربية إلى غربية معتدلة السرعة، تنشط تدريجيًا في ساعات الظهيرة والعصر، مسببة إثارة الغبار والأتربة، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية والسهول، وقد تصل كثافة الغبار إلى مستويات مرتفعة في بعض المناطق.
الأربعاء: أجواء ربيعية نهارًا وباردة نسبيًا ليلًا… واحتمال لزخات محلية شمالًا
تتأثر المملكة يوم الأربعاء بكتلة هوائية ذات درجات حرارة دون معدلاتها المعتادة، مما يؤدي إلى انخفاض ملموس على درجات الحرارة لتصبح أقل من المعدلات بـ2-4 درجات مئوية. الأجواء ستكون ربيعية معتدلة نهارًا، مع ظهور السحب المنخفضة، واحتمالية لزخات محلية من الأمطار في شمال المملكة.
وتسجل درجات الحرارة العظمى في العاصمة عمّان والمرتفعات الجبلية أوائل العشرينيات مئوية، وتصل إلى منتصف العشرينيات في بقية المدن. الرياح تكون غربية معتدلة إلى نشطة السرعة، تتجاوز هباتها أحيانًا حاجز الـ50 كم/ساعة، مما يزيد من فرص الغبار في المناطق الصحراوية.
ليالي باردة وضباب محتمل في المرتفعات
في ساعات الليل، تنخفض درجات الحرارة بشكل إضافي، ويُتوقع أن تكون الأجواء باردة نسبيًا إلى باردة، خاصة في المرتفعات الجبلية والسهول الشرقية، مما يتطلب ارتداء ملابس أكثر دفئًا. كما ترتفع نسبة الرطوبة السطحية، ما قد يؤدي إلى تشكل الضباب فوق المرتفعات الجبلية العالية، لا سيما الشمالية، وهو ما يستدعي الحذر أثناء القيادة في ساعات الليل والفجر.
نصائح للمواطنين: ارتدوا ملابس مناسبة وراقبوا الحالة الجوية
يدعو موقع طقس العرب المواطنين إلى متابعة التحديثات الجوية أولًا بأول، وارتداء الملابس الملائمة، خاصة خلال فترات الليل والصباح الباكر، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي نزلات البرد، خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن، مع الانتباه من تدني الرؤية الأفقية بسبب الغبار أو الضباب في بعض المناطق.