النص المسرحي العماني قضايا وأفكار «2-2»
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
ناقشتُ في القسم الأول من قضايا وأفكار النص المسرحي في عمان قضيتين: القضية الأولى «سَطْوَة التُراثِ المَحَلِّيِّ بِنَوْعَيْهِ المادِّيِّ وَغَيْرِ المادِّيِّ، وَالتُراثِ الإِنْسانِيِّ» والقضية الثانِية «هيمنت قَضايا المُجْتَمَع العُمانِيّ التي تبلورت فِي تَجَلِّيات اتجاه (المَسْرَح الاِجْتِماعِيّ)»، وسأناقش هنا القضية الثالثة، وسأحصرها في لجوء الكتّاب المسرحيين إلى فعل مُراوَغَة السُلْطَة بِجَمِيع أَشْكالِها المُعْلَنِة وَغَيْرِ المُعْلَنِة؛ خشية الرقابة.
يَصْدرُ فِعْلُ المُراوَغَةِ مِنْ الفِعْلِ «راغ» وَعَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ ما يَفْعَلُهُ الثَعْلَبُ مِنْ مُراوَغَةٍ. يَقُولُ المُعْجَمُ: «راغَ الثَعْلَب: ذَهَب يَمْنَةً وَيَسْرَةً فِي سُرْعَةٍ وَخَدِيعَةٍ، و«رَاغ روغان الثَعْلَبِ؛ أَيْ لَجَأَ إِلَى المَكْرِ وَالخَدِيعَةِ، اسْتَعْملَ طُرُقا مُلْتَوِيَةً».
السُلْطَة كَما يَقول عَنْها ميشيل فوكو مُنْتَشِرَة فِي كُلِّ مَكان. يَحْرِص مُؤَلِّفُو النَصِّ المَسْرَحِي العُمانِي عَلَى تَوْظِيفِ مَعارِفِهِم الثَقافِيَّةِ وَالمَعْرِفِيَّةِ لِيُؤَسِّسوا نَصًّا مَسْرَحِيًّا مُغايِرًا فِي إِشْكالِيَّتِه، فِينُوس بَيْنَ إِضاءات وَمَرْجِعِيّات متباينة؛ دِينِيَّة وَأُسْطُورِيَّة وَتُراثِيَّة أَوْ مَواقِفَ أيديولوجِيَّة، فَيَتَبَنَّى المؤلف أَحَد طَرِيقَيْن: إِمّا تَثْوِير الفِكْرَة، أَوْ القَضِيَّةَ الَّتِي سَيَتَناوَلُها، أَوْ الجنوح إلى التَجْرِيب في أُسْلُوب العَرْضِ المسرحي. (وَهذا يَرْتَكزُ عَلَى عَمَلِ المُخْرِجِ)؛ وكَأَمْثِلَةٍ سَرِيعَةٍ مَثَلا: المُؤَلِّف وَالمُخْرِج المَسْرَحِي مُحَمَّد خَلْفان فِي مَسْرَحِيَّة (قَرْنِ الجارِيَةِ) عَمَدَ إِلَى اخْتِيارِ أُسْطُورَة عُمانِيَّةٍ تَقْلِيدِيَّة غائِرَة فِي الأَعْماقِ، أَسَّسَ مِنْها مَوْقِفًا فِكْرِيًّا، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى التَجْرِيبِ فِي التُراث الأُسْطُورِيّ المَحَلِّيّ. أَسْقطَ عَلَى النَصِّ بَعْضَ الإِسْقاطات السِياسِيَّة وَالاِجْتِماعِيَّة، وَاسْتَطاعَ بِذلِكَ أَنْ يَتَشابَكَ وَيُراوِغَ فِي النَصِّ السُلُطات بِجَمِيعِ أَصْواتِها وكذلك فعل المؤلف بدر الحمداني في مسرحية (الجحدول.)
إِنَّ مُناقَشَة النَصّ المَسْرَحِيّ العُمانِي لِقَضايا المُجْتَمَع يَطْرَحُهُ فِي مُواجَهَة مَعَ مَفْهُوم الاِلْتِزام، وَأَنَّ الكاتِب اِبْن بِيئَتِه، يَتَأَثَّرُ بِها وَيَسْعَى إِلَى أَنْ يُغَيِّرَها. ضِمْن هذا الطَرْح سَيَكُون لِمُصْطَلَح الاِلْتِزام حُضُور وَاشْتِغال. وحَوْلَ الاِلْتِزام بِوَجْه عامّ، يَكْتُبُ الدكتور مرشد عزيز راقي، (الالْتِزامُ فِي المَسْرَحِ العُمانِيِّ- بحث منشور في مَجَلَّة نَزْوَى، 2016م) التالي:
الالتِزامُ فِي الفَنِّ المَسْرَحِيِّ هُوَ «أَنْ يَتَناوَلَ الكاتِبُ القَضايا الجَوْهَرِيَّةَ الَّتِي تَخُصُّ مُجْتَمَعَهُ، وَيُعالِجُ مَشكِلَاته ساعِيا لِاِقْتِراحِ أَنْسَبِ الحُلُولِ لِهذِهِ المشكِلِات حَسَبَ تَصَوُّرِهِ بِاتِّجاهِ العَمَلِ عَلَى نَهْضَةِ المُجْتَمَعِ، مِن خِلالِ لُغَةٍ بَسِيطَةٍ تَصِلُ لِلمُتَفَرِّجِينَ بِوُضُوحٍ».
ويرى في موضع آخر: أَنَّ الالْتِزامَ «يَتَعَلَّقُ بِالقَضايا المُهِمَّةِ وَالجَوْهَرِيَّةِ سَواء أَكانَت اجْتِماعِيَّةً أَوْ سِياسِيَّةً، وَهُوَ يُجَسِّدُ واجِبا ثابِتا يَنْبَغِي عَلَى المُلْتَزِمِ القِيامُ بِهِ وَالمُداوَمَةُ عَلَيْهِ لِصالِحِ تَطَوُّرِ المُجْتَمَعِ». ثم يَخلص إلى الْتِزامِ النَصِّ المَسْرَحِيِّ العُمانِيِّ بِمَفْهُومِ الالْتِزامِ فيَكْتُبُ التالي:
«وَقَدْ اهْتَمَّ المَسْرَحِيُّونَ فِي عُمانَ بِالالْتِزامِ بِالقَضايا الاِجْتِماعِيَّةِ وَالسِياسِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ شَدِيدَةِ الارْتِباطِ بِالواقِعِ العُمانِيِّ. وَعَلَى سَبِيلِ المِثالِ فَهُناكَ مُشْكِلاتٌ اجْتِماعِيَّةٌ عَدِيدَةٌ تَعَرَّضَ لَها المَسْرَحَ العُمانِيَّ، وَبِخاصَّةٍ فِي مَرْحَلَةِ البِدايَة...»
وَفِي هذا السِياقِ، يرى الدُكْتورُ سَعِيد بِن مُحَمَّد السَيّابِي في بحثه المعنون: (نصوص المهرجانات المسرحية في سلطنة عمان بين سياق الكلمة ودلالة اختيار الفعل الجزء الأول، موقع جريدة الوطن) أَنَّ المَسْرَحَ العُمانِيَّ قَدْ تَطَرَّقَ فِي مَسِيرَتِهِ إِلَى العَدِيدِ مِنْ قَضايا المُجْتَمَعِ المُلِحَّةِ وَالمُتَكَرِّرَةِ، وَعَبرَتْ نُصُوصَهُ وَعُرُوضَهُ عَنْ طُمُوحاتِ وَتَطَلُّعاتِ الشَعْبِ العُمانِيِّ، وَحَمَلَ فِي جَوْهَرِهِ هُمُومَ الإِنْسانِ العُمانِيِّ، فَحَمَلَ خُصُوصِيَّةً عُمانِيَّةً ذاتَ آفاقٍ حَضارِيَّةٍ وَفِكْرِيَّةٍ وَفَنِّيَّةٍ وَتُراثِيَّةٍ مُمَيَّزَةٍ...».
إن تحديد معنى الالتزام كما أشار إليه الباحثون السابقون، يدفعنا إلى مناقشة العديد من المُسلّمات التقليدية الجاهزة، وعليه أطرح هذه الأسئلة:
- هَلْ الالْتِزامُ قَضِيَّةٌ فِكْرِيَّةٌ مَحْضَةٌ؟
- وَهَلْ يَنْبَغِي عَلَى الكاتِبِ الالْتِزامُ؟
- مَتَى يَكُونُ قَضِيَّةً؟ وَكَيْفَ يَصِيرُ فِكْرا؟
- هَلْ يُناقِشُ الكاتِبُ المَسْرَحِيَّ العُمانِيَّ نَفْسَهُ أَثْناءَ الكِتابَةِ مَسْأَلَةَ الالْتِزامِ؟
- هل هناك أدب ملتزم وآخر غير ملتزم، لنفترض وجود الالتزام من الكاتب؟
- هل ينبغي على النص المسرحي عرض المشكلة الاجتماعية وتقديم حلول لها؟
- ألا يتداخل معنى الالتزام مع الإذعان للتوجه الأيديولوجي الرسمي؟
يناقش بونوا دوني في كتابه (الأدب والالتزام من باسكال إلى سارتر، ترجمة محمد برادة، ط1، الصادرة طبعته الأولى عن المشروع القومي للترجمة، 2005م) مفهوم الأدب الملتزم الذي ظهر في نهاية الحرب العالمية الثانية، بوصفه «مموضعا تاريخيا» وذلك ضمن ثلاثة عوامل هي: (استقلالية الحقل الأدبي، وابتداع المثقف، وثورة أكتوبر 1917م).
ويُعيدنا مفهوم الأدب الملتزم إلى ظهور معنيين له ظهرا على أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، المعنى الأول هو «أدب شغوف بالقضايا السياسية والاجتماعية وراغب في المساهمة في تشييد عالم جديد أعلنت عنه الثورة الروسية منذ عام 1917م.»، والمعنى الثاني يفيد بوجود فئة من الأدباء يخاطرون بحياتهم في الدفاع عن القيم الكونية مثل العدالة، فيلجأون إلى معارضة السلطة القائمة عن طريق الكتابة». والمعنى المحدد أن الالتزام الأدبي هو ظاهرة خاصة بالقرن العشرين». لا شك، أن مفهوم الالتزام الذي أشار إليه مؤلف الكتاب، وعارضه رولان بارت فيما بعد، يدفعنا إلى التفكير في التوجهات السياسية والتشكلات الحزبية التي ينتسب إليها المؤلفون بوجه عام، ليس في عُمان التي تخلو من هذا الارتباط، ولكن في الوطن العربي. لقد أثرت الأيديولوجية الفكرية والحزبية المتشددة على اتجاهات كثير من الكتّاب المسرحيين، لدرجة ظهرت اتهامات صريحة مباشرة، وأخرى مضمرة حول أن الكاتب الفلاني صنعه الحزب الفلاني! لكن ما يُهمنا في هذا العجالة، النظر من زاوية التأثير الذي أحدثته الأيديولوجية على العرض المسرحي وجمالياته، وربما أعود إلى هذه القضية في مقال منفصل.
انتقل إِلَى الاشْتِغالِ الثانِي الَّذِي سَأَحْصرُهُ فِي تَقْلِيدِ الجَمالِيّاتِ الفَنِّيَّةِ المُتَعَدِّدَةِ، كَجَمالِيّاتِ الكِتابَةِ الكْلاسِيكِيَّةِ، والرومانسية وَالتَعْبِيرِيَّةِ وَالاجْتِماعِيَّةِ، وَما بَعْدَ اللامَعْقُولِ.
ثَمَّةَ مَلْمَحٌ غَيْرُ جَدَلِيٍّ وَواضِحٍ لَدَى كُتّابِ المَسْرَحِ العُمانِيِّينَ يَتَمَظْهَرُ فِي خَلْطِ التَيّاراتِ المَسْرَحِيَّةِ وَاتِّجاهاتِها الفِكْرِيَّةِ بَعْضُها بِبَعْضٍ. (وَحَتَّى لا يَنْسَحِبَ كَلامِي عَلَى الكُتّابِ المُتَحَقِّقِينَ الَّذِين أَسْتَثْنِيهِمْ مِنْ هذا المَلْمَحِ)، فَقَدْ تَسَنَّى لِي المُشارَكَةُ فِي العَدِيدِ مِنْ لِجانِ تَقْوِيمِ المَسْرَحِيّاتِ، وَقَدْ لاحَظْتُ وُجُودَ هذِهِ الآفَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي تَنُمُّ عَلَى قِلَّةِ القِراءَةِ، وَقِلَّةِ اكتراث المؤلف/ المؤلفة بتَطْوِيرِ الثَقافَةِ المَسْرَحِيَّةِ.
وَأَكْثَرُ ما يَتَجَلَّى هذا الاشْتِغالُ فِي إِخْراجِ العُرُوضِ المَسْرَحِيَّةِ، الَّتِي تُعانِي تارة من سُلْطَة المُؤَلِّفِ المُخْرِجِ، أَوْ من سُلْطَةَ المُمَثِّلِ المُخْرِجِ. وَيُضافُ إِلَى هذِهِ القَضِيَّةِ عَدَمُ وُجُودِ الدراماتورج؛ فَالاسْتِعْمالُ التِقْنِيُّ الحَدِيثُ لِلدراماتورج يَسْتَفِيدُ مِن المَعْنَى الأَلْمانِيِّ لِلَفْظِ وكما يكتب الدكتور سعيد الناجي، في ورقته البحثية (المقاربة الدراماتورجية وتحليل السرد المسرحي، مجلة دراسات وأبحاث في المسرح وفنون العرض، ملف العدد (قراءة المسرح: مقاربات منهجية وديالكتيكية، يصدرها مختبر المسرح والمدينة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، العدد الأول، ديسمبر 2009م) التالي: «لَقَدْ أَصْبَحَ الدراماتورج مُسْتَشارا أَدَبِيّا وَمَسْرَحِيّا فِي الفِرَقِ المَسْرَحِيَّةِ، مُكَلَّفا بِالتَنْقِيبِ عَن الوَثائِقِ كُلِّها الَّتِي تُساعِدُ عَلَى فَهْمٍ أَكْبَرَ لِلنَصِّ المَسْرَحِيِّ المُرادِ إِخْراجَهُ. وَبِمَعْنى آخَرَ، أَصْبَحَت الدراماتورجيا مَهارَةً تَقَعُ بَيْنَ عَمَلِ الكاتِبِ المَسْرَحِيِّ، وَبَيْنَ عَمَلِ المُخْرِجِ، وَبَيْنَ عَمَلِ المُمَثِّلِينَ وَباقِي المِهَنِ المَسْرَحِيَّةِ».
خِتاما، إِنَّ المَسْرَحَ هُوَ الفَنُّ الأَشَدُّ اِنْعِكاسا لِحَياةِ الناسِ فِي المُجْتَمَعِ، فَهُوَ إِذا تَشابَكَت رُؤَى مُؤَلِّفِيهِ عن طريق الجَدَلِ لَاسْتَطاعَ مُؤَلِّفُوهُ تَوْظِيفَ التَجْرِيبِ لِفَتْحِ خِياراتٍ جَمالِيَّةٍ مُمْكِنَةٍ أَوْ مُحْتَمَلَةٍ. لَقَدْ اسْتَفادَ المَسْرَحِيُّونَ العُمانِيُّونَ كِتابا وَمُخْرِجِينَ وَمُمَثِّلِينَ مِن مُشارَكاتِهِم الجادَّةِ فِي العَدِيدِ مِنْ المِهْرَجاناتِ المَحَلِّيَّةِ وَالخَلِيجِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ، مَعَ ضَرُورَةِ الوَعْيِ أَنَّ فَنَّ المَسْرَحِ فِي خُصُوصِيَّتِهِ كَما يَكْتُبُ الدكتورُ عَبْدالواحد بن ياسِر فِي كِتابِهِ (عِشْقَ المَسْرَح: دراسات نقدية، الهيئة العربية للمسرح، 2013م): هُوَ الفَنُّ الأَكْثَرُ قُدْرَةً عَلَى مُمارَسَةِ القَطِيعَةِ، فَقَدْ ارْتَبَطَت نَماذِجُهُ العَظِيمَةُ بِتَجارِبَ اجْتِماعِيَّةٍ وَتارِيخِيَّةٍ اتَّسَمَت بِالغَلَيانِ الجَمْعِيِّ وَبِاضْطِرابِ المَعايِيرِ وَالقَواعِدِ الاجْتِماعِيَّةِ وَالتَمَثُّلاتِ الجَمْعِيَّةِ، وَبِوَصْفِهِ كَذلِكَ -فَنَّ القَطِيعَةِ- فَقَدْ ارْتَبَطَ دائِما بِالقَطائِعِ التارِيخِيَّةِ الكُبْرَى وَبِالتَحَوُّلاتِ العَمِيقَةِ، فِكْرِيّا وَقِيَمِيّا وَوِجْدانِيّا..إِلَخْ».
ستظل القضايا السابقة، والاشتغالات الفنية والجماليةِ مثار جدل واسع، الأمر الذي يُمكن له أن يفتح شهية النقاش، ويوسع من دائرة البحث، أو سيظل واقفًا في مكانه. إن التعويل على الباحثين المنتسبين إلى المسرح، عليهم أن يقولوا كلمتهم طال الزمن أو قصر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الم س ر ح ی الم ج ت م ع الم خ ر ج ع مان ی إلى ال
إقرأ أيضاً:
"اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
مسقط- العُمانية
تعد سلطنة عُمان من الدول الرائدة في مجال تنمية الطفولة المبكرة، سواء على مستوى السياسات أو الخدمات المقدمة، كما أنها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وبادرت مبكراً إلى سنّ التشريعات اللازمة لحماية حقوق الأطفال.
وأكد مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان على أن إصدار قانون الطفل في عام 2014 دليلاً واضحاً على هذا الالتزام، بالإضافة إلى قانون التعليم المدرسي 2023 الذي أكد على حق الطفل في الالتحاق بالتعليم المبكر، وقانون الحماية الاجتماعية 2023 الذي قدّم منظومة متكاملة للمنافع والتأمينات الاجتماعية والتي اعتمدت أفضل الممارسات الدولية في تقديم المنافع بما فيها منفعة الطفولة ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على تطويرها لتعظيم العائد في تحقيق الحماية والاستثمار في تنمية الطفولة وترسيخ مبادئ العدالة.
وقالت سعادة سومايرا تشودري ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان إنها تشهد تقدمًا مهمًا في مجال الحماية الاجتماعية، من خلال تعزيزها للسياسات الوطنية التي تهدف إلى دعم الأطفال والأسر، وضمان وصول الخدمات للفئات الأكثر احتياجًا، وشمل هذا التقدم تطوير نظم الحماية الاجتماعية وتحسين التنسيق بين القطاعات لضمان استجابة متكاملة لاحتياجات الفئات المستفيدة.
وكشفت أن المكتب يقوم بدور محوري في دعم الجهود التي تنفذها سلطنة عُمان، من خلال تقديم الدعم الفني والمشورة الاستراتيجية في تصميم السياسات والبرامج، وتعزيز القدرات الوطنية في جمع البيانات وتحليلها لاستخدامها في التخطيط القائم على الأدلة، كما يعمل بالشراكة مع الجهات الحكومية على تعزيز نظم حماية الطفل وضمان اندماجها ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، بما يسهم في بناء نظام شامل ومستدام يُعنى برفاه كل طفل.
وأضافت سعادتها في حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية أن التعاون بين سلطنة عُمان ومكتب "اليونيسف" يرتكز على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بدأت منذ عام 1971، وتهدف إلى تعزيز حقوق الطفل في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية، والتغذية، والنماء في مرحلة الطفولة المبكرة. ويعمل الجانبان بشكل وثيق على تطوير السياسات والبرامج الوطنية التي تضمن لكل طفل في سلطنة عُمان التمتع بحقوقه بشكل متكامل وعادل، بما يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ورؤية "عُمان 2040".
وأوضحت سعادتها أن التعاون بين الجانبين يتمثل في برنامج قطري مشترك يتم التنسيق بشأنه مع الجهات المعنيّة بشؤون الطفل في سلطنة عُمان، ويُعاد إعداد هذا البرنامج كل خمس سنوات مع إعداد خطط سنوية للتنفيذ، حيث يجري خلاله النقاش حول الأولويات والبرامج الوطنية التي تُدرج ضمن إطار دعم اليونيسف لجهود الحكومة في مجال تعزيز رفاه الأطفال.
وأشارت سعادتها إلى اهتمام سلطنة عُمان المتزايد بتنمية الطفولة المبكرة، وهو ما يُترجم من خلال إدماج هذا الملف ضمن أولويات الخطط الوطنية، وزيادة الاستثمار في برامج الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، لافتةً إلى أن التركيز على السنوات الأولى من حياة الطفل يعكس الفهم العميق لسلطنة عُمان حول أهمية هذه المرحلة في تشكيل قدرات الطفل ومهاراته المستقبلية.
وأفادت أن سلطنة عُمان حققت مراكز متقدمة في مؤشرات تنمية الطفولة والتحصين الشامل للأطفال والالتحاق بالتعليم الذي يشمل جميع الأطفال دون استثناء، وتواصل إظهار التزامها من خلال تبني حلول مبتكرة لتعزيز دور الأسرة والطفل، مثل تشريع قانون العمل والسياسات الصديقة للأسرة التي تمنح الوالدين وقتاً كافياً لرعاية الطفل في مراحله الأولى، مؤكدةً أن هذه الجهود تضعها في موقع ريادي على خارطة العالم في مجال رعاية الطفولة وحمايتها.
وذكرت المسؤولة الدولية أن سلطنة عُمان تنفذ حزمة متكاملة من البرامج التي تهدف إلى تنمية قدرات الأطفال والناشئة، سواء في مجالات التعليم، أو الصحة، أو المشاركة المجتمعية واليوم، نلاحظ نقلة نوعية في تبني مقاربات شاملة تراعي احتياجات الأطفال من مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال المعرضين للخطر، مشيرةً إلى أن "اليونيسف" تدعم هذه التوجهات وتعمل على تعظيم أثرها من خلال التعاون الفني وبناء القدرات.
وأردفت سعادتها أن من التعاون الوثيق مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المعنيّة الأخرى كوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، تكاتفت الجهود من أجل تحليل وفهم مسار تنمية الطفل وحمايته من جميع أشكال الإساءة أو الخطر، وأن هذا التعاون المؤسسي يُجسد العمل المشترك على تحديث دليل حماية الطفل وإعداد دراسة عن إنشاء مراكز متكاملة للطفولة المبكرة؛ بهدف تعزيز آليات التنسيق والتكامل بين الجهات المعنيّة، بما يضمن تحسين متابعة حالات الأطفال، وتحقيق اتساق واستمرارية في الإجراءات والمتابعة بجودة عالية بين جميع الأطراف ذات العلاقة.
ولفتت إلى أن القوانين الوطنية مثل قانون الطفل ودليل حماية الطفل تُعد من الإنجازات المحورية التي تضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الساعية لحماية حقوق الطفل، ومن منظور دولي، فإن هذه التشريعات تعكس التزاماً حقيقياً من سلطنة عُمان بمواءمة قوانينها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية، التي تسهم في تعزيز بيئة قانونية توفر الحماية والإنصاف للأطفال.
وتابعت سعادتها قائلة إن لسلطنة عُمان دور مهم ومحوري في دعم البرامج التنموية والإنسانية المتعلقة بالطفولة، سواء على الصعيد الوطني أو من خلال مشاركتها في الجهود الإقليمية والدولية، وأن اليونيسف تؤمن أن سلطنة عُمان قادرة على أن تكون صوتاً مؤثراً للأطفال في المنطقة، من خلال دعم المبادرات التي تعزز الصحة، والتعليم، وحماية الأطفال، خاصة في سياقات الأزمات الإنسانية.
وقالت سعادتها إن سلطنة عُمان محط أنظار العالم بفضل مواقفها النبيلة وتوازنها في دعم قضايا الطفولة والإنسانية وتُعد سياستها السلميّة والحيادية عاملاً أساسياً في جعلها شريكاً موثوقاً وصديقاً للجميع، خصوصاً في ظل الأزمات الإنسانية المتكررة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي هذا الإطار، قدّمت دعماً سخياً لأطفال غزة من خلال التبرع بمبلغ 385 ألف ريال عُماني (مليون دولار) لصالح الأطفال في القطاع، وذلك في إطار دعمها المتواصل للأعمال الإنسانية والإغاثية التي تنفذها "اليونيسف" حول العالم.
وأضافت سعادتها أن أبرز المبادرات لتطوير برامج التعليم ما قبل المدرسي تمثلت في دعم تطوير البيئة المدرسية الصديقة للطفل، وتمكين المعلمين من استخدام أساليب تعليمية شاملة من خلال تعزيز إطار مهارات المستقبل، كما تضمّن العمل مع وزارة الصحة على بناء قدرات الكوادر العاملة في تقديم خدمات رعاية الطفولة المبكرة، إضافة إلى دعم برامج التغذية، مثل الرضاعة الطبيعية والصحة النفسية، فيما تضمّن التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، إجراء دراسة شاملة تستعرض عدداً من المسارات المحتملة لتفعيل قانون التعليم، والذي ينص على أن التعليم ما قبل المدرسي هو حق أساسي لكل طفل، وفي هذا الإطار ومن هذا المنطلق، تعمل اليونيسف على تحليل الاستراتيجيات المختلفة وتحديد المسارات المناسبة لضمان البدء بتقديم خدمات التعليم المبكر للأطفال في سلطنة عُمان. بالإضافة إلى إعداد دراسة لتعزيز تنمية الطفولة المبكرة من خلال إنشاء مراكز تقدم خدمات تعليمية وصحية للأطفال في هذه المرحلة العمرية.
وأفادت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" في سلطنة عُمان ينفذ مجموعة من البرامج التي تهدف إلى بناء وتعزيز قدرات الكوادر في الصفوف الأولية، ودعم العاملين في المجال الاجتماعي الذي يشمل تقديم الدعم الفني المستمر للشركاء في وزارتي الصحة والتربية والتعليم لضمان جودة واستدامة التدخلات، مؤكدةً أن هناك التزاماً متنامياً نحو تحسين جودة خدمات التأهيل والرعاية المقدمة للأطفال من ذوي الإعاقات وبالجهود الواضحة لتطوير البنية الأساسية والخدمات وتوفير الكوادر المؤهلة، لافتة إلى ضرورة تعزيز الدمج المجتمعي والتعليمي، وتطوير أدوات الكشف المبكر والتدخل في مراحل الطفولة الأولى.
وأوضحت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" يقوم بدور محوري في دعم الحكومة العُمانية لتطوير نظام وطني مُوحد لحماية الطفل يقوم على الوقاية، والرصد، والتدخل المبكر، كما يعمل على تعزيز التوعية المجتمعية، وبناء قدرات العاملين في الصفوف الأمامية، وتطوير الأدلة والإجراءات الموحدة للتعامل مع حالات العنف والإساءة والإهمال، حيث أطلق المكتب برنامجاً لتدريب المُدربين في مجال التربية الإيجابية؛ بهدف تعزيز وعي أولياء الأمور ومقدمي الرعاية حول عدد من المحاور الأساسية، من بينها حماية الطفل، والتغذية السليمة والتفاعلية، وتحفيز التعلم المبكر، وتعزيز الدمج المجتمعي للأطفال.
وفيما يتعلق بنشر الوعي لجميع فئات المجتمع، بيّنت أن بالتعاون مع شركائها من الجهات المعنيّة ومؤسسات المجتمع المحلي واللجنة الوطنية لشؤون الأسرة، تم إطلاق حملة توعوية وطنية تحت شعار "أطفالنا أمانة" حظيت بتفاعل واسع وتقبل كبير من المجتمع، ويتم تفعيلها بشكل مستمر لتذكير أفراد المجتمع بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتسليط الضوء على المراحل الأولى من حياة الطفل لما لها من أثر مباشر على مستقبل الطفل والنشء.
وذكرت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" عمل على تصميم وتنفيذ حملات تواصل وتغيير سلوك تركز على دور الأسرة والمجتمع في حماية ودعم الطفل، خاصة في القضايا الناشئة مثل التنمر الإلكتروني، والصحة النفسية، والعنف بهدف إشراك الأطفال واليافعين أنفسهم في التعبير عن احتياجاتهم وتمكينهم ليكونوا جزءاً من الحل، كما أطلق بالتعاون مع شركائه من الجهات الحكومية، استراتيجية وطنية للتواصل الاستراتيجي من أجل التغيير السلوكي المجتمعي، وهي مبنيّة على أدلة علميّة تتناول الممارسات والعادات والمستوى المعرفي المتعلق بتنمية الطفولة المبكرة وأهميتها، وتبحث سبل معالجة التحديات المجتمعية التي قد تعيق هذا النمو، لا سيما تلك التي لا تشملها السياسات أو الخدمات المباشرة، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوعي والمعرفة المجتمعية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعوية استراتيجية وموجهة تستهدف الفئات الرئيسة من المجتمع؛ بهدف رفع المؤشرات الاجتماعية المؤثرة على تنمية الطفولة المبكرة، مثل تعزيز الرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة، بما يسهم في خلق بيئة داعمة لنمو الطفل وتطوره الشامل.
واختتمت سعادة ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان بالتأكيد على تطوير برامج تعزز من المهارات الحياتية والاجتماعية للأطفال واليافعين مثل مهارات التواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنيّة للإسهام في تعزيز شعورهم بالانتماء والاندماج، إلى جانب دعم المبادرات التي تتيح لهم مساحات آمنة للمشاركة والتعبير، لربطها بالسياسات الوطنية لضمان استدامتها.