لجريدة عمان:
2025-07-31@01:21:23 GMT

هشاشة الوجود الإسرائيلي

تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT

لا شك في أن هناك تأثيرًا قويًّا لإسرائيل في السياسات الدولية للغرب الداعم له، وبوجه خاص في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي هي الحليف الأقوى في العالم الداعم لها على الدوام. وليس بخافٍ على أحد أن قوة تأثير إسرائيل يرجع إلى أنها تقوم بتوظيف جماعات ضغط قوية على السياسات الغربية داخل المؤسسات الرسمية والاقتصادية وغيرها؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تستخدم دائمًا حق النقض في إدانة جرائم إسرائيل وعدوانها عبر تاريخها القصير.

السؤال إذن: إذا كان هذا هو حال إسرائيل الذي يبلغ هذا الحد من القوة والتأثير؛ فكيف يتسنى لنا أن نتحدث عن الوجود الإسرائيلي باعتباره وجودًا هشًّا؟! لنتأمل الأمر عن قرب:

من الصحيح أن إسرائيل تمتلك جماعات ضغط قوية على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ ولكننا لا ينبغي أن ننسى أنها في النهاية مجرد أداة بحكم فكرة نشأتها بمقتضى وعد بلفور الذي هو «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، فمنذ ذلك الحين كانت إسرائيل هي الأداة أو العميل الأقل تكلفة في الحفاظ على مصالح وأطماع قوى الغرب الإمبريالية في الشرق الأوسط؛ ولذلك ذهب روجيه جارودي في كتابه «الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية» إلى القول بأن «دولة إسرائيل هذه ليست سوى حاملة طائرات نووية حصينة تابعة لسيدة العالم مؤقتًا: الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أن تفرض هيمنتها على نفط الشرق الأوسط الذي يمثل عصب النمو الغربي» (الترجمة العربية، دار الشروق، ص. 16). وفي رأيي أن هذا هو المسمار الأول في نعش الوجود الإسرائيلي؛ لأنه لا يصبح وجودًا حقيقيًّا، وإنما يصبح وجودًا «أداتيًّا»، أي مرهونًا بكونه أداة فاعلة ومطلوبة، وهو أمر يمكن أن يتغير بتغير موازين القوى العالمية، بحيث لا تصبح هذه الأداة فاعلة أو مطلوبة في إطار هذه المتغيرات.

الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية هو أن هشاشة الوجود الإسرائيلي يكمن في أنه يقوم على الاعتقاد في أساطير وخرافات يقوم بترويجها، ويجعلها أساسًا لمشروعية وجوده وممارسة سياساته العدوانية. لقد كشف الفيلسوف الكبير روجيه جارودي في أواخر القرن الفائت في كتابه سالف الذكر عن هذه الأساطير من خلال دراسة وافية متعمقة، فكشف عن مزاعم الأرض الموعودة لليهود في فلسطين، والقول بأن اليهود هم شعب الله المختار، والمزاعم المتعلقة بالمحرقة النازية. وليس بإمكاننا أن نتتبع في هذه العجالة تفنيد جارودي لكل المزاعم والأساطير، وإنما سنكتفي بالإشارة إلى شيء منها:

تزعم الصهيونية السياسية ما يلي: إذا كنا نمتلك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة التي تقول: «سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات» (الإصحاح 15، الآية 18). ولكن هذا الوعد كما يبين لنا جارودي لم يكن سوى نبوءة مستوحاة من غزوات داود. والواقع أن هذا الوعد يمكن تسميته بالوعد البدوي؛ لأنه كان يهدف إلى توطين قبيلة من البدو الرعاة من أجل توفير الاستقرار لهم. وقد تجمعت قبائل من البدو لاحقًا لتشكل شعب إسرائيل.

كما تزعم الصهيونية العالمية، بل تتاجر، بالهولوكوست أو المحرقة النازية لليهود، وهي حقيقة واقعة وإن كان عدد الضحايا لا يزيد على 300 أو 400 ألف وليس ملايين عديدة كما تزعم دولة إسرائيل. ولكن العدد هنا ليس هو المهم، وإنما الأهم هو أن اليهود الأوفياء لعقيدتهم والأساتذة الثقات من اليهود، يرون في هذه المحرقة جريمة بحق الإنسانية بوجه عام، وليست في حق اليهود وحدهم؛ لأن الإنسانية جمعاء كانت شريكة في أكبر عمليات الإبادة في التاريخ؛ ولذلك فإننا لا ينبغي أن ننسى ضحايا الإبادات الأخرى عبر التاريخ، بدءًا من إبادة ملايين الهنود الحمر والزنوج حتى ضحايا ناجازاكي وهيروشيما.

من مجمل هذا يتبين لنا أن هشاشة الوجود الإسرائيلي تكمن في أنه وجود مفتعل يقوم على ترويج مزاعم صهيونية لا علاقة لها بالتوراة؛ وبذلك يمكن القول بأن هناك هوة واسعة بين العقيدة اليهودية والصهيونية السياسية: فالصهيونية مذهب سياسي مرتبط بالحركة السياسية التي أسسها تيودور هرتزل، وهي حركة قومية لا تتخذ الدين مرجعًا لها، وهي أيضًا مذهب استعماري يهدف إلى إنشاء دولة استعمارية توسعية. ولذلك فإن هرتزل نفسه في يومياته يذكر أنه لم يكن حريصًا على نشأة دولة إسرائيل في أي مكان بعينه من العالم! ولذلك فإننا ينبغي أن نتحرر من هذا الخطأ أو الخلط الذي يقع فيه كثير من الناس بين اليهودية وإسرائيل أو بين اليهود والصهاينة، فلا نقوم بتعميم الأحكام من دون معرفة عمق المسألة. وليس أدل على الهوة السحيقة بين اليهودية ودولة إسرائيل سوى ما نراه في أيامنا هذه من مظاهرات يقوم بها المتدينون اليهود في أمريكا وفي إسرائيل نفسها تضامنًا مع الفلسطينيين، ولسان حالهم يقول: إننا لم ننجو من محرقة هتلر، لنرتكب محرقة بحق شعب آخر! ولذلك يمكن القول بأن هشاشة النظام السياسي الإسرائيلي الصهيوني يكمن في التخفي وراء ستار من المزاعم الفكرية، وهذا أمر يشبه تمامًا هشاشة النظم المتأسلمة التي لا علاقة لها بالإسلام والتي سرعان ما يطويها الزمان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الوجود الإسرائیلی دولة إسرائیل وجود ا

إقرأ أيضاً:

ممنوع دخول اليهود (2)

في ظل الجرائم الحالية السافرة، التي يقوم بها العدو الصهيوني الآن، وحرب الإبادة والتجويع التي يقترفها في غزة، يعيش الصهاينة في عزلة تامة بين دول العالم؛ شرقه وغربه. وأصبحت دولتهم منبوذة من الجميع عدا بعض الأروقة السياسية الغربية البراغماتية، التي تدعمها، أو بعض العنصريين الذين يفتقدون أدنى درجات الإنسانية. بل يمكن القول: إن التيار السياسي في العالم بدأ يرضخ للرأي الشعبي العام، في الشوارع والميادين والجامعات الغربية في أمريكا وبريطانيا وغيرهما، الذي يشجب ويستنكر ويطالب بإيقاف هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في غزة. ليس لهذا الهياج الجنوني والرغبة في التدمير والقتل أي تفسير سوى أن هؤلاء الصهاينة يعيشون أقصى درجات الهلع والخوف، وإدراكهم أن مقاومة الفلسطينيين لهم ستستمر إلى ما لا نهاية، حتى مع وجود هذا التدمير والقتل في غزة، وأن الإحساس بالأمن في هذا المكان، الذي لا يبدو أنه يناسب وجوههم، قد ذهب إلى غير رجعة. ربما أدركوا أن مكانهم وراء البحر وليس دونه. بل إن لعنة الجريمة التي اقترفوها تطاردهم وراء البحر أيضاً، وخير مثال على هذا الرفض العام لهم؛ ما حدث هذا الأسبوع لفنانين يهوديين؛ ألغيت عروضهما في مهرجان أدنبرة 2025 في اسكتلندا قبل إقامته بأسبوعين.
ربما تكون عبارة”ممنوع دخول اليهود” هي النصيحة الأفضل لأي تجمّع غربي أو مهرجان عام؛ فالسخط الشعبي على هذا الكيان الصهيوني يزداد يومًا بعد يوم، مع استمرار جيش العدو في الأرض العربية. الشيء الذي يبعث على الأمل في وجود بعض الإنسانية لدى بعض شعوب العالم الغربي؛ مثل اسكتلندا وإيرلندا، هو السبب في طرد هذين الصهيونيين الذي أعلنه مسؤولو المهرجان وهو أنهما- أي الممثلين- قد قدّما في عرض سابق لهما”وقفة تضامنية” لجنود الجيش الصهيوني. احتج الممثلان الصهيونيان على هذا الأمر، وقالا: إن عروضهما ليست سياسية، وإنما فقط سيقدّمان موضوعًا يتعلّق بالأمومة في نكهة ثقافية يهودية! كما تم إلغاء عرض آخر في مكان آخر من اسكتلندا لذات السبب أيضًا، وخوفًا من غضب الجمهور الذي لن يسمح بتواجد هذا الممثّل، الذي يدعم الكيان الصهيوني في حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الشرق، تحديدًا في كوريا الجنوبية، اقتحم ناشطون كوريون مؤيدون لفلسطين مطعمًا كان يتناول فيه السفير الإسرائيلي في كوريا الجنوبية العشاء مع أفراد من عائلته، موجهين له تهمًا تتعلق بالإبادة الجماعية، وأنه- أي السفير- شريك في هذه الجريمة. تدخّل شرطي كوري وغادر المحتجون- الذين كان بعضهم يلبس الكوفية الفلسطينية- المكان دون أي اعتقالات.
لم تعد دعاوى مصطلح”معاداة السامية” التي تشدّق بها هذا السفير تجدي نفعًا في تحسين صورة هذا الكيان المنبوذ، وأصبح الإعلام أمام حقائق واضحة، وهي أن الفلسطينيين لن يتوقفوا في مقاومة هذا الكيان السرطاني، الذي أرسلته أوروبا إلى الأرض العربية؛ رغم أنه لا علاقة له بالأرض، أو الناس الذين يسكنون بها.

khaledalawadh @

مقالات مشابهة

  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • من الملفات البيضاء إلى التواقيع السوداء.. شبكة الأراضي تكشف هشاشة الإدارات المحلية
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • ممنوع دخول اليهود (2)
  • تكلفة الصاروخ الواحد 12.7 مليون دولار.. صراع إسرائيل وإيران يكشف هشاشة ترسانات الدفاع الأمريكي
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: وضع إسرائيل في انهيار ويجب تغيير الحكومة المدمرة في أسرع وقت ممكن
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • مئات الحاخامات اليهود يطالبون إسرائيل بوقف التجويع وقتل المدنيين