لجريدة عمان:
2025-12-12@22:42:49 GMT

غيظ الدُّخلاء

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

إن إحدى أفدح الأخطاء التي ارتكبتها بصفتي صحفيا كان التقليل من شأن خيرت فيلدرز، الذي يشغل الآن منصب الزعيم (والعضو الرسمي الوحيد) لأشهر حزب سياسي في هولندا، وربما يكون أول رئيس وزراء يميني متطرف عرفته بلاده.

في عام 2005، أجريتُ مقابلة مع فيلدرز عن اغتيال صانع الأفلام، تيو فان غوخ، لتضمينها في كتاب ألفته بعنوان: Murder in Amsterdam (جريمة قتل في أمستردام).

وآنذاك، لم يظهر بعد إلى حيز الوجود حزب الحرية، الذي أسسه فيلدرز في عام 2006. ولكنني كنت مهتمًا بآراء ناقد صريح للإسلام وللمهاجرين ذوي الخلفية المسلمة. وبصراحة، كنت أظن أنه شخص انطوائي، بدون مستقبل سياسي، لذا لم أقتبس أقواله في كتابي.

وكما هو الشأن مع معظم الناس، لفت انتباهي تسريحة شعره الغريبة نوعاً ما. ما الذي يمكن أن يجعل رجلا ناضجا وعضوا في البرلمان يرغب في صبغ شعره الأسود الكثيف السليم بلون أشقر بلاتيني؟ وفي الواقع، تبين أنه كان رائدا إلى حد ما في هذه المسألة. فقد أظهرت النجاحات اللاحقة لدونالد ترامب، وبوريس جونسون، أهمية التوسيم المرئي، وامتلاك صورة غريبة تعززها زراعة تسريحات شعر غريبة. (ربما كان شارب هتلر الذي كان على شكل فرشاة أسنان، أو حتى تسريحة شعر نابليون الممشوط إلى الجانب، نذيرا لذلك. ( ومع ذلك، هناك تفسير آخر محتمل لشعر فيلدرز. في عام 2009، جادلت الأنثروبولوجية الهولندية والخبيرة في شئون إندونيسيا، ليزي فان ليوين، بأن فيلدرز ربما كان حريصًا على إخفاء جذوره الأوراسية. فقد كان جزءا من هوية جدته من ناحية الأم على الأرجح إندونيسيا. وكان على جده وجدته ترك جزر الهند الشرقية الهولندية بعد اتهامات بالفساد المالي.

وطبعاً، لا ينبغي أن نلوم فيلدرز على أي من هذه الأمور. فالأصول العرقية قد لا تكون تفسيرا لأي شيء. ولكن هناك تاريخ من المشاعر اليمينية المتطرفة المناهضة للمسلمين بين الأوراسيين في مستعمرات الهند الشرقية الهولندية السابقة، التي قد تساعد في وضع سياسته في سياقها. ولم يحظ الأوراسيون، أو الإندوس كما كان يطلق عليهم، بقبول كامل من جانب الإندونيسيين أو الاستعماريين الهولنديين. فقد ولدوا غرباء. وغالبًا ما كان يتوق أكثرهم تعليما لأن يصبحوا من الداخل. وعادة ما كانت نتيجة هذا التوق هي النفور من الإسلام، التي كانت ديانة الأغلبية في الهند الشرقية الهولندية، واعتناق القومية الهولندية المتطرفة.

وخلال الثلاثينيات من القرن العشرين، كان لكثير من أعضاء الحزب النازي الهولندي في المستعمرة خلفية أوراسية. وأشارت فان ليوين، أن الحزب مَكّن الإندوس من أن يكونوا « قوميين أكثر من الهولنديين».

وقد لا يكون فيلدرز فاشيًا، ولكن هوسه بالسيادة، والانتماء الوطني، والنقاء الثقافي والديني له تاريخ طويل بين الدخلاء. إذ غالبًا ما يظهر القوميون المتطرفون من الهامش- نابليون من كورسيكا، وستالين من جورجيا، وهتلر من النمسا. وأولئك الأشخاص الذين يتوقون لأن يصبحوا من الداخل غالبًا ما يصبحون أعداء لدودين للأشخاص الذين هم أبعد من المِحور مما هم عليه. إن فيلدرز ليس حالة نادرة، حتى في هولندا. ففي عام 1980، أسس هنري بروكمان حزب المركز الهولندي اليميني المتطرف لمعارضة الهجرة، وخاصة هجرة المسلمين. وكان بروكمان أيضًا له خلفية أوراسية، شأنه في ذلك شأن سياسية أخرى يمينية، ريتا فيردونك، التي أسست حزبthe Proud of the Netherlands ( فخور بهولندا)، في عام 2007. إن السياسي الذي يمكن أن يقارن مقارنة مُجدية مع فيلدرز هي وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافيرمان. إذ نظرا لكونها طفلة لمهاجرين- من والدين عاشا غريبين مرتين، أولاً كمواطنين من جنسية هندية في أفريقيا، ثم كهنديين من أفريقيا في بريطانيا- قد يبدو كرهها للمهاجرين واللاجئين الذين تصفهم بـ»غزاة» المملكة المتحدة أمرًا محيرًا. ولكن في حالتها أيضًا، قد يكون للحنين إلى الانتماء دور في سياستها. إن دخول برافيرمان إلى المؤسسة البريطانية وصعودها داخل حزب المحافظين يُظهر أن بريطانيا أصبحت أكثر انفتاحًا على الأجانب. ولكن ما لا يستحق الثناء هو أن وجهات نظرها اليمينية المتشددة بخصوص الهجرة أصبحت سائدة في السياسة المحافظة، أو أن المحافظين ذوي البشرة البيضاء كانوا سعداء باستخدام ابنة طموحة لأبوين مهاجرين في الترويج لأجندة معادية للهجرة- على الأقل حتى أصبح خطابها الناري محرجًا للغاية. وحتى وقت قريب نسبيًا، كانت الأحزاب والسياسيون القوميون المتطرفون يُهمشون من الأحزاب المحافظة الرئيسية، أو يُطردون، كما حدث في عام 1968 مع إينوخ باول، السياسي البريطاني الذي تنبأ بأن الهجرة غير البيضاء ستؤدي إلى «أنهار من الدم». وكانوا يُعاملون على أنهم سياسيون دُخلاء، بغض النظر عن خلفياتهم العائلية. ومع ذلك، كان هذا بالضبط ما يجذب العديد من الناخبين المحبطين. لقد استفاد داعمو البريكسيت وترامب من هذا في عام 2016، ويستفيد فيلدرز منه اليوم. ولكن، لم تكن لِتحدث هذه النتائج لولا التشاؤم الذي أظهرته الأحزاب المحافظة التقليدية على مدى العقود القليلة الماضية. وخوفًا من فقدان ناخبيها لصالح اليمين المتطرف، استرضت أحكامهم المسبقة في حق الأجانب مفادها أنهم «متطفلون»، وأنهم يشكلون تهديدا «للقيم اليهودية المسيحية»، ولأهل المدينة «المنفتحين»، أو أنهم «أشخاص قادمون من مكان مجهول». ولكن ذلك كان مجرد خطابات في الغالب، واستمرت الأحزاب المحافظة في خدمة مصالح الأغنياء والشركات الكبرى. ولم يزد هذا إلى من غضب الأشخاص الذين شعروا أنهم يُعاملون وكأنهم غرباء، وأرادوا شخصًا من الخارج للإطاحة بالنظام القديم. وفي الماضي، تعاملت الأحزاب المحافظة في هولندا، مثل حزب الشعب من أجل للحرية والديمقراطية، مع هذه المشكلة بالرفض القاطع لتقاسم الحكم مع متطرفين مثل فيلدرز. وكان حزب الشعب من أجل للحرية والديمقراطية يدعم الانفتاح الدولي، والاتحاد الأوروبي، والدعم العسكري لأوكرانيا، وإجراءات التعامل مع تغير المناخ. وكان فيلدرز معارضًا لكل هذه القضايا. إن ما تغير هو أن حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الهولندي، الذي كان يأمل أن يحمي جناحه اليميني، اتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه الهجرة، وألمح إلى أن تقاسم الحكم مع الدخلاء الغاضبين قد يكون ممكنًا على أي حال (موقف تم التراجع عنه الآن، لكن إلى متى سيستمر ذلك التراجع؟). والآن، وبعد أن فسح المجال للغرباء، وتحولت الهجرة إلى قضية انتخابية، استطاع فيلدرز الفوز بأغلبية ساحقة. إن المفارقة في هذه الأحداث المؤسفة هي أن ديلان يشيلغوز، زعيمة حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية التي سمحت بحدوث هذا، وُلدت في أنقرة لأم تركية وأب كردي. وهي تنتمي بالتحديد لتلك الفئة من المواطنين الهولنديين التي أقسم فيلدرز على القضاء عليها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأحزاب المحافظة ما کان فی عام

إقرأ أيضاً:

الفرق بين الورم والسرطان.. ما الذي يجب معرفته؟

يمكن أن يظهر الورم في أماكن متعددة مثل الدهون والعضلات والعظام والأعصاب والغدد. لكن ليس كل ورم سرطاني، ولا كل سرطان يظهر على شكل ورم.

غالبًا ما يختلط على كثيرين، وحتى على بعض العاملين في المجال الطبي، الفرق بين "الورم" و"السرطان"، ما يؤدي إلى ارتباك في فهم الحالة الصحية للمرضى. ففي بعض الأحيان يستخدم الأطباء مصطلحات مثل ورم، كتلة، آفة أو بقعة للتخفيف من وقع الخبر، بينما يقصدون السرطان فعليًا.

ما هو الورم؟

يعرف قاموس أكسفورد الورم بأنه "أي انتفاخ غير طبيعي في أي جزء من الجسم أو عليه".

ويمكن أن يظهر الورم في أماكن متعددة مثل الدهون والعضلات والعظام والأعصاب والغدد. لكن ليس كل ورم سرطاني، ولا كل سرطان يظهر على شكل ورم. فهناك أورام حميدة لا تشكل خطورة عادة، مثل: الدهون تحت الجلد (Lipomas)، والأورام الدموية (Hemangiomas)، التي تظهر غالبًا كبقع حمراء أو أرجوانية على الجلد.

وفي المقابل، بعض الأورام الحميدة قد تسبب مشاكل بسبب موقعها، مثل:الألياف الرحمية (Uterine fibroids) التي تؤدي إلى نزيف حاد أثناء الدورة الشهرية، وأورام الغدة النخامية الحميدة (Pituitary adenomas) التي قد تفرز هرمونات بكميات مفرطة.

ورغم أنها ليست سرطانية، قد تكون هذه الأورام خطيرة أحيانًا ويُنصح بإزالتها جراحيًا.

ما هو السرطان؟

ينشأ السرطان عندما تطرأ تغييرات جينية على الخلايا الطبيعية، تُعرف بالتحولات أو الطفرات، مما يسمح لها بالانفلات من الرقابة الطبيعية للجسم.

Related نتائج واعدة.. هل تغيّر الجسيمات المعدنية مسار علاجات السرطان؟قفزة علمية: تقنية تُحوِّل دواءً عادياً إلى قاتلٍ خارق للخلايا السرطانيةاكتشاف طبي جديد.. تجارب تُظهر إمكانية دفع الخلايا السرطانية إلى الموت الذاتي

وتتميز الخلايا السرطانية بعدة خصائص، أبرزها: النمو غير المنضبط، ومقاومة جهاز المناعة، والقدرة على غزو الأنسجة المحيطة (الانتشار الموضعي) ،والانتقال إلى أجزاء أخرى من الجسم (النقائل أو Metastasis).

وبهذا، يُميز السرطان عن الورم الحميد، فالخلايا السرطانية خبيثة وقد تشكل تهديدًا لحياة المريض. وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم (Leukemia)، لا تتشكل على هيئة كتلة صلبة.

كيف يتم اكتشافهما؟

قد يلاحظ المريض وجود كتلة أو تورم، أو يظهر أثناء الفحوصات الطبية لأعراض معينة مثل صعوبة البلع. تختلف الأعراض بحسب مكان الورم أو نوع الخلايا المكونة له، فمثلاً أورام الجهاز الهضمي قد تسبب انسدادًا يؤدي إلى مشاكل في الهضم.

ويُستخدم التصوير الطبي مثل الموجات فوق الصوتية، الأشعة المقطعية (CT)، أو الرنين المغناطيسي (MRI) لتقييم الورم. كما يمكن أخذ عينة من النسيج للفحص المجهري لتحديد ما إذا كان الورم حميدًا أم خبيثًا.

كيف يُعالج الورم والسرطان؟ ولماذا يجب استخدام المصطلحات الصحيحة؟

يمكن أن يكون العلاج متشابهًا في بعض الحالات، مثل إزالة الورم السحائي في المخ أو سرطان الجلد القاعدي. لكن السرطان غالبًا ما يتطلب علاجًا أكثر تعقيدًا وسرعة، لأنه قد ينتشر ويشكل خطرًا على الحياة.

وتشمل خيارات العلاج أحيانًا: الجراحة، العلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي أو العلاجات الجهازية الأخرى التي تؤثر على الجسم بأكمله.

ويسبب استخدام الكلمات بشكل خاطئ ارتباكًا لدى المرضى. فكلمة "سرطان" قد تحمل دلالات سلبية مرتبطة بالمرض والموت، بينما بعض أنواع السرطان لها فرص شفاء جيدة.

وقد أظهرت الدراسات أن أقل من نصف المرضى يفهمون أن مصطلح "ورم" قد يشير إلى السرطان إذا استخدمه الطبيب كطريقة للتلطيف.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • نحن نعمل للسلام ولكن مستعدون للحرب.. عمرو أديب: الطائرات المسيرة تغيّر معادلة الردع
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط
  • رأي إردام أوزان يكتب: الاقتصاد السياسي.. معركة قائمة بلا رايات ولكن بعواقب وخيمة
  • حنان يوسف تنضم إلى مسلسل أب ولكن .. رمضان 2026
  • الفرق بين الورم والسرطان.. ما الذي يجب معرفته؟
  • من الذي فتح باب حمام الطائرة الرئاسية رغمًا عن ترامب «فيديو»
  • العثور على جثمان الطفل الذي جرفته السيول في كلار
  • مدبولي: من حق المواطن أن ينتقد ولكن ليس حقه الترويج لأكاذيب
  • جيرارد: صلاح أخطأ ولكن ليفربول مازال بحاجة له