FP: الأردن أمام موازنة صعبة في حرب غزة بين شارع غاضب والعلاقة مع أمريكا
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
قالت مجلة فورين بوليسي، إن الغضب يتصاعد في الشارع الأردني، نتيجة استمرار العدوان على قطاع غزة، وسط مطالبات بوقف إطلاق النار وحماية الفلسطينيين.
ونقلت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21" عن المحتجة الأردنية سعاد باكير على الخطوط الأمامية للتظاهرات التي تخرج بالآلاف في شوارع عمان: "نريد وقفا فوريا لإطلاق النار يتم تدمير المستشفيات، يتم قتل جميع جوانب الحياة.
وقالت مجموعة من الشباب خلال مظاهرة في تشرين أول/أكتوبر بعد أن قطعت إسرائيل جميع الإمدادات عن غزة: "لا وقود ولا كهرباء ولا طعام ولا ماء وغزة هي الإرهابية؟".
مع تنامي الأزمة الإنسانية في غزة، يتزايد الغضب في شوارع الأردن. وبالإضافة إلى الاحتجاجات الحاشدة كل يوم جمعة، كانت هناك مظاهرات يومية بالقرب من السفارة الإسرائيلية وعدة احتجاجات بالقرب من السفارات الغربية وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. فالأردنيون لا يشجبون القصف المتواصل لغزة فحسب، بل يشجبون أيضا العلاقات الدبلوماسية التي تربط حكومتهم بالاحتلال، والدعم الذي لا يتزعزع من زعماء الغرب لإسرائيل.
وقالت المجلة، "لقد وضع الغضب الشعبي من مختلف ألوان الطيف السياسي الحكومة الأردنية، التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية، في موقف صعب: يواجه النظام الملكي الأردني الآن التحدي المتمثل في الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الذي يتعامل فيه أيضا مع الاضطرابات الداخلية المتزايدة".
وولفتت إلى أن العلاقة توترت أكثر في العام الماضي عندما شكل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وتضم هذه الحكومة شخصيات مثل وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير، الذي دعا إلى تغيير الاتفاق طويل الأمد الذي يحكم الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس الواقعة تحت الوصاية الأردنية. وبعد الانتخابات الإسرائيلية، حذر العاهل الأردني عبد الله الثاني إسرائيل من تجاوز ما أسماه "الخطوط الحمراء" ومحاولات تقويض "الدور الخاص" للأردن في الأماكن المقدسة في القدس التي اعترفت بها إسرائيل في معاهدة عام 1994.
منذ اندلاع العدوان، اتخذ المسؤولون الأردنيون موقفا علنيا قويا ضد الاحتلال بحسب المجلة، واتهموا إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحاولوا تأمين المساعدات الإنسانية لغزة. وفي الشهر الماضي، ندد الملك عبد الله بالعدوان ووصفه بأنه "عقاب جماعي لشعب محاصر وعاجز وانتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي". وانتقد الملك أيضا عدم رغبة الغرب في الدعوة إلى إنهاء الأعمال العدائية، قائلا إن حياة الفلسطينيين تبدو "أقل أهمية من حياة الإسرائيليين".
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن إسرائيل تجاوزت "كل الخطوط الحمراء القانونية والأخلاقية والإنسانية". كما انتقد التطبيق الانتقائي للقانون الدولي. وقال في قمة أمنية عقدت في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر: "إذا قامت أي دولة أخرى في العالم بجزء مما فعلته إسرائيل، فسوف يتم فرض عقوبات عليها من كل ركن من أركان العالم". وقال إن الأحداث في غزة "يجب أن تصنف على أنها إبادة جماعية".
وبحسب المجلة، فإن الأردن، يشعر بقلق خاص بشأن تهجير قسري للفلسطينيين، وعند قيام دولة الاحتلال، جرى تهجير مئات آلاف الفلسطينيين، ولم يسمح لهم بالعودة، ولجأ الكثير منهم إلى الأردن، وبات موطنا لأكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مسجلين فيه ونصف السكان من أصل فلسطيني.
ومع نزوح 1.7 مليون فلسطيني – أكثر من نصف سكان غزة – داخل القطاع المحاصر، وتصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، تتزايد المخاوف من موجة أخرى من اللاجئين. وقال الملك عبد الله إن طرد الفلسطينيين سيكون "خطا أحمر". وحذر رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة من أن النزوح الدولي سيكون بمثابة "إعلان حرب"، وأعلن أن الجيش الأردني يعزز وجوده على طول حدوده.
وقد رافقت بعض التغييرات السياسية الخطاب الأردني. وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر، ألغى الملك عبد الله قمة في عمان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد انفجار في المستشفى الأهلي العربي في غزة أدى إلى مقتل مئات الأشخاص وأثار غضبا عالميا. كما استدعى الأردن سفيره من إسرائيل وطلب من السفير الإسرائيلي في عمان البقاء خارج البلاد بعد أن أصابت الغارات الجوية الإسرائيلية مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان، وهو الأكبر في غزة. وقال الصفدي إن عودة السفير ستعتمد على "وقف إسرائيل لحربها على غزة" وحذر من احتمال انتشار الحرب في جميع أنحاء المنطقة.
وبعد يوم من غارة جوية إسرائيلية أدت إلى إصابة سبعة موظفين في مستشفى ميداني أردني في غزة يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن الصفدي أن الأردن لن يوقع صفقة لتوفير الطاقة الشمسية لإسرائيل مقابل المياه المحلاة. وتساءل: "هل يمكنك أن تتخيل وزيرا أردنيا يجلس بجانب وزير إسرائيلي للتوقيع على اتفاقية المياه والكهرباء بينما تواصل إسرائيل قتل الأطفال في غزة؟".
وكان المتظاهرون الأردنيون يضغطون على حكومتهم لإلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة منذ الإعلان عنها في عام 2021. وقد حثت حملة شعبية تسمى "أنا لا أدفع" الأردنيين على مقاطعة فواتير الكهرباء والماء احتجاجا على الصفقات مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاق عام 2016 الذي وافقت بموجبه الحكومة الأردنية - بعيدا عن التدقيق البرلماني أو العام - على دفع 10 مليارات دولار لإسرائيل مقابل إمدادات الغاز على مدى 15 عاما.
ولكن مع قيام إسرائيل بقطع المياه والوقود والكهرباء عن غزة، زاد قلق العديد من الأردنيين بشأن مخاطر منح إسرائيل السيطرة على قطاع رئيسي. وظهر المثل العربي "الدم لا يصبح ماء" على اللافتات والملصقات في جميع أنحاء عمان للتنديد بالصفقة باعتبارها خيانة للقضية الفلسطينية.
ويريد العديد من المتظاهرين من الحكومة أن تفعل المزيد. بالنسبة لهشام البستاني، الكاتب والناشط الأردني الذي ساعد في تنظيم حملة وطنية ضد واردات الغاز الإسرائيلي، فإن عدم التوقيع على صفقة المياه مقابل الطاقة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس كافيا. وقال: "إننا نطالب بفك الارتباط الكامل مع إسرائيل، ووضع حد لتحويل مليارات أموال دافعي الضرائب الأردنيين إلى الحرب الإسرائيلية واقتصاد الاحتلال من خلال صفقات الغاز".
إن إنهاء جميع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل هو مطلب أساسي للعديد من المتظاهرين. وفي اليوم الذي أعلن فيه الأردن أنه سيستدعي سفيره لدى إسرائيل، تجمع المتظاهرون بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان، وهم يهتفون: "هذا ليس كافيا".
ولا تحظى علاقة النظام الملكي بإسرائيل بشعبية كبيرة بين الأردنيين، حيث يشعر الكثير منهم أن الشراكة تخدم النخبة الأردنية في المقام الأول. وقال طارق التل، خبير الاقتصاد السياسي الأردني الذي يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت: "لم يستفد السكان من الأمر بشكل عام. وهناك الكثير من التساؤلات حول البنية الكاملة للاقتصاد السياسي للنظام لأنه يخلق المزيد من عدم المساواة".
ويرى العديد من الأردنيين أن التطبيع مع إسرائيل وسياسة النظام الملكي المتحالفة مع الولايات المتحدة مرتبطان بالإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية وسياسات التقشف التي أضعفت الحماية الاجتماعية. حتى قبل الحرب، أدى تدهور الاقتصاد، ومعدل البطالة الذي بلغ 23%، والفساد الملحوظ، إلى تأجيج السخط الشعبي المتزايد في جميع أنحاء البلاد، وهو ما ردت عليه السلطات بزيادة القمع.
وندد المتظاهرون على نطاق واسع بالولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى لتواطؤها في الهجوم الإسرائيلي، بينما يواصل الغرب تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لإسرائيل. ويتم التعبير عن مشاعر قوية مناهضة للولايات المتحدة في كل مظاهرة. إحدى اللافتات التي تم رفعها خلال احتجاج بالقرب من السفارة الأمريكية في عمان الشهر الماضي وصفت بايدن ونتنياهو بأنهما "مجرما حرب" و"شركاء في الجريمة". وجاء في آخر: "لن ننسى جرائم الحرب في غزة التي ترعاها الولايات المتحدة".
والأردن، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، هو ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل، حيث يتلقى 1.45 مليار دولار سنويا. إن اعتماد المملكة الهاشمية على واشنطن يثير تحديات داخلية. وقال التل: "كان رد الفعل في الغرب داعما بشكل موحد تقريبا لإسرائيل. إنه يفتح أسئلة محرجة حول ما يفعله الأردن كنظام ملكي موالي للغرب. … النظام على حبل مشدود، وسيكون من الصعب الهبوط بسلام".
بينما ترسل واشنطن سفنا حربية وطائرات مقاتلة إلى الشرق الأوسط لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، يطالب العديد من المتظاهرين بإنهاء التعاون العسكري الأردني مع الولايات المتحدة. وفي عام 2021، سمحت اتفاقية الدفاع الأمريكية الأردنية للقوات والطائرات والمركبات الأمريكية بالدخول المجاني إلى الأراضي الأردنية، ومنحت ما يقدر بنحو 3000 جندي أمريكي متمركزين في قواعد في البلاد حصانة من المحاكم الأردنية.
وقال البستاني إن هذه الصفقة، التي كانت مثيرة للجدل إلى حد كبير في الأردن، "ترقى إلى وضع الأردن تحت الانتداب الأمريكي وتسهل استخدام الأردن كقاعدة عسكرية لدعم الخطط الأمريكية لإعادة ترتيب المنطقة".
لكن جيليان شويدلر، عالمة السياسة في كلية هانتر بجامعة مدينة نيويورك، قالت إن اعتماد النظام الملكي الأردني على الأموال الأمريكية يعني أنه من غير المرجح أن يخاطر بالعلاقات الثنائية، وأضافت: "سوف يعبرون عن غضبهم، لكنهم لن يعرضوا العلاقة للخطر".
ومع تصاعد الضغوط الداخلية، كثفت الحكومة جهودها لاحتواء الغضب الشعبي. ومنعت المظاهرات أو التجمعات في وادي الأردن وبالقرب من المناطق الحدودية. وفي عمان، أطلقت القوات الأردنية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام السفارة الإسرائيلية، وأغلقت الطرق، ومنعت المتظاهرين من الوصول إلى السفارة الأمريكية والسفارات الأوروبية.
وتم اعتقال العديد من المتظاهرين بتهم التجمع غير القانوني، والتخريب، والإخلال بالنظام العام، والاعتداء على رجال الأمن والموظفين العموميين. وطالب المتظاهرون بالإفراج عن جميع المعتقلين، مرددين "كفى اعتقالات" في الشوارع.
ومع ذلك، سمحت الحرب بظهور شارع موحد. وقال التل: "الأردنيون يدعمون غزة مثلهم مثل الفلسطينيين. هناك خطاب قومي متماسك قادر على التغلب على الانقسام المجتمعي الذي يلعب عليه النظام عادة". وقال إن الاستمرار في العمل دون أخذ الرأي العام في الاعتبار "قد يشكل خطرا على النظام الحالي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الاحتلال الاردن امريكا غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة النظام الملکی من المتظاهرین مع إسرائیل بالقرب من العدید من عبد الله فی عمان فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما مدى نجاسة بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه عندي قطة أقوم بتربيتها، وقد درَّبتها على قضاء حاجتها في مكان مخصص، ولكنها عند خروجها من هذا المكان تقوم بتلويث البيت من أثر قدميها؛ فما مدى نجاسة بول القطة، وما حكم الصلاة في البيت حينئذٍ؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة:القطط الأليفة حيوانٌ طاهر عند عامة الفقهاء، يجوز حيازته واقتناؤه وتملُّكه.
وبول القطط وروثها نجسٌ، ويجب غَسْل الموضع الذي أصابه البول من الثوب أو البدن إذا علمه السائل، وفي حالة تيقُّن وجود النجاسة في قَدَم القطة وانتقالها: فيجوز العمل بمذهب الحنفية، فعندهم إذا كان الشيء المتنجِّس جافًّا، وكانت اليد أو القدم أو الثوب مثلًا هي المبتلة، فإن ظهر فيها شيء من النجاسة أو أثرها تنجَّست، وإلا فلا، وإذا شقَّ على السائل إزالة النجاسة: فيجوز له العمل بمذهب المالكية؛ حيث إنَّ إزالتها سُنَّة عندهم.
والأولى والأحوط لأمر صلاتك: أن تُخصِّص لك مكانًا للصلاة لا تدخله القطة؛ احترازًا وتجنُّبًا لروثها لا لذاتها.
طهارة القطط الأليفة وحكم اقتنائها وتملكها
وأوضحت ان القطط الأليفة، أو الهرة الأهلية "المستأنسة" هي: حيوانٌ طاهر عند عامة الفقهاء، يجوز حيازته واقتناؤه وتملُّكه؛ وممَّا يدلُّ على طهارة القطط: ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنهما، وكانت عند ابن أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّ أبا قتادة دخل عليها، قالت: فسكبت له وَضوءًا. قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ» رواه الترمذي في "السنن"، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتابعين ومن بعدهم مثل: الشافعي، وأحمد، وإسحاق: لم يروا بسؤر الهرة بأسًا، وهذا أحسن شيءٍ في هذا الباب.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» صريحٌ في إثبات طهارة القطط أو الهرة.
مدى نجاسة بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به
أمَّا بول القطط وروثها: فإنَّ المقرَّر شرعًا عند جمهور العلماء أنَّه نجس يجب التحرُّز منه، وتطهير مكان الصلاة منه؛ قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 220، ط. دار الفكر): [وفي "الخانية": أَنَّ بول الهرة والفأرة وخرأهما نجس في أظهر الروايات، يُفْسِد الماء والثوب] اهـ.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 160، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [والنجاسات: كل ما خرج من مخرجي بني آدم، ومن مخرجي ما لا يؤكل لحمه من الحيوان] اهـ.
وقال العلامة الدَّمِيري الشافعي في "النجم الوهاج" (1/ 410، ط. دار المنهاج): [فَبَوْلُ ما لا يؤكل لحمه نجس بالإجماع] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 64، ط. مكتبة القاهرة): [وما خرج من الإنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها من بول أو غيره فهو نجس] اهـ.
وبينت بناء على ذلك: إنَّ الموضع الذي أصابه البول أو الروث من الثوب أو البدن أو المكان إذا علمه السائل فالواجب عليه غسله بالماء الطاهر عند إرادة الصلاة؛ بأن تزال عين النجاسة أولًا، ثم يصب الماء على موضعها بحيث لا يبقى لها لونٌ أو طعمٌ أو رائحةٌ؛ وذلك لما هو مقرَّر أنَّ مِن شروط صحة الصلاة: طهارةَ الثِّياب والبدن والمكان، وقد نقل الإمام ابن عبد البر المالكي الإجماع على ذلك. ينظر: "التمهيد" (22/ 242، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب).
وتابعت:أمَّا إذا لم يعلمه السائل فينبغي أن يتحرَّى الموضع ويغسله؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 31، ط. المكتب الإسلامي-بيروت): [الواجب في إزالة النجاسة: الغسل] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (1/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [واحتجُّوا بإجماع الجمهور الذين هم الحجة على من شذَّ عنهم، ولا يُعدُّ خلافهم خلافًا عليهم: أنَّ من صلَّى عامدًا بالنجاسة يعلمها في بدنه أو ثوبه أو على الأرض التي صلَّى عليها، وهو قادرٌ على إزاحتها واجتنابها وغسلها، ولم يفعل وكانت كثيرة، أنَّ صلاته باطلة، وعليه إعادتها كمَن لم يصلِّها، فدلَّ هذا على ما وصفنا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغسل النجاسات، وغسلها له من ثوبه، على أنَّ غسل النجاسة فرض واجب] اهـ.
وأضافت: فى حالة عدم التيقُّن من انتقال النجاسة إلى المكان أو الفرش فهو طاهر؛ عملًا بالأصل الذي هو الطهارة، ولأنَّ الأعيان لا تتنجَّس بالشك، وينبغي على السائل طرح هذا الشك وعدم التفكير فيه؛ دفعًا للوسواس.
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (1/ 86، ط. دار المعرفة): [(ومَن شكَّ في الحدث فهو على وضوئه، وإن كان محدثًا فشكَّ في الوضوء فهو على حدثه؛ لأنَّ الشك لا يعارض اليقين، وما تيقَّن به لا يرتفع بالشك)] اهـ.
وجاء أيضًا فيه (1/ 85): [(ومن سال عليه من موضع شيء لا يدري ما هو فغسله أحسن)؛ لأنَّ غسله لا يريبه، وتركه يريبه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، فإنْ تركه جاز؛ لأنَّه على يقين من الطهارة في ثوبه، وفي شك من حقيقة النجاسة، فإن كان في أكبر رأيه أنَّه نجس غسله؛ لأنَّ أكبر الرأي فيما لا تعلم حقيقته كاليقين، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ تَعَالَى»] اهـ.
وقال الشيخ الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (1/ 166، ط. دار الفكر): [الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ، فَمَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَا يَعْلَمُهَا يَقِينًا: يُصَلِّي بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالِاشْتِبَاهِ إلَى تَقْدِيرِ النَّجَاسَاتِ] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 45، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن شكَّ في نجاسة ماء أو غيره)؛ كثوب أو إناء (ولو) كان الشك في نجاسة ماء (مع تغيُّر) الماء بنى على أصله، لحديث: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، والتغيُّر يحتمل أن يكون بمكثه أو نحوه، (أو) شكَّ في (طهارته) وقد تيقَّن نجاسته قبل ذلك (بنى على أصله) الذي كان متيقَّنًا قبل طروء الشك؛ لأنَّ الشيء إذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها ووجود الأخرى، وبقاؤها وبقاء الأُولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء، فيكون أيسر من الحديث وأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب] اهـ.
أمَّا في حالة تَيَقُّن وجود النجاسة في قَدَم القطة وانتقالها، فيجوز العمل بمذهب الحنفية، فعندهم إذا كان الشيء المتنجِّس جافًّا، وكانت اليد أو القدم أو الثوب مثلًا هي المبتلَّة: فإن ظهر فيها شيءٌ من النجاسة أو أثرها تنجَّست، وإلَّا فلا.
قال الإمام الحصكفي في "الدر المختار" (1/ 345، ط. دار الفكر): [نَامَ أو مَشَى على نجاسة، إن ظهر عينها تنجَّس وإلَّا لا] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحشِّيًا عليه: [قوله: (نام) أي: فَعَرِقَ، وقوله: (أو مَشَى) أي: وقدمه مُبْتَلَّةٌ. قوله: (على نجاسة) أي: يَابِسَةٍ؛ لما في "متن الملتقى"، لو وضع ثوبًا رطبًا على ما طِينَ بِطِينٍ نجس جاف لا ينجس، قال الشارح: لأنَّ بالجفاف تنجذب رطوبة الثوب من غير عكس، بخلاف ما إذا كان الطين رطبًا. اهـ. قوله: (إن ظهر عينها) المراد بالعين ما يشمل الأثر؛ لأنَّه دليل على وجودها، لو عبَّر به كما في "نور الإيضاح" لكان أولى] اهـ.
وإذا شُقَّ على السائل إزالة أثر النجاسة فيجوز له العمل حيئنذٍ بمذهب المالكية؛ حيث إنَّ إزالة النجاسات عن ثوب المصلِّي، أو بدنه، أو مكانه سُنَّة عندهم على أحد القولين في المذهب.
قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 66، ط. دار المعارف): [إزالة النجاسة واجبة إن ذَكَرَ وَقَدَرَ هو أحد المشهورَيْن في المذهب. وعليه: فإن صلَّى بها عامدًا قادرًا على إزالتها أعاد صلاته أبدًا وجوبًا؛ لبطلانها. والمشهور الثاني أنَّ إزالتها سنة إن ذكر وقدر أيضًا، فإن لم يذكرها أو لم يقدر على إزالتها أعاد بوقت كالقول الأول. وأمَّا العامد القادر فيعيد أبدًا، لكن ندبًا. فعلم أنهما يتَّفقان على الإعادة في الوقت ندبًا في الناسي وغير العالم، وفي العاجز، ويتفقان على الإعادة أبدًا في العامد الذاكر لكن وجوبًا على القول الأول، وندبًا على الثاني] اهـ.