Stephan Lessenich بقلم ستيفان ليسنِش1
تقديم وترجمة حامد فضل الله \ برلين

نُشر المقال بالعنوان أعلاه في الصحيفة الفرنسية لوموند ديبلوماتيك، النسخة الألمانية أبريل 2023.
إلى نص لوموند:
كان الأمر هكذا ذات مرّة: "الغرب" بعد الدمار الذي أحدثته الجيوش في الحرب العالمية الثانية، وبعد ما جلبته النازيّة من أضرار جسيمة على المدنية، منحت هذه الشيفرة الجيوستراتيجية لألمانيا الاتحادية ما بعد الفاشيّة، مأوى مرغوباً به للأخلاق السياسية.


لقد صار الغرب من الآن فصاعداً موطن الحريّة وملجأ الديمقراطية، ونتاجاً متفرعاً عن "الحرب الباردة" كما أحسّت بها أوروبا، رغم أنها في الصراعات المحلية بالوكالة كانت ساخنة جداً.
وصفت المجتمعات الرأسمالية الليبرالية نفسها دعائياً بصفة "العالم الأول" في فترة ثنائية القطبين والمنافسة بين النظامين في فترة ما بعد الحرب التي استمرت عقوداً، وهو وصف كان مشحوناً بالأيديولوجيا بصورة لا نظير لها في التاريخ.
وعند النهاية المؤقتة لهذه المنافسة، حين انهارت اشتراكية الدولة انهياراً ذاتياً، وصل غرور التحالف الأوروبي الأطلسي إلى ذروة الكمال. لقد انهزم الشرق. وأثبت التحالف الأوروبي الأطلسي جدارته، والذي لم يكن الأقوى اقتصادياً فحسب، بل كان الأكثر تقدماً في الثقافة والسياسة بالتكامل مع وجهه الأخلاقي. وبعد التلويح بإشارات النصر الذي انتهى في وقت ما في نهاية التسعينيات انخفضت السوية العاطفية للكلام عن "الغرب" لمدّة تقارب ربع القرن، واقتصرت على المستوى المنخفض للخطابات السياسية العامة أيام الأحد والكتابات التأملية لفلسفة الدولة، واستمر هذا حتى الرابع والعشرين من فبراير عام 2022.
منذ يوم الهجوم الروسي على أوكرانيا، شهد المركّب الجيوسياسي الذي يعود إلى زمن الاعتقاد بأنّ العالم مبني على ثنائية "أبيض-أسود" صحوة ما كان أحد بعد يعدها ممكنة. تتبع منذ ذلك اليوم وسائل الإعلام المختصّة في الشؤون السياسية بالكامل تقريباً تقليد "حداثة غربية" يحتفل به على أنّه، إمّا من منظور التاريخ العالمي أو تاريخ المدنية، وبجميع الأحوال هو فريد من نوعه، مشروع يجب الدفاع عنه. لقد ولدت ثقة العقل في نفسه وحوشاً (زومبيات). وفي عصر العولمة وما بعد الاستعمار عاد مفهوم "الغرب" إلى الحياة، وهو ما كان الناس يظنون أو يأملون أنّه مات، عاد أقوى من أي وقتٍ مضى. ومع ذلك فثمّة ما يدعم الرأي القائل إنّ هذا سيكون الوقفة الأخيرة أو الفصل الأخير من التوهم الغربي.
تشهد النسخة الألمانية من هذا الأداء، بخصوصيتها، والتي استمرت من أثني عشر إلى ألف عام، ومخالفة بالطبع "عن الثقافة الغربية". ولا تزال الرغبة في الابتعاد عنها الآن، أو على الأقل جعلها تبدو غير ذات صلة.
إن الرفاهيّة التي يدور النقاش حولها في هذا البلد، ينبغي أن تمثل أحلام التفوق لكلّ تلك الأمم، ألتي تعتبر نفسها أيضاً، جزءاً من هذا التراث العظيم لسعادة البشرية.
القاسم المشترك للخطاب الألماني حول "جوهر الغرب" وربطه بالذات، بشكل لا مثيل له. فالغرب نحن، ونحن في الغرب نقف مع الحداثة المتحققة، ومع أفضل تحقيق ممكن للدائرة المعيارية للحرية، المساواة والعدالة، ولا يتم تجاهل أي صورة نمطية لقائمة الاِنجازات الغربية، من التنوير إلى التماسك الاجتماعي، عندما يبرزها المثقفون المحليون في صيغة تثمينهم إلى نظامنا الاجتماعي.
الجانب المُظلم الآخر للحداثة الغربية، ذلك الذي انبثق من الغرب على مرّ القرون ولا يزال، من الاستغلال إلى تدمير البيئة، الذي يتجاهلونه عمداً، أو يحاولون التغطية عليه من خلال الادعاء بما هم مقدمين على إنجازه، ما يتخطى الخراب أو الدمار الذي انتجوه في مجرى استغلالهم للطبيعة والاِنسان،
"تجارة العبيد والعبودية، والإمبريالية والاستعمار، والعنصرية والشوفينية، و"سجل خطايا العالم" برمته، مما يجري الإقرار به في مجرى النقد الذاتي، وتسويق القدرة على التعلم المُنتظم، ويتخذون من انحرافات الحداثة الغربية عن مسارها، كباعث للتطور المؤسسي والنمو الأخلاقي. يمثل المؤرخ البارز
من مدينة ماينز أندرياس رودر الموقف السلطوي المحافظ في الخطاب الألماني المعاصر، الذي لا يقبل أي رأي آخر حول الحداثة الغربية ويدعو الغرب إلى العودة إلى "سياسة القوّة"، داخلياً وخارجياً، ويحذّر من العودة إلى سياسة التهدئة، ويرى أن الوقت قد حانَ إلى استخدام القوة العسكرية اللامحدودة، ليس ضدّ المُعتدي الروسي فحسب، بل لمواجه سياسة الهُوية اليسارية وإرهابي البيئة، للعدو الداخلي، الذي بعمل على تحطيم المجتمع البرجوازي.
مع هذه النسخة الجديدة لرؤية "المجتمع المُتشكل"، كما راه سابقاً الغرب الألماني المحافظ في سنوات الستينيات من القرن الماضي، ومُكملاً من خلال النزعة العسكرية الخالية من الهموم على المستوى الوطني والتاريخي، يتمتع رودر كمثقف بنفوذ بعيد المدى، باعتباره منشئ الجسور الفكرية داخل الوسط اليميني السلطويّ المعادي للديمقراطية، وكمعبر أفضل تعبير عن التحول العام في الخطاب ، ألذي بدأ يظهر لبعض الوقت.
إنّ ما يميّز نمط نقاش الخطاب - على الأقل في الوقت الحاضر- هو الموقف الليبرالي
الديمقراطي والحفاظ على دلالات مشتركة بطريقة غريبة تقريباً، كما لو كانت تسترشد بيد خفية. وعلى
ما يبدو يعتمد التيار السائد في العلوم الاجتماعية، عندما يتعلق الأمر لتحديد السمة الفريدة للمجتمع الغربي: النقد الذاتي، تعزيز الشكّ المنهجي وإضفاء الطابع المؤسسي على عمليات التعلم، تمثل الخصائص الأساسية التي تتميز بها الحداثة الغربية ــ الفريدة تاريخياً ــ عن جميع أشكال المجتمعات الأخرى.
وربما أصبح هذا التفسير الذاتي للمجتمع الغربي، الذي تم التوصل إليه من خلال وسائل علمية، أكثر وضوحاً في مساهمتين عن "تاريخ الغرب الحديث" تمّ نشرهما في وقتٍ واحدٍ تقريباً، في صحيفتين بارزتين معبرتين عن الوسط البرجوازي، هكذا يعلن عميد مؤرخي تاريخ ألمانيا الغربية، هاينرش أوجست فينكلر، بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد عام 2022 في صحيفة سوديتشاسايتنج، "أنه تاريخ عمليات التعلم، النقد الذاتي والتصحيح الذاتي. ونشر قبل فترة وجيزة، عالم اجتماع في مدينة مونستر ــ الأقل شهرة من فينكلر، ديتليف بولاك، الذي لا يشعر بالحرج أو الخجل من تأصيل كل ما يقدمه أو يجود به ــ في صحيفة "فرانكفورتا الجمأينا"، يتحدث فيه عن المخزون القائم لممارسة النقد الذاتي والقدرة على تصحيح المسار الذاتي، على أنهما "جوهر الغرب".
والملفت للنظر في هذين التوصيفين المتشابهين، بأن التغير الاجتماعي على أنّه في نفس الوقت اتجاه يقود للأفضل (أي معادل للتحسين) ويأتي من عملية داخلية تقودها وتنفذها القوى الاجتماعية الداخلية.
وفقًا لفينكلر، بأنّ المشروع المعياري للغرب، كان يجب أن يُقاس دائماً، من خلال ممارسته السياسية، إنها المقاييس الموضوعة ذاتياً، للإنسانية والمساواة والتضامن، والتي خضعت مراراً وتكراراً للنظرة النقدية الذاتية (أي للامتحان النقدي الذاتي) من أجل إخضاع المتطوعين، لضبط النفس والعمل على التحسين الذاتي للنظام الاجتماعي.
في هذا العالم الداخلي الذي يعمل بمنطقه الخاص، يتم تقليص المظهر الخارجي للحداثة الغربية إلى وظيفة توفير قوّة الدفع للتقدم في التنظيم الذاتي الاجتماعي. ويقول فينكلر: "إن تاريخ الغرب كان دائماً تاريخاً من الانتهاكات الجسيمة لقيمه الخاصة أيضاً".
في هذا السياق لا تبدو حقوق الإنسان والاِبادة الجماعية على أنها ضحايا، لممارسات الهيمنة الغربية، وإنما لسوء تطبيقها، وتمكن رفع الضرر بنجاح بفضل الانتقادات الداخلية والإصلاحات المؤسسية. "وأصبح المشروع المعياري تدريجياً عملية معيارية".
ونقرأ عند بولاك هنا تاريخ الغرب أيضاً، بطريقة مماثلة جداً، قصّة القوى الغربية للعلاج الذاتي. لقد كانت الثورة الفرنسية، قبل كلّ شيء، واحدة من "الانتقادات الدائمة"، في المجتمعات القادرة على النقد الذاتي، والتي قادت إلى التقدم بجميع أنواعه، من الارتقاء الاجتماعي والسياسي للظروف المعيشية للطبقات الدنيا منذ القرن التاسع عشر، والجهود المبذولة لتخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون سنوياً وحتى الوقت الحاضر.
ومثل زميله المؤرخ، يرى عالم الاجتماع أيضاً، بأنّ الجرائم ضدّ الإنسانية الصادرة من الأراضي الألمانية كمحركٍ حاسمٍ لتحسين الذات الغربية. وتحديداً هنا كان الدور الأكبر لـ "الكوارث التاريخية العالمية في القرن العشرين"، دور كبير في تطوير الأفكار والمؤسسات الغربية ؛ لقد أدت الأزمات الاقتصادية العالمية والحربين العالميتين وإبادة اليهود الأوروبيين إلى ظهور “الوعي" بقابلية التعرض للأخطاء والحاجة إلى التصحيح في المجتمعات الحديثة.
يعتبر بولاك بأنّ الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كدليل على قدرة الحضارة الغربية على التعلم، وبهذه الطريقة، يجب على المرء أن يفهم هذه الحُجّة، على أنّها جلبت في النهاية الكثير من الخير للعالم أجمع. ويعتقد فينكلر أنّ هذا الاستعداد للمراجعة هي "أعظم قوّة لدى الغرب وربما يكون حتى تفسيراً واستمراراً لجاذبية نموذج النظام الغربي في جميع أنحاء العالم".
ربما يرغب المرء هنا في الردّ على هذه الادعاءات أو ربما التغاضي عن ذلك أيضاً، وربما يشير هذا التقييم إلى نمط من الاعتداد الذاتي اللامحدود للمثقفين الغربيين لحدود خداع النفس وصولاً لخداع النفس الكارثي، الذي أصبح مرفوضاً خارج أطار العالم الغربي.
وفي عالم لم يعد ثنائي القطبية بل مُتعدد الأقطاب على نحو لا لبس فيه، حيث أصبح الغرب، وخاصة أوروبا، إقليمياً على نحو متزايد ــ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ــ فإن العرض المتغلغل لغطرسته المعيارية والمثالية والمؤسسية لم يعد يبشّر بالنجاح. لأنّ الغطرسة التي تعبر عن نفسها هنا والتي أصبحت طبيعة ثانية للغرب، ويمكن التعرف عليها الآن بشكل متزايدٍ ليس على أنّها القوة فحسب، بل تعبيراً عن العجز.
كان على الديمقراطيات الغربية - وفقًا لقراءة فينكلر التمييزية الفريدة لتاريخ العالم الحديث –" يجب أن تتعلم أنها لا تستطيع فرض تصوراتها عن النظام السياسي على الثقافات الأخرى". سواء صدق الغرب ذلك أم لا، فليس هناك أي انطباع خارج حدوده، بأنّ مثل هذا التأثير التعليمي قد حدث بالفعل. كذلك، فإن عرضه غير الواقعي لذاته كنظام تعلم، يُقابَل ببعدٍ متزايدٍ، إن لم يكن بازدراء صريح.
، حدث ذات مرّة في الغرب، Once Upon a Time in the West

كانت المقطوعة الطويلة الأخيرة لأسطورة الفيلم الكلاسيكي لسيرجيو ليون، عُرض الفيلم في ألمانيا
بعنوان:".Spiel mir das Lied vom Tod وعربياً "أعزف لي أنشودة الموت.
هنا يمكنني أن أختم هذه المراجعة بالقول:
قدّم الأستاذ ستيفان ليسنِش عرضاً شيقاً، ونقداً موضوعيّاً، لوجهة نظر زملائه، و نقداً ذاتياً صريحاً في عين الوقت، مخالفاً للنقد الذاتي، ألذي جاء في المتن بقلم الأساتذة الأخرين، والذي كان أقرب إلى تمجيد الذات.
إن المقال بالفعل متفجرّ للغاية، مع سخريةٍ مَليحة في بعض الفقرات، ويستحقّ القراءة بالتأكيد، خاصة في هذه الأوقات والتي نادراً ما نسمع فيها مثل هذه المواقف.
وستيفان ليسنِش هو مدير معهد البحوث الاجتماعية وأستاذ النظرية والبحث الاجتماعي في جامعة جوته فرانكفورت.
ونشير هنا بأنّ الباحث الأكاديمي أصدر العديد من الكتب والمقالات الهامّة في مجال تخصصه، نذكر منها على سبيل المثال كتابه الهام الذي صدر منذ فترة بعنوانٍ لافت " الطوفان بجانبنا، المجتمع الخارجي وثمنه" نحن لا نعيش فوق إمكانياتنا فحسب، وإنما نعيش على حساب وإمكانيات الآخرين".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Stephan Lesenich, ein Totgeglaubter ist wieder da, mit Putins Krieg erlebt der globalen Westen eine letzte ideologische Renaissance, LE Monde Diplomatique / April 2023

hamidfadlalla1936@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ة الغرب من خلال على أن

إقرأ أيضاً:

عودة: العبادة الحقيقية جهاد دائم لإتحاد إرادتنا بإرادة الله

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

بعد الإنجيل ألقى عظة بعنوان "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور".

قال فيها: "تقيم كنيستنا المقدسة في الأحد الرابع بعد الفصح تذكارا للمرأة السامرية التي التقاها الرب عند بئر قرب القرية التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف. ليس الموضوع مجرد سرد حادثة معينة، كأننا أمام مسرحية نقف فيها متفرجين، إنما هو نقل للتعليم المترافق مع بشرى الخلاص، ودعوة للسلوك وفق هذا التعليم. هدف القراءات الكتابية إدخالنا في القصة، لنأخذ موقعا فيها، ونتماهى مع شخصياتها، كي نتخذ في النهاية موقفا بقبول البشارة أو رفضها، لذا يسألنا الرب أحيانا: "أتؤمن بابن الله؟" (يو 9: 35). عند قراءة إنجيل السامرية نقف أمام عدة أشخاص: الرب يسوع المعلم، التلاميذ المهتمون بشؤون الجسد، السامرية التي يتخطى اهتمامها أمور الحياة الأساسية، والسامريون الذين يطلبون الرب بناء على شهادة المرأة، إضافة إلى مكان الحدث الذي هو بئر مسماة على اسم يعقوب ابن إسحق ابن إبراهيم، والزمان الذي هو الظهيرة في توقيتنا الحالي".


أضاف: "لم يكن اليهود يقيمون اعتبارا للسامريين لأنهم كانوا على خلاف معهم. السامرة إقليم في فلسطين، تقع جنوبي الجليل، غزاها الأشوريون عام 721 ق. م. وقادوا آلافا من سكانها إلى السبي، وأحلوا مكانهم آخرين. لذا، احتقر اليهود السامريين، معتبرينهم عرقا مختلطا. كذلك عمد السامريون، الذين يعيدون أصلهم إلى يعقوب (يو 4: 12)، إلى بناء هيكلهم الخاص على جبل جريزيم الذي أشارت إليه السامرية خلال حديثها مع الرب (4: 20) عوض المجيء إلى أورشليم للعبادة. وقد طبق السامريون كل التقاليد التي نسبها اليهود إلى هيكل أورشليم، ظانين أنهم يكملون مسيرة الإيمان النقي، معتبرين اليهود جماعة منشقة، ولم يعترفوا إلا بالتوراة. أثار حديث الرب مع المرأة وطلبه الماء ليشرب حيرة في نفسها. لم يكن جائزا أن يتكلم معها وهي امرأة سامرية وهو رجل يهودي، والمرأة كانت تعتبر كائنا دون الرجل في المجتمع اليهودي، ما دفع السامرية لأن تماشيه في الحديث لترى من هذا الذي كسر التقاليد والحواجز، ليس فقط ليكلمها، بل ليطلب منها أمرا حيويا قائلا لها: "أعطيني لأشرب". اللافت أن يسوع هو الذي بادر إلى الحديث مع المرأة لكي يشعرها بأنها ليست كائنا هامشيا بل لها مكانتها في عيني الرب. يسوع، الراعي الصالح، يخرج لملاقاة النفوس التي أضاعت السبيل القويم ويخاطبها ليقودها نحو الأسمى". وتابع: "قد تكون الحاجة المادية ذريعة لبدء الحوار. هذا ما حصل مع السامرية التي جاءت لتستقي فسألها يسوع أن تعطيه ماء ليشرب، وجذبها إلى معرفته بطريقته الساعية لطلب الخروف الضال، رغم كشفه أسرار حياتها، ربما غير المشرفة، إذ كانت متزوجة من خمسة رجال، وتعيش الآن مع رجل ليس زوجها. لم تخجل من حالها، بل اندفعت إلى رؤية ما هو خلف المنظور، إلى ما هو مخفي. إعترفت السامرية بصراحة وتواضع بحالتها وقالت: "يا سيد أرى أنك نبي" وحاورته حول مكان العبادة ثم تركت جرتها وانطلقت لتخبر أبناء جنسها عمن أخبرها خفياتها. ومع إدراكها أنه المسيح المنتظر، إلا أنها لم تؤكد الأمر بل تركت الباب مفتوحا، داعية إياهم أن يستنتجوا بأنفسهم ما أعلنه لها قائلة "تعالوا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح". مع كونها امرأة، إلا أن أهل مدينتها أصغوا إليها وجاؤوا ليروا من أخبرتهم عنه، فقبلوه فيما بينهم واعترفوا به مخلصا للعالم".


وقال: "في المقابل، نرى التلاميذ، وهم من اليهود، يتعجبون من كلام المعلم مع امرأة سامرية، لكنهم لم يسألوه عن الموضوع. يقول الإنجيلي: "تعجبوا أنه يتكلم مع امرأة ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها". نجد في إنجيل يوحنا موقفين آخرين لليهود من تعليم الرب: موقف نيقوديموس، المعلم اليهودي الذي اكتفى بالتعجب من كلام يسوع ولم يفهم قصد الرب (3: 1-21)، ولم يقم بما فعلته السامرية بإخبار الآخرين، وموقف القادة اليهود الذين اتهموه بأنه خاطئ، لا بل به شيطان، وأهانوه وأهانوا من قبله (يو 9). يعلمنا القديس يوحنا الذهبي الفم أنه إذا كانت السامرية الغريبة مهتمة بسماع المسيح دون أن تعرفه، لكي تتعلم منه شيئا مفيدا، فما حجتنا نحن الذين نعرفه، ولسنا بقرب بئر ولا في البرية ولا في وسط النهار نتحمل حر الشمس، بل في الصباح الباكر وتحت سقف الكنيسة، نتمتع بالفيء والراحة؟ لكننا قد لا نتحمل شيئا مما يتلى على مسامعنا، بل نستثقله. المرأة كانت منشغلة بكلام الرب، ودعت آخرين لسماعه فيما البعض في أيامنا منشغلون بأعمالهم ومصالحهم وحقدهم، والبعض الآخر بفراغ حياتهم وثرثرتهم وأنانياتهم. يحث القديس يوحنا سامعيه على الخجل من سامرية لها خمسة رجال، تاقت إلى المعرفة الإلهية، ولم يعقها الوقت والحر ولا الغاية الأساسية من مجيئها إلى البئر، بل سعت إلى المعرفة وإلى الخلاص. أما نحن فلا يكفي أننا لا نتوق إلى المعرفة، بل نقف موقف اللامبالاة. فأي مسيحي يذهب إلى بيته، ويتناول الكتاب المقدس ليتصفح محتواه، أو يقرأ سير القديسين إلا ما ندر. هل أعطينا الكتب المقدسة لنحفظها في مجلدات أم لنحفرها في قلوبنا".


أضاف: "الرب يسوع، محور إنجيلنا، هو جوهر عبادتنا وطريق خلاصنا. العبادة الحقيقية جهاد دائم لإتحاد إرادتنا بإرادة الله، وختن الشر والخطيئة من قلوبنا، وأن ندع الروح القدس يقودنا فلا نعود نفكر إلا بفكر المسيح ولا ننطق إلا بما هو حق. كلمات يسوع يرفضها كل من يريد سلطة أرضية ومجدا عالميا، أما من يبتغي خلاص نفسه فيطلب الماء الحي الذي إن شربه لا يعطش إلى الأبد".

وختم: "تدعونا الكنيسة اليوم إلى التمثل بالسامرية التي لم تهتم بموقعها الإجتماعي، ولا بالوقت، ولا انتظرت المكان المناسب لتتقبل الرب، بل تخطت حاجاتها الأرضية ساعية وراء مصدر الحياة الحقيقي، ينبوع الماء الحي، يسوع المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة". مواضيع ذات صلة وزير الخارجية الإيراني: القرار بشأن المفاوضات بات في واشنطن ويمكن تحقيق نتيجة إذا امتلكت إرادة حقيقية Lebanon 24 وزير الخارجية الإيراني: القرار بشأن المفاوضات بات في واشنطن ويمكن تحقيق نتيجة إذا امتلكت إرادة حقيقية 18/05/2025 12:43:03 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير خارجية إيران: الطرفان أظهرا إرادتهما لتقدم المفاوضات لكن الإرادة وحدها ليست كافية لضمان النجاح Lebanon 24 وزير خارجية إيران: الطرفان أظهرا إرادتهما لتقدم المفاوضات لكن الإرادة وحدها ليست كافية لضمان النجاح 18/05/2025 12:43:03 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الخارجية السوري: نجحنا في تشكيل حكومة شاملة تعكس الإرادة الشعبية ونحن في طور تشكيل لجنة دستورية لصياغة دستور دائم Lebanon 24 وزير الخارجية السوري: نجحنا في تشكيل حكومة شاملة تعكس الإرادة الشعبية ونحن في طور تشكيل لجنة دستورية لصياغة دستور دائم 18/05/2025 12:43:03 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 ماكرون بعد مقتل مصل داخل مسجد: حرية العبادة مصونة في فرنسا Lebanon 24 ماكرون بعد مقتل مصل داخل مسجد: حرية العبادة مصونة في فرنسا 18/05/2025 12:43:03 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً الإقتراع يتزايد.. هذه آخر النسب من بيروت والبقاع Lebanon 24 الإقتراع يتزايد.. هذه آخر النسب من بيروت والبقاع 05:08 | 2025-05-18 18/05/2025 05:08:50 Lebanon 24 Lebanon 24 التوقعات أصابت.. هكذا يبدو مشهد الإنتخابات في بيروت والبقاع Lebanon 24 التوقعات أصابت.. هكذا يبدو مشهد الإنتخابات في بيروت والبقاع 05:05 | 2025-05-18 18/05/2025 05:05:58 Lebanon 24 Lebanon 24 بالأرقام.. الداخلية تكشف عدد الشكاوى حتى الساعة Lebanon 24 بالأرقام.. الداخلية تكشف عدد الشكاوى حتى الساعة 05:31 | 2025-05-18 18/05/2025 05:31:26 Lebanon 24 Lebanon 24 بيان من الجيش.. إليكم مضمونه Lebanon 24 بيان من الجيش.. إليكم مضمونه 05:25 | 2025-05-18 18/05/2025 05:25:44 Lebanon 24 Lebanon 24 سكاف: اتركوا أهالي زحلة ينتخبون كما يريدون Lebanon 24 سكاف: اتركوا أهالي زحلة ينتخبون كما يريدون 05:21 | 2025-05-18 18/05/2025 05:21:03 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة تشبه الأوروبيات.. خطوبة ابن الياس بو صعب والفنانة جوليا بطرس تعرفوا إلى العروس (صورة) Lebanon 24 تشبه الأوروبيات.. خطوبة ابن الياس بو صعب والفنانة جوليا بطرس تعرفوا إلى العروس (صورة) 03:17 | 2025-05-18 18/05/2025 03:17:58 Lebanon 24 Lebanon 24 أجرى فحوصات في أميركا... إعلامي لبنانيّ يكشف آخر المستجدات عن وضعه الصحيّ Lebanon 24 أجرى فحوصات في أميركا... إعلامي لبنانيّ يكشف آخر المستجدات عن وضعه الصحيّ 07:34 | 2025-05-17 17/05/2025 07:34:36 Lebanon 24 Lebanon 24 انتكاسة بلدية "للوطني الحر" .. والانهيار يتسارع Lebanon 24 انتكاسة بلدية "للوطني الحر" .. والانهيار يتسارع 11:01 | 2025-05-17 17/05/2025 11:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 كواليس جولات عون العربية.. تقرير يكشف ما يُقال عن سلاح "الحزب" Lebanon 24 كواليس جولات عون العربية.. تقرير يكشف ما يُقال عن سلاح "الحزب" 15:09 | 2025-05-17 17/05/2025 03:09:36 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصورة... الموت يُؤلم فناناً شهيراً Lebanon 24 بالصورة... الموت يُؤلم فناناً شهيراً 06:11 | 2025-05-17 17/05/2025 06:11:03 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 05:08 | 2025-05-18 الإقتراع يتزايد.. هذه آخر النسب من بيروت والبقاع 05:05 | 2025-05-18 التوقعات أصابت.. هكذا يبدو مشهد الإنتخابات في بيروت والبقاع 05:31 | 2025-05-18 بالأرقام.. الداخلية تكشف عدد الشكاوى حتى الساعة 05:25 | 2025-05-18 بيان من الجيش.. إليكم مضمونه 05:21 | 2025-05-18 سكاف: اتركوا أهالي زحلة ينتخبون كما يريدون 05:11 | 2025-05-18 رسالة من شرّي إلى الناخبين في بيروت فيديو بث مباشر.. انطلاق مراسم تنصيب البابا لاوون الرابع عشر في الفاتيكان Lebanon 24 بث مباشر.. انطلاق مراسم تنصيب البابا لاوون الرابع عشر في الفاتيكان 03:10 | 2025-05-18 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 تعرّض للخيانة مرتين وتم هجره في المرة الثالثة وفقد طفله.. فنان شهير يكشف العديد من أسرار حياته (فيديو) Lebanon 24 تعرّض للخيانة مرتين وتم هجره في المرة الثالثة وفقد طفله.. فنان شهير يكشف العديد من أسرار حياته (فيديو) 04:24 | 2025-05-18 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 فيديو لـ"شابات جميلات" يسرقن في بيروت.. شاهدوا ماذا حصل Lebanon 24 فيديو لـ"شابات جميلات" يسرقن في بيروت.. شاهدوا ماذا حصل 00:07 | 2025-05-17 18/05/2025 12:43:03 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • عالم بالأزهر: أصحاب القلوب التقيّة أول من يدخلون الجنة
  • الدفعة الأولى من حجاج الضفة الغربية تُغادر اليوم إلى السعودية
  • من هو منشد حزب الله الذي تجسس لصالح إسرائيل وأطاح برؤوس حزب الله؟
  • تنصيب البابا لاون الرابع عشر.. سر خاتم الصياد الذي لا يعيش بعده
  • عودة: العبادة الحقيقية جهاد دائم لإتحاد إرادتنا بإرادة الله
  • التراحم وأضرار الوصم الاجتماعي موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • صلاح عبد الله يهنئ عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده
  • الزمالك لم يغلق باب عودة حمزة المثلوثي…تفاصيل
  • هدد الشرطة التركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. فما الذي حصل؟!
  • يوم تطهير الروح.. الصابئة المندائيون يحتفلون بالـدهفا إديمانا