كادت القضيَّة الفلسطينيَّة تُطوَى تدريجيًّا في بساط النِّسيان، وانصرف الجمع، دوَلًا وشعوبًا، إلى مشاغلهم وتحقيق مصالحهم وتنفيذ خططهم وإمضاء سياساتهم، بوسائل وطُرق تُعبِّر عن الأنانيَّة والاستئثار وحُب النَّفْس، وتجاهل حقوق الشَّعب الفلسطيني، وما يتعرض له من إذلال وامتهان. فالعصر ـ كما يدَّعون ويروِّجون ـ عصر سلام وتطبيع وتعايش وانصهار وذوبان مع «الآخر»، وانفصال عن الماضي وملفَّاته وقضاياه، ومِثله وما سُمِّي بـ»الحقوق المشروعة»، الَّتي تعيق عجلة التنمية، وتمنع نُمو الاقتصاد وتقف عقبة أمام الحداثة والعصرنة والازدهار وقِيَم العولمة… وأوشكت ملفَّاتها الفخمة ـ أي القضيَّة الفلسطينيَّة ـ وأرشيفها العامر بالوثائق والحجج، وحراكها الدِّفاعي النَّشط ـ قَبل سنوات ـ في أروقة المنظَّمات والكيانات الدوليَّة، وعواصم العالَم، على مدى عقود طويلة، أن تتلاشى في ذاكرة تشيخ بمرور الأيَّام، فتدخل شيئًا فشيئًا إلى مَرض الزهايمر المدمِّر للحافظة وما وثَّقته من كنوز ثمينة، تفيض بالأدلَّة والبراهين والقرائن والصوَر، الَّتي تتحدَّث عن الحقِّ الفلسطيني وتاريخيَّة فلسطين، وتثبت يقينًا أنَّها أرض لشَعب، ارتبط بها، وطنًا وثقافةً وروحًا ومسمًّى وحياةً، هو الشَّعب الفلسطيني، ولا أحَد يشاركه في هذا الحقِّ سواه… وكشفت الأحداث المتسارعة، وتطوُّرات العصر السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والعلميَّة، وتداخُل وتشابُك المصالح بَيْنَ الدوَل والشركات واللوبيَّات، والغزو الفكري والثقافي الهائل، وغسيل العقول عالَميًّا وإقليميًّا، وانهيار الأمن العربي، وتمزُّق كياناته، واختلاف أنظمته حدَّ القطيعة أحيانًا، عن نيَّة مبيَّتة وخطط موضوعة مقرَّة؛ لإنهاء ووأْدِ وقتْلِ تطلُّعات وحلم الفلسطينيِّين، في قيام دَولة مستقلَّة عاصمتها القدس، وضمان أن يحققَ كيانها ومساحاتها وحقوقها، العدل والطموح والحياة الكريمة، واستيعاب جميع أطياف وفئات الشَّعب الفلسطيني، وجمع شتاتهم في وطنهم المسلوب، واستعادة الأرض والمقدَّسات المستباحة، ذلك، في مقابل مؤامرات ومُخطَّطات شيطانيَّة، تستهدف المزيد من التهجير وتشتيت وتصفية الشَّعب الفلسطيني، والتمدُّد والاستعمار والاستيلاء على أراضٍ أخرى جديدة… وأوشكت معاناة الشَّعب الفلسطيني، الممزَّق بَيْنَ المهجر والشَّتات والسجون الإسرائيليَّة المُدمِّرة لروح ونَفْس وجسَد الإنسان، المُسبِّبة للعاهات والآفات والعاقات، الملاحق في أرجاء هذا العالَم بتُهَم وتحقيقات وتلفيقات شتَّى، المُضيَّق عَلَيْه في تنقُّله داخل بلده، وفي عباداته والصلاة في الأقصى، الممنوع من الاجتماع واللقاء بأهله وأبنائه وأحبَّائه وأفراد أُسرته، والاستمتاع بما يملكه من أرض وأملاك خاصَّة، المُحارَب في لُقمة عيشه، المحروم من أبسط حقوقه، الحُريَّة والحياة الكريمة والخدمات الإنسانيَّة المتواضعة، أن تهملَ ويتمَّ تغافلها والتشاغل عَنْها والتفريط فيها… فالدوَل العربيَّة، صغيرها وكبيرها، المرتبطة بحدود مع فلسطين، والبعيدة عَنْها جغرافيًّا، ذات الثقل والتأثير أو الَّتي لا أثرَ لقراراتها وسياساتها، من التزمت بتعهُّدات ومسؤوليَّات في الدِّفاع عن القضيَّة الفلسطينيَّة وحقوق الفلسطينيِّين، أو مَنْ تنصَّل عَنْها منذ زمن، جميعها تسرع الخُطى وتحثُّ السَّير، وتتجاوز المتخيّل في تطبيعها مع الكيان الإسرائيلي، متجاهلةً للحقِّ الفلسطيني وقضيَّته الثَّابتة… فماذا بِيَدِ الفلسطيني، فردًا وشَعبًا ومقاومةً، أن يصنعوا أمام هذا الواقع المُؤلم والمُخجل، وقَدْ تركوا وحْدَهم في مواجهة إعصار جارف، إمَّا أن يقتلعَهم من جذورهم فتمحى فلسطين وقُدسها وأقصاها من الوجود، وإمَّا أن يثبتوا ويواجهوا ويقاوموا ويصمدوا، ويتسلحوا بثبات العقيدة، وإرادة المجاهد، وصلابة المقاوم، وسِيرة القادة العظام، الَّذين لَمْ تثنهم الشَّدائد والمعيقات والمستحيلات وتفوُّق العدوِّ وقوَّته التسليحيَّة والعدديَّة وغطرسته وظُلمه وعنجهيَّته عن مواصلة الجهاد وتحرير الأوطان والمقدَّسات… صحيح أنَّ التضحيات المتوقعة عظيمة، والخسائر مهولة، والآلام والأحزان والأوجاع مُدمِّرة، ولكن هل أبقى لَهُم العالَم الظالم والجائر من خيار آخر يلجؤون إليه؟ لقَدْ حسمت المقاومة الفلسطينيَّة الأمْرَ، واتَّخذت القرار، وأخذت خيارها اليتيم في استعادة الوطن وتحرير الأرض، فكان السَّابع من أكتوبر الزلزال الأوَّل من نَوْعه الَّذي تميَّز بالعبقريَّة في التكتيك، والبراعة في إعداد وتنفيذ الخطَّة، والصَّلابة والقوَّة في الإرادة، إلى جانب الجرأة العالية، الَّتي اهتزَّ لها عرش النظام في تل أبيب، وأفقدته توازنه، وجعلت مِنْه أضحوكة عالَميَّة.

فلا غروَ أن يتمثلَ انعكاس ذلك ونتيجته، في الحقد المقيت، والكراهية السوداء، والانتقام المروِّع، والشَّر المشوِّه للإنسانيَّة، الَّذي قاد إلى تدمير غزَّة وارتكاب أبشع المذابح في العصر الحديث، وأكثرها دمويَّة وقتامة، وأوفرها مثالًا ونموذجًا على الخطر العظيم الَّذي يُمثِّله وجود الكيان الإسرائيلي على البَشَريَّة، في رُقيِّ وسُموِّ ونُبلِ إنسانيَّتها ومُثلها، ومبادئ التَّعايش والتَّسامح والتَّقارب، وسماحة عقائدها السماويَّة، وقوانين منظَّماتها وكياناتها الدوليَّة، في استقرار العلاقة بَيْنَ النُّظم الحاكمة وشعوبها، وثبات وقوَّة الاتحادات والعلاقات والاتفاقيَّات والمصالح بَيْنَ الدوَل، ونُمو الاقتصادات والتجارة الدوليَّة… الَّتي اهتزَّت حَوْلَها الثِّقة وتحوَّل اليقين إلى شكٍّ، وصل درجة الكفر بتلك النظريَّات والمبادئ، بفعل الحُمق الإسرائيلي وتحقيرها لكُلِّ مَنْ لا يَسير ويقف في صفِّها ويؤمن بأفعالها المنكرة… فهل كان قرار المقاومة، بالشروع في تنفيذ عمليَّتها الجهاديَّة الَّتي أحدثت زلزال السَّابع من أكتوبر صائبًا سديدًا، وخطوة في الاتِّجاه الصحيح، يُعبِّر عن الرَّصانة والحكمة والوعي بنتائج المشروع وانعكاساته على القضيَّة والشَّعب الفلسطيني، أم غير ذلك؟. في حقيقة الأمْرِ لا أسوِّغ لنَفْسي ولا لأيِّ كائن في هذا العالَم يعيش بحبوحة العيش وأمان الحياة واستقرار الوطن وسلامة كيان الأُسرة، بالإجابة عن هذا السؤال الخطير والحسَّاس والدقيق في تاريخ الجهاد الفلسطيني. فالمواطن الفلسطيني الَّذي ينزف دمه منذ عقود، وبُترت أعضاؤه، وتحوَّل جسَده إلى أشلاء وإعاقة، وفقَدَ أطفاله وأحبابه، في أبشع مجزرة أو مذابح يشهدها العصر الحديث، واكتوى بنار العدوِّ الاستيطاني وسمومه، ودُمِّرت كُلُّ سُبل الحياة وطرائقها وخدماتها الَّتي تُعينه على العيش، وتُرك وحيدًا أمام عدوٍّ حانقٍ لا يعرف الرحمة والشعور الإنساني الطبيعي… هو فقط المخوَّل الَّذي يحقُّ له الإجابة عن السؤال المطروح، ومَنْ له الحقُّ في اختيار شكلِ وطريقة أسلوب المقاومة، وتحديد توقيت عمليَّاتها ومكانها، لاسترداد وطنه وحقِّه ومقدَّساته، وهو مَنْ له الحقُّ أخيرًا في اختيار مَنْ يُمثِّله وشكلِ النِّظام السِّياسي الَّذي يتولَّى شؤون الحُكم على أرضه…وللمقال بقيَّة.

سعود بن علي الحارثي
[email protected]

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الفلسطینی العال م

إقرأ أيضاً:

القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد!!

يمانيون | يحيى الربيعي
تحتل القضية الفلسطينية الركيزة الأساسية في الوجدان اليمني، وهي تتجسد برسوخ أعمق في خطابات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، كقضية مركزية تتجاوز الأبعاد السياسية لتلامس عمق الضمير الإيماني والأخلاقي. إن موقفه هو تعبير عن التزام راسخ، يتجذر في المبادئ الدينية والإنسانية، ويُترجم إلى مواقف عملية وإجراءات عسكرية ملموسة.

يرى السيد القائد أن دعم فلسطين واجب لا يمكن التنازل عنه، وهو ما يتضح جلياً في كل كلمة يلقيها، مؤكداً على أن هذا الدعم هو “إيماني مبدئي جهادي شجاع وحر وإنساني وأخلاقي.”

الأساس الإيماني والأخلاقي للموقف اليمني
يؤكد السيد القائد باستمرار على أن دعم الشعب الفلسطيني هو واجب ديني وأخلاقي لا يمكن إنكاره على الشعب اليمني والأمة الإسلامية جمعاء. هذا الموقف الثابت لا يتزعزع “مهما كانت ردة الفعل من قبل العدو الإسرائيلي”، ويظل راسخاً رغم العدوان الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، والحصار الاقتصادي، والحملات الدعائية.

وفي خطابات تطغى عليها مشاعر التضامن والوقوف مع حقوق الشعب الفلسطيني، يُدين السيد القائد بشدة الأعمال الإسرائيلية الإجرامية، معرفاً إياها بـ”الإبادة الجماعية”، و”جرائم الحرب”، و”الجرائم ضد الإنسانية”. حيث يركز على استهداف الأطفال، والنساء، والمدنيين الأبرياء، كدليل واضح على القتل الممنهج والعمد، الذي يكشف بوضوح أن العدوان الإسرائيلي يسعى إلى القضاء على هذا الشعب بطريقة ممنهجة وإجرامية.

ويشير السيد القائد إلى أن “الإبادة الشاملة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تمثل هدفاً واضحاً للعدو الإسرائيلي، وسلوكه الإجرامي اليومي يفضح هذه الحقيقة المرة”. فضلاً عن ذلك، يربط الموقف اليمني بالتأطير الديني والأخلاقي، بهدف إضفاء الشرعية على مواقفها وإجراءاتها، بحيث تكرس اليمن كمنارة للمقاومة في مواجهة الظلم العالمي، وتصب في خدمة قضية عادلة تتطلب الوقوف بجانب المستضعفين وسحق ظلام المحتل وطغيانه.

إدانة التطبيع والتقاعس العربي والدولي
لا يتوقف خطاب السيد القائد عند نقطة دعم المقاومة، وإنما يمتد ليشمل نقداً لاذعاً للمواقف العربية والدولية. يصف الموقف العربي بأنه “ضعيف، عشوائي، غير مدروس، والذي سرعان ما انحدر إلى مستوى التطبيع الفاضح المخزي”. ويشدد على أن “التطبيع ليس مجرد علاقة طبيعية مع محتلٍّ مجرم، بل هو تعاونٌ مع عدوٍّ للأمة في دينها ودنياها”.

كما ينتقد السيد القائد “التخاذل العربي والإسلامي تجاه غزة”، معتبراً إياه “وصمة عار وتواطؤ مكشوف مع العدو الصهيوني”. ويشير إلى أن الشعب الفلسطيني يشعر “بالخذلان العربي وخذلان المسلمين بشكل عام قبل غيرهم لأن المسؤولية عليهم قبل غيرهم”.

أما على الصعيد الدولي، فيرى السيد القائد أن الإبادة الجماعية في غزة هي “هدف إسرائيلي أمريكي مشترك”. وينتقد الولايات المتحدة لتزويد إسرائيل بـ “شحنات لا تتوقف” من القنابل المدمرة، وتقديم “دعم مفتوح وتبنٍ كامل” لجرائم إسرائيل. ويأسف لأن “الأموال العربية هي من أهم مصادر تمويل تلك القنابل” من خلال الاستثمارات في الولايات المتحدة. كما يصف الدور الأمريكي بأنه “شراكة متكاملة” في التخطيط والمعلومات والعتاد العسكري والسلاح والغطاء السياسي، حتى في مجلس الأمن.

التعبئة الشعبية والدعوة للجهاد
تُعد التعبئة الشعبية أحد الركائز الأساسية للموقف اليمني، حيث يظل السيد القائد يدعو بشكل دائم إلى تنظيم “مسيرات مليونية” سواء في صنعاء أو في المحافظات الأخرى، لتكون رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي وللعالم بأسره.

وهو يثمن عالياً زخم الحضور الجماهيري وتفاعل الشعب اليمني مع هذه الفعاليات، معتبراً إياها “واجباً إيمانياً” لا يجوز التفريط فيه، ويميزها بـ “طابع غير مسبوق”، خاصة في ظل “التخاذل العربي المخزي” الذي يعم الساحة الإسلامية، حيث لم تتمكن أغلب الدول من تقديم أي من أنواع سواء الدعم المادي أو المعنوي المطلوب للقضية الفلسطينية.

وتأتي هذه المسيرات لتؤكد للعدو الإسرائيلي أن الشعب اليمني “لا يرهبه أي عدوان مهما بلغت قوته”، وأن إيمانه المبدئي الجهادي، وحرصه على المبادئ الإنسانية والأخلاقية، لن يتزعزع أمام أي تهديد، بل سيظل متمسكاً بمواقفه الجريئة والصلبة، في دعم القضية الفلسطينية والذود عنها بكل قوة، مدافعاً عن الحق والعدل، ومبيناً أن الشعب اليمني هو صوت المقاومة والجهاد المقدس في وجه جرائم الإبادة والتجويع والتهجير التي يتعرض لها أبناء غزة، وأنه الصوت الذي سيظل مرفوعاً ومدوياً حتى إنهاء الجرائم الصهيونية وإنهاء الاحتلال.

وسيبقى السيد القائد يحث- مراراً وتكراراً- أنظمة الدول التي تفصل اليمن جغرافياً عن فلسطين المحتلة على “فتح منافذ لعبور شعبنا الذي سيتحرك بمئات الآلاف لنصرة الشعب الفلسطيني”.

وقد أعرب عن أمله الشديد في تحقيق ذلك، مؤكداً: “نحن كنا نتمنى أننا بالجوار من فلسطين، وكنا- لو تهيَّأ لنا ذلك- لبادر شعبنا بمئات الآلاف من المجاهدين للمشاركة المباشرة مع الشعب الفلسطيني… ولكن مهما كانت العوائق، لن نتردد في فعل كل ما نستطيع، أن نفعل كل الممكن، كل ما بأيدينا أن نفعله”. ويعلن صراحة أن “هذا هو وقت الجهاد أكثر من أي وقت مضى وفي ميدان واضح، وقضية واضحة وضد عدو صريح للإسلام والمسلمين وفي قضية عادلة”.

الانخراط العسكري المباشر.. أرقام وشواهد
لم يقتصر الموقف اليمني على الخطاب، بل ترجم إلى انخراط عسكري مباشر وفاعل، ضمن ما يعرفه السيد القائد بـ”محور الجهاد والمقاومة”. فعل مستوى العمليات البحرية في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب والمحيط الهندي، يؤكد السيد القائد استمرار “الحظر البحري على العدو الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن ميناء أم الرشراش (إيلات) قد عاد إلى “الإغلاق التام”. مشيراً إلى أن العمليات اليمنية تمتد عبر “البحر الأحمر والبحر العربي وصولاً إلى المحيط الهندي”، وتشمل خليج عدن وباب المندب. مشدداً على حقيقة أن الحصار يستهدف بشكل خاص السفن المتجهة من وإلى “موانئ فلسطين المحتلة”، بينما يُسمح لما دون ذلك من سفن بالمرور الآمن دون اعتراض إذا لم تكن متجهة إلى هذه الموانئ.

أما على مستوى استهداف العمق الصهيوني في الأراضي المحتلة، ففي عمليات القصف لأهداف استراتيجية وتابعة للعدو الإسرائيلي في أم الرشراش، يافا، أسدود وغيرها من المواقع الحيوية، يؤكد السيد القائد أن هذه الأهداف تعرضت “للهجوم في أكثر من مناسبة”، وأن عملية إغراق السفينتين التابعتين لشركات انتهكت الحظر اليمني على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، قد أدت إلى إعادة الإغلاق التام لميناء أم الرشراش، وهو ما يمثل رسالة ردع واضحة وفعالة.

وبلغة الواثق من قدراته، أصبح إعلان القوات المسلحة اليمنية عن فرض “حصار جوي شامل” على “إسرائيل” أكثر من مجرد تعبير عن التضامن مع غزة، بل تحوّل إلى ترجمة عملية لفهم جديد لمعادلة الردع الإقليمي. اليمن، اليوم، يُعد لاعبًا استراتيجيًا لا يُمكن تجاهله، ويُظهر أن قدرة الردع تعد أداة حاسمة في مواجهة العدوان.

بل إن العمليات اليمنية وباعترافات العدو نفسه، قد جاءت لتسحب البساط من رواية تفوق القوة التكنولوجية الغربية، وتُظهر محدودية قدراتها في مواجهة الإرادة اليمنية الصلبة المدعومة بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع، تنطلق من جبال اليمن لتخترق أعتى أنظمة الدفاعات الجوية، فتصيب عمق الكيان المحتل بقوة دقة.

كما أن الحقيقة الثابتة تكمن في أن مشهد القوة التكنولوجية الأميركية، التي تتباهى بـ”بطاريات باتريوت”، و”ثاد”، و”القبة الحديدية”؛ قد أظهر عجزها أمام إرادة اليمن الصلبة، وإصراره على مبادئه، وتوجيه ضربة نوعية تزلزل معادلات الردع التقليدية، وتؤكد أن اليمن قادر على أن يُغير موازين القوى ويكتب تاريخًا جديدًا في المنطقة برصيده من القوة والإيمان.

منذ إعلان الموقف اليمني الداعم لقضية غزة في أكتوبر 2023، وحتى الرابع والعشرين من يوليو 2025، سجلت قوات اليمن المسلحة وشعبه الباسل نجاحات نوعية ومؤثرة، تعبر عن إرادة التحدي والصمود، وتؤكد على حجم الانخراط اليمني المتواصل في معركة الدفاع عن الأمة، ضمن السردية الوطنية والثوابت الراسخة لموقف اليمن المبدئي.

ففي المجال العملياتي، أُجريت 1679 عملية عسكرية نوعية، تنوعت بين إطلاق الصواريخ، والطائرات المسيرة، والزوارق الحربية، بهدف تصعيد الضغط على العدو الإسرائيلي، وتوجيه رسائل ردع قوية ومتتالية.

أما على مستوى العمليات البحرية، فقد استهدفت بالدرجة الأولى 90 سفينة تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة إلى سفن كانت في طريقها نحو العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، والبحر العربي، والمحيط الهندي. وخلال شهر واحد قبل 17 يوليو 2025، تم استخدام أكثر من 124 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيرة، الأمر الذي أدى إلى إعادة إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) بشكل كامل، بعد محاولاتٍ متكررة من قبل العدو لإعادة تشغيله، في رسالة واضحة على قدرة اليمن على تعطيل أي مسعى عدائي.

وفي العمق المحتل، قامت القوات المسلحة اليمنية باستهداف أهداف إسرائيلية في يافا، والنقب، وأم الرشراش، مستخدمة أحدث أنواع الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة، في وقتٍ أعلنت فيه عن وصول سلاح جديد إلى أهدافه بشكل دقيق، مما يعكس تطور القدرات العسكرية اليمنية وارتفاع وتيرة الردع الاستراتيجي.

وفي إطار التعبئة الشعبية، تستمر مسيرات الجموع الجماهيرية “المليونية” في صنعاء وبقية المحافظات، كل يوم جمعة، وتُعدّ هذه الفعاليات نوعاً من العطاء الإيماني والواجب الوطني، الذي يعبر عن إصرار الشعب اليمني على الثبات والوقوف في وجه العدوان، وعدم الرهبة من أي تهديد. وخلال أسبوع واحد قبل 17 يوليو 2025، شارك نحو 1229 مظاهرة ووقفة شعبية، تعبيراً عن وحدة الموقف ورسوخ الإرادة.

وفي حديثه المستمر، يؤكد السيد القائد على أن الجهود مستمرة لتطوير القدرات العسكرية، لجعلها أكثر فاعلية في مهاجمة العدو الإسرائيلي، وترسيخ مبدأ أن تكنولوجيا المقاومة لن تكون عائقاً أمام الإرادة الصلبة، إذ أن اليمن، باستخدام سلاحه المتقدم من الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة، يفرض واقعا جديدا من المعادلات، يهدف إلى إلحاق تكاليف غير متناسبة بالعدو، وتوجيه رسائل ردع غير مسبوقة في تاريخه.

خلاصة القول:
إن القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي هي قضية وجودية، تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة. يتجلى هذا الالتزام في خطاباته، يحفظه الله، والتي تجمع بين العمق الإيماني، والنقد اللاذع للمتقاعسين، والدعوة الصريحة للجهاد، وصولاً إلى الانخراط العسكري المباشر والفاعل.

إن الأرقام والإحصائيات التي يقدمها حول العمليات اليمنية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب وفي العمق الصهيوني، هي شواهد على إرادة قوية لا تلين، وتصميم على نصرة الشعب الفلسطيني، مهما كانت التحديات والتضحيات. هذا الموقف يضع اليمن كفاعل رئيسي ضمن “محور المقاومة”، ويعكس طموحاً جيوسياسياً أوسع لتحدي الديناميكيات الإقليمية القائمة وإعادة تشكيلها. وسيظل الموقف اليمني من القضية الفلسطينية قوة دافعة رئيسية في سياسات اليمن، مما يؤثر على الافعال ولغة الخطاب، ويضع اليمن كلاعب ثابت ومؤثر في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.

مقالات مشابهة

  • سلطنة عمان تشارك في مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية
  • مدبولي: تجويع غزة جريمة حرب.. وموقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت
  • «مدبولي» يكشف ما فعله الجيش الإسرائيلي في معبر رفح من الجانب الفلسطيني
  • الجبهة الوطنية: القضية الفلسطينية محورية لمصر
  • مؤتمر تسوية القضية الفلسطينية يعتمد وثيقة ختامية
  • إعلان نيويورك يطالب بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين
  • في زيارة وداعية.. العرباوي يبحث مع سفير مصر تطورات القضية الفلسطينية
  • القضية الفلسطينية في ضمير ووجدان السيد القائد!!
  • وزير الصحة: مصر ضحت بالشهداء من أجل القضية الفلسطينية
  • الجدل حول هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر.. وحسم الجدل قانونيًا