خبراء: الجيش الإسرائيلي يبحث دون جدوى عن صورة للانتصار
تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT
القدس المحتلة- أوجزت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في عددها الصادر في اليوم الـ66 للحرب على غزة سيناريوهات التوغل البري بالقطاع، بالعنوان الرئيسي "القتال ما بعد الحرب"، في إشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي يسابق الزمن لإتمام عملياته العسكرية قبل نفاد الوقت الأميركي لوقف إطلاق النار.
يحمل هذا العنوان في طياته رسائل تسعى القيادة العسكرية لتمريرها إلى الجمهور الإسرائيلي تتلخص في أن عمليات التوغل البري في قطاع غزة لن تحقق أهدافها بتقويض حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقوتها العسكرية والسياسية.
كما تتلخص في أن العمليات العسكرية لم تسهم بتحرير المحتجزين الإسرائيلي لدى الفصائل الفلسطينية، وهو ما يلزم الجيش على البقاء في حالة قتال على جبهة غزة خلال عام 2024.
وتعكس هذه الرسائل السردية الإسرائيلية التي أخذت تتشكل لدى المستوى السياسي، الذي ما زال يروج إلى استمرار عمليات التوغل البري دون تحديد طبيعة الإنجازات التي حُققت، مع تكرار تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بأن الجيش بحاجة إلى المزيد من الوقت لإنهاء العمليات العسكرية.
يأتي ذلك وسط الارتفاع المتواصل بأعداد قتلى ضباط وجنود جيش الاحتلال بالمعارك البرية في غزة، الذين وصل عددهم إلى 104، لتصل حصيلة قتلى الجيش جراء الهجوم المفاجئ لحماس على مستوطنات "غلاف غزة"، بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 433.
وتتوافق هذه الرسائل التي استعرضتها الصحيفة مع تقديرات العديد من المحللين الإسرائيليين للشؤون العسكرية والأمنية، الذين أجمعوا على أن الجيش الإسرائيلي يسابق الزمن بحثا عن تأطير صورة "انتصار"، وذلك رغم اعترافات القيادة العسكرية بأن تحقيق أهداف الحرب يستغرق وقتا طويلا وليس أسابيع.
وتجمع التقديرات على أن جيش الاحتلال سيكون في حالة قتال دائمة، وسيواصل سنة 2024 العلميات العسكرية على الجبهة الجنوبية والاستنفار العسكري والانتشار الواسع للقوات على الجبهة الشمالية، فيما ستكون جميع الكتائب التابعة لقوات الاحتياط مطالبة بمواصلة الخدمة العسكرية للاحتياط خلال العام المقبل لمدة شهر واحد على الأقل.
وتشمل استعدادات الجيش الإسرائيلي رصد ميزانيات إضافية عام 2024 لتمويل مواصلة خدمة قوات الاحتياط في جميع القطاعات، في حين سيتم بحث تعديل قانون التجنيد لزيادة مدة الخدمة العسكرية الإلزامية لتصل إلى 3 سنوات، بعد أن كان هناك توجه في السابق لتقصيرها.
وفي إشارة إلى استمرار حالة القتال على جبهة غزة خلال سنة 2024، كتب مراسل الشؤون العسكرية والأمن في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع، مقالا بعنوان "مرحلة القضاء على الخلايا المسلحة بالقطاع ستتطلب المزيد من الخدمة لقوات الاحتياط وتمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية"، مما يلزم تجنيد ميزانيات إضافية لوزارة الأمن.
زيادة الخطر
ومع تعمق المناورة البرية في المناطق الأكثر إشكالية وصعوبة في قطاع غزة، يقول المراسل العسكري "يزداد الخطر على القوات، ويزداد قلق العائلات. إن الحرب طويلة ودموية، ولكنها أيضا ضرورة وجودية".
ويضيف يهوشع "فالجميع ينظر إلى النتيجة النهائية التي سيتم تحقيقها، ولهذا السبب يطلب الجيش الإسرائيلي منحه كل الوقت والسماح له بتنفيذ المهمة الكاملة لتقويض حماس وفقا للخطط".
وأوضح يهوشع أن الضربة القاسية التي تلقتها إسرائيل بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جعلت الجيش يدرك أن عليه الإصرار على مواصلة الحملة العسكرية الحالية لإزالة التهديدات التي تواجه إسرائيل، سواء من غزة أو لبنان، إذ يقول قادة الجيش "نريد الردع لسنوات عديدة لإبعاد الحروب".
وقدّر المراسل العسكري أن عملية التوغل البري بحاجة إلى عدة أسابيع إضافية، ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي أوضح أن الحملة في المرحلة الثانية بحاجة إلى شهر آخر على الأقل لتحقيق الأهداف.
ويعتقد يهوشع أن إصرار الجيش الإسرائيلي على مواصلة العمليات البرية مهما استغرق ذلك من وقت، يعكس خشيته من سيناريو إمكانية العودة إلى نقطة الحرب والمواجهة بعد عام، في حال عدم توجيه ضربة قاسية لحماس التي وجهت ضربة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الذي يوجد بحالة من "الإذلال الإستراتيجي" بعد فشله في منع معركة "طوفان الأقصى".
وأشار إلى أن السيناريوهات المتوقعة أن يكون عام 2024 عام قتال من نوع آخر، في حين يخطط الجيش الإسرائيلي لبناء ما يشبه الشريط الأمني داخل أراضي القطاع، مما سيتطلب كثيرا من الموارد والميزانيات، والقوى البشرية، والوسائل التكنولوجية، والهندسية.
من جانبه، كتب المحلل العسكري آموس هرئيل، مقالا في صحيفة "هآرتس" بعنوان "حماس تتآكل، والجيش الإسرائيلي يتساءل عن كيفية تسويق النصر؟"، في إشارة منه إلى أنه ليس بمقدور إسرائيل القضاء على حماس، وأن العلمية البرية بالقطاع لن تفضي إلى تقويض قوة الحركة العسكرية.
حالة تيه
ويرى هرئيل أن الجيش الإسرائيلي الذي يعي جيدا أن العد التنازلي لإنهاء الحرب على غزة قد بدأ، يوجد في حيرة من أمره وفي حالة تيه، وتساؤل بشأن كيفية تسويق صورة "الانتصار" للجمهور الإسرائيلي بعد الانسحاب من القطاع والإبقاء على حالة القتال على جبهة غزة.
واعتبر المحلل العسكري أن صور المعارك والتوغل البري للقوات الإسرائيلية في القطاع ربما تشير إلى بداية التغيير في الواقع الأمني، وذلك مع إعلان الجيش أنه بات قريبا من إحكام سيطرته على جباليا والشجاعية، مؤكدا أنه "من دون عودة المحتجزين الإسرائيليين أو قتل قيادة حماس، سيكون من الصعب الشرح للجمهور الإسرائيلي تقليص القتال بالمستقبل".
وتعليقا على تصريحات القيادة العسكرية الإسرائيلية بوجود "علامات انكسار لدى حماس"، قال هرئيل إن "التعريف الأكثر حذرا وواقعية هو علامات التآكل وليس الانكسار. فكما هو الحال مع الجيش الإسرائيلي، أيضا حماس تقاتل بقوة منذ أكثر من شهرين، في ظل ظروف صعبة".
وعلى النقيض من الجيش الإسرائيلي، يضيف هرئيل "حركة حماس حققت إنجازا عسكريا كبيرا يحسب لها في بداية الحرب بالهجوم المفاجئ الذي شنته في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
ويختم "ولتحقيق أي إنجاز، سيكون من الضروري اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم توسيع العملية البرية في الجنوب إلى المناطق التي لم ينشط فيها الجيش الإسرائيلي من قبل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أن الجیش الإسرائیلی التوغل البری إلى أن
إقرأ أيضاً:
المليشيات والأذرع العسكرية للمشروع الإسرائيلي تنفذ مخطط التفكيك والتقسيم في اليمن
لم تعد التحركات الأخيرة في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة مجرد “صراعات داخلية” حسبما يصورها البعض، فالأحداث التي شهدتها حضرموت، والمهرة ، وعدن وغيرها خلال الأيام الماضية كشفت بوضوح حجم المخطط الخارجي الذي يدار من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة ودعم اماراتي، وينفذ عبر أدوات محلية تتمثل في مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي و طارق عفاش، اللذين يقدمان نفسيهما كقوى محلية، بينما هما في الحقيقة أدوات احتلال بالوكالة، تعمل ضمن صفقة مكتملة الأركان تهدف إلى تفتيت اليمن والسيطرة على ثرواته وموانئه وموقعه الاستراتيجي.
الثورة / مصطفى المنتصر
وقد شهدت المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة ، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة وعدن، خلال الأيام الماضية تحولات خطيرة كشفت حجم التورط الخارجي في الشأن اليمني، ووضعت المجلس الانتقالي الجنوبي وميليشيات طارق عفاش في واجهة المشهد باعتبارهما الأدوات المحلية المنفذة لأجندة إماراتية–إسرائيلية–أميركية تهدف إلى تفكيك اليمن وتقويض سيادته ، فالتطورات الميدانية التي جرت بوتيرة خاطفة لم تكن نتيجة صدامات داخلية بقدر ما كانت انعكاساً لمخطط خارجي محكم، بدأ مع الانتشار المفاجئ لمليشيات الانتقالي في مدن وادي حضرموت والمهرة ومحيط عدن، وسط انسحابات غير متوقعة من بعض المليشيات المحسوبة على حزب الإصلاح الموالي للسعودية في مشهد حمل كل ملامح الترتيب المسبق والتنسيق عالي المستوى.
قواعد إماراتية إسرائيلية تدير التحركات العسكرية للسيطرة على الممرات
وتشير المعطيات السياسية والأمنية إلى أن تلك التحركات لم تكن وليدة اللحظة ولا تعبيراً عن نزعة انفصالية فحسب، بل جاءت استجابة مباشرة لتوجيهات صادرة من غرف عمليات إماراتية وإسرائيلية أُنشئت خلال الأشهر الماضية في قواعد وجزر جنوبية، وارتبطت بمنظومة مراقبة ومعلومات توفرها واشنطن وتل أبيب ضمن ما يُعرف بـ “التحالف الأمني الجديد” الذي تسعى أبوظبي إلى تثبيته شرق البحر العربي. وتؤكد مصادر عسكرية أن سرعة السيطرة على المواقع العسكرية والنقاط الحساسة لم تكن ممكنة لولا أن الانتقالي تلقى دعماً عملياتياً مباشراً، سواء في الخطط أو في وسائل الاتصال والتوجيه، وهو ما جعل الأداء العسكري يتجاوز قدرات هذه المجموعات التي اعتادت العمل بأسلوب عشوائي لا علاقة له بتنفيذ عمليات منظمة بهذا المستوى.
وفي جوهر هذا التحرك العسكري، ظهرت مصالح إسرائيلية واضحة تتجاوز وجود الإمارات في الجنوب اليمني المحتل فالمناطق التي اندفع إليها الانتقالي ليست مجرد مدن يمنية، بل مساحات ترتبط بالساحل العربي ومحطات النفط والغاز وممرات بحرية تشكل أهمية خاصة للبحرية الإسرائيلية، الساعية منذ سنوات لإيجاد موطئ قدم آمن لها في المحيط الهندي وباب المندب. وقد سبق أن كشفت تقارير محلية ودولية عن وجود خبراء إسرائيليين في سقطرى وفي قواعد إماراتية داخل عدن والمكلا والمهرة والساحل الغربي، مما يجعل التحركات الأخيرة امتداداً طبيعياً لمسار اختراق مدروس للجنوب اليمني بهدف إحكام السيطرة على مواقع حيوية يمكن استخدامها في التجسس وعمليات الرصد أو حتى كمنصات عسكرية ضد محور المقاومة.
الانتهاكات وعمليات التطهير العنصري
ومع الاندفاعة العسكرية للانتقالي، شهدت حضرموت والمهرة موجة واسعة من الانتهاكات التي طالت ضباطاً وجنوداً ومدنيين من أبناء المحافظات الشمالية، في سلوك يعكس العقلية العنصرية التي تغذيها أبوظبي داخل أذرعها العسكرية والتي تتشابه إلى حد ما مع الانتهاكات التي تنفذها مليشيات الدعم السريع الموالية للإمارات في السودان. أقدمت مليشيات الانتقالي على إعدام عدد من المواطنين والضباط في ما يسمى المنطقة العسكرية الأولى بعد اعتقالهم، وحجز جثثهم قبل أن يُسلموا جثثاً إلى المستشفيات.
وبحسب مصادر حقوقية التي كشفت عن خسائر ما وصفته بالهجوم “المنظم” الذي شنته مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، على مدينة سيئون وعدد من مديريات وادي حضرموت ومحافظة المهرة، سقوط ما يقارب 100 قتيل في المواجهات الأخيرة.
كما طالت الاعتقالات مئات المدنيين الذين جرى اقتيادهم من الشوارع والأسواق ومن نقاط التفتيش بسبب انتمائهم المناطقي، في انتهاكات صارخة وصفتها منظمات حقوقية بعمليات تطهير عرقي لا علاقة لها بالقانون ولا بالأعراف.
وفي سيئون تحديداً، وثق شهود عمليات نهب منظمة للمقرات الحكومية والممتلكات الخاصة بالتزامن مع دخول مليشيات الانتقالي وطارق عفاش، في وقت تحدث فيه سكان مناطق عدة عن سطو على المركبات والمحلات التجارية ومحاولات للاستيلاء على منازل مملوكة لمدنيين.
وانتقلت هذه الانتهاكات إلى الاعتداء على شخصيات اجتماعية جنوبية رفضت التواجد وتأييد هذه العمليات العسكرية، وتعرض بعض الناشطين للتهديد بالتصفية، في محاولة لإسكات أي صوت رافض وتحويل الجنوب إلى منطقة خاضعة بالقوة لحكم الميليشيات ،وتزامن هذا الانتشار مع إدخال مجموعات تابعة لطارق عفاش إلى مناطق متفرقة من المهرة وحضرموت، في خطوة بدت مكشوفة من حيث الهدف والدافع، خصوصاً أن الإمارات تعتمد على هذه الميليشيات كذراع عسكرية ثانية موازية للانتقالي، تستخدمها لضبط إيقاع المشهد وضمان عدم خروج القرار المسلح عن قبضتها.
ويصف مراقبون هذا التوزيع للقوى بأنه محاولة لصناعة “مليشيات دولة موازية” تتقاسم النفوذ وتتبع جميعها القيادة الإماراتية، بحيث لا يملك اليمنيون أي قدرة على فرض قرار وطني مستقل في المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الاحتلال السعودي الإماراتي.
توحيد الجبهة الوطنية لمواجهة مشروع احتلال
ان توقيت هذه التحركات لا ينفصل عن المشهد الإقليمي، إذ يرى محللون أن صعود العمل المقاوم اليمني ضد الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب دفع واشنطن وتل أبيب إلى البحث عن أوراق ضغط داخلية لإعادة تشكيل الجبهة الجنوبية وخلق إرباك يحد من قدرة صنعاء على مواصلة عمليات الردع ، ويبدو أن الإمارات تولت دور “المقاول” التنفيذي لهذه الخطة، محاولة تحويل الجنوب المحتل إلى قاعدة ضغط بديلة، عبر استخدام أدواتها المحلية لإشعال الفوضى وتأجيج الصراع الداخلي.
ولأن المشهد يرتبط بصورة مباشرة بمخطط احتلال جديد، فإن خطورته لا تقتصر على الانتهاكات أو السيطرة الميدانية، بل تتعدى ذلك إلى تهديد وجودي لوحدة اليمن وسيادته. فالمشروع الذي يجري تنفيذه في حضرموت والمهرة وعدن لن يقف عند هذا الحد وتكريس لحدود الانفصال المعلن الذي يتبناه الانتقالي، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تشكيل المناطق الجنوبية والشرقية المحتلة ككيان تابع للإمارات وإسرائيل، تتحكمان بموارده وثرواته وموانئه وممراته البحرية، فيما يُترك أبناؤه رهائن لمليشيات تعمل بالوكالة ولا تؤمن بالانتماء للوطن والوحدة ولا بالنسيج الوطني.
إن التطورات الأخيرة تضع اليمن أمام مرحلة دقيقة، فالصمت على ما يجري يعني القبول بالاحتلال الجديد الذي يتخفى خلف شعارات سياسية زائفة بينما يعمل على تدمير ما تبقى من سيادة وطنية ، والوقائع الميدانية تؤكد أن الانتقالي وميليشيات طارق عفاش لم يعودا قوى محلية، بل أصبحا جزءاً من منظومة إقليمية ودولية تستهدف اليمن أرضاً وشعباً وهوية، وتعمل على تمزيق الجنوب واستخدامه منصة عدائية ضد مصالح اليمنيين ، ومع كل ذلك، فإن إرادة الشعب اليمني ومسار التحرر الذي تقوده صنعاء يشكلان السد الحقيقي في مواجهة هذا المشروع، وقد أثبتت التجارب أن اليمنيين قادرون على إفشال المخططات الخارجية مهما بدت معقدة ومتعددة الأطراف.
وما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة ليس سوى مرحلة من مراحل التهديد الخارجي ، والتي تتطلب توحيد الجبهة الوطنية وإسناد القوى الوطنية الرافضة للاحتلال، وتحويل الوعي الشعبي إلى قوة مواجهة قادرة على إفشال جميع محاولات فرض الوصاية والهيمنة الأجنبية.