أكد الدكتور محمد فتح الله، الخبير التربوي وأستاذ القياس والتقويم بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، أن قطاع شؤون البيئة وخدمة المجتمع في محافل الجامعات المصرية، يتألق كقطاع حيوي وأساسي في الهيكل التنظيمي للجامعة وكلياتها المختلفة، مشيرًا إلى إنه السفير الفعال الذي يشرف على تحقيق مستوى متميز من الخدمات، حيث يمثل النافذة الوحيدة التي تطل منها الجامعة على المجتمع المحيط.

 

خبير تربوي: الجامعات تلعب دورًا أساسيًا في تمكين الشباب لمواجهة تحديات العصر خبير تعليم: الجامعات تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتأهيل الشباب للقيادة  الجامعات قادة في تحقيق التغيير

وأضاف أن الجامعات المصرية تظهر كقادة فعالة في تحقيق التغيير وتطوير المجتمع، موضحًا أن تفاعل قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة يجعل من الجامعة المحطة الأمثل لتحقيق التطلعات المستدامة ورسم خريطة مستقبل واعد يستند إلى التفوق العلمي والاهتمام بالبيئة وخدمة المجتمع.

رؤية شاملة لتنمية المجتمع

وأوضح أستاذ القياس والتقويم بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، أن مهام قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة تعتبر شاملة ومتعددة الأوجه، حيث يتمثل دوره في الوقوف على المشكلات الحقيقية التي يواجهها المجتمع، ومن ثم إيجاد حلول علمية تعزز التنمية المستدامة للمجتمع، حيث يشكل هذا النهج الشامل ركيزة أساسية في تحقيق أهداف التنمية المصرية المستدامة والتي تأتي ضمن إطار رؤية مصر 2030.

ترسيخ التواصل بين الجامعة والمجتمع

تعد الجامعات المصرية منارة تنير الطريق للتواصل الفعال بين الجامعة والمجتمع المحيط، فقطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة يلعب دور الوسيط الحيوي في تحليل احتياجات المجتمع والمساهمة في إيجاد الحلول العلمية الملائمة.

التنمية المستدامة هدف يسعى القطاع لتحقيقه

وأشار إلى أن أهمية قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة تتجلى في دعم التنمية المستدامة وتمكين المجتمع لمواكبة التقدم، حيث يتفاعل القطاع مع رؤية مصر 2030، حيث يسهم بشكل حيوي في تحقيق أهدافها من خلال تنمية البيئة الاجتماعية والفعاليات المجتمعية.

إشراك البحث العلمي في خدمة المجتمع

ولفت إلى قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة يأخذ دورًا مبدعًا في إشراك البحث العلمي في خدمة المجتمع، يتيح هذا التفاعل تقديم حلول علمية للتحديات المجتمعية، وتعزيز تأثير الجامعة في تحسين جودة حياة المجتمع.

مسيرة نحو مجتمع مستدام

في ظل التحولات البيئية وتحولات المجتمع المستدام، يشكل قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة المحرك الرئيسي للجامعات نحو تحقيق التنمية المستدامة.

التحول البيئي

أشار الخبير التربوي إلى الدور الفعال الذي تقوم به الجامعات داخل المجتمع، حيث تشارك في مختلف القضايا المجتمعية مثل محو الأمية وقوافل الرعاية الطبية ومبادرات أخرى، وذلك بهدف تحقيق رؤية مصر 2030. ومن بين هذه المبادرات يأتي مشاركتها في مبادرة "حياة كريمة"، التي تشمل تخصصات متعددة، بالإضافة إلى مشروع محو الأمية.

وأوضح الخبير التربوي أن الجامعات تمتلك العديد من الكوادر العلمية في مجالات متنوعة، سواء في النواحي الاقتصادية أو الطبية، مما يمكنها من تقديم العديد من الخدمات المجتمعية، مشيرًا إلى أهمية تنمية قدرات الإبداع لدى الطلاب، حيث يعتبر ذلك هدفًا أساسيًا يسعى إليه العديد من بلدان العالم، فالإبداع يتمثل في القدرة على التفكير خارج الصندوق، وابتكار أفكار جديدة وفعالة.

وأوضح أن الإبداع ليس حكرًا على أصحاب المواهب الخاصة فقط، بل هو ظاهرة إنسانية طبيعية يمكن أن يمتلكها جميع الأفراد بدرجات متفاوتة وبأساليب متنوعة. لذا، يجب على الجامعات رفع مستوى الوعي بأهمية الإبداع لدى الطلاب وتمكينهم من اكتساب القدرة على الابتكار.

أهمية خدمة المجتمع للجامعات

وأشار إلى أن خدمة المجتمع تعد من أهم وظائف الجامعة في الوقت الراهن، وذلك لما لها من أهمية في الآتي:

تنمية القدرة على المشاركة والإسهام في بناء المجتمع وحل مشكلاته: 

حيث تساهم خدمة المجتمع في إعداد الطلاب ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، وذلك من خلال تعريفهم بمشكلات المجتمع وكيفية حلها، وتنمية مهاراتهم في المشاركة والتعاون.

ربط البحث العلمي باحتياجات قطاعات الإنتاج والخدمات: 

حيث تساهم خدمة المجتمع في ربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع، وذلك من خلال تقديم الحلول العلمية للمشكلات التي تواجه المجتمع، ونقل نتائج البحث العلمي إلى الواقع.

جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في خدمة المجتمع

تسعى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الأعلى للجامعات إلى إحداث دور هام وبارز للجامعات في خدمة المجتمعات المحيطة بها، وذلك من خلال الآتي:

- توفير الدعم المالي للجامعات للمشاركة في الأنشطة والبرامج المجتمعية المختلفة.

- تطوير المناهج الدراسية لتشجيع الطلاب على المشاركة في خدمة المجتمع.

- تشجيع الجامعات على إنشاء مراكز ووحدات متخصصة في خدمة المجتمع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامعات المصرية الجامعات رؤية مصر 2030 التنمية المستدامة قطاع خدمة المجتمع وتنمیة البیئة التنمیة المستدامة فی خدمة المجتمع البحث العلمی فی تحقیق من خلال

إقرأ أيضاً:

السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)

في مدخل مبتكر، افتتح الشيخ الفيلسوف طه عبد الرحمن محاضرته حول السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي، بمصطلح "ما بعد الحقيقة" وأقصى الأخلاق والدين كمصدر للقيم من العمل السياسي.. لفضح تلك المقولة (ما بعد الحقيقة) "التي افتتن بها بعض من ينتمون إلى مجال الأكاديميا بل جعلوا منها فلسفة"، ومنهم من أقرها "نظرية علمية". إنه عصر منطق الغموض الذي يخرج عن معاني الحد والتحديد إلى منطق الغموض الذي سماه البعض الغموض البنّاء والخلّاق، في محاولة الهجوم على معاقل اليقين ومعاقد الصدق؛ إلى ما لا نهاية ينعي على التحديد وينعدم اليقين وتتربع على عرشه النسبية في حالة عدمية وربما فوضوية.

ولهذا قال الشيخ في محاضرته إن الأولى تسمية كل ذلك "ما بعد الصدق"؛ في هذا العصر الذي صار فيه الغرب مغرما في فتح باب "الما بعديات". ما بعد الصدق؛ يتضمن مدى الأذى للإنسانية بصدد المعرفة والأخلاق.. الذي يتحكم بعالم التصورات، وعالم التصرفات لا يأبه بالمضار ولا يعير التفاتا للصدق الائتماني؛ فهذا ما بعد الحقيقة ليس إلا، وهو أبدا ودائما الوهم والسياسي التوهمي؛ والذي يقابله بالضرورة السياسي التحققي الذي يسلم بالائتمان والأمانة والصدق والمصداقية في جوهر الحقيقة والحق (الحقيقة). إن تقعيدا قرآنيا مكثفا لهذه الحال يكمن في هذه الآية: "فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" (يونس: 32).

"ما بعد الحقيقة" مفهوم احتُفي به في الغرب وجعلوه مصطلح العام، خاصة بعد تولي ترامب في رئاسته الأولى (2016) وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. "post truth" كان يشير لدراسة ظاهرة مصنّعة تتسم بالخطورة في منطقها وفلسفتها ورؤيتها؛ يردها الشيخ إلى إنشاء الكيان الصهيوني في العام 1948، ولا تزال آثارها تتراكم بفعل التواطؤ العالمي على الحقيقة؛ والتعدي الدولي على المصداقية والحقيقة في غزة.

ما زال "صراع السرديات" قائما حول طبيعة هذا الصراع المصيري والحضاري والأخلاقي والقيمي والإنساني والكوني والتحليل الائتماني؛ صراع السرديات وصدام المفاهيم والإدراكات كشعبة من "صدام الحضارات"
وما زال "صراع السرديات" قائما حول طبيعة هذا الصراع المصيري والحضاري والأخلاقي والقيمي والإنساني والكوني والتحليل الائتماني؛ صراع السرديات وصدام المفاهيم والإدراكات كشعبة من "صدام الحضارات" الذي بشّر به "صمويل هنتنجتون" وما تبناه "فوكاياما" من "نهاية التاريخ" معلنا انتصار الحضارة الغربية انتصارا مؤزرا بلا معقب؛ لقد كتب التاريخ نهايته.

ورغم أننا نؤكد على قيمة هذا الأمر الملفت في الحضارة الإنسانية بالنشأة المصطنعة للكيان الصهيوني ودولته الوظيفية على حد تعبير "عبد الوهاب المسيري"، والذي شكل انعكاسا حقيقيا لما بعد الحقيقة؛ وعملا فاضحا لا يكتفي بطمس الحقائق ولكنه تفنن في الكذب والتزوير عليها ضمن سرديات الافتراء والتزييف، إلا أن ذلك كان يشير إلى ولادة جديدة لعلم السياسة وتصنيع مفهوم جديد للسياسة يفصل فصلا تاما بين الأخلاق والدين والسياسة بقيمها الخاصة وقاموسها المبتذل؛ الذي أنتج بحق ما أشار إليه الشيخ الفيلسوف بنموذج السياسي التوهمي في مواجهة السياسي التحققي والحقيقي.

التحليل الائتماني لما بعد الحقيقة يعني ضرورة تجاوز الظاهرة الأزمة التي لم تتوقف عن إطلاق العنان للكذب والافتراء.. وإطلاق العنان للهوى والغرائز من عقالها.. واستخدام مقولات مريبة من مثل شعب بلا أرض وأرض بلا شعب.. وأنه لا وجود لشعب فلسطيني الذي لم يوجد قط.. كما أوحت بذلك رئيسة الوزراء السابقة للكيان الصهيوني جولدا مائير، والتشكيك في الحقائق التاريخية ومحاولة طمسها؛ في مهزلة لا تستند لعلم وتصطنع مغالطات بحجج فكاهية من مثل أن حرف "P" لم يوجد في العربية، إشارة إلى منطوقها الغربي "Palestine" على ما أشارت عضوة في "الكينيست" الصهيوني. وشاهد ذلك إنكار المعرفة العلمية أو الموضوعية وكذا الخبرات العيانية والتاريخية، والتشكيك والدفع بتهم معاداة السامية والإرهاب كمسلك ابتزاز حتى على أجهزة الأمم المتحدة، واستغلال الشبكة العنكبوتية كوسائل لطمس الحقائق وعزل المجموعات بعضهم البعض، والفصل العنصري الرقمي حيث يتقصدون هؤلاء المؤثرين والرأي العام والتلاعب به.

إن نقض هذا المفهوم وكل ما يترتب عليه من مآلات هو القمين برفع الأذى المترتب على ما بعد الحقيقة والتجاوز إلى ما بعد الصدق الكاشف والفاضح.. والوقوف في مواجهة محاولة تمرير ما بعد الحقيقة كحقيقة.. والارتباط بعروة وثقى بين الحقيقة والحق.. وفضح التعدي علي تلك العلاقة.

وفي مدخلين آخرين يمكن استصحابهما في هذا المقام؛ مدخل الفلسفة السياسية، ومدخل السياسة في الرؤية الإسلامية. الأول منهما يشير إلى السياسي الميكيافللي الذي يستقي مصدره من كتاب "ميكيافللي" الأشهر "الأمير"؛ بل اشتُقت منه النظريات ليس في علم السياسة فحسب ولكن في علوم النفس والاجتماع؛ من مثل الذكاء الميكافيلي (بالإنجليزية: Machiavellian intelligence) الذي يعبر عن قدرة الكائن الحي على المشاركة السياسية الناجحة مع المجموعات الاجتماعية. جاءت المقدمة الأولى لهذا المفهوم من كتاب "سياسة الشمبانزي" (1982) لفرانس دي فال، والذي وصف المناورة الاجتماعية مع اقتباس مكيافيلي الواضح. تفترض هذه الفرضية أن تطور الأدمغة الكبيرة والقدرات المعرفية المميزة للإنسان حدثت بفعل المنافسة الاجتماعية الشديدة، حيث قام المتنافسون الاجتماعيون بتطوير استراتيجيات "مكيافيلية" متطورة كوسيلة لتحقيق نجاح أعلى في الحياة الاجتماعية. يشير المصطلح إلى الفرضية القائلة بأن التقنيات التي تؤدي إلى أنواع معينة من النجاح السياسي داخل مجموعات اجتماعية كبيرة قابلة للتطبيق أيضا داخل مجموعات أصغر، بما في ذلك وحدة الأسرة. قدّم مصطلح "السياسة اليومية" لاحقا في إشارة إلى هذه الأساليب المختلفة.

 في مجال علم نفس الشخصية، تعتبر المكيافيلية سمة نفسية ترتكز على التلاعب بالآخرين، والفتور العاطفي، واللامبالاة بالأخلاق. على الرغم من أن المكيافيلية لا علاقة لها بشخصية مكيافيلي التاريخية أو بأعماله، إلا أنها سميت بهذا الاسم نسبة لفلسفته السياسية.

تعتبر المكيافيلية واحدة من سمات ثالوث الظلام، إلى جانب النرجسية والسيكوباتية، وترتكز على منظومة من مفاهيم تواكب هذا المفهوم؛ اللاأخلاقية والاستهتار ولعبة الثقة وخداع الجماهير والخداع عامة والنزعة للهيمنة الاجتماعية والسياسية.

يقول ميكيافللي في صدر كتابه موجها كتابه ونصائحه للأمير: "فَسُموّكم يعرف أنّي لا أستطيع أن أهديكم أعظم من هذا الكتاب.. فهو سيمكّن سموّكم من التعرف في وقت قصير على كلّ ما اكتسبته طوال حياتي، وهو ما تحملت لأجله الكثير من الأخطار والفقر، طوال سنوات عمري الطويل".

يخلص الدكتور "عادل حدجامي" في مقاله المهم "نيكولا ماكيافيلي.. السياسة فيما وراء الخير والشر"؛ إلى القول: "لكل هذه الاعتبارات، فإنّ قراءة الكتاب ينبغي أن تكون مقلوبة، وهذه أهم المفاتيح الممكنة لقراءة هذا النص بحسب ما يبدو لنا، فعوض أن تكون السياسة فعلا وفق معيار هو الأخلاق، تصير الأخلاق ذاتها "وسيلة" سياسية، فلا يتم فهمها إلا في إطار اقتصاد الوسيلة، ثم عوض أن نبحث للسياسة عن نموذج متعالٍ، نطرحها كفعل محايث لا نموذج يرد إليه، لأنّ العالم نفسه خالٍ من النماذج الكليّة والأوثان المتعالية التي يمكن أن نفزع إليها".

أما المدخل الثاني فهو يرتبط بمفهوم السياسة وحقيقة الفعل السياسي وشيوع مفهوم السياسة مرتبطا بأوصاف سلبية؛ فصارت كما يراها البعض في جوهرها كذلك، حتى تسلل ذلك إلى المعاجم الغربية ذاتها والعربية خاصة المستحدث منها؛ واستدل بممارسات عدة كلها تشير إلى صفات المراوغة والخداع والكذب والنفاق والمداهنة، حتى أتى من يلعن السياسة في لفظها ومعناها "لعن الله ساس ويسوس وكل فعل يأتي من السياسة"؛ وارتكن البعض إلى فعل السياسة لا معناها ومغزاها الحقيقي المرتبط بالصلاح والإصلاح والمصلحة، وأهمل وأغفل متعمدا هذه المعاني؛ ضمن قانون اقتصادي غربي "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة"، وبات مفهوم السياسة العربي والإسلامي مردودا مغفلا؛ متروكا مهملا، وهو ما حدا بنا إلى الكتابة حول مفهوم السياسة والسياسي ورد الاعتبار لهما؛ "القيام على الأمر بما يصلحه"، أو كما أثبت الإمام ابن القيم عن أستاذه؛ "السياسة ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد". وبدا الأمر أننا أمام منظومتين منظومة تجعل السياسة جوهرا وأساسا صراعا من أجل السلطة؛ وأخرى تجعل من السياسة عملا إصلاحيا بالمفهوم الواسع للإصلاح.

نموذج السياسي التوهمي هو القائم بالعمل في معاقل الاستبداد والاستعمار؛ وأن السياسي الحقيقي هو العامل الفاعل في مشاتل التغيير والإصلاح. ولهذا بقية حول الوظيفة الكفاحية للعالم والتزامه الائتماني ومسئوليته السياسية في عمله التغييري والنهضوي
ولعل هذا الكتاب -كتاب الأمير- قد وضع إشكالية السياسة والأخلاق على المحك. لقد كان مالك بن نبي، فيلسوف الحضارة، وكذا الرئيس الفيلسوف علي عزت بيجوفيتش؛ على دراية تامة بهذه المعاني التي تربط بين السياسة والأخلاق. كان مالك موضحا الفارق الكبير والمناقضة الأساسية بين السياسة والبولوتيك، وقد أولى اهتماما بالغا لفاعلية "الدستور الخلقي في العمل السياسي" كما أشار البعض؛ وذلك بعد أن أهدر الانحراف السياسي في العالم العربي والإسلامي مسار نهضتها، وهذا ما استدعى ضرورة تفكيك العوامل الداخلية والخارجية التي أعاقت مساعي العمل السياسي النزيه والناجح، فحصر هذا الفشل في جملة من المعوقات اعتبرها أخلاقية بالأساس؛ حيث تفشت أمراض الدجل السياسي التي أهدرت المشاريع الجادة التي تخدم الصالح العام للمجتمع، وبناء على ذلك رصد منظومة من القيم الأخلاقية التي توجه العمل السياسي. وكما قال المفكر الجزائري مالك: "إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فإن السياسة بلا أخلاق خراب الأمة".

وفي 1984 نشر الرئيس بيجوفيتش كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب". وللكتاب قصة، فقد بدأ تحريره سنة 1946، ولكن أثناء ملاحقاته أخفته شقيقته ولم يُعثر عليه إلا في نهاية الستينات، فأعاد صياغته ثم أرسله إلى صديق في كندا. فنُشر وهو يقضي فترة سجنه. وميزة هذا الكتاب من وجهة نظر كاتبه؛ التركيز على القيم التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء؛ فكان هذا الكتاب "هو دعوةٌ للغرب، على مستويَي الفِكر والممارسة، إلى فضاءٍ أرحبَ وَسَطٍ بين تناقضاتِه التي ما انفكّ يُطحَن بينها ويَطحنُ معه فيها سائر شعوب العالَم في هذا العصر، إنّها دعوةٌ إلى الانعتاق من مثاليّاتِه المنحطّة إلى واقعيّة الإسلام المتعالية، ومِن أحاديّته اللا إنسانية إلى ثنائية الإسلام التي لا اعتراف بحقيقة الإنسان إلا بها".

من رحم المصفوفتين يولد نموذج السياسي التوهمي والسياسي الحقيقي لدى الشيخ الفيلسوف، ويتحقق معنى الرؤية الائتمانية والميثاقية بين هذين النموذجين. ولعل نموذج السياسي التوهمي هو القائم بالعمل في معاقل الاستبداد والاستعمار؛ وأن السياسي الحقيقي هو العامل الفاعل في مشاتل التغيير والإصلاح. ولهذا بقية حول الوظيفة الكفاحية للعالم والتزامه الائتماني ومسئوليته السياسية في عمله التغييري والنهضوي؛ قال تعالى: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقا حَسَنا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: 88).

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)
  • جامعة حلوان تحقق إنجازات رائدة نحو التنمية المستدامة
  • "حماية المستهلك" تعمل على تحسين الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة وتطوير الحلول الرقمية
  • ماكرون يشيد بدور العراق الإقليمي والدولي في تعزيز الأمن والسلم في المنطقة
  • «إسلامية دبي» تطلق مبادرة مراكز خدمة الأحياء السكنية
  • “إسلامية دبي” تطلق مبادرة مراكز خدمة الأحياء السكنية
  • ماكرون يشيد بريادة المغرب في مجال الاقتصاد الأزرق خلال قمة "إفريقيا من أجل المحيط"
  • حمامات كركوك الشعبية.. ذاكرة الماء والتراث تتلاشى أمام جرافات التغيير
  • حمامات كركوك الشعبية.. ذاكرة الماء والتراث تتلاشى بهدوء أمام جرافات التغيير
  • رئيس اللجنة الكشفية العربية يشيد بتميز المملكة في تنظيم حج 1446هـ