الوظيفة أُخت الفقر الشقيقة
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
بعد التخرج مباشرة وربما قبله كانت غالبية الطلاب تبحث عن وظائف «حكومية» إلا من كانت الوظائف تنتظر تخرجهم.
ما طبيعة هذه الوظائف؟ وأين ستكون؟ وما مميزاتها؟ فذلك مما لم يكن يعنيهم كثيرًا، فتأمين مكان لهم تحت الشمس «حتى في غير مجال التخصص» والتمتع بالاستقلالية المالية كانتا حينها هي الغاية وأُم الأمنيات.
لم يكن لدى معظم الطلاب خارطة طريق لما يجب إنجازه من أولويات ولا يمتلكون أية أفكار يمكن تنفيذها مستقبلًا لتأسيس حياة مستقرة ماديًا، فحماس دخول عالم الوظيفة كان كفيلًا بحجب الضوء عن زوايا مُعتمة من بينها خطر الاعتماد اللامحدود على الوظيفة التي سيتبين مع الأيام أنها تقود إلى الفقر والحاجة كون دخلها وحده يقود للاقتراض من أجل الإيفاء بمتطلبات الحياة، بدءا من السيارة وانتهاء بتأثيث المنزل «إلا ما رحم ربي».
في تلك المرحلة لا أتذكر أن أحد الأصدقاء أتى يومًا على ذكر أنه ينوي تأسيس مشروع خاص مستقل به أو شراء عقار أو الدخول في شراكة تجارية مع أحد ولو بشكل محدود، فحلم الظفر بوظيفة حكومية كان غاية الغايات وهذا الوضع طبعًا لا ينطبق على آخرين ممن كانت أسرهم تفكر خارج الصندوق «بحكم وضعهم الاجتماعي».
لقد كان للوظيفة الحكومية بريقها.. أليست هذه الوظيفة هي التي خولت للبعض قيادة سيارة تحمل رقمًا حكوميًا «يتفشخر» بها أيام الأعياد والمناسبات الاجتماعية ويستخدمها في «الترفيه والترويح» عن أسرته عندما يخرجون سوية لتفقد جريان الأودية فترة هطول الأمطار والذهاب في نزهات لا يحملون فيها هَمّ وقود سيارتهم كتلك التي تأخذهم إلى قمم الجبال والمرتفعات أو عندما يقررون افتراش الصحاري.
إذا كانت الإجابة بنعم، فإن مبرر اللهاث خلف ذلك الحلم يصبح مشروعًا لطالب حديث التخرج ينتمي لأسرة محدودة الإمكانات أقصد «فقيرًا».
ورغم أن بعض الطامحين قبضوا على وظائف حكومية كما كانوا يحلمون، إلا أنهم اُختطفوا من قِبل تلك الوظائف بما أحاطتهم به من وهج وأهمية مفتعلة، فلم ينتبهوا إلى بناء أنفسهم بالبحث عن مصادر دخل مساندة ولم يلتفتوا إلى أن الوظيفة تظل مؤقتة وأنهم مُعرضون لفقدانها ربما لعوارض صحية أو نتيجة لتغير القوانين أو بسبب الأزمات الاقتصادية. يصحو الكثير ممن سرقت أعمارهم الوظيفة واكتفوا بما توفره لهم من دخل وحضور مجتمعي بعد انتهاء الخدمة على حالة من الفقر والعوز والوضع المادي والنفسي المتردي.. يصحون بعد التقاعد على واقع جديد مؤلم ، سمته الضعف المالي والانكسار المعنوي الذي لا سبيل لجبره.
آخر نقطة..
على الجيل الجديد الاستفادة من تجارب الذين سبقوه وأن لا يُعوِل على وظيفة قد تعصف بها الظروف. إن الذين رهنوا مستقبلهم بوظيفة مقيِدة للطموح خرجوا فقراء منها، وإن بمستويات متفاوتة، فهي بلا شك أُخت الفقر الشقيقة.
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السعوديون أولى بوظائف الواجهة
في زمن تتسارع فيه خطوات التنمية، وتتعاظم فيه طموحات الوطن، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد- حفظهما الله – أصبحت فرص العمل للشباب السعودي مسؤولية وطنية وأمانة اقتصادية، لا مجرد قرار تنظيمي أو مبادرة وقتية.
فاليوم، ومع ما حققته رؤية 2030 من نقلة نوعية في برامج التوطين وتمكين الكفاءات الوطنية، يبرز تساؤل منطقي:
لماذا لا تكون الوظائف المتوسطة، وخاصة في المبيعات والتسويق والاستقبال، محصورة في السعوديين والسعوديات
هذه الوظائف ليست هامشية- كما يظن البعض- بل هي الواجهة التي تمثل الشركة أمام عملائها وشركائها. وهي التي تصنع الانطباع الأول عن جودة الخدمة والمصداقية والاهتمام. ومن الطبيعي أن يكون من يشغلها هو ابن الوطن، الذي يفهم طبيعة المجتمع، ويتحدث بلسانه، ويعكس ثقافته وقيمه.
إن المبيعات ليست مجرد عملية تبادل تجاري، بل هي فن بناء الثقة بين العميل والمنشأة، وهي الثقة التي تتعزز حين يكون من يتحدث باسم الشركة شابًا سعوديًا يدرك احتياجات السوق المحلي، ويشارك عملاءه الهمّ والاهتمام.
وكذلك الحال في وظائف التسويق والعلاقات العامة والاستقبال، فكلها تعتمد على الانطباع والتفاعل والروح الوطنية، وهي عناصر لا تُكتسب من التدريب وحده، بل من الانتماء.
لقد بدأت وزارة الموارد البشرية بخطوات جادة في هذا الاتجاه، عبر قرارات التوطين في قطاعات المبيعات والتسويق وخدمة العملاء ومكاتب الاستقبال، وأثبتت التجربة أن الشباب السعودي قادر على النجاح والتميز متى ما أُعطي الثقة والفرصة. بل إن كثيرًا من الشركات التي بادرت بتوطين واجهاتها أكدت أن الأداء تحسن، وأن رضا العملاء ارتفع بشكل ملحوظ.
من المهم أن تدرك الشركات الكبرى أن الاعتماد على الكفاءات الوطنية في هذه الوظائف ليس عبئًا ماليًا؛ بل استثمار طويل الأمد، يرفع من ولاء الموظفين، ويمنح الشركة مصداقية في السوق، ويعكس صورتها الوطنية المسؤولة.
فالاقتصاد الوطني اليوم يحتاج إلى شركات ترى في توظيف السعوديين واجبًا ومسؤولية، لا مجرد التزام نظامي.
إن تمكين الشباب السعودي في هذه الوظائف هو في الحقيقة تمكين لثقة المجتمع في مؤسساته، وتعزيز لصورة الوطن أمام كل زائر ومتعامل. فالمواطن عندما يرى ابن بلده في واجهة الشركات يشعر بالفخر والاعتزاز، ويزداد ارتباطه بالمنتج والخدمة.